الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المهمات كما يتردد السابح في الماء قال الشاعر:
أباحوا لكم شرق البلاد وغربها
…
ففيها لكم يا صاح سبح من السبح
وقرىء سبخا بالخاء المعجمة ومعناه خفه من التكاليف، والتسبيخ التخفيف وهو استعارة من سبخ الصوف إذا نفشه ونشر أجزاءه ومعناه انتشار الهمّة وتفرّق الخاطر في الشواغل ويقال لقطع القطن سبائخ الواحدة سبيخة ومنه قول الأخطل:
فأرسلوهنّ يذرين التراب كما
…
يذري سبائخ قطن ندف أوتار
الفوائد:
اختلفت أقوال المفسرين في هذا الخطاب على ثلاثة أقوال:
1-
قال عكرمة يا أيها المزمّل بالنبوّة والمتدثّر بالرسالة وعنه أيضا: يا أيها الذي زمّل هذا الأمر أي حمله ثم فتر.
2-
قال ابن عباس: يا أيها المزمّل بالقرآن.
3-
قال قتادة: يا أيها المزمّل بثيابه، وكان هذا في ابتداء ما أوحي إليه فإنه صلى الله عليه وسلم لما جاءه الوحي في غار حراء رجع إلى خديجة زوجه يرجف فؤاده فقال: زمّلوني زمّلوني لقد خشيت على نفسي أن يكون هذا مبادئ شعر أو كهانة وكل ذلك من الشيطان وأن يكون الذي ظهر بالوحي ليس الملك فقالت له خديجة وكانت وزيرة صدق كلا والله لا يخزيك الله أبدا إنك تصل الرحم وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق.
وقيل أنه صلى الله عليه وسلم كان نائما في الليل متزمّلا في قطيفة فنودي بما يهجن تلك الحالة التي كان عليها من التزمّل في
قطيفته، وقد تشبث الزمخشري بهذا الرأي وقال عبارة بليغة في حدّ ذاتها ولكنه أساء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وننقل فيما يلي عبارته وتعقيب ابن المنير عليها لطرافتهما ولكونهما من الأدب الرفيع:
قال الزمخشري: «وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم نائما بالليل متزمّلا في قطيفته فنودي بما يهجن إليه الحالة التي كان عليها من التزمّل في قطيفته واستعداده للاستثقال في النوم كما يفعل من لا يهمّه أمر ولا يعنيه شأن، ألا ترى إلى قول ذي الرمّة:
وكائن تخطّت ناقتي من مفازة
…
ومن نائم عن ليلها متزمّل
يريد الكسلان المتقاعس الذي لا ينهض في معاظم الأمور وكفايات الخطوب ولا يحمل نفسه المشاق والمتاعب ونحوه:
فأتت به حوش الفؤاد مبطنا
…
سهدا إذا ما نام ليل الهوجل
وفي أمثالهم:
أوردها سعد وسعد مشتمل
…
ما هكذا يا سعد تورد الإبل
فذمّه بالاشتمال بكسائه وجعل ذلك خلاف الجدّ والكيس وأمر بأن يختار على الهجود التهجد، وعلى التزمّل التشمّر والتخفّف للعبادة والمجاهدة في الله لا جرم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تشمّر لذلك مع أصحابه حق التشمّر وأقبلوا على إحياء لياليهم ورفضوا له الرقاد والدعة وتجاهدوا فيه حتى انتفخت أقدامهم واصفرّت ألوانهم وظهرت السيما في وجوههم وترامى أمرهم إلى حد رحمهم له ربهم فخفف عنهم» ولعمري لقد أنصف الزمخشري النبي وأصحابه ووصف عبادتهم وإنضاء نفوسهم وصفا يليق بهم بيد أن العبارات الأولى موهمة قليلا لذلك أخذها عليه ابن المنير بقوله:
«أما قوله الأول أن نداءه تهجين للحالة التي ذكر أنه كان عليها واستشهاده بالأبيات المذكورة فخطأ وسوء أدب ومن اعتبر عادة خطاب الله تعالى له في الإكرام والإجلال علم بطلان ما تخيله الزمخشري فقد قال العلماء أنه لم يخاطب باسمه نداء وإن ذلك من خصائصه دون سائر الرسل إكراما له وتشريفا فأين نداؤه بصيغة مهجنة من ندائه باسمه واستشهاده على ذلك بأبيات قيلت ذمّا في جفاة حفاة من الرعاة فأنا أبرأ إلى الله من ذلك وأربأ به صلى الله عليه وسلم» ولقد ذكرت بقوله «أوردها سعد وسعد مشتمل» ما وقفت عليه من كلام ابن خروف النحوي يردّ على الزمخشري ويخطىء رأيه في تصنيفه المفصل وإجحافه في الاختصار بمعاني كلام سيبويه حتى سمّاه ابن خروف البرنامج وأنشد عليه:
أوردها سعد وسعد مشتمل
…
ما هكذا يا سعد تورد الإبل
أقول: ولا مندوحة عن القول أن ابن المنير قد تجنى على الزمخشري كثيرا وتجاهل ما أورده من الوصف الممتع الدقيق لتشميره صلى الله عليه وسلم وعبادته ولكن إيراد الأبيات التي قيلت في الذم بهذا الصدد خطأ وقع فيه الزمخشري وربّ خطأ نشأ عن صواب ولا بأس بعد هذا من إيراد عبارة السهيلي بهذا الصدد فقد بلغ بها الغاية في التعليل والتأويل والتلطف في التحليل قال: «ليس المزمّل باسم من أسمائه عليه الصلاة والسلام يعرف به وإنما هو مشتق من حالته التي كان التبس بها حالة الخطاب والعرب إذا قصدت الملاطفة بالمخاطب تترك المعاتبة نادوه باسم مشتق من حالته التي هو عليها كقول النبي صلى الله عليه وسلم لعلي كرّم الله وجهه: وقد نام ولصق بجنبه التراب: قم أبا تراب إشعارا بأنه ملاطف له فقوله يا أيها المزمّل فيه تأنيس وملاطفة» .