الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لولا تحقق البواعث والإرادات في القلوب لما حصلت أفعال الجوارح» وهذا كلام جيد فتدبره (إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ) الجملة تعليل لعامل إذا المحذوف وهو مفعول يعلم أي أفلا يعلم أنّا نجازيه وقت ما ذكر ثم علّل ذلك بقوله إن ربهم إلخ وإن واسمها وبهم متعلقان بخبير ويومئذ ظرف متعلق بخبير أيضا واللام المزحلقة وخبير خبر إن.
البلاغة:
1-
في المخالفة بين المعطوف والمعطوف عليه بقوله «فأثرن به نقعا» إذ عطف الفعل على الاسم الذي هو العاديات وما بعده لأنها أسماء فاعلين تعطي معنى الفعل سر بديع، وهو تصوير هذه الأفعال في النفس وتجسيدها أمام العين، فإن التصوير يحصل بإيراد الفعل بعد الاسم لما بينهما من التخالف وهو أبلغ من التصوير والتجسيد بالأسماء المتناسقة وكذلك التصوير بالمضارع بعد الماضي وقد تقدمت له شواهد أقربها قول عمرو بن معد يكرب:
بأني قد لقيت الغول تهوي
…
بسهب كالصحيفة صحصحان
فأضربها بلا دهش فخرت
…
صريعا لليدين وللجران
2-
وفي قوله «فالموريات قدحا» استعارة في الخيل تشعل الحرب فهي استعارة تصريحية شبّه الحرب بالنار المشتعلة وحذف المشبه وأبقى المشبه به قال تعالى: كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله، ويقال حمى الوطيس إذا اشتدت الحرب.
3-
وفي قوله «إن ربهم بهم يومئذ لخبير» تجنيس التحريف وبعضهم يسمّيه «الجناس المحرّف» وهو الذي يكون الضبط فيه فارقا بين الكلمتين أو بعضهما، وهو أيضا ما اتفق ركناه في أعداد الحروف
واختلفا في الحركات سواء كانا من اسمين أو فعلين أو اسم وفعل أو من غير ذلك والغاية فيه قوله تعالى: «ولقد أرسلنا فيهم منذرين، فانظر كيف كان عاقبة المنذرين» ولا يقال إن اللفظين متّحدان في المعنى فلا يكون بينهما تجانس لأنّا نقول المراد بالأول اسم الفاعل وبالثاني اسم المفعول فالاختلاف ظاهر ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: «اللهمّ كما حسنت خلقي فحسّن خلقي» ومثله قولهم جبة البرد جنة البرد ومنه قولهم: رطب الرطب ضرب من الضرب، ومن الشعر قول أبي تمام:
هنّ الحمام فإن كسرت عيافة
…
من خائهنّ فإنهنّ حمام
ومثله قول المعرّي:
والحسن يظهر في شيئين رونقه
…
بيت من الشعر أو بيت من الشعر
وله أيضا:
لغيري زكاة من جمال فإن تكن
…
زكاة جمال فاذكري ابن سبيل
4-
في قوله «وإنه على ذلك لشهيد وإنه لحب الخير لشديد» الجناس اللاحق وهو الذي أبدل أحد ركنيه حرف واحد بغيره من غير مخرجه سواء كان الإبدال في الأول أو الوسط أو الآخر وإن كان ما أبدل منه من مخرجه سمي مضارعا، فمثال الإبدال من الأول قوله تعالى:
«ويل لكل همزة لمزة» والآية التي نحن بصددها مثال الإبدال من الوسط، ومثال الإبدال من الآخر قوله تعالى:«وإذا جاءهم أمر من الأمن» ومن الأحاديث على هذا النمط أيضا من الأول قوله عليه السلام: «الحمد لله الذي حسّن خلقي وزان منّي ما شان من غيري» ومن الثاني حديث الطبراني «لولا رجال ركّع وصبيان رضّع وبهائم رتّع» ومن الثالث حديث الطبراني أيضا «لن تفنى أمتي حتى يظهر فيهم
التمايز والتمايل» وحديث الديلمي أيضا «أحب المؤمنين إلى الله من نصّب نفسه في طاعة الله ونصح لأمة محمد» ومن الأمثلة الشعرية على هذا الترتيب المذكور أيضا قول أبي فراس:
إن الغني هو الغني بنفسه
…
ولو أنه عاري المناكب حافي
ما كل ما فوق البسيطة كافيا
…
وإذا قنعت فكل شيء كافي
ومن الثاني قول البحتري:
وقعودي عن التقلب والأر
…
ض لمثلي رحيبة الأكناف
ليس عن ثروة بلغت مداها
…
غير أنّي امرؤ كفاني كفافي
ومن الثالث قول بعضهم:
شوقي لذاك المحيا الزاهر الزاهي
…
شوق شديد وجسمي الواهن الواهي
أسهرت طرفي وولهت الفؤاد هوى
…
فالقلب والطرف بين الساهر الساهي