الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِأَبِي: (ابْنُكَ هَذَا)؟ قَالَ: أَيْ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ. قَالَ: (حَقًّا). قَالَ: أَشْهَدُ بِهِ. قَالَ: فَتَبَسَّمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ضَاحِكًا مِنْ ثَبْتِ «1» شَبَهِي فِي أَبِي، وَمِنْ حَلِفِ أَبِي عَلَيَّ. ثُمَّ قَالَ:(أَمَا إِنَّهُ لَا يَجْنِي عَلَيْكَ وَلَا تَجْنِي عَلَيْهِ). وَقَرَأَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم" وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ". وَلَا يُعَارَضُ مَا قُلْنَاهُ أَوَّلًا بِقَوْلِهِ:" وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالًا مَعَ أَثْقالِهِمْ «2» "، فَإِنَّ هَذَا مُبَيَّنٌ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى قَوْلُهُ:" لِيَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ كامِلَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ وَمِنْ أَوْزارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ «3» ". فَمَنْ كَانَ إِمَامًا فِي الضَّلَالَةِ وَدَعَا إِلَيْهَا وَاتُّبِعَ عَلَيْهَا فَإِنَّهُ يَحْمِلُ وِزْرَ مَنْ أَضَلَّهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ وِزْرِ المضل «4» شي، عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تعالى.
[سورة الأنعام (6): آية 165]
وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (165)
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ" خَلائِفَ" جَمْعُ خَلِيفَةٍ، كَكَرَائِمَ جَمْعُ كَرِيمَةٍ. وَكُلُّ مَنْ جَاءَ بَعْدَ مَنْ مَضَى فَهُوَ خَلِيفَةٌ. أَيْ جَعَلَكُمْ خَلَفًا لِلْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ وَالْقُرُونِ السَّالِفَةِ. قَالَ الشَّمَّاخُ:
تُصِيبُهُمْ وَتُخْطِئُنِي الْمَنَايَا
…
وَأَخْلُفُ فِي رُبُوعٍ عَنْ رُبُوعِ
(وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ) فِي الْخَلْقِ وَالرِّزْقِ وَالْقُوَّةِ وَالْبَسْطَةِ وَالْفَضْلِ وَالْعِلْمِ. (دَرَجاتٍ) نُصِبَ بِإِسْقَاطِ الْخَافِضِ، أَيْ إِلَى دَرَجَاتٍ. (لِيَبْلُوَكُمْ) نُصِبَ بِلَامِ كَيْ. وَالِابْتِلَاءُ الِاخْتِبَارُ، أَيْ لِيُظْهِرَ مِنْكُمْ مَا يَكُونُ غَايَتَهُ الثَّوَابُ وَالْعِقَابُ. وَلَمْ يَزَلْ بِعِلْمِهِ غَنِيًّا، فَابْتَلَى الْمُوسِرَ: بِالْغِنَى وَطَلَبَ مِنْهُ الشُّكْرَ، وَابْتَلَى الْمُعْسِرَ بِالْفَقْرِ وَطَلَبَ مِنْهُ الصَّبْرَ. وَيُقَالُ:" لِيَبْلُوَكُمْ" أَيْ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ. كَمَا قَالَ:" وَجَعَلْنا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً «5» " عَلَى مَا يأتي بيانه. ثم خوفهم
(1). كذا في الأصول أي استقرار وفى سنن أبى داود: بين. [ ..... ]
(2)
. راجع ج 13 ص 330. وص 12.
(3)
. راجع ج 10 ص 96.
(4)
. في ك: المظلين.
(5)
. راجع ج 13 ص 330. وص 12.
فَقَالَ: (إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقابِ) لِمَنْ عَصَاهُ. (وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) لِمَنْ أَطَاعَهُ. وَقَالَ:" سَرِيعُ الْعِقابِ" مَعَ وَصْفِهِ سُبْحَانَهُ بِالْإِمْهَالِ، وَمَعَ أَنَّ عِقَابَ النَّارِ فِي الْآخِرَةِ، لِأَنَّ كُلَّ آتٍ قَرِيبٌ، فَهُوَ سَرِيعٌ عَلَى هَذَا. كَمَا قَالَ تَعَالَى:" وَما أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ «1» ". وَقَالَ" يَرَوْنَهُ بَعِيداً. وَنَراهُ قَرِيباً «2» ". وَيَكُونُ أَيْضًا سَرِيعَ الْعِقَابِ لِمَنِ اسْتَحَقَّهُ في دار الدنيا، فيكون تحذير المواقع «3» الْخَطِيئَةِ عَلَى هَذِهِ الْجِهَةِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. تَمَّتْ سُورَةُ الْأَنْعَامِ بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى وَصَلَوَاتُهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا «4» .
(1). راجع ج 10 ص 150.
(2)
. راجع ج 18 ص 283.
(3)
. في ز: لمواقعة.
(4)
. من ك.