الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[سورة الأنعام (6): آية 120]
وَذَرُوا ظاهِرَ الْإِثْمِ وَباطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِما كانُوا يَقْتَرِفُونَ (120)
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَذَرُوا ظاهِرَ الْإِثْمِ وَباطِنَهُ) لِلْعُلَمَاءِ فِيهِ أَقْوَالٌ كَثِيرَةٌ وَحَاصِلُهَا رَاجِعٌ إِلَى أَنَّ الظَّاهِرَ مَا كَانَ عَمَلًا بِالْبَدَنِ مِمَّا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ، وَبَاطِنَهُ مَا عَقَدَ بِالْقَلْبِ مِنْ مُخَالَفَةِ أَمْرِ اللَّهِ فِيمَا أَمَرَ وَنَهَى، وَهَذِهِ الْمَرْتَبَةُ لَا يَبْلُغُهَا إِلَّا مَنِ اتَّقَى وَأَحْسَنَ، كَمَا قَالَ:" ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا". وَهِيَ الْمَرْتَبَةُ الثَّالِثَةُ. حَسَبَ مَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي الْمَائِدَةِ «1» . وَقِيلَ: هُوَ مَا كَانَ عَلَيْهِ الْجَاهِلِيَّةُ من الزنا الظاهر واتخاذ الحلائل فِي الْبَاطِنِ. وَمَا قَدَّمْنَا جَامِعٌ لِكُلِّ إِثْمٍ (وموجب لكل أمر «2» .
[سورة الأنعام (6): آية 121]
وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ لِيُجادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ (121)
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ) فِيهِ خَمْسُ مَسَائِلَ: الْأُولَى- رَوَى أَبُو دَاوُدَ قَالَ: جَاءَتِ الْيَهُودِ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا: نَأْكُلُ مِمَّا قَتَلْنَا وَلَا نَأْكُلُ مِمَّا قَتَلَ اللَّهُ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل:" وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ" إِلَى آخِرِ الْآيَةِ. وَرَوَى النَّسَائِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:" وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ" قَالَ: خَاصَمَهُمُ «3» الْمُشْرِكُونَ فَقَالُوا: مَا ذَبَحَ اللَّهُ فَلَا تَأْكُلُوهُ وَمَا ذَبَحْتُمْ أَنْتُمْ أَكَلْتُمُوهُ، فَقَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ لَهُمْ: لَا تَأْكُلُوا، فَإِنَّكُمْ لَمْ تَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا. وَتَنْشَأُ هُنَا مَسْأَلَةٌ أُصُولِيَّةٌ، وَهِيَ: الثَّانِيَةُ- وَذَلِكَ أَنَّ اللَّفْظَ الْوَارِدَ عَلَى سَبَبٍ هَلْ يُقْصَرُ عَلَيْهِ أَمْ لَا، فَقَالَ عُلَمَاؤُنَا: لَا إِشْكَالَ فِي صِحَّةِ دَعْوَى الْعُمُومِ فِيمَا يَذْكُرُهُ الشَّارِعُ ابْتِدَاءً مِنْ صِيَغِ أَلْفَاظِ الْعُمُومِ. أَمَّا ما ذكره
(1). راجع ج 6 ص 293.
(2)
. من ك.
(3)
. أي خاصم المؤمنين المشركين.
جَوَابًا لِسُؤَالٍ فَفِيهِ تَفْصِيلٌ، عَلَى مَا هُوَ مَعْرُوفٌ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ، إِلَّا أَنَّهُ إِنْ أَتَى بِلَفْظٍ مُسْتَقِلٍّ دُونَ السُّؤَالِ لَحِقَ بِالْأَوَّلِ في صحة القصد إلى التعميم. فقول:" لا تَأْكُلُوا" ظاهر في تناول الميتة، وتدخل فِيهِ مَا ذُكِرَ عَلَيْهِ غَيْرُ اسْمِ اللَّهِ بِعُمُومِ أَنَّهُ لَمْ يُذْكَرْ عَلَيْهِ اسْمُ اللَّهِ، وَبِزِيَادَةِ ذِكْرِ غَيْرِ اسْمِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ عَلَيْهِ الذي يقتضي تحريمه نصا بقول:" وَما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ
«1» ". وَهَلْ يَدْخُلُ فِيهِ مَا تَرَكَ الْمُسْلِمُ التَّسْمِيَةَ عَمْدًا عَلَيْهِ مِنَ الذَّبْحِ، وَعِنْدَ إِرْسَالِ الصَّيْدِ. اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ عَلَى أَقْوَالٍ خَمْسَةٍ، وَهِيَ (الْمَسْأَلَةُ) 2 (:- الثَّالِثَةُ- الْقَوْلُ) 2 (الْأَوَّلُ-: إِنْ تَرَكَهَا سَهْوًا أَكَلَا جَمِيعًا، وَهُوَ قَوْلُ إِسْحَاقَ وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ. فَإِنْ تَرَكَهَا عَمْدًا لَمْ يُؤْكَلَا، وقال فِي الْكِتَابِ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ وَالثَّوْرِيِّ وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ وَعِيسَى وَأَصْبَغَ، وَقَالَهُ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَعَطَاءٌ، وَاخْتَارَهُ النَّحَّاسُ وَقَالَ: هَذَا أَحْسَنُ، لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى فَاسِقًا إِذَا كَانَ نَاسِيًا. الثَّانِي: إِنْ تَرَكَهَا عَامِدًا أَوْ نَاسِيًا يَأْكُلُهُمَا. وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَالْحَسَنِ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَعَطَاءٍ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ وَعِكْرِمَةَ وَأَبِي عِيَاضٍ وَأَبِي رَافِعٍ وَطَاوُسٍ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى وَقَتَادَةَ. وَحَكَى الزَّهْرَاوِيُّ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ أَنَّهُ قَالَ: تُؤْكَلُ الذَّبِيحَةُ الَّتِي تُرِكَتِ التسمية عليها عمدا أو نسيانا. و (روي «2» عَنْ رَبِيعَةَ أَيْضًا. قَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ: التَّسْمِيَةُ سُنَّةٌ، فَإِذَا تَرَكَهَا الذَّابِحُ نَاسِيًا أُكِلَتِ الذَّبِيحَةُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ. الثَّالِثُ: إِنْ تَرَكَهَا عامدا أو ساهيا «3» حرم أكلها، قال مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَيَّاشِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَنَافِعٌ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ الْخَطْمِيُّ وَالشَّعْبِيُّ، وَبِهِ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُدُ بْنُ عَلِيٍّ وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ. الرَّابِعُ: إِنْ تَرَكَهَا عَامِدًا كُرِهَ أَكْلُهَا، قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ وَالشَّيْخُ أبو بكر من علمائنا.
(1). راجع ج 2 ص 216.
(2)
. من ك.
(3)
. في ك: ناسيا.
الْخَامِسُ: قَالَ أَشْهَبُ: تُؤْكَلُ ذَبِيحَةُ تَارِكِ التَّسْمِيَةِ عَمْدًا إِلَّا أَنْ يَكُونَ مُسْتَخِفًّا، وَقَالَ نَحْوَهُ الطَّبَرِيُّ. (أَدِلَّةٌ «1» قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:" فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ" وَقَالَ:" وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ" فَبَيَّنَ الحالين وأوضح الحكمين. فقول:" لَا تَأْكُلُوا" نَهْيٌ عَلَى التَّحْرِيمِ لَا يَجُوزُ حمله على الكراهة، لتناول فِي بَعْضِ مُقْتَضَيَاتِهِ الْحَرَامَ الْمَحْضَ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَبَعَّضَ، أَيْ يُرَادَ بِهِ التَّحْرِيمُ وَالْكَرَاهَةُ مَعًا، وَهَذَا مِنْ نَفِيسِ الْأُصُولِ. وَأَمَّا النَّاسِي فَلَا خِطَابَ تَوَجَّهَ إِلَيْهِ إِذْ يَسْتَحِيلُ خِطَابُهُ، فَالشَّرْطُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَيْهِ. وَأَمَّا التَّارِكُ لِلتَّسْمِيَةِ عَمْدًا فَلَا يَخْلُو مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ: إِمَّا أَنْ يَتْرُكَهَا إِذَا أَضْجَعَ الذَّبِيحَةَ وَيَقُولَ: قَلْبِي مَمْلُوءٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَتَوْحِيدِهِ فَلَا أَفْتَقِرُ إِلَى ذِكْرٍ بِلِسَانِي، فَذَلِكَ يُجْزِئُهُ لِأَنَّهُ ذَكَرَ اللَّهَ جل جلاله وَعَظَّمَهُ. أَوْ يَقُولُ: إِنَّ هَذَا لَيْسَ بِمَوْضِعِ تَسْمِيَةٍ صَرِيحَةٍ، إِذْ لَيْسَتْ بِقُرْبَةٍ، فَهَذَا أَيْضًا يُجْزِئُهُ. أَوْ يَقُولُ: لَا أُسَمِّي، وَأَيُّ قَدْرٍ لِلتَّسْمِيَةِ، فَهَذَا مُتَهَاوِنٌ فَاسِقٌ لَا تُؤْكَلُ ذَبِيحَتُهُ. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَأَعْجَبُ لِرَأْسِ الْمُحَقِّقِينَ إِمَامِ الْحَرَمَيْنِ حَيْثُ قَالَ: ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى إِنَّمَا شُرِعَ فِي الْقُرَبِ، وَالذَّبْحُ لَيْسَ بِقُرْبَةٍ. وَهَذَا يُعَارِضُ الْقُرْآنَ وَالسُّنَّةَ، قَالَ صلى الله عليه وسلم فِي الصَّحِيحِ:(مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ فَكُلْ). فَإِنْ قِيلَ: الْمُرَادُ بِذِكْرِ اسْمِ اللَّهِ بِالْقَلْبِ، لِأَنَّ الذِّكْرَ يُضَادُّ النِّسْيَانَ وَمَحَلُّ النِّسْيَانِ الْقَلْبُ فَمَحَلُّ الذِّكْرِ الْقَلْبُ، وَقَدْ رَوَى الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ: اسْمُ اللَّهِ عَلَى قَلْبِ كُلِّ مُؤْمِنٍ سَمَّى أَوْ لَمْ يُسَمِّ. قُلْنَا: الذِّكْرُ بِاللِّسَانِ وَبِالْقَلْبِ، وَالَّذِي كَانَتِ الْعَرَبُ تَفْعَلُهُ تَسْمِيَةُ الْأَصْنَامِ وَالنُّصُبِ بِاللِّسَانِ، فَنَسَخَ اللَّهُ ذَلِكَ بِذِكْرِهِ فِي الْأَلْسِنَةِ، وَاشْتُهِرَ ذَلِكَ فِي الشَّرِيعَةِ حَتَّى قِيلَ لِمَالِكٍ: هَلْ يُسَمِّي اللَّهَ تَعَالَى إِذَا تَوَضَّأَ فَقَالَ: أَيُرِيدُ أَنْ يَذْبَحَ. وَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي تَعَلَّقُوا بِهِ مِنْ قَوْلِهِ: (اسْمُ اللَّهِ عَلَى قَلْبِ كُلِّ مُؤْمِنٍ) فَحَدِيثٌ ضَعِيفٌ. وَقَدِ اسْتَدَلَّ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ التَّسْمِيَةَ عَلَى الذَّبِيحَةِ لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ، لِقَوْلِهِ عليه السلام لِأُنَاسٍ سَأَلُوهُ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ قَوْمًا يَأْتُونَنَا بِاللَّحْمِ لَا نَدْرِي أَذَكَرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ أَمْ لَا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:" سَمُّوا اللَّهَ عَلَيْهِ وَكُلُوا". أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ عَائِشَةَ وَمَالِكٌ مُرْسَلًا عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ، لم يختلف عليه في إرساله.
(1). من ب وج وك وع وى. [ ..... ]
وَتَأَوَّلَهُ بِأَنْ قَالَ فِي آخِرِهِ: وَذَلِكَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ. يُرِيدُ قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ عَلَيْهِ" وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ". قَالَ أَبُو عُمَرَ: وَهَذَا ضَعِيفٌ، وَفِي الْحَدِيثِ نَفْسِهِ مَا يَرُدُّهُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ أَمَرَهُمْ فِيهِ بِتَسْمِيَةِ اللَّهِ عَلَى الْأَكْلِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْآيَةَ قَدْ كَانَتْ نَزَلَتْ عَلَيْهِ. وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ مَا قُلْنَاهُ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ كَانَ بِالْمَدِينَةِ، وَلَا يَخْتَلِفُ الْعُلَمَاءُ أَنَّ قوله تَعَالَى:" وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ" نَزَلَ فِي سُورَةِ" الْأَنْعَامِ" بمكة. ومعنى (وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ) أَيْ لَمَعْصِيَةٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَالْفِسْقُ: الْخُرُوجُ. وَقَدْ تَقَدَّمَ «1» . الرَّابِعَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَإِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ) أَيْ يُوَسْوِسُونَ فَيُلْقُونَ فِي قُلُوبِهِمُ الْجِدَالَ بِالْبَاطِلِ. رَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قول:" وَإِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ" يَقُولُونَ: مَا ذَبَحَ اللَّهُ فَلَا تَأْكُلُوهُ، وَمَا ذَبَحْتُمْ أَنْتُمْ فَكُلُوهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ" وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ" قَالَ عِكْرِمَةُ: عَنَى بِالشَّيَاطِينِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ مَرَدَةَ الْإِنْسِ مِنْ مَجُوسِ فَارِسَ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَثِيرٍ: بَلِ الشَّيَاطِينُ الْجِنُّ، وَكَفَرَةُ الْجِنِّ أَوْلِيَاءُ قُرَيْشٍ. وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ قِيلَ لَهُ: إِنَّ الْمُخْتَارَ يَقُولُ: يُوحَى إِلَيَّ فَقَالَ: صَدَقَ، إِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ. (وَقَوْلُهُ:«2» " لِيُجادِلُوكُمْ". يُرِيدُ (قَوْلَهُمْ «3»: مَا قَتَلَ اللَّهُ لَمْ تَأْكُلُوهُ وَمَا قَتَلْتُمُوهُ أَكَلْتُمُوهُ. وَالْمُجَادَلَةُ: دَفْعُ الْقَوْلِ عَلَى طَرِيقِ الْحُجَّةِ بِالْقُوَّةِ، مَأْخُوذٌ مِنَ الْأَجْدَلِ، طَائِرٌ قَوِيٌّ. وَقِيلَ: هُوَ مَأْخُوذٌ مِنَ الْجَدَالَةِ، وَهِيَ الْأَرْضُ، فَكَأَنَّهُ يَغْلِبُهُ بالحجة يقهره حَتَّى يَصِيرَ كَالْمَجْدُولِ بِالْأَرْضِ. وَقِيلَ: هُوَ مَأْخُوذٌ من الجدل، وهو شدة القتل، فَكَأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَفْتِلُ حُجَّةَ صَاحِبِهِ حَتَّى يَقْطَعَهَا «4»، وَتَكُونُ حَقًّا فِي نُصْرَةِ الْحَقِّ وَبَاطِلًا فِي نُصْرَةِ الْبَاطِلِ. الْخَامِسَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ) أَيْ فِي تَحْلِيلِ الْمَيْتَةِ (إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ) فَدَلَّتِ الْآيَةُ عَلَى أَنَّ مَنِ اسْتَحَلَّ شَيْئًا مِمَّا حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى صَارَ بِهِ مُشْرِكًا. وَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ الْمَيْتَةَ نَصًّا، فَإِذَا قَبِلَ تَحْلِيلَهَا مِنْ غَيْرِهِ فَقَدْ أَشْرَكَ. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: إِنَّمَا يَكُونُ الْمُؤْمِنُ بِطَاعَةِ
(1). راجع ج 1 ص 244.
(2)
. من ك.
(3)
. من ك.
(4)
. في ك: يعطلها.