الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بل التعجب وما اسم استفهام مبتدأ وما بعده خبر والمعنى أي شيء يبعثه الصبح منه وأي شيء يردّه الليل ولا بدّ من تقدير منه التجريدية يعني أنه كان يغدو في طلب الغارة ويرجع في الليل ظافرا وما في الموضعين من الاستفهام معناه التعجب والاستعظام وإسناد الفعل للصبح والليل مجاز (نارٌ حامِيَةٌ) نار خبر لمبتدأ محذوف أي هي وحامية نعت. هذا ويكثر حذف المبتدأ في جواب الاستفهام وبعد فاء الجواب وبعد القول.
البلاغة:
1-
في قوله «القارعة ما القارعة وما أدراك ما القارعة» فن التكرير والمراد به تهويل شأنها وتفخيم لفظاعتها، وقد تقدم بحثه كثيرا.
2-
وفي قوله «يوم يكون الناس كالفراش المبثوث وتكون الجبال كالعهن المنفوش» تشبيهان رائعان وهو تشبيه مرسل مجمل لأن وجه الشبه حذف ففي الأول وجوه الشبه كثيرة منها:
1-
الطيش الذي لحقهم 2- وانتشارهم في الأرض 3- وركوب بعضهم بعضا 4- الكثرة التي لا غناء فيها 5- والضعف والتذلل وإجابة الداعي من كل جهة 6- والتطاير إلى النار للاحتراق من حيث لا تريد الاحتراق.
أما تشبيه الجبال بالعهن المنفوش فهو أيضا تشبيه مرسل مجمل، وأوجه الشبه كثيرة أيضا منها:
1-
تفتتها وانهيارها 2- وصيرورتها كالعهن 3- ثم صيرورتها كالهباء. وقد تشبث الشعراء بهذه المعاني فقال جرير يهجو الفرزدق:
أبلغ بني وقبان أن حلومهم
…
خفّت فما يزنون حبة خردل
أزرى بحلمكم الفياش فأنتم
…
مثل الفراش غشين نار المصطلي
وقال أبو العلاء المعرّي في رثاء والده:
فيا ليت شعري هل يخف وقاره
…
إذا صار أحد في القيامة كالعهن
وهل يرد الحوض الرويّ مبادرا
…
مع الناس أم يأبى الزحام فيستأني
وأولها:
نقمت الرضا حتى على ضاحك المزن
…
فلا جادني إلا عبوس من الدّجن
وليت فمي إن شاء سنى تبسمي
…
فم الطعنة النجلاء تدمى بلا سن
3-
وفي قوله «فهو في عيشة راضية» مجاز مرسل لأن الذي يرضى بها الذي يعيش فيها فهو مجاز مرسل علاقته المحلية وقيل راضية بمعنى مرضية، وأول من ألّف في مجازات القرآن في أواخر القرن الثاني الهجري أبو عبيدة معمر بن المثنى في كتابه «مجاز القرآن» وقد أشرنا إليه في هذا الكتاب وهو يقدّم لكتابه بمقدمة في بحوث لغوية عامة في القرآن يبدؤها ببحث كلمة قرآن وله رأي خاص في اشتقاق هذه الكلمة ينقله عنه المتأخرون وهو قوله:«إنما سمي قرآنا لأنه يجمع السور فيضمها وتفسير ذلك آية في القرآن قال الله جلّ ثناؤه: إن علينا جمعه وقرآنه» ويستشهد عليه من كلام العرب ويدلف بعد ذلك إلى نص القرآن وما يتضمنه من فنون الكلام منبّها إلى أن القرآن يشابه في نظمه كلام العرب فيقول: «وفي القرآن مثل ما في كلام العرب من وجوه الإعراب والمعاني» ويذكر تلك الوجوه مع أمثلة لها ويتعرض لها بالتفصيل منبّها وبصدد الآية قال «ومن مجاز ما يقع المفعول إلى الفاعل قال: كالذي ينعق بما لا يسمع المعنى على الشاة المنعوق بها وحول على الراعي الذي ينعق بالشاة وقال: كالنهار مبصرا له مجازان أحدهما أن العرب وضعوا أشياء من كلامهم في موضع الفاعل والمعنى أنه
مفعول لأنه ظرف يفعل فيه غيره ولأن النهار لا يبصر ولكنه يبصر فيه الذي ينظر وفي القرآن: في عيشة راضية وإنما يرضى بها الذي يعيش فيها» وخلاصة القول في كتاب المجاز أنه كان خطوة في سبيل الكلام في طرق القول أو المجاز بمعناه العام وقد حاول أن يكشف عن بعض ما جاء من ذلك في أسلوب القرآن مع مقارنته بما جاء في الأدب العربي وساعد عليه محصوله الغزير فيه.