الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
البلاغة:
في قوله: «ما أفاء الله على رسوله» الآية. الفصل وهو ترك عطف جملة على أخرى، وضدّه الوصل وهو عطف بعض الجمل على بعض وهذا الباب أغمض أبواب المعاني حتى قيل لبعضهم: ما البلاغة؟
فقال: معرفة الفصل والوصل قال:
الفصل ترك عطف جملة أتت
…
من بعد أخرى عكس وصل قد ثبت
ولكلّ منهما مواضع نلخصها فيما يلي:
مواضع الفصل: يجب الفصل في خمسة مواضع:
1-
أن يكون بين الجملتين اتحاد تام بأن تكون الثانية بدلا من الأولى كالآية التي نحن بصددها، أو بيانا لها نحو «فوسوس إليه الشيطان قال يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد» أو مؤكدة لها نحو «فمهل الكافرين أمهلهم رويدا» ويقال في هذا الموضع إن بين الجملتين كمال الاتصال.
2-
أن يكون بين الجملتين تباين تام بأن تختلفا خبرا وإنشاء كقوله:
لا تسأل المرء عن خلائقه
…
في وجهه شاهد يغني عن الخبر
وقول الآخر:
وقال رائدهم أرسوا نزاولها
…
فحتف كل امرئ يجري بمقدار
فلم يعطف نزاولها على أرسوا لأنه خبر لفظا ومعنى، وأرسوا إنشاء لفظا ومعنى، والرائد هو الذي يتقدم القوم لطلب الماء والكلأ للنزول عليه، وقوله أرسوا أي أقيموا بهذا الكلأ الملائم للحرب وهو
مأخوذ من أرسيت السفينة أي حبستها بالمرساة، وقوله نزاولها أي نحاول أمر الحرب ونعالجها، وقوله فحتف إلخ تعليل لمحذوف يفيده ما قبله أي ولا يمنعكم من محاولة إقامة الحرب بمباشرة أعمالها خوف من الحتف وهو الموت فكل إلخ
…
هذا وقد اختلف في إعراب جملة نزاولها فقيل لا محل لها لأنها تعليل لما قبلها فهي جواب عن سؤال مقدّر فليس الفصل لكمال الانقطاع بل لشبه كمال الاتصال وقيل حال أي أقيموا في حال مزاولة الحرب فلذلك ليس الفصل لكمال الانقطاع بل لأن الحال لا يعطف على الجملة المقيدة به أو بأن لا يكون بينهما مناسبة في المعنى كقولك عليّ كاتب، الحمام طائر، ويقال في هذا الموضع إن بين الجملتين كمال الانقطاع.
3-
كون الجملة الثانية جوابا عن سؤال نشأ من الجملة الأولى كقوله تعالى «وما أبرىء نفسي إن النفس لأمّارة بالسوء» ويقال إن بين الجملتين شبه كمال الاتصال.
4-
أنه تسبق جملة بجملتين يصحّ عطفها على إحداهما لوجود المناسبة وفي عطفها على الأخرى فساد فيترك العطف دفعا للوهم كقوله:
وتظنّ سلمى أنني أبغي بها
…
بدلا أراها في الضلال تهيم
فجملة أراها يصحّ عطفها على تظن لكن يمنع من هذا توهم العطف على جملة أبغي بها فتكون الجملة الثالثة من مظنونات سلمى مع أنه ليس مرادا ويقال إن بين الجملتين شبه كمال الانقطاع.
5-
أن لا يقصد تشريك الجملتين في الحكم لقيام مانع كقوله تعالى: «وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا: إنا معكم إنما نحن مستهزئون الله يستهزىء بهم» فجملة الله يستهزىء بهم لا يصحّ عطفها على إنّا
معكم لاقتضائه أنه من مقولهم ولا على جملة قالوا لاقتضائه أن استهزاء الله بهم مقيد بحال خلوّهم إلى شياطينهم ويقال إن بين الجملتين في هذا الموضع توسطا بين الكمالين.
مواضع الوصل: ويجب الوصل في المواضع التالية:
1-
إذا اتفقت الجملتان خبرا أو إنشاء وكان بينهما جهة جامعة أي مناسبة تامة ولم يكن ثمة مانع من العطف كقوله تعالى: «إن الأبرار لفي نعيم وإن الفجّار لفي جحيم» والجامع بينهما التضاد ونحو «كلوا واشربوا ولا تسرفوا» والجامع بينهما التضاد أيضا وهو وهي وذلك لأن الوهم ينزل التضاد عنده منزلة التضايف عند العقل فكما أن العقل لا يحضره أحد المتضايفين إلا ويحضره الآخر فكذا الوهم لا يحضره أحد المتضادّين إلا ويحضره الآخر.
2-
إذا أوهم ترك العطف خلاف المقصود كما إذا قيل لك: هل برىء علي من المرض؟ وقلت: لا وأردت أن تدعو للسائل فلا بدّ من الوصل فتقول لا ورعاك الله إذ لو فصلت لتوهم أنه دعاء على المخاطب بعدم الرعاية ولولا هذا الإيهام لوجب الفصل لاختلافهما خبرا وإنشاء.
3-
أن يكون للأولى محل من الإعراب كأن تكون خبرا ويقصد تشريك الثانية لها في حكم ذلك الإعراب نحو: زيد قام أبوه وقعد أخوه.
هذا والجوامع ثلاثة: عقلي ووهمي وخيالي، ومعنى كونه عقليا أنه يصل بين الجملتين ويجمعهما عند القوة المفكرة بسبب العقل كالتماثل، فإن العقل إذا توجه إلى المثلين في الحقيقة وجردهما من العوارض ارتفع التعدد وصارا شيئا واحدا في تلك الحقيقة فيجتمعان في العطف ولكن المراد بالتماثل هنا أن يكون لهما حقيقة مخصوصة