الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مَا كَانَ فِي الصُّلْبِ، رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَالَهُ النَّخَعِيُّ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا: مُسْتَقَرٌّ فِي الْأَرْضِ، وَمُسْتَوْدَعٌ فِي الْأَصْلَابِ. قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: قَالَ لِي ابْنُ عَبَّاسٍ هَلْ تَزَوَّجْتَ؟ قُلْتُ: لَا، فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ عز وجل يَسْتَخْرِجُ مِنْ ظَهْرِكَ مَا اسْتَوْدَعَهُ فِيهِ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا أَنَّ الْمُسْتَقَرَّ مَنْ خُلِقَ، وَالْمُسْتَوْدَعَ مَنْ لَمْ يُخْلَقْ، ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا: وَمُسْتَوْدَعٌ عِنْدَ اللَّهِ. قُلْتُ: وَفِي التَّنْزِيلِ" وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ" وَالِاسْتِيدَاعُ إِشَارَةٌ إِلَى كَوْنِهِمْ فِي الْقَبْرِ إِلَى أَنْ يُبْعَثُوا لِلْحِسَابِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْبَقَرَةِ «1» . (قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ) قَالَ قتادة:" فَصَّلْنَا" بينا (وقررنا. والله «2» أعلم).
[سورة الأنعام (6): آية 99]
وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ مَاءً فَأَخْرَجْنا بِهِ نَباتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنا مِنْهُ خَضِراً نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَراكِباً وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِها قِنْوانٌ دانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ انْظُرُوا إِلى ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذلِكُمْ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (99)
فِيهِ سَبْعُ مَسَائِلَ: الْأَوْلَى- قَوْلُهُ: (وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ مَاءً) أَيِ الْمَطَرُ. (فَأَخْرَجْنا بِهِ نَباتَ كُلِّ شَيْءٍ) أَيْ كُلُّ صِنْفٍ مِنَ النَّبَاتِ. وَقِيلَ: رِزْقُ كُلِّ حَيَوَانٍ. (فَأَخْرَجْنا مِنْهُ خَضِراً) قَالَ الْأَخْفَشُ: أَيْ أَخْضَرَ، كَمَا تَقُولُ الْعَرَبُ: أَرِنِيهَا نَمِرَةً أُرِكْهَا «3» مطرة. والخضر «4» رطب
(1). راجع ج 1 ص 321.
(2)
. من ك.
(3)
. الهاء في أرنيها للسحابة والثمر من السحاب الذي فيه آثار كآثار النمر. وقيل: صغار متدان بعضها من بعض. وواحدتها نمرة ومطرة: بمعنى ماطرة. أي إذا رأيت دليل الشيء علمت ما يتبعه. يضرب لأمر يتيقن وقوعه إذا لاحت مخايله وتباشيره. (عن فرائد اللئالي ج 1 ص 252 طبع بيروت).
(4)
. الخضر: المادة الخضراء في النبات وهي مادة الحياة. وهى من أسرار قدرة الباري سبحانه.
الْبُقُولِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يُرِيدُ الْقَمْحَ وَالشَّعِيرَ وَالسُّلْتَ «1» وَالذُّرَةَ وَالْأَرُزَّ وَسَائِرَ الْحُبُوبِ. (نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَراكِباً) أَيْ يَرْكَبُ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ كَالسُّنْبُلَةِ. الثَّانِيَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِها قِنْوانٌ دانِيَةٌ) ابْتِدَاءٌ وَخَبَرٌ. وَأَجَازَ الْفَرَّاءُ فِي غَيْرِ الْقُرْآنِ" قِنْوَانًا دَانِيَةً" عَلَى الْعَطْفِ عَلَى مَا قَبْلَهُ. قَالَ سِيبَوَيْهِ: وَمِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَقُولُ: قُنْوَانٌ. قَالَ الْفَرَّاءُ: هَذِهِ لُغَةُ قَيْسٍ، وَأَهْلُ الْحِجَازِ يَقُولُونَ: قِنْوَانٌ، وَتَمِيمٌ يَقُولُونَ: قِنْيَانٌ، ثُمَّ يَجْتَمِعُونَ فِي الْوَاحِدِ فَيَقُولُونَ: قِنْوٌ وَقَنْوٌ. وَالطَّلْعُ الْكُفُرَّى قَبْلَ أَنْ يَنْشَقَّ عَنِ الْإِغْرِيضِ. وَالْإِغْرِيضُ يُسَمَّى طَلْعًا أَيْضًا. وَالطَّلْعُ، مَا يُرَى مِنْ عِذْقِ النَّخْلَةِ. وَالْقِنْوَانُ: جَمْعُ قِنْوٍ، وَتَثْنِيَتُهُ قِنْوَانٌ كَصِنْوٍ وَصِنْوَانٍ (بِكَسْرِ النُّونِ). وَجَاءَ الْجَمْعُ عَلَى لَفْظِ الِاثْنَيْنِ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ: الِاثْنَانِ صِنْوَانِ وَالْجَمْعُ صِنْوَانٌ (بِرَفْعِ النُّونِ). وَالْقِنْوُ: الْعِذْقُ وَالْجَمْعُ الْقِنْوَانُ وَالْأَقْنَاءُ، قَالَ:
طَوِيلَةَ الْأَقْنَاءِ وَالْأَثَاكِلِ «2»
غَيْرُهُ:" أَقْنَاءُ" جَمْعُ الْقِلَّةِ. قَالَ الْمَهْدَوِيُّ: قَرَأَ ابْنُ هُرْمُزَ" قَنْوَانٌ" بِفَتْحِ الْقَافِ، وَرُوِيَ عَنْهُ ضَمُّهَا. فَعَلَى الْفَتْحِ هُوَ اسْمٌ لِلْجَمْعِ غَيْرُ مُكَسَّرٍ، بِمَنْزِلَةِ رَكْبٍ عِنْدَ سِيبَوَيْهِ، وَبِمَنْزِلَةِ الْبَاقِرِ وَالْجَامِلِ، لِأَنَّ فِعْلَانِ لَيْسَ مِنْ أَمْثِلَةِ الْجَمْعِ، وَضَمُّ الْقَافِ عَلَى أَنَّهُ جَمْعُ قِنْوٍ وَهُوَ الْعِذْقُ (بِكَسْرِ الْعَيْنِ) وَهِيَ الْكِبَاسَةُ، وَهِيَ عُنْقُودُ النَّخْلَةِ. وَالْعِذْقُ (بِفَتْحِ الْعَيْنِ) النَّخْلَةُ نَفْسُهَا. وَقِيلَ: الْقِنْوَانُ الْجُمَّارُ." دَانِيَةٌ" قَرِيبَةٌ، يَنَالُهَا الْقَائِمُ وَالْقَاعِدُ. عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ وَغَيْرِهِمَا. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: مِنْهَا دَانِيَةٌ وَمِنْهَا بَعِيدَةٌ، فَحُذِفَ، وَمِثْلُهُ" سَرابِيلَ تَقِيكُمُ «3» الْحَرَّ" وَخَصَّ الدَّانِيَةَ بِالذِّكْرِ، لِأَنَّ مِنَ الْغَرَضِ فِي الْآيَةِ ذِكْرَ الْقُدْرَةِ وَالِامْتِنَانِ بِالنِّعْمَةِ، وَالِامْتِنَانُ فِيمَا يَقْرُبُ مُتَنَاوَلُهُ أكثر.
(1). الست (بوزن القفل): ضرب من الشعير أبيض لا قشر له.
(2)
. الأثاكل: جمع الإثكال والأثكول (لغة في العثكال والعشكول) وهو العذق الذي تكون فيه الشماريخ. وهذا عجز بيت. وصدره كما في الإنسان:
قد أبصرت سعدى بها كتائلى
والكتائل جمع كتيلة وهي النخلة الطويلة.
(3)
. راجع ج 10 ص 159.
الثَّالِثَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنابٍ) أَيْ وَأَخْرَجْنَا جَنَّاتٍ. وَقَرَأَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى وَالْأَعْمَشُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ قِرَاءَةِ عَاصِمٍ" وَجَنَّاتٍ" بِالرَّفْعِ. وَأَنْكَرَ هَذِهِ الْقِرَاءَةَ أَبُو عُبَيْدٍ وَأَبُو حَاتِمٍ، حَتَّى قَالَ أَبُو حاتم: همحال، لِأَنَّ الْجَنَّاتِ لَا تَكُونُ مِنَ النَّخْلِ. قَالَ النَّحَّاسُ. وَالْقِرَاءَةُ جَائِزَةٌ، وَلَيْسَ التَّأْوِيلُ عَلَى هَذَا، وَلَكِنَّهُ رُفِعَ بِالِابْتِدَاءِ وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ، أَيْ وَلَهُمْ جَنَّاتٌ. كَمَا قَرَأَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْقُرَّاءِ" وَحُورٌ «1» عِينٌ". وَأَجَازَ مِثْلَ هَذَا سِيبَوَيْهِ وَالْكِسَائِيُّ وَالْفَرَّاءُ، وَمِثْلُهُ كَثِيرٌ. وَعَلَى هَذَا أَيْضًا" وَحُورًا عِينًا" حَكَاهُ سِيبَوَيْهِ، وَأَنْشَدَ:
جِئْنِي بِمِثْلِ بَنِي بَدْرٍ لِقَوْمِهِمْ
…
أَوْ مِثْلَ أُسْرَةِ مَنْظُورِ بْنِ سَيَّارِ «2»
وَقِيلَ: التَّقْدِيرُ" وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنابٍ" أَخْرَجْنَاهَا، كَقَوْلِكَ: أَكْرَمْتُ عَبْدَ اللَّهِ وَأَخُوهُ، أَيْ وَأَخُوهُ أَكْرَمْتُ أَيْضًا. فَأَمَّا الزَّيْتُونُ وَالرُّمَّانُ فَلَيْسَ فِيهِ إِلَّا النَّصْبُ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى ذَلِكَ. وَقِيلَ:" وَجَنَّاتٍ" بِالرَّفْعِ عَطْفٌ عَلَى" قِنْوانٌ" لَفْظًا، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ في المعنى من جنسها. (وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشابِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ) أَيْ مُتَشَابِهًا فِي الْأَوْرَاقِ، أَيْ ورق الزيتون يشبه ورق الرمان في اشتمال عَلَى جَمِيعِ الْغُصْنِ وَفِي حَجْمِ الْوَرَقِ، وَغَيْرُ مُتَشَابِهٍ فِي الذَّوَاقِ، عَنْ قَتَادَةَ وَغَيْرِهِ. قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ:" مُتَشابِهاً" فِي النَّظَرِ" وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ" في الطعم، مثل الرمانتين لونهما واحد وطعامهما مُخْتَلِفٌ. وَخُصَّ الرُّمَّانُ وَالزَّيْتُونُ بِالذِّكْرِ لِقُرْبِهِمَا مِنْهُمْ وَمَكَانِهِمَا عِنْدَهُمْ. وَهُوَ كَقَوْلِهِ:" أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ «3» ". رَدَّهُمْ إِلَى الْإِبِلِ لِأَنَّهَا أَغْلَبُ مَا يَعْرِفُونَهُ. الرَّابِعَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (انْظُرُوا إِلى ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ) أَيْ نَظَرَ الِاعْتِبَارِ لَا نَظَرَ الْإِبْصَارِ الْمُجَرَّدِ عَنِ التَّفَكُّرِ. وَالثَّمَرُ فِي اللُّغَةِ جَنَى الشَّجَرِ. وَقَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ" ثُمُرُهُ" بِضَمِّ الثَّاءِ وَالْمِيمِ. وَالْبَاقُونَ بِالْفَتْحِ فِيهِمَا جَمْعُ ثَمَرَةٍ، مِثْلَ بَقَرَةٍ وَبَقَرٍ وَشَجَرَةٍ وَشَجَرٍ. قال مجاهد الثمر أصناف المال، والتمر ثَمَرُ النَّخْلِ. وَكَأَنَّ الْمَعْنَى عَلَى قَوْلِ مُجَاهِدٍ: انظروا إلى الأموال التي يتحصل منه
(1). راجع ج 17 ص 202.
(2)
. البيت لجرير، يخاطب الفرزدق فيفخر عليه بسادات قيس لأنهم أخواله، وبنو بدر من فزارة وفيهم شرف قيس عيلان، وبنو سيار من فزارة من ذبيان من قيس. (عن شرح الشواهد للشنتمري).
(3)
. راجع ج 20 ص 34.
الثَّمَرُ، فَالثُّمُرُ بِضَمَّتَيْنِ جَمْعُ ثِمَارٍ وَهُوَ الْمَالُ الْمُثْمِرُ. وَرُوِيَ عَنِ الْأَعْمَشِ «1» ثُمْرُهُ" بِضَمِّ الثَّاءِ وَسُكُونِ الْمِيمِ، حُذِفَتِ الضَّمَّةُ لِثِقَلِهَا طَلَبًا لِلْخِفَّةِ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ثَمَرٌ جَمْعُ ثَمَرَةٍ مِثْلَ بَدَنَةٍ وَبَدَنٍ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ثَمَرٌ جَمْعُ جَمْعٍ، فَتَقُولُ: ثَمَرَةٌ وَثِمَارٌ وَثَمَرٌ مِثْلَ حِمَارٍ وَحُمُرٌ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ جَمْعُ ثَمَرَةٍ كَخَشَبَةٍ وَخَشَبٍ لَا جَمْعَ الْجَمْعِ. الْخَامِسَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَيَنْعِهِ) قَرَأَ مُحَمَّدُ بْنُ السَّمَيْقَعِ" وَيَانِعِهِ «2» ". وَابْنُ مُحَيْصِنٍ وَابْنُ أَبِي إِسْحَاقَ" وَيُنْعِهِ" بِضَمِّ الْيَاءِ. قَالَ الْفَرَّاءُ: هِيَ لُغَةُ بَعْضِ أَهْلِ نَجْدٍ، يُقَالُ: يَنَعَ الثَّمَرُ يَيْنَعُ، وَالثَّمَرُ يَانِعٌ. وَأَيْنَعَ يونع و (التمر «3» مُونِعٌ). وَالْمَعْنَى: وَنُضْجُهُ. يَنَعَ وَأَيْنَعَ إِذَا نَضِجَ وَأَدْرَكَ. قَالَ الْحَجَّاجُ فِي خُطْبَتِهِ: أَرَى رُءُوسًا قَدْ أَيْنَعَتْ وَحَانَ قِطَافُهَا. قَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: الْيَنْعُ جَمْعُ يَانِعٍ، كَرَاكِبٍ وَرَكْبٍ، وَتَاجِرٍ وَتَجْرٍ، وَهُوَ الْمُدْرِكُ الْبَالِغُ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: أَيْنَعَ أَكْثَرَ مِنْ يَنَعَ، وَمَعْنَاهُ أَحْمَرُ، وَمِنْهُ مَا رُوِيَ فِي حَدِيثِ الْمُلَاعَنَةِ (إِنْ وَلَدَتْهُ أَحْمَرَ مِثْلَ الْيَنَعَةِ) وَهِيَ خَرَزَةٌ حَمْرَاءُ، يُقَالُ: إِنَّهُ الْعَقِيقُ أَوْ نَوْعٌ مِنْهُ. فَدَلَّتِ الْآيَةُ لِمَنْ تَدَبَّرَ وَنَظَرَ بِبَصَرِهِ وَقَلْبِهِ، نَظَرَ مَنْ تَفَكَّرَ، أَنَّ الْمُتَغَيِّرَاتِ لَا بُدَّ لَهَا مِنْ مُغَيِّرٍ، وَذَلِكَ أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ:" انْظُرُوا إِلى ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ". فَتَرَاهُ أَوَّلًا طَلْعًا ثُمَّ إِغْرِيضًا إِذَا انْشَقَّ عَنْهُ الطَّلْعُ. وَالْإِغْرِيضُ يُسَمَّى ضَحْكًا أَيْضًا، ثُمَّ بَلَحًا، ثُمَّ سَيَّابًا، ثُمَّ جِدَالًا إِذِ اخْضَرَّ وَاسْتَدَارَ قَبْلَ أَنْ يَشْتَدَّ، ثُمَّ بُسْرًا إِذَا عَظُمَ، ثُمَّ زَهْوًا إِذَا احْمَرَّ، يُقَالُ: أَزْهَى يُزْهِي، ثُمَّ مُوَكَّتًا إِذَا بَدَتْ فِيهِ نُقَطٌ مِنَ الْإِرْطَابِ. فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مِنْ قِبَلِ الذَّنَبِ فَهِيَ مُذْنِبَةٌ، وَهُوَ التَّذْنُوبُ، فَإِذَا لَانَتْ فَهِيَ ثَعْدَةٌ، فَإِذَا بَلَغَ الْإِرْطَابُ نِصْفَهَا فَهِيَ مُجَزَّعَةٌ، فَإِذَا بَلَغَ ثُلُثَيْهَا فَهِيَ حُلْقَانَةٌ، فَإِذَا عَمَّهَا الْإِرْطَابُ فَهِيَ مُنْسَبِتَةٌ، يُقَالُ: رُطَبٌ مُنْسَبِتٌ، ثُمَّ يَيْبَسُ فَيَصِيرُ تَمْرًا. فَنَبَّهَ اللَّهُ تَعَالَى بِانْتِقَالِهَا مِنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ وَتَغَيُّرِهَا وَوُجُودِهَا بَعْدَ أَنْ لَمْ تَكُنْ بَعْدُ عَلَى وَحْدَانِيَّتِهِ وَكَمَالِ قُدْرَتِهِ، وَأَنَّ لَهَا صَانِعًا قَادِرًا عَالِمًا. وَدَلَّ عَلَى جَوَازِ الْبَعْثِ، لِإِيجَادِ النَّبَاتِ بَعْدَ الْجَفَافِ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ يَنَعَ الثَّمَرُ يَيْنَعُ وَيَيْنَعُ يَنْعًا وَيُنُوعًا، أَيْ نَضِجَ. السَّادِسَةُ- قال ابن العربي قال ما لك: الْإِينَاعُ الطِّيبُ بِغَيْرِ فَسَادٍ وَلَا نَقْشٍ. قَالَ مالك: والنقش أن ينقش أهل البصر الثَّمَرَ حَتَّى يُرْطَبَ، يُرِيدُ يُثْقَبُ فِيهِ بِحَيْثُ يسرع دخول
(1). في ك: الأعرج.
(2)
. في شواذ ابن خالويه:" يا نعمة" ابن محيص.
(3)
. من ج وهـ وز وك.
الْهَوَاءِ إِلَيْهِ فَيُرْطَبُ مُعَجَّلًا. فَلَيْسَ ذَلِكَ الْيَنْعَ الْمُرَادَ فِي الْقُرْآنِ، وَلَا هُوَ الَّذِي رَبَطَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم»
الْبَيْعَ، وَإِنَّمَا (هُوَ «2» مَا يَكُونُ مِنْ ذَاتِهِ بِغَيْرِ مُحَاوَلَةٍ. وَفِي بَعْضِ بِلَادِ التِّينِ، وَهِيَ الْبِلَادُ الْبَارِدَةُ، لَا يَنْضَجُ حَتَّى يُدْخَلَ فِي فَمِهِ عُودٌ قَدْ دُهِنَ زَيْتًا، فَإِذَا طَابَ حَلَّ بَيْعُهُ، لِأَنَّ ذَلِكَ ضَرُورَةُ الْهَوَاءِ وَعَادَةُ الْبِلَادِ، وَلَوْلَا ذَلِكَ مَا طَابَ فِي وَقْتِ الطِّيبِ. قُلْتُ: وَهَذَا الْيَنْعُ الَّذِي يَقِفُ عَلَيْهِ جَوَازُ بَيْعِ التَّمْرِ وَبِهِ يَطِيبُ أَكْلُهَا وَيَأْمَنُ مِنَ الْعَاهَةِ، هُوَ عِنْدَ طُلُوعِ الثُّرَيَّا بِمَا أَجْرَى اللَّهُ سُبْحَانَهُ مِنَ الْعَادَةِ وَأَحْكَمَهُ مِنَ العلم والقدرة. ذكر المعلى ابن أَسَدٍ عَنْ وُهَيْبٍ عَنْ عَسَلِ بْنِ سُفْيَانَ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (إِذَا طَلَعَتِ الثُّرَيَّا صَبَاحًا رُفِعَتِ الْعَاهَةُ عَنْ أَهْلِ الْبَلَدِ). وَالثُّرَيَّا النَّجْمُ، لَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ. وَطُلُوعُهَا صَبَاحًا لِاثْنَتَيْ عَشْرَةَ لَيْلَةً تَمْضِي مِنْ شَهْرِ أَيَّارَ، وَهُوَ شَهْرُ مَايُو. وَفِي الْبُخَارِيِّ: وَأَخْبَرَنِي خَارِجَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ لَمْ يَكُنْ يَبِيعُ ثِمَارَ أَرْضِهِ حَتَّى تَطْلُعَ الثُّرَيَّا فَيَتَبَيَّنُ الْأَصْفَرُ مِنَ الْأَحْمَرِ. السَّابِعَةُ- وَقَدِ اسْتَدَلَّ مَنْ أَسْقَطَ «3» الْجَوَائِحَ فِي الثِّمَارِ بِهَذِهِ الْآثَارِ، وَمَا كَانَ مِثْلَهَا مِنْ نَهْيِهِ عليه السلام عَنْ بَيْعِ الثَّمَرَةِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا، وَعَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى تَذْهَبَ الْعَاهَةُ. قَالَ عُثْمَانُ بْنُ سُرَاقَةَ: فَسَأَلْتُ ابْنَ عُمَرَ مَتَى هَذَا؟ فَقَالَ: طُلُوعُ الثُّرَيَّا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: لَمْ يَثْبُتْ عِنْدِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بِوَضْعِ الْجَوَائِحِ، وَلَوْ ثَبَتَ عِنْدِي لَمْ أَعْدُهُ، وَالْأَصْلُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ أَنَّ كُلَّ مَنِ ابْتَاعَ مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَقَبَضَهُ كَانَتِ الْمُصِيبَةُ مِنْهُ، قَالَ: وَلَوْ كُنْتُ قَائِلًا بِوَضْعِ الجوائح لو ضعتها فِي الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ. وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ وَالْكُوفِيِّينَ. وَذَهَبَ مَالِكٌ وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ إِلَى وَضْعِهَا، لِحَدِيثِ جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بِوَضْعِ الْجَوَائِحِ. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ. وَبِهِ كَانَ يَقْضِي عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَسَائِرُ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ. وَأَهْلُ الظَّاهِرِ وَضَعُوهَا عَنِ الْمُبْتَاعِ فِي الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ عَلَى عُمُومِ الْحَدِيثِ، إِلَّا أَنَّ مَالِكًا وَأَصْحَابَهُ اعْتَبَرُوا أَنْ تَبْلُغَ الْجَائِحَةُ ثُلُثَ الثَّمَرَةِ فَصَاعِدًا، وَمَا كَانَ دُونَ الثُّلُثِ أَلْغَوْهُ وَجَعَلُوهُ تَبَعًا، إِذْ لَا تَخْلُو ثَمَرَةٌ مِنْ أَنْ يَتَعَذَّرَ الْقَلِيلُ مِنْ طِيبِهَا وَأَنْ يَلْحَقَهَا في اليسير منها
(1). من ب وج وك وز ر ل. [ ..... ]
(2)
. من ب وج وك وز ر ل.
(3)
. في ز: أسقط بعض الجوائح.