الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلِأَنَّ مَا لَا يَكُونُ تَأْنِيثُهُ حَقِيقِيًّا جَازَ تَذْكِيرُهُ، ذَكَرَهُ الْجَوْهَرِيُّ. وَقِيلَ: أَرَادَ بِالرَّحْمَةِ هُنَا الْمَطَرَ، قَالَهُ الْأَخْفَشُ. قَالَ: وَيَجُوزُ أَنْ يُذَكَّرَ كَمَا يُذَكَّرُ بَعْضُ الْمُؤَنَّثِ. وَأَنْشَدَ:
فَلَا مُزْنَةَ وَدَقَتْ وَدْقَهَا
…
وَلَا أَرْضَ أَبْقَلَ إِبْقَالَهَا «1»
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: ذُكِّرَ" قَرِيبٌ" عَلَى تَذْكِيرِ الْمَكَانِ، أَيْ مَكَانًا قَرِيبًا. قَالَ عَلِيُّ بْنُ سُلَيْمَانَ: وَهَذَا خَطَأٌ، وَلَوْ كَانَ كَمَا قَالَ لَكَانَ" قَرِيبٌ" مَنْصُوبًا فِي الْقُرْآنِ، كَمَا تَقُولُ: إِنَّ زَيْدًا قَرِيبًا مِنْكَ. وَقِيلَ: ذُكِّرَ عَلَى النَّسَبِ، كَأَنَّهُ قَالَ: إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ ذَاتُ قُرْبٍ، كَمَا تَقُولُ: امْرَأَةٌ طَالِقٌ وَحَائِضٌ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: إِذَا كَانَ الْقَرِيبُ فِي مَعْنَى الْمَسَافَةِ يُذَكَّرُ مؤنث، إن كَانَ فِي مَعْنَى النَّسَبِ يُؤَنَّثُ بِلَا اخْتِلَافٍ بَيْنَهُمْ. تَقُولُ: هَذِهِ الْمَرْأَةُ قَرِيبَتِي، أَيْ ذَاتُ قَرَابَتِي، ذَكَرَهُ الْجَوْهَرِيُّ. وَذَكَرَهُ غَيْرُهُ عَنِ الْفَرَّاءِ: يُقَالُ فِي النَّسَبِ قَرِيبَةُ فُلَانٍ، وَفِي غَيْرِ النَّسَبِ يَجُوزُ التَّذْكِيرُ وَالتَّأْنِيثُ، يُقَالُ: دَارُكَ مِنَّا قَرِيبٌ، وَفُلَانَةُ مِنَّا قَرِيبٌ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:" وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً «2» ". وَقَالَ مَنِ احْتَجَّ لَهُ: كَذَا كَلَامُ الْعَرَبِ، كَمَا قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:
لَهُ الْوَيْلُ إِنْ أَمْسَى وَلَا أُمَّ هَاشِمِ
…
قَرِيبٌ وَلَا الْبَسْبَاسَةُ ابْنَةُ يَشْكُرَا
قَالَ الزَّجَّاجُ: وَهَذَا خَطَأٌ، لِأَنَّ سَبِيلَ المذكر والمؤنث أن يجريا على أفعالهما.
[سورة الأعراف (7): آية 57]
وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذا أَقَلَّتْ سَحاباً ثِقالاً سُقْناهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنا بِهِ الْماءَ فَأَخْرَجْنا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ كَذلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (57)
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ:" يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ". ذَكَرَ شَيْئًا آخَرَ مِنْ نِعَمِهِ، وَدَلَّ عَلَى وَحْدَانِيِّتِهِ وَثُبُوتِ إِلَهِيَّتِهِ. وَقَدْ مضى الكلام
(1). البيت لعامر بن جوين الطائي. وصف أرضا مخصبة لكثرة ما نزل بها من الغيث. والودق: المطر. والمزنة: السحابة (عن شرح الشواهد).
(2)
. راجع ج 14 ص 248.
فِي الرِّيحِ فِي الْبَقَرَةِ «1» . وَرِيَاحٌ جَمْعُ كَثْرَةٍ وَأَرْوَاحٌ جَمْعُ قِلَّةٍ. وَأَصْلُ رِيحٍ رِوْحٌ. وَقَدْ خُطِّئَ مَنْ قَالَ فِي جَمْعِ الْقِلَّةِ أَرْيَاحٌ." بُشْراً" فِيهِ سَبْعُ قِرَاءَاتٍ: قَرَأَ أَهْلُ الْحَرَمَيْنِ وَأَبُو عَمْرٍو" نُشُرًا" بِضَمِّ النُّونِ وَالشِّينِ جَمْعُ نَاشِرٍ عَلَى مَعْنَى النَّسَبِ، أَيْ ذَاتُ نَشْرٍ، فَهُوَ مِثْلُ شَاهِدٍ وَشُهُدٍ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ جَمْعَ نَشُورٍ كَرَسُولٍ وَرُسُلٍ. يُقَالُ: رِيحُ النَّشُورِ إذا أتت من هاهنا وهاهنا. وَالنَّشُورُ بِمَعْنَى الْمَنْشُورِ، كَالرَّكُوبِ بِمَعْنَى الْمَرْكُوبِ. أَيْ وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ مُنْشَرَةً. وَقَرَأَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ" نُشْرًا" بِضَمِّ النُّونِ وَإِسْكَانِ الشِّينِ مُخَفَّفًا مِنْ نُشُرٍ، كَمَا يُقَالُ: كُتْبٌ وَرُسْلٌ. وَقَرَأَ الْأَعْمَشُ وَحَمْزَةُ" نَشْرًا" بِفَتْحِ النُّونِ وَإِسْكَانِ الشِّينِ عَلَى الْمَصْدَرِ، أَعْمَلَ فِيهِ مَعْنَى مَا قَبْلَهُ، كَأَنَّهُ قَالَ: وَهُوَ الَّذِي يَنْشُرُ الرِّيَاحَ نَشْرًا. نَشَرْتُ الشَّيْءَ فَانْتَشَرَ، فَكَأَنَّهَا كَانَتْ مَطْوِيَّةً فَنُشِرَتْ عِنْدَ الْهُبُوبِ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَصْدَرًا فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنَ الرِّيَاحِ، كَأَنَّهُ قَالَ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ مُنْشَرَةً، أَيْ مُحْيَيَةً، مِنْ أَنَشَرَ اللَّهُ الْمَيِّتَ فَنُشِرَ، كَمَا تَقُولُ أَتَانَا رَكْضًا، أَيْ رَاكِضًا. وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ نَشْرًا (بِالْفَتْحِ) مِنَ النَّشْرِ الَّذِي هُوَ خِلَافُ الطَّيِّ عَلَى مَا ذَكَرْنَا. كَأَنَّ الرِّيحَ فِي سُكُونِهَا كَالْمَطْوِيَّةِ ثُمَّ تُرْسَلُ مِنْ طَيِّهَا ذَلِكَ فَتَصِيرُ كَالْمُنْفَتِحَةِ. وَقَدْ فَسَّرَهُ أَبُو عُبَيْدٍ بِمَعْنَى مُتَفَرِّقَةٍ فِي وُجُوهِهَا، على معنى ينشرها هاهنا وهاهنا. وَقَرَأَ عَاصِمٌ:" بُشْرًا" بِالْبَاءِ وَإِسْكَانِ الشِّينِ وَالتَّنْوِينِ جَمْعُ بَشِيرٍ، أَيِ الرِّيَاحُ تُبَشِّرُ بِالْمَطَرِ. وَشَاهِدُهُ قَوْلُهُ:" وَمِنْ آياتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّياحَ مُبَشِّراتٍ «2» ". وَأَصْلُ الشِّينِ الضَّمُّ، لَكِنْ سُكِّنَتْ تَخْفِيفًا كَرُسُلٍ وَرُسْلٍ. وَرُوِيَ عَنْهُ" بَشْرًا" بِفَتْحِ الْبَاءِ. قَالَ النَّحَّاسُ: وَيُقْرَأُ" بُشُرًا" وَ" بَشْرٌ مَصْدَرُ بَشَرَهُ يَبْشُرُهُ بِمَعْنَى بَشَّرَهُ" فَهَذِهِ خَمْسُ قِرَاءَاتٍ. وَقَرَأَ مُحَمَّدُ الْيَمَانِيُّ" بُشْرَى" عَلَى وَزْنِ حُبْلَى. وَقِرَاءَةٌ سابعة" بشرى" بضم الباء والشين. (حَتَّى إِذا أَقَلَّتْ سَحاباً ثِقالًا) السَّحَابُ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ. وَكَذَا كُلُّ جَمْعٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ وَاحِدَتِهِ هَاءٌ. وَيَجُوزُ نَعْتُهُ بِوَاحِدٍ فَتَقُولُ: سَحَابٌ ثَقِيلٌ وَثَقِيلَةٌ. وَالْمَعْنَى: حَمَلَتِ الرِّيحُ سَحَابًا ثِقَالًا بِالْمَاءِ، أَيْ أَثْقَلَتْ بِحَمْلِهِ. يُقَالُ: أَقَلَّ فُلَانٌ الشَّيْءَ أي حمله. سقناه
(1). راجع ج 2 ص 197.
(2)
. راجع ج 14 ص 43.
أَيِ السَّحَابُ. (لِبَلَدٍ مَيِّتٍ) أَيْ لَيْسَ فِيهِ نَبَاتٌ. يُقَالُ: سُقْتُهُ لِبَلَدِ كَذَا وَإِلَى بَلَدِ كَذَا. وَقِيلَ لِأَجْلِ بَلَدٍ مَيِّتٍ، فَاللَّامُ لَامُ أَجْلِ. وَالْبَلَدُ كُلُّ مَوْضِعٍ مِنَ الْأَرْضِ عَامِرٍ أَوْ غَيْرِ عَامِرٍ خَالٍ أَوْ مَسْكُونٍ. وَالْبَلْدَةُ وَالْبَلَدُ وَاحِدُ الْبِلَادِ وَالْبُلْدَانِ. وَالْبَلَدُ الْأَثَرُ وَجَمْعُهُ أَبْلَادُ. قَالَ الشَّاعِرُ:
مِنْ بَعْدِ مَا شَمِلَ الْبِلَى أَبْلَادَهَا «1»
وَالْبَلَدُ: أُدْحِيُّ «2» النَّعَامِ. يُقَالُ: هُوَ أَذَلُّ مِنْ بَيْضَةِ الْبَلَدِ، أَيْ مِنْ بَيْضَةِ النَّعَامِ الَّتِي يَتْرُكُهَا. وَالْبَلْدَةُ الْأَرْضُ، يُقَالُ: هَذِهِ بَلْدَتُنَا كَمَا يُقَالُ بَحْرَتُنَا. وَالْبَلْدَةُ مِنْ مَنَازِلِ الْقَمَرِ، وَهِيَ سِتَّةُ أَنْجُمٍ مِنَ الْقَوْسِ تَنْزِلُهَا الشَّمْسُ فِي أَقْصَرِ يَوْمٍ فِي السَّنَةِ. وَالْبَلْدَةُ الصَّدْرُ، يُقَالُ: فُلَانٌ وَاسِعُ الْبَلْدَةِ أَيْ وَاسِعُ قَالَ الشَّاعِرُ:
أُنِيخَتْ فَأَلْقَتْ بَلْدَةً فَوْقَ «3» بَلْدَةٍ
…
قَلِيلٌ بِهَا الْأَصْوَاتُ إِلَّا بُغَامَهَا
يَقُولُ: بَرَكَتِ النَّاقَةُ فَأَلْقَتْ صَدْرَهَا عَلَى الْأَرْضِ. وَالْبَلْدَةُ (بِفَتْحِ الْبَاءِ وَضَمِّهَا): نَقَاوَةُ مَا بَيْنَ الْحَاجِبَيْنِ، فَهُمَا مِنَ الْأَلْفَاظِ الْمُشْتَرَكَةِ. (فَأَنْزَلْنا بِهِ الْماءَ) أَيْ بِالْبَلَدِ. وَقِيلَ: أَنْزَلْنَا بِالسَّحَابِ الْمَاءَ، لِأَنَّ السَّحَابَ آلَةٌ لِإِنْزَالِ الْمَاءِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى فَأَنْزَلْنَا مِنْهُ الْمَاءَ، كَقَوْلِهِ:" يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللَّهِ «4» " أَيْ مِنْهَا. (فَأَخْرَجْنا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ كَذلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) الْكَافُ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ. أَيْ مِثْلَ ذَلِكَ الْإِخْرَاجِ نُحْيِي الْمَوْتَى. وَخَرَّجَ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ أَبِي رَزِينٍ الْعُقَيْلِيِّ قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ يُعِيدُ اللَّهُ الْخَلْقَ، وَمَا آيَةُ ذَلِكَ فِي خَلْقِهِ؟ قَالَ:(أَمَا مَرَرْتَ بِوَادِي قَوْمِكَ جَدْبًا ثُمَّ مَرَرْتَ بِهِ يَهْتَزُّ خَضِرًا) قَالَ: نَعَمْ، قَالَ:(فَتِلْكَ آيَةُ اللَّهِ فِي خَلْقِهِ). وَقِيلَ: وَجْهُ التَّشْبِيهِ أَنَّ إِحْيَاءَهُمْ مِنْ قُبُورِهِمْ يَكُونُ بِمَطَرٍ يَبْعَثُهُ اللَّهُ عَلَى قُبُورِهِمْ، فَتَنْشَقُّ عَنْهُمُ الْقُبُورُ، ثُمَّ تَعُودُ إِلَيْهِمُ الْأَرْوَاحُ. وَفِي صحيح
(1). هذا عجز بيت لابن الرقاع. وصدره:
عرف الديار توهما فاعتادها
(2)
. الأدحي (بضم الهمزة وكسرها: مبيض النعام في الرمل، لأن النعام تبيض فيه وليس للنعام عش.
(3)
. في الأصول:" بعد". والتصويب عن اللسان وديوان ذى الرمة. أراد بالبلدة الأولى ما يقع على الأرض من صدرها. وبالثانية الفلاة التي أناخ ناقته فيها. والبغام: صوت الناقة وأصله للظبي فاستعاره للناقة.
(4)
. راجع ج 19 ص 122.