الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الآية (6)
* قالَ الله عز وجل: {ذَلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} [السجدة: 6].
* * *
قوله تعالى: {ذَلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ} قال رحمه الله: [{ذَلِكَ} الخالِقُ المدَبِّرُ] وأتى باسْمِ الإشارَةِ الدَّالَة على البُعْد؛ لِعِظَمِ شأنِهِ وعُلُوِّهِ تبارك وتعالى، وقوله [الخالِقُ المدَبِّرُ] الذي تقدم من الصِّفاتِ: الخالِق، المستوي على عَرْشِه، المدَبِّر لخَلْقِه.
والإستواءُ على عرشه من أَهَمِّ ما يكونُ في هذا المقامِ؛ لأنَّه مع عُلُوِّه لا يخفى عليه ما غاب ولا ما شُوهِدَ، فكان ينبغي أن يَذْكُرَه المُفَسِّر مع هذا.
فهو الخالِقُ، وهو المدَبِّر، وهو المُسْتَوِي على عَرْشِه، ومع عُلُوِّه واسْتِوَائه على عَرْشِه لا يخفى عليه شيءٌ، ومع خَلْقِه أيضًا وتَدْبيرِهِ لا يخفى عليه شيءٌ، ولهذا الرَّبُّ سبحانه وتعالى أعلَمُ منك بنفسِكَ؛ لأنَّه هو الخالِقُ، فهو الذي خلق جِسْمَك، وهو الذي يُنمِّيه، وإذا نَما الجِسْمُ بمقدارِ ذرَّةٍ، فإنَّ الله تعالى قد خلق هذا النُّمُوَّ، وأنت لا تَشْعُرُ بما ينمو في جِسْمِك بمقدارِ ذرَّةٍ.
إِذَن: فالله أعْلَمُ منك بنَفْسِك؛ لأنَّه الخالِقُ وهو المدَبِّرُ، وهو المستوي على عَرْشِه.
قوله رحمه الله: [{عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ} أي: ما غاب عن الخَلْقِ وما حَضَرَ] الغَيْبُ: ما غاب عن الخَلْق، وهو نوعان: غَيْبٌ مُطْلَقٌ لا يَعْلَمُه إلا الله، وغَيْبٌ نِسْبِيٌّ؛
بحيث يكون غائبًا عن شَخْصٍ غيرَ غائبٍ عن آخَرَ، والمراد كلاهما؛ فالله سبحانه وتعالى يَعْلَمُ ما غاب عن الخَلْقِ غَيْبًا مُطْلقًا بحيث لا يَعْلَمُه أحدٌ، وما غاب عنهما غيبًا نسبيًّا؛ فمثلًا الآن الذي في الشَّارِعِ غائِبٌ عنَّا لا نعلمه، لكنَّ الذين هناك يَعْلَمُونه، وما هنا نحن نَعْلَمُه، وهم لا يَعْلَمُونه؛ فهذا الغَيْبُ النِّسْبيُّ؛ أما عِلْمُ المستَقْبَلِ، وما يكون مِمَّا لم يُخْبِرْنا الله به، فإنه غَيْبٌ مُطْلَقٌ.
وقوله عز وجل: {وَالشَّهَادَةِ} الشَّهادة يقول رحمه الله إنَّها الحُضُورُ؛ لأنَّ (شَهِدَ) بمعنى حضر وبمعنى أخبر؛ فلها معانٍ، فهنا المرادُ بالشَّهادةِ الحاضِرُ، فهو يَعْلَمُ الغائِبَ والحاضِرَ سبحانه وتعالى.
وقوله رحمه الله: [{الْعَزِيزُ} المَنيعُ في مُلْكِهِ {الرَّحِيمُ} بأَهْلِ طاعَتِهِ]{الْعَزِيزُ} فسَّرَه المُفَسِّر بأنه [المنيعُ في مُلْكِهِ] ودائمًا يمر علينا في تفسيرِ المُفَسِّر نفسه فيقول: العزيزُ بمعنى الغالِب، وقد سبق لنا: أنَّ العزيزَ هو منِ اتَّصَفَ بالعِزَّة، وأنَّ العِزَّةَ ثلاثَةُ معانٍ: عِزَّةُ القَدْرِ، وعِزَّةُ القَهْرِ، وعِزَّةُ الإمتناعِ.
فإذا قُلْتَ: هذا الشَّيءُ عزيزٌ؛ بمعنى أنه ذو قَدْرٍ، كما يقول قائِلٌ لأخيه: أنت عزيزٌ عندي؛ يعني: لك قَدْرٌ عندي ومَنْزِلَةٌ، وعزيزُ القَهْرِ؛ كما يُقال:{وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا} [الفتح: 3] يعني: تَقْهَرُ به الأَعْداءَ. والثَّالث: عِزَّة الإمْتِناعِ، وهذا كما يُقال في الأشياء النَّادِرَة: هذا عزيزٌ، وكما في قوله سبحانه وتعالى:{وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ} [إبراهيم: 20] أي: بمُمْتَنِعٍ.
فمعنى الإمتناع باعتبارِ كوْنِهِ صفةً لله: أنه يَمْتَنِعُ أن يناله نَقْصٌ في ذاتِهِ أو صِفاتِهِ؛ ولهذا يقول المُفَسِّر هنا [المنيعُ في مُلْكِه] فلا يَلْحَقُه نقصٌ لا في ذاتِهِ ولا في صفاتِهِ.