الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في الصور". وَالصِّوَرُ (بِكَسْرِ الصَّادِ) لُغَةٌ فِي الصُّوَرِ «1» جَمْعُ صُورَةٍ وَالْجَمْعُ صِوَارٌ، وَصِيَارٌ (بِالْيَاءِ) لُغَةٌ فِيهِ. وَقَالَ عَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ: قَرَأَ عِيَاضٌ" يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ" فَهَذَا يَعْنِي بِهِ الْخَلْقَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. قُلْتُ: وَمِمَّنْ قَالَ إِنَّ الْمُرَادَ بِالصُّورِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ جَمْعُ صُورَةٍ أَبُو عُبَيْدَةَ. وَهَذَا وَإِنْ كَانَ مُحْتَمِلًا فَهُوَ مَرْدُودٌ بِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ. وَأَيْضًا لَا يُنْفَخُ فِي الصُّورِ لِلْبَعْثِ مَرَّتَيْنِ، بَلْ يُنْفَخُ فِيهِ مَرَّةً وَاحِدَةً، فَإِسْرَافِيلُ عليه السلام يَنْفُخُ فِي الصُّوَرِ الَّذِي هُوَ الْقَرْنُ وَاللَّهُ عز وجل يُحْيِي الصُّوَرَ. (وَفِي التَّنْزِيلِ" فَنَفَخْنا فِيهِ مِنْ رُوحِنا «2» "). قوله تعالى: عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ برفع" عالِمُ" صفة" الَّذِي"، أَيْ وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ عَالِمُ الْغَيْبِ. وَيَجُوزُ أَنْ يَرْتَفِعَ عَلَى إِضْمَارِ الْمُبْتَدَأِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ قَرَأَ" يَنْفُخُ" فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْفَاعِلُ" عالِمُ الْغَيْبِ"، لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ النَّفْخُ فِيهِ بِأَمْرِ اللَّهِ عز وجل كَانَ مَنْسُوبًا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ارْتَفَعَ (عالِمُ) حَمْلًا عَلَى المعنى، كما أنشد سيبويه:
لبيك «3» يَزِيدُ ضَارِعٍ لِخُصُومَةٍ
وَقَرَأَ الْحَسَنُ وَالْأَعْمَشُ" عَالِمِ" بِالْخَفْضِ عَلَى الْبَدَلِ مِنَ الْهَاءِ (الَّتِي)«4» فِي" لَهُ".
[سورة الأنعام (6): آية 74]
وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْناماً آلِهَةً إِنِّي أَراكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (74)
(1). نقل المؤلف هنا ما في الصحاح، وقد حذف منه ما جعل المراد غير واضح. وعبارة:"
…
وقرأ الحسن (يوم ينفخ في الصور) وَالصِّوَرُ بِكَسْرِ الصَّادِ لُغَةٌ فِي الصُّوَرِ جَمْعُ صُورَةٍ. ينشد هَذَا الْبَيْتُ عَلَى هَذِهِ اللُّغَةِ يَصِفُ الْجَوَارِيَ:
أَشْبَهْنَ مِنْ بَقَرِ الْخَلْصَاءِ أَعْيُنَهَا
…
وَهُنَّ أَحْسَنُ مِنْ صِيرَانِهَا صِوَرَا
وَالصِّيرَانُ جَمْعُ صِوَارٍ وَهُوَ الْقَطِيعُ مِنَ الْبَقَرِ. وَالصِّوَارِ أَيْضًا وِعَاءُ الْمِسْكِ، وقد جمعهما الشاعر بقوله:
إذا لاح الصور ذَكَرْتُ لَيْلَى
…
وَأَذْكُرُهَا إِذَا نَفَحَ الصِّوَارُ
وَالصِّيَارُ لغة فيه".
(2)
. من ج وك وع. راجع ج 18 ص 302.
(3)
. هذا صدر بيت للحارث ابن نهيك، وتمامه كما في كتاب سيبويه:
ومخبط مما تطيح الطوائح
وصف أنه كان مقيما لحجة المظلوم ناصرا له. والمختبط: الطالب المعروف. وتطيح: تذهب وتهلك.
(4)
. من ج وك.
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ) تَكَلَّمَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذَا، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الْجُوَيْنِيُّ الشَّافِعِيُّ الْأَشْعَرِيُّ فِي النُّكَتِ مِنَ التَّفْسِيرِ لَهُ: وَلَيْسَ بين الناس اختلاف، كأن اسْمَ وَالِدِ إِبْرَاهِيمَ تَارَحَ «1». وَالَّذِي فِي الْقُرْآنِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ اسْمَهُ آزَرَ. وَقِيلَ: آزَرَ عِنْدَهُمْ ذَمٌّ فِي لُغَتِهِمْ، كَأَنَّهُ قَالَ: وَإِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا مُخْطِئُ" أَتَتَّخِذُ أَصْناماً آلِهَةً" وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَالِاخْتِيَارُ الرَّفْعُ. وَقِيلَ: آزَرَ اسْمُ صَنَمٍ. وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَمَوْضِعُهُ نَصْبٌ عَلَى إِضْمَارِ الْفِعْلِ، كَأَنَّهُ قَالَ: وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ أَتَتَّخِذُ آزَرَ إِلَهًا، أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً. قُلْتُ: مَا ادَّعَاهُ مِنَ الِاتِّفَاقِ لَيْسَ عَلَيْهِ وِفَاقٌ، فَقَدْ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ وَالْكَلْبِيُّ وَالضَّحَّاكُ: إِنَّ آزَرَ أَبُو إِبْرَاهِيمَ عليه السلام وهو تاريخ، مِثْلَ إِسْرَائِيلَ وَيَعْقُوبَ، (قُلْتُ «2») فَيَكُونُ لَهُ اسْمَانِ كما تقدم. وقال مقاتل: آزر لقب، وتارخ اسْمٌ: وَحَكَاهُ الثَّعْلَبِيُّ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ الْقُشَيْرِيِّ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَلَى الْعَكْسِ. قَالَ الْحَسَنُ: كَانَ اسْمُ أَبِيهِ آزَرَ. وَقَالَ سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ: هُوَ سَبٌّ وَعَيْبٌ، وَمَعْنَاهُ فِي كَلَامِهِمْ: الْمُعْوَجُّ. وَرَوَى الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّهَا أَعْوَجُ، وَهِيَ أَشَدُّ كَلِمَةٍ قَالَهَا إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: مَعْنَى آزَرَ الشَّيْخُ الْهِمِّ «3» بِالْفَارِسِيَّةِ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: هِيَ صِفَةُ ذَمٍّ بلغتهم، كأن قَالَ يَا مُخْطِئُ، فِيمَنْ رَفَعَهُ. أَوْ كَأَنَّهُ قَالَ: وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ الْمُخْطِئِ، فِيمَنْ خفض. ولا ينصرف لأنه على أفعل، قال النَّحَّاسُ. وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: آزَرَ اسْمٌ أَعْجَمِيٌّ، وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنْ آزَرَ فُلَانٌ فُلَانًا إِذَا عَاوَنَهُ، فَهُوَ مُؤَازِرٌ قَوْمَهُ عَلَى عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ وَقِيلَ: هُوَ مُشْتَقٌّ مِنَ الْقُوَّةِ، وَالْأَزْرُ الْقُوَّةُ، عَنِ ابْنِ فَارِسٍ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَيَمَانٌ: آزَرُ اسْمُ صَنَمٍ. وَهُوَ فِي هَذَا التَّأْوِيلِ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ، التَّقْدِيرُ: أَتَتَّخِذُ آزَرَ إِلَهًا، أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا. وَقِيلَ: فِي الْكَلَامِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ، التَّقْدِيرُ: أَتَتَّخِذُ آزَرَ أَصْنَامًا. قُلْتُ: فَعَلَى هَذَا آزَرَ اسْمُ جِنْسٍ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ الثَّعْلَبِيُّ فِي كِتَابِ الْعَرَائِسِ: إِنَّ اسْمَ أَبِي إِبْرَاهِيمَ الَّذِي سَمَّاهُ بِهِ أَبُوهُ تَارَحُ، فَلَمَّا صَارَ مَعَ النُّمْرُوذِ قَيِّمًا عَلَى خِزَانَةِ آلِهَتِهِ سَمَّاهُ آزَرَ «4». وَقَالَ مُجَاهِدٌ: إِنَّ آزَرَ لَيْسَ بِاسْمِ أَبِيهِ وَإِنَّمَا هُوَ اسْمُ صَنَمٍ. وَهُوَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ تَارَحَ بن ناخور بن ساروع
(1). في ج وك بالمعجمة، وفي ع بالمهملة. وفي جمل: ضبطه بعضهم بالحاء المهملة وبعضهم بالخاء المعجمة.
(2)
. من ج وك وع.
(3)
. الهم (بكسر الهاء): الشيخ الفاني. وفي ك: الهرم، وكذا قال الفراء.
(4)
. لعل هذا هو الصحيح كما في لغة الفينيقيين إزربعل: سادن الصنم بعل.