المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الرعد - تفسير أبي السعود = إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم - جـ ٥

[أبو السعود]

الفصل: الرعد

الرعد

ص: 29

‌43

- (وَيَقُولُ الذين كَفَرُواْ لَسْتَ مُرْسَلاً) قيل قاله رؤساءُ اليهود وصيغةُ الاستقبال لاستحضار صورةِ كلمتهم الشنعاءِ تعجيباً منها أو للدِلالة على تجدد ذلك واستمرارِه منهم (قُلْ كفى بالله شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ) فإنه قد أظهر على رسالتي من الحجج القاطعةِ والبينات الساطعةِ ما فيه مندوحةٌ عن شهادة شاهد آخرَ (وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الكتاب) أي علمُ القرآنِ وما عليه من النظم المعجز أو مَن هو مِن علماء أهلِ الكتابِ الذين أسلموا لأنهم يشهدون بنعته عليه الصلاة والسلام في كتبهم والآية مدنيةٌ بالاتفاق أو مَنْ عنده علم اللوحِ المحفوظ وهو الله سبحانه أي كفى به شاهداً بيننا بالذي يستحق العبادةَ فإنه قد شحَن كتابه بالدعوة إلى عبادته وأيدني بأنواع التأييدِ وبالذي يختص بعلم ما في اللوح من الأشياء الكائنةِ الثابتةِ التي من جملتها رسالتي وقرىء من عنده بالكسر وعلم الكتاب على الأول مرتفع بالظرف المعتمد الموصول أو مبتدأٌ خبرُه الظرفُ وهو متعين على الثاني ومِن عنده عُلِمَ الكتابُ بالكسر وبناء المفعول ورفع الكتابِ عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم مَنْ قرأَ سورة الرعد أُعطِيَ من الأجر عشرَ حسناتٍ بوزن كل سحابٍ مضى وكلِّ سحابٍ يكون إلى يوم القيامة وبُعث يوم القيامة من المُوفين بعهد الله عز وجل والله أعلم بالصواب

ص: 29

سورةِ إبراهيمَ عليه السلام آيتي ثمانية وعشرون وتسعة وعشرون فمدنيتان وآيتها إثنان وخمسون)

بسم الله الرحمن الرحيم

ص: 30

(الر) مر الكلامُ فيه وفي محله غيرَ مرَّةٍ وقوله تعالى (كِتَابٌ) خبرٌ له على تقدير كون آلر مبتدأً أو لمبتدإٍ مضمرٍ على تقدير كونِه خبراً لمبتدأٍ محذوفٍ أو مسروداً على نمطِ التعديدِ ويجوز أن يكون خبراً ثانياً لهذا المبتدأ المحذوف وقولُه تعالى {أنزلناه إِلَيْكَ} صفة له وقوله تعالى {لِتُخْرِجَ الناس} متعلقٌ بأنزلناه أي لتخرجَهم كافةً بَما فِي تضاعيفِه من البينات الواضحة المفصحةِ عن كونه من عندِ الله عز وجل الكاشفةِ عن العقائد الحقةِ وقرىء ليخرِج الناسَ (مِنَ الظلمات) أي ليُخرج به الناسَ من عقائد الكفر والضلال التي كلُّها ظلماتٌ محضةٌ وجهالاتٌ صِرْفة (إِلَى النور) إلى الحقِّ الذي هو نورٌ بحتٌ لكن لا كيفما كان فإنك لَا تَهْدِى مَنْ أَحْبَبْتَ بل (بِإِذْنِ رَبّهِمْ) أي بتيسيره وتوفيقِه وللإنباء عن كون ذلك منوطاً بإقبالهم إلى الحق كما يفصحُ عنه قولُه تعالى وَيَهْدِى إِلَيْهِ مَن أناب لستعير له الإذنُ الذي هو عبارةٌ عن تسهيل الحجابِ لمن يقصِد الورودَ وأضيف إلى ضميرهم اسمُ الربِّ المفصحِ عن التربية التي هي عبارةٌ عن تبليغُ الشيءِ إلى كماله المتوجّه إليه وشمولُ الإذن بهذا المعنى للكل واضحٌ وعليه يدور كونُ الإنزال لإخراجهم جميعاً وعدمُ تحققِ الإذن بالفعل في بعضهم لعدم تحققِ شرطِه المستند إلى سوء اختيارِهم غيرُ مخلٍ بذلك والياء متعلقةٌ بتخرج أو بمُضْمَرٍ وقعَ حالاً مِنْ مفعوله أيْ ملتبسينَ بإذنِ ربِّهم وجعله حالاً من فاعله يأباه إضافةُ الربِّ إليهم لا إليه وحيث كان الحقُّ مع وضوحه في نفسه وإيضاحه لغيره موصلاً إلى الله عز وجل استُعير له النورُ تارة والصراطُ أخرى فقيل (إلى صِرَاطِ العزيز الحميد) على وجه الإبدالِ بتكرير العامل كما في قوله تعالى للذين استضعفوا لمن آمن مِنْهُمْ وإخلالُ البدل والبيانِ بالاستعارة إنما هو في الحقيقة لا في المجاز كما في قوله سبحانه حتى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الخيط الابيض مِنَ الخيط الاسود مِنَ الفجر وقيل هو استئناف مبني على سؤال كأنه قيل إلى أي نور فقيل إلى صراط العزيز الحميد وإضافةُ الصراط إليه تعالى لأنه مقصِدُه أو المبينُ له وتخصيصُ الوصفين بالذكر للترغيب في سلوكه ببيان ما فيه من الأمن والعاقبةِ الحميدة

ص: 30

(الله) بالجر عطفُ بيان للعزيز الحميد لجريانه مَجرى الأعلامِ الغالبة بالاختصاص بالمعبود بالحق

ص: 30

إبراهيم 3 كالنجم في الثريا وقرىء بالرفع على هو الله أي العزيزِ الحميد الذي أضيف إليه الصراط الله (الذى لَهُ) مُلكاً ومِلكاً (مَا فِي السموات وما في الارض) أي ما وُجد فيهما داخلاً فيهما أو خارجاً عنهما مُتمكِّناً فيهما كما مرَّ في آيةِ الكرسي ففيه على القراءتين بيانٌ لكمال فخامة شأنِ الصراط وإظهارٌ لتحتم سلوكه على الناس قاطبةً وتجويزُ الرفع على الابتداء يجعل الموصول خبراً مبناه الغفولُ عن هذه النكتة وقوله عز وجل (وَوَيْلٌ للكافرين) وعيدٌ لمن كفر بالكتاب ولم يخرجْ به مّنَ الظلمات إِلَى النور بالويل وهو نقيضُ الوال وهو النجاةُ وأصله النصبُ كسائر المصادر ثم رفع رفعها للدِلالة على الثبات كسلامٌ عليك (مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ) متعلق بويل على معنى يولولون ويضجون منه قائلين ياويلاه كقوله تعالى دَعَوْاْ هُنَالِكَ ثُبُوراً

ص: 31

(الذين يَسْتَحِبُّونَ الحياة الدنيا) أي يؤثرونها استفعالٌ من المحبة فإن المؤثرَ للشيء على غيره كأنه يطلب من نفسه أن يكون أحبَّ إليها وأفضلَ عندها من غيره (على الأخرة) أي الحياة الآخرةِ الأبدية (وَيَصُدُّونَ) الناس (عَن سَبِيلِ الله) التي بين شأنُها والاقتصارُ على الإضافة إلى الاسم الجليل المنطوي على كل وصف جميل لروم الاختصار وهو من صدّه صداً وقرىء يُصِدّون من أَصَدَ المنقولِ من صد صدوداً إذا نكَب وهو غيرُ فصيح كأوقف فإن في صدّه ووقفه لمندوحة عن تكلف النقل (وَيَبْغُونَهَا) أي يبغون لها فحُذف الجار وأوصل الفعل إلى الضمير أي يطلبون لها (عِوَجَا) أي زيغاً واعوجاجاً وهي أبعدَ شيءٍ من ذلكَ أي يقولون لمن يريدون صدَّه وإضلاله إنها سبيلٌ ناكبةٌ وزائغة غيرُ مستقيمة ومحلُّ موصول هذه الصلاتِ الجرِّ على أنَّه بدلٌ من الكافرين أو صفةٌ له فيعتبر كلُّ وصف من اوصافهم بإزار ما يناسبه من المعاني المعتبرةِ في الصراط فالكفرُ المنبىء عن الستر بإزاد كونه نوراً واستحبابُ الحياة الدنيا الفانيةِ المفصحةِ عن وخامة العاقبةِ بمقابلة كونِ سلوكه محمودَ العاقبة والصدُّ عنه بإزاء كونه مأموناً وفيه من الدلالة على تماديهم في الغي مالا يخفى أو النصبُ على الذمِّ أو الرفعُ على الابتداءِ والخبرُ قوله تعالى {أُوْلَئِكَ فِى ضلال بَعِيدٍ} وعلى الأول جملةٌ مستأنفة وقعت معلّلةً لما سبق من لحوق الويل بهم تأكيدا لما شعر به بناء الحكم على الموصول أي أولئك الموصوفون بالقبائح المذكورةِ من استحباب الحياة الدنيا على الآخرة وصدِّ الناس عن سبيل الله المستقيمةِ ووصفها بالاعوجاج وهي منه بنزه في ضلال عن طريق الحق بعيدٍ بالغٍ في ذلك غايةَ الغايات القاصيةِ والبعدُ وإن كان من أحوال الضالّ إلا أنه قد وُصف به وصفُه مجازاً للمبالغة كجدّ جدُّه وداهيةٌ دهياءُ ويجوز أن يكون المعنى في ضلال ذي بُعد أو فيه بُعدٌ فإن الضالّ قد يضِل عن الطريق مكاناً قريباً وقد يضل بعيداً وفي جعل الضلال محيطاً بهم إحاطةَ الظرف بما فيه ما لا يَخفْى من المبالغة

ص: 31