الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كأنها تعليل للنهي أي لن تجعل فيها صدوعا وخروقا بدوسك لها وإن واسمها وجملة لن تخرق الأرض خبرها ولن تبلغ الجبال عطف على لن تخرق وطولا تمييز محول عن الفاعل أي ولن يبلغ طولك الجبال وقيل مصدر في موقع الحال أو مفعول له، وسيأتي مزيد من البحث في باب
البلاغة
. (كُلُّ ذلِكَ كانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً) كل مبتدأ وذلك مضاف اليه والاشارة الى ما تقدم من الخصال الخمس والعشرين الآنفة من قوله تعالى لا تجعل مع الله إلها آخر وسيأتي تفصيل عدها في باب الفوائد وكان فعل ماض ناقص وسيئه اسمها وعند ربك ظرف متعلق بمكروها، ومكروها خبر كان. (ذلِكَ مِمَّا أَوْحى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ) ذلك مبتدأ أي ما تقدم من خصال ومما خبر وجملة أوحى صلة وإليك متعلقان بأوحى وربك فاعل ومن الحكمة حال من عائد الموصول المحذوف أي من الذي أوحاه إليك حال كونه من الحكمة التي هي معرفة الحق لذاته والخير للعمل به أو حال من نفس الموصول وقد استهلت هذه الخصال وختمت بالنهي عن الشرك. (وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فَتُلْقى فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً مَدْحُوراً) ولا تجعل عطف على ما تقدم ومع ظرف مكان متعلق بمحذوف هو المفعول الثاني لتجعل وإلها هو المفعول الأول وآخر صفة فتلقى الفاء فاء السببية ونائب الفاعل مستتر تقديره أنت وفي جهنم متعلقان بتلقى وملوما ومدحورا حالان.
البلاغة:
انطوت هذه الآية على فنون كثيرة من البلاغة نثبتها فيما يلي:
1- الاطناب:
في قوله تعالى: «ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه
سلطانا فلا يسرف في القتل إنه كان منصورا» فإن معنى هذه الآية جاء موجزا في قوله تعالى «ولكم في القصاص حياة» لكن الأول إطناب والثاني إيجاز وكلاهما موصوف بالمساواة وقد تحدثنا عن الإيجاز فلنتحدث الآن عن الاطناب والمساواة فالاطناب مأخوذ في الأصل من أطنب في الشيء إذا بالغ فيه يقال أطنبت الريح إذا اشتدت في هبوبها وأطنب في السير إذا اشتد فيه وفي اصطلاح البيانيين هو زيادة اللفظ على المعنى لفائدة فإذا لم تكن في الزيادة فائدة سمي تطويلا إن كانت الزيادة غير متعينة وحشوا إن كانت متعينة فالتطويل كقول عنترة بن شداد:
حييت من طلل تقادم عهده
…
أقوى وأقفر بعد أم الهيثم
والحشو كقول زهير بن أبي سلمى:
وأعلم علم اليوم والأمس قبله
…
ولكنني عن علم ما في غد عم
والإطناب يكون بأمور عدة نوجزها فيما يلي:
آ- التأكيد والتقرير وهو يكون حقيقة ومجازا فالحقيقة كقولهم رأيته بعيني وقبضته بيدي ووطئته بقدمي وذقته بفمي وكل هذا يظن الظان أنه لا حاجة إليه فالرؤية لا تكون إلا بالعين والقبض لا يكون إلا باليد والوطء لا يكون إلا بالقدم والذوق لا يكون إلا بالفم وليس الأمر كما توهم بل يطرد في كل ما يعزّ مناله ويعظم الوصول إليه ومن أمثلته البديعة في الشعر قول البحتري:
تأمل من خلال السجف وانظر
…
بعينك ما شربت ومن سقاني
تجد شمس الضحى تدنو بشمس
…
إليّ من الرحيق الخسرواني
ولما كان الحضور في هذا المجلس مما يعز وجوده ومناله وكان الساقي بهذه المثابة من الحسن قال انظر بعينك. وعلى هذا ورد الكثير منه في القرآن الكريم فقال تعالى: «ذلك قولكم بأفواهكم» والمجاز كقوله تعالى: «فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور» ففائدة ذكر الصدور هنا انه قد تعورف وعلم أن العمى على الحقيقة مكانه البصر وهو أن تصاب الحدقة بما يطمس نورها واستعماله في القلب تشبيه وتمثيل فلما أريد إثبات ما هو خلاف ما تعورف وعلم من نسبة العمى الى القلوب احتاج الأمر إلى زيادة تصوير وتعريف ليقرر أن مكان العمى هو القلوب لا الصدور.
ب- ذكر الخاص بعد العام: كقوله تعالى «تنزل الملائكة والروح فيها» فقد خص الله سبحانه الروح بالذكر وهو جبريل مع انه داخل في عموم الملائكة تكريما له وتعظيما لشأنه وكأنه من جنس آخر ففائدة الزيادة هنا التنويه الخاص.
ج- ذكر العام بعد الخاص: كقوله تعالى: «ربي اغفر لي ولوالديّ ولمن دخل بيتي مؤمنا وللمؤمنين والمؤمنات» فقد ذكر الله سبحانه المؤمنين والمؤمنات وهما لفظان عامان يدخل في عمومهما من ذكر قبل ذلك والغرض من هذه الزيادة إفادة الشمول مع العناية بالخاص ذكره مرة وحده ومرة مندرجا تحت العام.
د- الإيضاح بعد الإبهام: كقوله تعالى: «وقضينا إليه ذلك الأمر أن دابر هؤلاء مقطوع مصبحين» فقوله ذلك الأمر إبهام وقوله أن دابر هؤلاء مقطوع مصبحين إيضاح للإبهام الذي تضمنه لفظ الأمر لزيادة تقرير المعنى في ذهن السامع مرة على طريق الإجمال والإبهام، ومرة على طريق التفصيل والإيضاح.
هـ- التكرار لتقرير المعنى: وهذا موضوع جم الشعاب متعدد المسالك نحتاج إلى مجلدات لإحصائه ولكننا نذكر ما هو بمثابة الدليل والرائد لغيره كقول عنترة بن شداد في بعض روايات معلقته:
يدعون عنتر والسيوف كأنها
…
لمع البوارق في سحاب مظلم
يدعون عنتر والرماح كأنها
…
أشطان بئر في لبان الأدهم
فالتكرار في بيتي عنترة تقرير المعنى في نفس السامع وترسيخه في ذهنه وهو هنا لداعي الفخر ويطرد في الخطابة وفي مواطن الفخر والمدح والإرشاد والانذار وقد يكون للتحسر كقول الحسين بن مطير يرثي معن بن زائدة:
فيا قبر معن أنت أول حفرة
…
من الأرض خطّت للسماحة موضعا
ويا قبر معن كيف واريت جوده
…
وقد كان منه البر والبحر مرتعا
ومنها طول الفصل كقول الشاعر:
لقد علم الحيّ اليمانون أنني
…
إذا قلت أما بعد اني خطيبها
والاعتراض: وهو أن يؤتى في أثناء الكلام أو بين كلامين متصلين في المعنى بجملة أو أكثر لا محل لها من الإعراب لغرض يقصد إليه البليغ وقد تقدم ذكره ومنه قول النابغة الجعدي:
ألا زعمت بنو سعد بأني- ألا كذبوا- كبير السن فان
فقد جاءت جملة «ألا كذبوا» معترضة بين اسم ان وخبرها للاسراع الى التنبيه على كذب من رماه بالكبر.
ز- التذييل: وهو تعقيب الجمل بجملة أخرى تشتمل على معناها توكيدا لها كقول الحطيئة:
تزور فتى يعطي على الحمد ماله
…
ومن يعط أثمان المحامد يحمد
فإن المعنى تم في الشطر الأول ثم ذيل بالشطر الثاني للتوكيد.
ح- الاحتراس: وقد تقدم بحثه ومنه قول ابن المعتز:
صببنا عليها ظالمين سياطنا
…
فطارت بها أيد سراع وأرجل
فلو أسقطنا كلمة «ظالمين» لتوهم السامع أن فرس ابن المعتز كانت بليدة تستحق الضرب وهذا خلاف المقصود.
هذا وستأتي أمثلة من الاطناب في مواضعها من هذا الكتاب.
أما المساواة فهي أن تكون المعاني بقدر الألفاظ والألفاظ بقدر المعاني لا يزيد بعضها على بعض ولا ينقص عنه وقد تقدم التمثيل لها بقوله تعالى: «إن الله يأمر بالعدل والإحسان» إلخ ومن أمثلتها في الشعر قول النابغة الذبياني:
فانك كالليل الذي هو مدركي
…
وان خلت أن المنتأى عنك واسع