الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
على أنه استفهاميٌّ وخبرُه أشدُّ والجملةُ محكيةٌ والتقديرُ لَنَنزِعَنَّ مِن كُلّ شِيعَةٍ الذين يقال لهم أيُّهم أشدُّ أو مُعلّقٌ عنها لننزعن لتضمّنه معنى التمييزِ اللازمِ للعلم أو مستأنفةٌ والفعل واقعٌ على كل شيعة على زيادة من أو على معنى لننزعن بعض كل شيعة كقوله تعالى وَوَهَبْنَا لَهْمْ مّن رَّحْمَتِنَا وعلى للبيان فيتعلق بمحذوف كأنّ سائلاً قال على مَنْ عتَوا فقيل على الرحمن أو متعلقٌ بأفعل وكذا الباءُ في قوله تعالى
مريم
70
- 73 {ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بالذين هُمْ أولى بِهَا صِلِيّاً} أي هم أولى بصلبها أو صليهم أولى بالنار وهم المنتزَعون ويجوز أن يراد بهم وبأشدهم عتيا رؤساء الشيعة فإن عذابَهم مضاعفٌ لضلالهم وإضلالهم والصِّليُّ كالعِتيّ صيغةً وإعلالا وقرئ بضم الصاد
{وَإِن مّنكُمْ} التفاتٌ لإظهار مزيدِ الاعتناءِ بمضمون الكلامِ وقيل هو خطابٌ للناس من غير التفاتٍ إلى المذكور ويؤيد الأولَ أنه قرئ وإن منهم أي ما منكم أيها الإنسانُ {إِلَاّ وَارِدُهَا} أي واصلُها وحاضرٌ دونها يمرّ بها المؤمنون وهي خامدة وتهار بغيرهم وعن جابر أنه صلى الله عليه وسلم سئل عنه فقال إذا دخل أهلُ الجنةِ الجنةَ قال بعضُهم لبعض أليس قد وعدنا ربنا أن نرِدَ النار فيقال لهم قد وردتُموها وهي خامدةٌ وأما قولُه تعالى {أُوْلَئِكَ عنها مبعدون} فالمراد به الإبعادُ عن عذابها وقيل ورودُها الجوازُ على الصراط الممدودِ عليها {كَانَ} أي ورودُهم إياها {على رَبِّكَ حَتْماً مَّقْضِيّاً} أي أمراً محتوما أوجبه الله عز وجل على ذاته وقضى أنه لا بد من وقوعه البتة وقيل أقسم عليه
{ثُمَّ نُنَجّى الذين اتقوا} الكفرَ والمعاصيَ مما كانوا عليه من حال الجُثُوّ على الركب على الوجه الذي سلف فيُساقون إلى الجنة وقرئ نُنْجي بالتخفيف ويُنْجي وينجَى على البناء للمفعول وقرئ ثَمةَ نُنجّي بفتح الثاء أي هناك ننجيهم {وَّنَذَرُ الظالمين} بالكفر والمعاصي {فِيهَا جِثِيّاً} منهاراً بهم كما كانوا قيل فيه دليلٌ على أنَّ المراد بالورود الجثُوُّ حواليها وأن المؤمنين يفارقون الفجرةَ بعد تجاثيهم حولها ويُلقى الفجرةُ فيها على هيآتهم وقوله تعالى
{وَإِذَا تتلى عَلَيْهِمْ} الآية إلى آخرها حكايةٌ لما قالوا عند سماعِ الآياتِ الناعية عليهم فظاعةَ حالِهم ووخامةَ مآلِهم أي وإذا تتلى على المشركين {آياتِنا} التي من جملتها هاتيك الآياتُ الناطقةُ بحسن حالِ المؤمنين وسوءِ حالِ الكفرةِ وقوله تعالى {بينات} أي مِرتّلاتِ الألفاظ مبيَّناتِ المعاني بنفسها أو ببيان الرسول صلى الله عليه وسلم أو بيِّناتِ الإعجاز حالٌ مؤكدةٌ من آياتنا {قَالَ الذين كَفَرُواْ} أي قالوا ووضعُ الموصولِ موضعَ الضميرِ للتنبيه على أنهم قالوا ما قالوا كافرين بما يتلى عليهم رادّين له أو قال الذين مرَدوا منهم على الكفر ومرَنوا على العتوّ والعِناد وهم النضر بن الحرث وأتباعُه
الفجرةُ واللام في قوله تعالى {للذين آمنوا} للتبليغ كما في مثلِ قولِه تعالى وَقَالَ لَهُمْ نِبِيُّهُمْ وقيل لامُ الأجْل كما في قوله تعالى وَقَالَ الذين كَفَرُواْ لِلَّذِينَ آمنوا لَوْ كَانَ خَيْراً مَّا سَبَقُونَا إِلَيْهِ أي قالوا لأجلهم وفي حقهم والأولُ هو الأولى لأن قولهم ليس في حق المؤمنين فقط كما ينطِق به قوله تعالى {أَىُّ الفريقين} أيُّ المؤمنين والكافرين كأنهم قالوا أينا {خَيْرٌ} نحن أو أنتم {مَقَاماً} أي مكانا وقرئ بضم الميم أي موضِعَ إقامةٍ ومنزلٍ {وَأَحْسَنُ نَدِيّاً} أي مجلِساً ومجتمَعاً يروى أنهم كانوا يرجّلون شعورَهم ويدهنونها ويتطيبون ويتزينون بالزين الفاخر ثم يقولون ذلك لفقراء المؤمنين يريدون بذلك أن خيريتهم حالا وأحسنيتهم منالا مما لا يقبل الإنكارَ وأن ذلك لكرامتهم على الله سبحانه وزُلْفاهم عنده إذ هو العيارُ على الفضل والنقصانِ والرفعة والضَّعة وأن من ضرورته هوانَ المؤمنين عليه تعالى لقصور حظِّهم العاجلِ وما هذا القياسُ العقيمُ والرأيُ السقيم إلا لكونهم جهَلةً لا يعلمون إلا ظاهراً من الحياة الدنيا وذلك مبلغُهم من العلم فرُدَّ عليهم ذلك من جهته تعالى بقوله
{وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مّن قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثاً ورئيا} أي كثيراً من القرون التي كانت أفضلَ منهم فيما يفتخرون به من الحظوظ الدنيوية كعادٍ وثمودَ وأضرابِهم من الأمم العاتيةِ قبل هؤلاء أهلكناهم بفنون العذاب ولو كان ما آتيناهم لكرامتهم علينا لما فعلْنا بهمْ مَا فعلنَا وفيه من التهديد والوعيد مالا يخفى كأنه قيل فينتظر هؤلاءِ أيضاً مثلَ ذلك فكم مفعولُ أهلكنا ومِن قرنٍ بيانٌ لإبهامها وأهلُ كل عصرٍ قَرنٌ لمن بعدهم لأنهم يتقدّمونهم مأخوذٌ من قَرْن الدابة وهو مقدّمها وقوله تعالى {هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثاً} في حيز النصبِ على أنه صفةٌ لِكم وأثاثاً تمييزُ النسبة وهو متاعُ البيت وقيل هو ما جد منه والخرئي مالبس منه ورث والرثى المنظرُ فِعْلٌ من الرؤية لما يُرَى كالطِّحْن لما يطحن وقرئ رِيًّا على قلب الهمزة ياءً وإدغامِها أو على أنه من الرِّيّ وهو النعمة والترفه وقرئ ريئاً على القلب ورِيَا بحذف الهمزة وزَيا بالزاي المعجمة من الزَّيّ وهو الجمعُ فإنه عبارةٌ عن المحاسن المجموعة
{قُلْ مَن كَانَ فِى الضلالة فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرحمن مَدّاً} لما بيّن عاقبةَ أمرِ الأمم المهلَكة مع ما كانَ لَهُم منْ التمتع بفنون الحظوظِ العاجلة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن يجيب هؤلاء المفتخِرين بما لهم من الحظوظ ببيان مآلِ أمر الفريقين إما على وجه كليَ متناولٍ لهم ولغيرهم من المنهمكين في اللَّذة الفانية المبتهجين بها على أن مَن على عمومها وإما على وجه خاصَ بهم على أنها عبارةٌ عنهم ووصفُهم بالتمكن لذمِّهم والإشعارِ بعلةِ الحُكم أي مَنْ كان مستقراً في الضلالة مغموراً بالجهل والغَفلةِ عن عواقب الأمورِ فليمدُد له الرحمن أي يمدله ويُمهِله بطول العمُرِ وإعطاءِ المال والتمكينِ من التصرفات وإخراجُه على صيغة الأمر للإيذان بأن ذلك مما ينبغي أن يفعل بموجب الحِكمة لقطع المعاذير كما ينبئ عنه قولُه عز وجل {أَوَلَمْ نُعَمّرْكُمْ} مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ أو للاستدراج كما ينطق به
قولِه تعالى إِنَّمَا نُمْلِى لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْمَاً وقيل المرادُ به الدعاءُ بالمد والتنفيس وعلى اعتبار الاستقرارِ في الضلال لما أن المد لا يكون إلا للمُصِرّين عليها إذ رُبّ ضالَ يهديه الله عز وجل والتعرض لعنوان الرحمانية لما أن المد من أحكام الرحمة الدنيوية وقولُه تعالى {حَتَّى إِذَا رَأَوْاْ مَا يُوعَدُونَ} غايةٌ للمدّ الممتدِّ لا لقول المفتخِرين كما قيل إذ ليس فيه امتدادٌ بحسب الذات وهو ظاهرٌ ولا استمرارٌ بحسب التكرار لوقوعه في حيّز جوابِ إذا وجمعُ الضميرِ في الفعلينِ باعتبارِ معنى مَنْ كما أن الإفراد في الضميرين الأولين باعتبارِ لفظِها وقولُه تعالَى {إما العذاب وَإِمَّا الساعة} تفصيلٌ للموعود بدلٌ منه على سبيل البدل فإنه إما لعذاب الدنيويُّ بغلَبة المسلمين واستيلائِهم عليهم وتعذيبهم إياهم قتلاً وأسْراً وإما يومُ القيامة وما نالهم فيه من الخزي والنَّكالُ على طريقة منع الخلوّ دون منع الجواب فإن العذابَ الأخرويَّ لا ينفك عنهم بحال وقوله تعالى {فَسَيَعْلَمُونَ} جوابُ الشرط والجملةُ محكيةٌ بعد حتى أي حتى إذا عاينوا مَا يُوعَدُونَ من العذابِ الدنيويِّ أو الأخرويِّ فقط فسيعلمون حينئذ {مَنْ هُوَ شَرٌّ مَّكَاناً} من الفريقين بأن يشاهدوا الأمرَ على عكس ما كانوا يقدّرونه فيعلمون أنهم شرٌ مكاناً لا خيرٌ مقاماً {وَأَضْعَفُ جندا} أي فئة وأنصار ألا أحسنُ ندِياً كما كانوا يدّعونه وليس المرادُ أن له ثمّةَ جنداً ضعفاءَ كلا وَلَمْ تَكُن لَّهُ فِئَةٌ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ الله وَمَا كَانَ مُنْتَصِراً وإنما ذُكر ذلك رداً لما كانوا يزعمون أن لهم أعواناً من الأعيان وأنصاراً من الأخيار ويفتخرون بذلك في الأندية والمحافل
{وَيَزِيدُ الله الذين اهتدوا هُدًى} كلامٌ مستأنفٌ سيق لبيان حال المهتدين إثرَ بيانِ حال الضالين وقيل عطفٌ على فليمدُدْ لأنه في معنى الخبر حسبما عرفته كأن قيل مَن كان في الضلالة يمُده الله ويزيد المهتدين هدايةً كقوله تعالى والذين اهتدوا زَادَهُمْ هُدًى وقيل عطفٌ على الشرطية المحكية بعد القول كأنه لما بين أن إمهالَ الكافر وتمتيعَه بالحياة ليس لفضله عقّب ذلك ببيان أن قصورَ حظّ المؤمنِ منها ليس لنقصه بل لأنه تعالى أراد به ما هو خيرٌ من ذلك وقوله تعالى {والباقيات الصالحات خَيْرٌ} على تقديرَي الاستئنافِ والعطف كلامٌ مستأنفٌ واردٌ من جهته تعالى لبيان فضل أعمالِ المهتدين غيرُ داخلٍ في حيز الكلام الملقّن لقوله تعالى {عِندَ رَبّكَ} أي الطاعات التي تبقى فوائدُها وتدوم عوائدُها ومن جملتها ما قيل من الصلوات الخمس وما قيل من قول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر خيرٌ عند الله تعالَى والتعرضُ لعنوانِ الربوبيةِ مع الإضافة إلى ضميره لتشريفه صلى الله عليه وسلم {ثَوَاباً} أي عائدةً مما يَتمتّع به الكفرةُ من النعم المُخدَجةِ الفانية التي يفتخرون بها لا سيما ومآلُها النعيمُ المقيمُ ومآلُ هذه الحسرةِ السرمدية والعذاب الأليم كما أشير إليه بقوله تعالى {وَخَيْرٌ مَّرَدّاً} أي مرجعا وعافية وتكريرُ الخيرِ لمزيد الاعتناءِ ببيان الخيريةِ وتأكيدٌ لها وفي التفضيل مع أن ما للكفرة بمعزل من أن يكون له خيرية في العاقة تهكّمٌ بهم
أي بآياتنا التي من جملتها آياتُ البعث نزلتْ في العاصِ بنِ وائلٍ كان لخبّابٍ بنِ الأرتّ عليه مالٌ فاقتضاه فقال لا حتى تكفرَ بمحمد قال لا والله لا أكفرُ به حياً ولا ميْتاً ولا حين بُعِثتُ قال فإذا بعثت جئني فيكونُ لي ثمّةَ مالٌ وولدٌ فأعطِيَك وفي رواية قال لا أكفر به حتى يُميتك ثم تُبعثَ فقال إني لميِّتٌ ثم مبعوثٌ قال نعم قال دعني حتى أموتَ وأُبعث فسأوتى مالاً وولداً فأقضيَك فنزلت فالهمزةُ للتعجيب من حاله والإيذانِ بأنها من الغرابة والشناعةِ بحيث يجب أن تُرى ويُقضَى منها العجب ومن فرّق بين ألم ترو إلى أرأيت بعد بيان اشتراكِهما في الاستعمال لقصد التعجيبِ بأن الأولَ يعلّق بنفس المتعجبِ منه فيقال أَلَمْ تَرَ إِلَى الذى صنع كذا بمعنى انظُرْ إليه فتعجَّبْ من حاله والثاني يعلّق بمثل المتعجَّب منه فيقال أرأيتَ مثْلَ الذي صنع كذا بمعنى أنه من الغرابة بحيث لا يُرى له مِثْلٌ فقد حفِظ شيئاً وغابت عنه أشياءُ وكأنه ذهب عليه قوله عز وجل أرأيت الذى يُكَذّبُ بالدين والفاءُ للعطف على مقدر يقتضيه المقام أي أنظَرْتَ فرأيتَ الذي كفر بآياتنا الباهرةِ التي حقُّها أن يؤمِنَ بها كلُّ من يشاهدها {وقال} مستهزئا بها مصدر لكلامه باليمن الفاجرةِ والله {لأُوتَيَنَّ} في الآخرة {مَالاً وَوَلَدًا} أي انظر إليه فتعجب من حالته البديعة وجراءته الشنيعة هَذَا هُو الذي يستدعيه جزالةُ النظمِ الكريمِ وقد قيل إن أرأيت بمعنى أخبِرْ والفاءُ على أصلها والمعنى أخبِرْ بقصة هذا الكافرِ عقيبَ حديثِ أولئك الذين قالوا أَىُّ الفريقين خَيْرٌ مَّقَاماً الآية وأنت خبيرٌ بأن المشهورَ استعمال أرأيت في معنى أخبرني بطريق الاستفهامِ جارياً على أصله أو مُخْرَجاً إلى ما يناسبه من المعاني لا بطريق الأمر بالإخبار لغيره وقرئ وُلْداً على أنه جمع وَلد كأُسْد جمعُ أسد أو على أنه لغة فيه كالعُرْب والعَرَب وقوله تعالى
{أَطَّلَعَ الغيب} ردٌّ لكلمته الشنعاء وإظهارٌ لبطلانها إثرَ ما أشير إليه بالتعجيب منها أي أقد بلغ من عظمة الشأنِ إلى أن ارتقى إلى علم الغيب الذي استأثر به العليمُ الخبير حتى ادعى أن أن يؤتى في الآخرة مالاً وولداً وأقسم عليه {أَمِ اتخذ عِندَ الرحمن عَهْداً} بذلك فإنه لا يُتوصَّل إلى العلم به إلا بأحد هذين الطريقين والتعرضُ لعنوان الرحمانية للإشعار بعلية لإيتاء ما يدّعيه وقيل العهدُ كلمةُ الشهادة وقيل العملُ الصالح فإن وعدَه تعالى بالثواب عليهما كالعهد وهذا مجاراةٌ مع اللعين بحسب منطوقِ مقالِه كما أن كلامَه مع خبّاب كان كذلك وقوله تعالى
{كَلَاّ} ردعٌ لهُ عنْ التفوّه بتلك العظيمةِ وتنبيهٌ على خطئه {سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ} أي سنُظهر أنا كتبنا قوله كقوله
…
إذا ما نتسبنا لم تلدني لئيمة
…
أي يتبينُ أني لم تلدني لئيمة أو سننتقم منه انتقامَ مَنْ كتب جريمةَ الجاني وحفِظها عليه فإن نفس الكتيبة لا تكاد تتأخر عن القول لقوله عز وعلا مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَاّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ فمبنى الأولِ تنزيلُ إظهارِ الشيءِ الخفيِّ منزلةَ إحداثِ الأمرِ المعدومِ بجامع أن كلاًّ منهما إخراجٌ من الكُمون إلى البروز فيكون استعارةً تبعيةً مبنية على تشبيه إظهارِ الكتابة على رءوس الأشهاد بإحداثها ومدارُ الثاني تسميةُ الشيء باسم سببِه فإن
مريم 79 82 كتابةَ جريمةِ المجرمِ سببٌ لعقوبته قطعاً {وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ العذاب مَدّاً} مكانَ ما يدّعيه لنفسه من الإمداد بالمال والولد أي نطوّل له من العذاب ما يستحقه أو نزيد عذابه ونضاعفه له لكُفره وافترائِه على الله سبحانه واستهزائِه بآياته العِظام ولذلك أُكّد بالمصدر دَلالةً على فرط الغضب
{وَنَرِثُهُ} بموته {مَا يَقُولُ} أي مسمَّى ما يقول ومصداقَه وهو ما أوتيه في الدنيا من المال والولد وفيه إيذانٌ بأنه ليس لما يقوله مصداقٌ موجودٌ سوى ما ذكر أي ننزِع عنه ما آتيناه {وَيَأْتِينَا} يوم القيامة {فَرْداً} لا يصحبه مالٌ ولا ولدٌ كان له في الدنيا فضلاً أن يؤتى ثمةَ زائداً وقيل نزوي عنه ما زعم أنه يناله في الآخرة ونعطيه ما يستحقه ويأباه معنى الإرث وقيل المرادُ بما يقول نفسُ القول المذكور لا مسمّاه والمعنى إنما يقول هذا القولَ ما دام حياً فإذا قبضناه حُلْنا بينه وبين أن يقوله ويأتينا رافضاً له منفرداً عنه وأنتُ خبيرٌ بأنَّ ذلكَ مبنيٌّ على أن صدورَ القول المذكورِ عنه بطريق الاعتقادِ وأنه مستمرٌّ على التفوّه به راجٍ لوقوع مضمونِه ولا ريب في أن ذلك مستحيلٌ ممن كفر بالبعث وإنما قال ما قال بطريق الاستهزاء وتعليقِ أداءِ دَيْنه بالمُحال
{واتخذوا مِن دُونِ الله آلهة} حكايةٌ لجناية عامةٍ للكل مستتبعة لضد ما يرجعون ترتّبه عليها إثرَ حكاية مقالةِ الكافرِ المعهودِ واستتباعِها لنقيض مضمونِها أي اتخذوا الأصنامَ آلهةً متجاوزين الله تعالى {لّيَكُونُواْ لَهُمْ عِزّاً} أي ليتعززوا بهم بأن يكونوا لهم وصلة إليه عز وجل وشفعاءَ عنده
{كَلَاّ} ردعٌ لهم عن ذلك الاعتقاد الباطل وإنكارٌ لوقوع ما علّقوا به أطماعَهم الفارغةَ {سَيَكْفُرُونَ بعبادتهم} أي ستجحد الآلهةُ بعبادتهم لها بأن يُنطِقَها الله تعالى وتقولَ ما عبدتمونا أو سينكر الكفرةُ حين شاهدوا سوءَ عاقبة كفرهم عبادتَهم لها كما في قولِهِ تعالى والله رَبّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ ومعنى قوله تعالى {وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدّاً} على الأول تكون الآلهةُ التي كانوا يرجون أن تكون لهم عِزاً ضدّاً للعز أي ذلا وهوانا أو تكون عوناً عليهم وآلةً لعذابهم حيث تُجعل وقود النار وحصب جنهم أو حيث كانت عبادتُهم لها سبباً لعذابهم وإطلاقُ الضدِّ على العَون لما أن عَونَ الرجل يُضادُّ عدوَّه وينافيه بإعانته له عليه وعلى الثاني يكون الكفرة ضدا وأعداء اللآلهة كافرين بها بعد أن كانوا يحبونها كحب الله ويعبُدونها وتوحيدُ الضدِّ لوَحدة المعنى الذي عليه تدور مُضادّتُهم فإنهم بذلك كشيء واحدٍ كما في قولِه عليه السلام وهم يدٌ على من سواهم وقرئ كَلاًّ بفتح الكاف والتنوين على قلب الألفِ نوناً في الوقف قلْبَ ألفِ الإطلاق في قوله
أقِليِّ اللومَ عاذِلَ والعِتابَن
…
وقولي إن أصبتُ لقد أصابنْ
أو على معنى كَلَّ هذا الرأي كلا وقرئ كلاّ على إضمار فعل يفسِّره ما بعده أي سيجحدون كلاّ سيكفرون الخ