الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جر باللام والجار والمجرور متعلقان بمحذوف خبر مقدم وعقبى الدار مبتدأ مؤخر. (وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا) الجملة مستأنفة مسوقة لاجمال الشبهات الست التي أوردوها والتي تنتهي في اعتقادهم الى هذه النتيجة وهي إبطال رسالته صلى الله عليه وسلم وجملة لست مرسلا مقول قولهم وهو مجمل شبهاتهم وليس واسمها وخبرها.
(قُلْ كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ) كفى فعل ماض تقدم بحثه مستوفى وبالله الباء حرف جر زائد ولفظ الجلالة مجرور لفظا مرفوع محلا وشهيدا تمييز وبيني وبينكم ظرفان متعلقان بشهيدا ومن عطف على الله وعنده الظرف متعلق بمحذوف خبر مقدم وعلم الكتاب مبتدأ مؤخر والجملة الاسمية صلة من.
البلاغة:
1-
في قوله تعالى «أولم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها والله يحكم لا معقب في حكمه» التفات بليغ، وقد سبق ذكر الالتفات مشفوعا بالأمثلة والشواهد ونزيده هنا بسطا بصدد ما يتعلق بالآية فتقول: الرجوع عن خطاب النفس الى الغيبة في الآية وبناء الحكم على الاسم الجليل ينطوي على أعظم الأسرار وأبهرها فإنه لما أبرز الكلام لهم في معرض المناصحة المشوبة بالتحذير كان لا بد أن يتوجه إليهم بالخطاب ليريهم مكان القوة والعظمة لديه، عاد الى تصوير الفخامة والمهابة، وتحقيق مضمون الخبر بالاشارة الى العلة التي هي السبب في إتيان الأرض وانتقاص أطرافها وإدالة الأمر من قوم لقوم، ونقل السيطرة من الظالمين بالأمس الى المظلومين ومن الغالبين بالأمس الى المغلوبين وهذه الفخمية لا تتأتى إلا بإيراد الكلام في معرض الغيبة فقال ملتفتا والله يحكم في خلقه بما يشاء لا راد لحكمه ثم أردف ذلك بقوله لا معقب
لحكمه ولا مبطل لمشيئته وثلث بقوله وهو سريع الحساب فكل شيء محسوب لديه وعما قليل يحاسبهم في الآخرة بعد عذاب الدنيا وستأتي شواهد بديعة من هذا الفن الرفيع.
2-
الاستخدام:
وفي قوله «لكل أجل كتاب يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب» فن رفيع من فنون البلاغة أطلق عليه علماء هذا الفن اسم:
«فن الاستخدام» وعزفوه بتعريفات لا تخلو من غموض وسنحاول بسط ما أجملوه فأما تعريفه كما أورده ابن أبي الإصبع وابن منقذ وصاحب نهاية الأرب فهو: أن يأتي المتكلم بلفظة لها محملان ثم يأتي بلفظتين تتوسط تلك اللفظة بينهما وتستخدم كل لفظة منهما أحد محملي اللفظة المتوسطة، ففي الآية المذكورة لفظة «كتاب» تحتمل الأمد المحتوم بدليل قوله تعالى في البقرة «حتى يبلغ الكتاب أجله» أي حتى يبلغ الكتاب أمده أي أمد العدة وأجله منتهاه والكتاب المكتوب وقد توسطت لفظه كتاب بين لفظتي «أجل» و «يمحو» فاستخدمت لفظة أجل أحد مفهوميها وهو الأمد واستخدمت لفظة يمحو مفهومها الآخر وهو المكتوب فيكون التقدير على ذلك لكل حد مؤقت مكتوب يمحي ويثبت.
وهنالك تعريف آخر يتمشى على طريقة صاحب الإيضاح ومشى عليه كثير من الناس وهو أن الاستخدام اطلاق لفظ مشترك بين معنيين فتريد بذلك اللفظ أحد المعنيين ثم تعيد عليه ضميرا تريد به المعنى الآخر أو تعيد عليه إن شئت ضميرين تريد بأحدهما أحد المعنيين وبالآخر المعنى الآخر ومثال هذا النوع قول القائل:
إذا نزل السماء بأرض قوم
…
رعيناه وإن كانوا غضابا
فلفظة السماء يراد بها المطر وهو أحد المعنيين والضمير في رعيناه يراد به المعنى الآخر وهو النبات وأما شاهد الضميرين فمثاله قول البحتري:
فسقى الغضا والساكنيه وان هم
…
شبّوه بين جوانحي وضلوعي
فإن لفظة الغضا محتملة الموضع والشجر والسقيا صالحة لكل منهما فلما قال والساكنيه أحد معنى اللفظة وهو الموضع بدلالة القرينة عليه ولما قال شبوه استعمل المعنى الآخر وهو الشجر بدلالة القرينة عليه، وقد أورد الشيخ عز الدين الموصلي في شرح بديعيته نقدا حسنا لبيت البحتري فقد قال: «شرط علماء البديع أن يكون اشتراك لفظة الاستخدام اشتراكا أصليا والنظر هنا في اشتراك لفظة الغضا فإنه ليس بأصلي لأن أحد المعنيين منقول من الآخر والغضا في الحقيقة الشجر وسموا الوادي غضا لكثرة نبته فيه وقالوا جمر الغضا لقوة ناره فكل منقول من أصل واحد.
ومن الاستخدام قول أبي العلاء في داليته الشهيرة:
قصد الدهر من أبي حمزة الأ
…
واب مولى حجا وخدن اقتصاد
وفقيها أفكاره شدن للنعمان ما لم يشده شعر زياد فالنعمان يحتمل هنا أبا حنيفة رحمه الله ويحتمل النعمان بن المنذر وقد أراد أبو العلاء بلفظ النعمان أبا حنيفة بدليل قوله وفقيها وأراد
بالضمير المحذوف النعمان بن المنذر ملك الحيرة بدليل زياد وهو النابغة وكان معروفا بمدح النعمان بن المنذر وقد انتقدوه أيضا لأن ضمير يشده لم يعد على واحد منهما لأن شرط الضمير في الاستخدام أن يكون عائدا على اللفظة المشتركة ليستخدم بها معناها الآخر كما قال البحتري في شبوه فهذا الضمير عائد على الغضا وهذا قد جعل الضمير في يشده غير عائد على اللفظة المشتركة التي هي النعمان فصار طيب الذكر الذي شيده زياد لا يعلم لمن هو لأن الضمير لا يعود على النعمان.