الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لام التعليل ويعلم فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد لام التعليل والجار والمجرور متعلقان بيسلك غاية له من حيث أنه مترتب على الإبلاغ المترتب عليه، وعلّقه القرطبي بمحذوف وعبارته «وفيه حذف تتعلق به اللام أي أخبرناه بحفظنا الوحي ليعلم أن الرسل قبله قد أبلغوا الرسالة كما بلغ الرسالة، وأن محففة من الثقيلة واسمها ضمير الشأن المحذوف وقد حرف تحقيق وجملة أبلغوا رسالات ربهم خبر أن (وَأَحاطَ بِما لَدَيْهِمْ وَأَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً) عطف على مقدّر أي فعلم ذلك وأحاط فعل ماض وفاعله مستتر تقديره هو يعود على الله تعالى وبما متعلقان بأحاط ولديهم ظرف متعلق بمحذوف هو الصلة وأحصى عطف على أحاط وكل شيء مفعول أحصى وعددا تمييز محول عن المفعول أي أحصى عدد كل شيء، وأعربه الزمخشري حالا وعبارته:
«وعددا حال أي وضبط كل شيء معدودا محصورا أو مصدر في معنى إحصاء» وبدأ أبو البقاء بالمصدرية وأجاز التمييز، وعبارة أبي حيان:
الفوائد:
شجر بين أهل السنّة والاعتزال خلاف حول كرامات الأولياء فقد قال الزمخشري بصدد الحديث عن قوله تعالى: «عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا» بعد كلام طويل: «وفي هذا إبطال للكرامات لأن الذين تضاف إليهم وإن كانوا أولياء مرتضين فليسوا برسل وقد خصّ الله الرسل من بين المرتضين بالاطّلاع على الغيب وإبطال الكهانة والتنجيم لأن أصحابها أبعد شيء من الارتضاء وأدخله في السخط» .
ونحا القرطبي نحوا آخر فقال: «قال العلماء لما تمدح سبحانه بعلم الغيب واستأثر به دون خلقه كان فيه دليل على أنه لا يعلم الغيب أحد سواه ثم استثنى من ارتضاه من الرسل فأودعهم ما شاء من غيبه بطريق الوحي إليهم وجعله معجزة لهم ودلالة صادقة على نبوتهم» ثم ذكر استدلالا على بطلان ما يقوله المنجم ثم قال باستحلال دم المنجم.
وقال الواحدي: «في هذا دليل على أن من ادّعى أن النجوم تدل على ما يكون من حياة أو موت أو غير ذلك فقد كفر بما في القرآن» .
وقال أبو عبد الله الرازي: «والواحدي تجوز الكرامات على ما قال صاحب الكشاف بجعلها تدل على المنع من الأحكام النجومية ولا تدل على الإلهامات مجرد تشبه، وعندي أن الآية لا تدل على شيء مما قالوه لأن قوله: على غيبه ليس فيه صفة عموم» إلى أن يقول: «واعلم أنه لا بدّ من القطع بأنه ليس المراد من هذه الآية أنه لا يطّلع أحد على شيء من المغيبات إلا الرسل عليهم الصلاة والسلام والذي يدل عليه وجوه:
أحدها: أنه ثبت بالأخبار القريبة من التواتر أن شقا وسطيحا كانا كاهنين يخبران بظهور محمد صلى الله عليه وسلم قبل زمان ظهوره وكانا في العرب مشهورين بهذا النوع من العلم حتى رجع إليهما كسرى في تعرّف أخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وثانيها: إطباق الأمم على صحة علم التعبير فيخبر المعبر عمّا يأتي في المستقبل ويكون صادقا.
وثالثها: أن الكاهنة البغدادية التي نقلها السلطان سنجر بن ملكشاه من بغداد إلى خراسان سألها عن أشياء في المستقبل فأخبرت بها ووقعت على وفق كلامها فقد رأيت أناسا محققين في علوم الكلام والحكمة حكوا عنها أنها أخبرت عن الأشياء الغائبة على سبيل التفصيل وجاءت كذلك، وبالغ أبو البركات صاحب المعتبر في شرح حالها في كتاب التعبير وقال: فحصت عن حالها منذ ثلاثين سنة حتى تيقنت أنها كانت تخبر عن المغيبات أخبارا مطابقة موافقة.
ورابعها: أنّا نشاهد أصحاب الإلهامات الصادقة وليس هذا مختصا بالأولياء فقد يوجد في السحرة وفي الأخبار النجومية ما يوافق الصدق وإن كان الكذب يقع منهم كثيرا وإذا كان ذلك مشاهدا محسوسا فالقول بأن القرآن يدل على خلافه مما يجر إلى الطعن بالقرآن وذلك باطل فعلمنا أن التأويل الصحيح ما ذكرناه» .
وتعقبه أبو حيان فقال: «وإنما أوردنا كلام هذا الرجل في هذه المسألة لننظر فيما ذكر من تلك الوجوه، أما قصة شق وسطيح فليس فيها شيء من الإخبار بالغيب لأنه فما يخبر به رئي الكهان من الشياطين مسترقة السمع كما جاء في الحديث أنهم يسمعون وبل الكلمة ويكذبون ويلقون إلى الكهنة وتزيد الكهنة للكلمة مائة كذبة
وليس هذا من علم الغيب إذ تكلمت به الملائكة وتلقفها الجنّي وتلقفها منه الكاهن فالكاهن لم يعلم الغيب، وأما تعبير المنامات فالمعبر غير المعصوم لا يعبّر بذلك على سبيل القطع والبت بل على سبيل الحزر والتخمين فقد يقع ما يعبر وقد لا يقع، وأما الكاهنة البغدادية وما حكي عنها فحسبه عقلا أن يستدل بأحوال امرأة لم يشاهدها ولو شاهد ذلك لكان في عقله ما يجوز أنه ليس عليه هذا وهو العالم المصنّف الذي طبق ذكره الآفاق وهو الذي شكك في دلائل الفلاسفة وسامهم الخسف، وأما حكايته عن صاحب المعتبر فهو يهودي أظهر الإسلام وهو منتحل طريقة الفلاسفة، وأما مشاهدته أصحاب الإلهامات الصادقة فلي من العمر نحو من ثلاث وسبعين سنة أصحب العلماء وأتردد إلى من ينتمي إلى الصلاح ولم أر أحدا منهم صاحب إلهام صادق، وأما الكرامات فإني لا أشك في صدور شيء منها لكن ذلك على سبيل الندرة وذلك فيما سلف من صلحاء هذه الأمة وربما قد يكون في أعصارنا من تصدر منه الكرامة ولله تعالى أن يخصّ من شاء بما شاء» .