الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إِلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنِيَ الله بِرَحْمَتِهِ"
(1)
فما هو الجَمْعُ بين هذا الحديث وبين هذه الآية وأمثالهِا؟
قال أهلُ العِلْمِ: إنَّ الجَمْعَ بينهما اختلافٌ في معنى الباء، فالباءُ التي للسَبَبِيَّة هي الموجودة في مثل هذه الآيَةِ {جَزَاءً بِمَا كَانُوا} أي بِسَبَبِ ما كانوا يعملونَ، والباء التي للعِوَضِ هي المذكورَةُ في قوله:"لَنْ يَدْخُلَ الجَنَّةَ أَحَدٌ بِعَمَلِهِ" أي: عِوَضًا عن عمله؛ لأنَّنا لو أَرَدْنا المعاوضَةَ والمُقاصَّةَ لَظَهر العامِلُ مغبونًا مطلوبًا، ولكان العامِلُ مهما عَمِلَ من الصَّالحاتِ فهو مطلوبٌ، ونِعْمَةٌ واحدة من نِعَمِ الله عليك تَسْتَوْعِبُ جميع الأعمالِ.
من فوائد الآية الكريمة:
الْفَائِدَةُ الأُولَى:
في هذه الآيَةِ الدَّليلُ على عِظَمِ نَعيمِ الجَنَّة، يُؤخَذُ من قوله سبحانه وتعالى:{فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} لأنَّه لا شكَّ أنَّ الإبهامَ يدلُّ على التَّفْخِيم، كما قلنا في التَّفْسيرِ.
الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ:
أنَّ في الجنَّة من قُرَّةِ العَيْن في المأكولِ والملبوسِ والمنْكوحِ والمسْكَنِ ما لا يَخْطُر على البالِ؛ لأن كلَّ هذه الأرْبَعَة تَقَرُّ بها العَيْنُ؛ وقيل:
وَلُبْسُ عَبَاءَةٍ وَتَقَرَّ عَيْنِي
…
أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ لُبْسِ الشُّفُوفِ
(2)
الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ:
فَضْلُ الله عز وجل على العبادِ المؤمنينَ، فَضْلُه السَّابِقُ واللاحِقُ، فالسَّابقُ أنْ وفَّقَهُم للإيمان والعَمَل الصَّالح، واللَّاحِقُ أنْ جَعَلَ هذا الجزاءَ على عَمَلِه؛
(1)
أخرجه البخاري: كتاب المرضى، باب تمني المريض الموت، رقم (5673)، ومسلم: كتاب صفة القيامة، باب لن يدخل أحد الجنة بعمله بل برحمة الله تعالى، رقم (2816)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(2)
البيت لمَيْسون بنت بَحْدل، انظر: الكتاب لسيبويه (3/ 45)، وخزانة الأدب (8/ 503).
قال تعالى: {جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} كأنَّ هذه النِّعَم التي في الجَنَّة جزاءٌ على عَمَلٍ لهم، بل هي حقيقة العَمَل لهم، لكن فيه: أنَّ الفَضْل من الله عز وجل عليهم كأنَّه فَضْلٌ منهم على أنْفُسِهِم؛ لقوله سبحانه وتعالى: {جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} مِثْل قوله سبحانه وتعالى: {هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ} فإحسانُ العَمَلِ بإحسانِ الجزاء، ومثل قوله تعالى:{إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا} إذ يَمُنُّ عليهم بالسَّعْيِ الحميدِ، ثم يَشْكُرُهم عليه، يَمُنُّ عليهم هنا بالتَّوْفيقِ للهدايَةِ، ثم يقول: أُجازيكُم على عَمَلِكم، وهذا لا شَكَّ أنه من تمامِ نِعْمَة الله عز وجل.
* * *