الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مريم
48
- 51 {وَأَعْتَزِلُكُمْ} أي أتباعد عنك وعن قومك {وَمَا تَدْعُون من دون الله} بالمهاجرة بديني حيث لم تؤثّرْ فيكم نصائحي {وَأَدْعُو رَبّى} أعبدُه وحده وقد جُوِّز أن يراد به دعاؤُه المذكورُ في تفسير سورةِ الشعراء ولا يبعُد أن يراد به استدعاءُ الولد أيضاً بقوله {رَبّ هَبْ لِى مِن الصالحين} حسبما يساعده السباق والسياق {عسى ألا أَكُونَ بِدُعَاء رَبّى شَقِيّا} أي خائباً ضائعَ السعي وفيه تعريضٌ بشقائهم في عبادة آلهتِهم وفي تصدير الكلام بعسى من إظهار التواضعِ ومراعاة حسنِ الأدب والتنبيهِ على حقيقة الحقِّ من أن الإجابةَ والإثابةَ بطريق التفضل منه عز وجل لا بطريق الوجوبِ وأن العبرةَ بالخاتمة وذلك من الغيوب المختصّةِ بالعليم الخبير ما لا يخفى
{فَلَمَّا اعتزلهم وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله} بالمهاجرة إلى الشام {وَهَبْنَا لَهُ إسحاق وَيَعْقُوبَ} بدلَ مَنْ فارقهم من أقربائه الكفرة لكن لا عَقيبَ المهاجرة فإن المشهورَ أن الموهوبَ حينئذ إسماعيلُ عليه السلام لقوله تعالى فبشرناه بغلام حَلِيمٍ إثرَ دعائِه بقولِه {رَبّ هَبْ لِى مِن الصالحين} ولعل ترتيبَ هِبتهما على اعتزاله ههنا لبيان كمالِ عِظَم النّعم التي أعطاها الله تعالى إياه بمقابلة مَن اعتزلهم من الأهل والأقرباء فإنها شجرتا الأنبياء لهما أولادٌ وأحفادٌ أوُلو شأنٍ خطير وذو عدد كثير هذا وقد رُوي أنه عليه السلام لما قصد الشام أتى أولاً حَرّان وتزوج بسارة وولدت له إسحق وولد لإسحق يعقوبُ والأولُ هو الأقربُ الأظهر {وَكُلاًّ} أي كلُّ واحدٍ منهما أو منهم وهو مفعولٌ أولٌ لقوله تعالى {جعلنا نبيا} قدم عليه للتخصيص لكن لا بالنسبة إلى من عداهم بل بالنسبة إلى بعضهم أي كلُّ واحد منهم جعلنا نَبِيّاً لا بعضَهم دون بعض
{وَوَهَبْنَا لَهْمْ مّن رَّحْمَتِنَا} هي النبوةُ وذكرُها بعد ذكر جعلِهم نبياً للإيذان بأنها من باب الرحمةِ وقيل هي المالُ والأولادُ ما بُسط لهم من سَعة الرزقِ وقيل هو الكتابُ والأظهر أنها عامةٌ لكل خير ديني ودنيويَ أُوتوه مما لم يُؤتَه أحدٌ من العالمين (وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيّاً) يفتخر بهم الناسُ ويثنون عليهم استجابة لدعوة بقوله واجعل لّى لِسَانَ صِدْقٍ فِى الاخرين والمرادُ باللسان ما يوجد به الكلام ولسانُ العرب لغتُهم واضافته إلى إلى الصدق ووصفُه بالعلو للدلال على أنهم أحِقّاءُ بما يثنون عليهم وأن محامِدَهم لا تخفى على تباعد الأعصارِ وتبدُّل الدول وتحوُّل المِلل والنِحَل
(واذكر فِى الكتاب موسى) قُدّم ذكرُه على ذكر إسمعيل لئلا ينفصل عن ذكر يعقوبَ عليهما السلام (إِنَّهُ كَانَ مُخْلِصاً) موحّداً أخلصَ عبادته عن الشرك والرواه أو أسلم وجهَه لله تعالى وأخلص نفسَه عما سواه وقرىء مخلَصاً على أن الله تعالى أخلصه (وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيّاً) أرسله الله تعالى إلى الخلق فأنبهم عنه ولذلك قُدّم رسولاً مع كونه أخص وأعلى
سورة مريم 52 56
(وناديناه مِن جَانِبِ الطور الأيمن) الطورُ جبلٌ بين مصرَ ومدْيَنَ والأيمنُ صفةٌ للجانب أي ناديناه من ناحيته اليُمنى من اليمين وهي التي تلي يمينَ مُوسى عليه السلام أو من جانبه الميمونِ من اليُمن ومعنى ندائِه منه أنه له الكلامُ من تلك الجهة (وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيّاً) تقريبَ تشريفٍ مُثّل حالُه عليه السلام بحال من قرّبه المللك لمنا جاته واصطفاه لمصاحبته ونجياً أي مناجياً حالٌ منْ أحدِ الضميرينِ في ناديناه أو قربناه وقيل مرتفعاً لما روي أنه عليه السلام رفع فوق السموات حتى سمع صَريفَ القلم
(وَوَهَبْنَا لَهُ مِن رَّحْمَتِنَا) أي من أجل رحمتِنا ورأفتِنا له أو بعضِ رحماتنا (أَخَاهُ) أي معاضَدةَ أخيه ومؤزرته إجابةً لدعوته بقوله واجعل لّى وَزِيراً مّنْ أَهْلِى هرون أخي لانفسه لأنه كان أكبرَ منه عليهما السلام وهو على الأولِ مفعولٌ لوهبنا وعلى الثاني بدل قوله تعالى (هرون) عطفُ بيانٍ له وقولُه تعالى (نَبِيّاً) حال منه
(واذكر في الكتاب إسمعيل) فُصّل ذكره عن ذكر أبيه وأخيه لإبراز كمال الاعتناءِ بأمره بإيراده مستقلاً وقولُه تعالَى (إِنَّهُ كان صادق الوعد) تعليلٌ لموجب الأمر وإيرادك عليه السلام بهذا الوصف لكمال شهرتِه به وناهيك أنه وعَدَ الصبرَ على الذبح بقوله سَتَجِدُنِى إِن شَاء الله مِنَ الصابرين فوفّى (وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيّاً) فيه دلالةٌ على أن الرسولَ لا يجب أن يكون صاحبَ شريعةٍ فإن أولاد إبراهيمَ عليه السلام كانوا على شريعته
(وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بالصلاة والزكاة) اشتغالاً بالأهم وهو أن يُقْبل الرجلُ بالتكميل على نفسه ومن هو أقربُ الناس إليه قال تعالى وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقريين وَأْمُرْ أَهْلَكَ بالصلاة قُواْ أنفسكم وأهليكم نارا وقصدا إلى تكميل الكل بتكميلهم لأنهم قدوةٌ يؤتسى بهم وقيل أهلُه أمتُه فإن الأنبياءَ عليهم السلام آباءُ الأمم (وَكَانَ عِندَ رَبّهِ مرضيا) لا تصافه بالنعوت الجليلةِ التي من جملتها ما ذكر من خصاله الحميدة
(واذكر فِى الكتاب إِدْرِيسَ) وهو سِبطُ شَيْثٍ وجدُّ أبي نوحٍ فإنه نوحُ بن لمك بن متو شلح بنِ أُخنوخ وهو إدريسُ عليه السلام واشتقاقُه من الدّرس يُرده منعُ صرفِه نعم لا يبعُد أن يكون معناه في تلك اللغة قريباً من ذلك فلُقّب به لكثرة دراسته روي أنه تعالى أنزل عليه ثلاثين صحيفةً وأنه أول من حط بالقلم ونظر في علم النجوم والحساب (إِنَّهُ كَانَ صِدّيقاً) ملازماً للصدق في جميع أحوالِه (نَبِيّاً) خبرٌ آخرُ لكان مخصّصٌ للأول إذ ليس كلُّ صدّيق نبيا
سورة مريم 57 58
(ورفعنا مَكَاناً عَلِيّاً) هو شرفُ النبوة والزُّلفى عند الله عز وجل وقيل علوُّ الرتبة بالذكر الجميل في الدنيا كما في قوله تعالى وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ وقيل الجنة وقيل السماءُ السادسةُ أو الرابع روي عن كعب وغيره في سبب رفعِ إدريسَ عليه السلام أنه سُئل ذاتَ يوم في حاجة فأصابه وهَجُ الشمس فقال يا رب إني قد مشَيتُ فيها يوماً وقد أصابني منها وأصابني فكيف من يحمِلها مسيرةَ خمسِمائة عام في يوم واحد اللهم خففْ عنه من ثقلها وحرها فما أصبح المَلَك وجد من خفة الشمس وحرها مالا يعرف فقال يا رب ما الذي قضيت فيه قال إن عبدي إدريسَ سألني أن أخففَ عنك حَملَها وحرَّها فأجبتُه قال يا رب اجعل بيني وبينه خُلّةً فأذِن الله تعالى له فرفعه إلى السماء
(أولئك) إشارةٌ إلى المذكورين في السورة الكريمة وما فيه من معنى البعد للإشارة بعلو رتبهم منزلَتهِم في الفضلِ وهو مبتدأٌ وقوله تعالى (الذين أَنْعَمَ الله عَلَيْهِم) صفتُه أي أنعم عليهم بفنون النِعَم الدينيةِ والدنيويةِ حسبما أشير إليه مجملاً وقوله تعالى (مّنَ النبيين) بيان للموصول وقوله تعالى (مِن ذرية آدم) بدلٌ منه بإعادة الجارُّ ويجوز أن تكون كلمةُ من فيه للتبغيض لأن المنعَمُ عليهم أعمُّ من الأنبياء وأخصُّ من الذرية {وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ} أي ومن ذرية مَنْ حملنا معه خصوصاً وهم مَنْ عدا إدريسَ عليه السلام فإن إبراهيمَ كان من ذرية سامِ بنِ نوح (وَمِن ذُرّيَّةِ إبراهيم) وهم الباقون (وإسرائيل) عطفٌ على إبراهيمُ أي ومن ذرية إسرائيلَ وكان منهم موسى وهرون وزكريا ويحيى وعيسى عليهم السلام وفيه دليلٌ على أنَّ أولادَ البناتِ من الذرية (وَمِمَّنْ هَدَيْنَا واجتبينا أي ومن جملة من هديناهم إلى الحق واجتبيناهم للنبوة والكرامة وقولُه تعالَى (إِذَا تتلى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرحمن خَرُّواْ سُجَّداً وَبُكِيّاً) خبر لأولتك ويجوز أن يكون الخبرُ هو الموصول وهذا استئنا فامسوقا لبيان حشيتهم من الله تعالى وإخباتِهم له مع حالهم من علوّ الرتبة وسموِّ الطبقة في شرف النسَب وكمالِ النفس والزُلفى من الله عز سلطانه وسجّداً وبُكياً حالان من ضمير خروا أي ساجدين باكين عنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم المو القرآن وابكُوا فإن لم تبكُوا فتباكوا والبُكِيُّ جمع باكٍ كالسُّجّد جمع ساجد وأصله بُكُويٌ فاجتمعت الواوُ والياء وسَبَقَتْ إحداهما بالسكون فقُلبت الواو ياءو أدغمت الياء في الباء وحُرّكت الكافُ بالكسر المجانس للياء وقرىء يُتلى بالياء التحتانيةِ لأن التأنيثَ غيرُ حقيقي وقرىء بِكِيّاً بكسر الباء للإتباع قالوا ينبغي أن يدعوَ الساجد في سجدته بما يليق بآيتها فههنا يقول اللهم اجعلني من عبادك المنعم عليهم المهدبين الساجدين لك الباكين عند تلاوة آياتك وفي آية الإسراء يقول اللهم اجعلني من الباكين إليك الخاشعين لك وفي آية التنزيل السجدة يقول اللهم اجعلني من الساجدين لوجهك المسبحين بحمدك وأعوذ بك من أن أكون من المستكبرين عن أمرك