الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فيه بأنه ارتكاب لخلاف الأصل من غير ضرورة لإمكان حمل الاستثناء على الاتصال وهو الأصل ويكون المراد بالعباد عموم المملوكين ولا يضر في ذلك أن آية الاسراء بدون استثناء لأنه أريد بالعباد فيها المخلصون فترك الاستثناء وقد يجاب بأنه القرآن يفسر بعضه بعضا فإذا تكرر لفظ فيه وكان له موضع محمل واحد وفي آخر ذلك المحمل وغيره حمل في الآخر على ذلك المحمل دون غيره والاستثناء المنقطع وإن كان خلاف الأصل إلا أنه فصيح شائع.
(إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ) قيل هو استثناء من غير الجنس لأن المراد بعبادي الموحدون ومتبع الشيطان غير موحد وقيل هو من الجنس لأن عبادي جميع المكلفين ومن الغاوين حال. (وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ) الواو عاطفة وان واسمها واللام المزحلقة وموعدهم خبر إن وأجمعين تأكيد للضمير. (لَها سَبْعَةُ أَبْوابٍ لِكُلِّ بابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ) لها خبر مقدم وسبعة أبواب مبتدأ مؤخر ولكل باب خبر مقدم ومنهم حال لأنه كان صفة لجزء وجزء مبتدأ مؤخر ومقسوم نعت لجزء أيضا والمراد بالجزء الطائفة.
البلاغة:
1-
الإيجاز في قوله «قال هذا صراط علي مستقيم» ولعله من أبلغ الايجازات لأنه قسيم الإيجاز بالحذف فهو إيجاز بالتقدير وهو قسمان: أحدهما ما ساوى لفظه معناه، وثانيهما ما زاد معناه على لفظه ويسمى بالقصر إذ يدل لفظه على محتملات عديدة ومشتملات كثيرة ولا يمكن التعبير عنه بمثل ألفاظه وفي عدتها لا بل يستحيل ذلك
فقوله «هذا» اشارة تدل على القرب فكأنه يشير إلى ما هو على مرأى من عيونهم، ومسمع من آذانهم، وبين متناول أيديهم، وصراط تدل على الطريق المسلوكة التي تفضي بسالكها إلى حيث يختار لنفسه من مذاهب ولكن الطريق قد تكون معوجة ملتوية كثيرة المنعطفات فيتيه السالك في متاهاتها وتلتبس عليه أوجه الاستهداء في سلوكها فجاء بكلمة «مستقيم» والمستقيم هو أقصر بعد بين نقطتين وأقل انحراف يخرجه عن سنن الاستقامة وحدودها وكلمة «علي» تعني الإلزام والإيجاب تقول علي عهد الله لأفعلن كذلك فتشعر أنك قد ألزمت نفسك بما هو حق مفروض الأداء ثم ان الاشارة تضمنت كل ما يحتويه الاستثناء فيما بعد وهو قوله «الا عبادك منهم المخلصين» فكأنه أخذ على نفسه وأوجب على ذاته حقا لا انفكاك له عنه وهو تخليص المخلصين من إغوائه، وقد تضمن تعريف المخلصين أيضا ما يؤكد هذا المعنى ويجعله مستقرا في الذهن لأن التعريف فيه مع تحقيق الصفة للموصوف وهي الإخلاص تفخيم لشأنهم وبيان لمنزلتهم ولانقطاع مخالب الإغواء عنهم، وفل معاول النقد ان تتوجه إليهم، فهذه الآية كلمات قليلة وقد احتوت على هذه الأغراض ولا بد لنا من أن نعرض نماذج من غير القرآن لا لأنها ترقى الى مستواه ولكن لأنها تدور في فلكه وتحوم حوله وتستقي من مناهله استمع الى هذه القصة العجيبة:
لما أرسل المهلب بن أبي صفرة أبا الحسن المدائني الى الحجاج ابن يوسف يخبره أخبار الأزارقة كلمه كلاما موجزا كالذي نحن بصدده هنا وذلك ان الحجاج سأله فقال كيف تركت المهلب؟ فقال أدرك ما أمّل وأمن مما خاف فقال: كيف هو لجنده؟ قال: والد رءوف، قال: كيف جنده له؟ قال: أولاد بررة، قال: كيف رضاهم عنه؟
قال: وسعهم بفضله، وأغناهم بعدله، قال: كيف تصنعون إذا لقيتم العدو؟ قال: نلقاهم بجدنا ويلقوننا بجدهم، قال: كذلك الجد إذا لقي الجد، قال فأخبرني عن بني المهلب قال: هم أحلاس القتال بالليل، حماة السرج بالنهار قال: أيهم أفضل؟ قال: هم كحلقة مضروبة لا أيعرف طرفاها فقال الحجاج لجلسائه: هذا هو والله الكلام الفضل الذي ليس بمصنوع. وتأمل وصف الحجاج للكلام فقد وصف الكلام الموجز البليغ بما يدانيه في الإيجاز والبلاغة ولا غرو فالحجاج كان آية في إتقان اللغة ومعرفة خصائصها، روى الزجاج في أماليه قال: «أخبرنا أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد قال: أخبرنا أبو حاتم السجستاني عن الأصمعي قال: أربعة لم يلحنوا في جد ولا هزل:
الشعبي وعبد الملك بن مروان والحجاج بن يوسف وابن القريّة، والحجاج أفصحهم، قال يوما لطباخه: اطبخ لنا مخلّلة وأكثر عليها الفيجن (أي السذاب وهو نبات ورقه كالصعتر) واعمل لنا مزعزعا فلم يفهم عنه الطباخ فسأل بعض ندمائه فقال له: اطبخ له سكباجا وأكثر عليها من السذاب واعمل له فالوذا سلسا. وسترى نماذج من الإيجاز في أماكن كثيرة يتم بها شرط الكتاب.
2-
الاستثناء في قوله تعالى: «فسجد الملائكة كلهم أجمعون إلا إبليس» فإن هذا الاستثناء لو لم يتقدم لفظه هذا الاحتراس من قوله كلهم أجمعون لا حتمل- كما أشرنا في الاعراب- أن يكون في الملائكة من لم يسجد فيتأسى به إبليس ولا يكون منفردا بهذه الكبيرة لاحتمال أن تكون آلة التعريف للعهد لا للجنس فلما كان هذا الاشكال يتوجه على الكلام إذا اقتصر فيه على ما دون التوكيد وجب الإتيان بالتوكيد ليعلم أن آلة التعريف للجنس فيرتفع هذا الإشكال بهذا