الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
َ أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ)
وأعلم عطف على أشكو، ومن الله متعلقان بأعلم، أي أعلم من صنعه ورحمته وحسن ظني به، وما مفعول به وجملة لا تعلمون صلة.
البلاغة:
1-
في قوله تعالى «واسأل القرية» مجاز مرسل إذ المراد أهلها والعلاقة المحلية وقد تقدمت نظائر كثيرة لهذا المجاز وأراد بالقرية مصر أي أرسل الى أهلها فاسألهم عن تفاصيل هذه القصة وكذلك قوله «والعير التي أقبلنا فيها» أي أصحاب العير.
2-
في قوله «تالله تفتأ تذكر يوسف حتى تكون حرضا» فن أصيل في البلاغة وهو ما يسمّى «ائتلاف اللفظ مع المعنى» وهو نسمة الحياة في الفن، وعموده الذي يقوم عليه ويتلخص بأن تكون ألفاظ المعنى المراد متلائمة بعضها مع بعض ليس فيها لفظة نابية أو قلقة عن أخواتها بحيث يمكن استبدالها ولا بد من ملاحظة أشياء ثلاثة في هذا الصدد وهي:
آ- اختيار الألفاظ المفردة وحكم ذلك حكم اللآلئ المبدّدة فانها تتخير وتنتقى قبل النظم.
ب- نظم كل كلمة مع أختها المشكلة لها.
ج- الغرض المقصود من ذلك الكلام على اختلاف أنواعه وهذا الموضع جم الشعاب دقيق المسلك يضل عنه الكثيرون إلا من أشرقت نفوسهم بضياء المعرفة واليقين وسنورد أمثلة منه قبل أن تتناول الآية
فمن ذلك قوله تعالى: «وما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه» وقوله تعالى «رب إني نذرت لك ما في بطني محررا» فاستعمل الجوف في الأولى واستعمل البطن في الثانية ولم يستعمل الجوف موضع البطن ولا البطن موضع الجوف واللفظتان سواء في الدلالة وهما ثلاثيتان في عدد واحد ووزنهما واحد أيضا ولو استعمل هذه موضع تلك لكان الكلام نافرا قلقا وعلى هذا ورد قول الأعرج من أبيات الحماسة:
نحن بنو الموت إذا الموت نزل
…
لا عار بالموت إذا حم الأجل
الموت أحلى عندنا من العسل وقال أبو الطيب المتنبي:
إذا شئت حفت بي على كل سابح
…
رجال كأن الموت في فمها شهد
فهاتان لفظتان هما العسل والشهد وكلاهما حسن مستعمل لا يشك في حسنه واستعماله وقد وردت لفظة العسل في القرآن دون لفظة الشهد لأنها أحسن منها ومع هذا فإن لفظة الشهد وردت في بيت أبي الطيب فجاءت أحسن من لفظة العسل في بيت الأعرج.
ويجمل بنا لإيضاح هذا الفن واظهار خصائصه الرفيعة اقتباس فصل ممتع لابن الأثير في كتابه «المثل السائر» قال: «وقد رأيت جماعة من الجهال إذا قيل لأحدهم إن هذه اللفظة حسنة وهذه قبيحة أنكر ذلك وقال: كل الألفاظ حسن والواضع لم يضع إلا حسنا ومن يبلغ جهله إلى أن لا يفرق بين لفظة الغصن ولفظة العسلوج وبين لفظة المدامة ولفظة الإسفنط وبين لفظة السيف ولفظة الخنشليل وبين لفظة الأسد ولفظة الفدوكس فلا ينبغي أن يخاطب ولا يجاب بجواب بل
يترك وشأنه كما قيل: اتركوا الجاهل ولو ألقي الجعر في رحله وما مثاله في هذا المقام إلا كمن يسوي بن صورة زنجية سوداء مظلمة السواد، سوهاء الخلق، ذات عين محمرة، وشفة غليظة كأنها كلوة، وشعر قطط كأنه زبيبة وبين صورة رومية بيضاء مشربة بحمرة ذات خدّ أسيل، وطرف كحيل، ومبسم كأنما نظم من أقاح، وطرّة كأنها ليل على صباح، فإذا كان انسان من سقم النظر أن يسوي بين هذه الصورة وهذه فلا يبعد أن يكون به من سقم الفكر أن يسوي بين هذه الألفاظ وهذه ولا فرق بين النظر والسمع في هذا المقام» .
أقسام الألفاظ: والواقع أن الألفاظ تنقسم في الاستعمال الى جزلة ورقيقة ولكل منها مواضع يحسن استعمالها فيه فالجزل يستعمل في مواقف الشدة وقوارع التهديد والتخويف، والرقيق يستعمل في وصف نباريح الأشواق، ولوعة الفراق، والآية التي نحن بصددها من أروع الأمثلة على ذلك فإنه سبحانه لما أتى بأغرب ألفاظ القسم بالنسبة الى أخواتها وهي التاء لأن الواو والباء أكثر دورانا على الألسنة منها أتى سبحانه بأغرب صيغ الأفعال الناقصة التي ترفع الأسماء وتنصب الأخبار بالنسبة الى أخواتها وهي تفتأ وحذف منها حرف النفي زيادة في الاغراب ولأن المقام لا يلتبث بالاثبات على حد قول امرئ القيس:
فقلت: يمين الله أبرح قاعدا
…
ولو قطعوا رأسي لديك وأوصالي
وكذلك لفظ «حرضا» أغرب من جميع أخواتها من ألفاظ الهلاك فاقتضى حسن النظم وحسن الوضع فيه أن تجاور كل لفظة بلفظة من جنسها في الغرابة والاستعمال توخيا لحسن الجوار ورغبة في