الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَمَّا نَزَلَ لَا تَقْعُدُوا مَعَ الْمُشْرِكِينَ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ:" فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ" قَالَ الْمُسْلِمُونَ: لَا يُمْكِنُنَا دُخُولُ الْمَسْجِدِ وَالطَّوَافُ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ." وَلكِنْ ذِكْرى " أَيْ فَإِنْ قَعَدُوا يَعْنِي الْمُؤْمِنِينَ فَلْيُذَكِّرُوهُمْ. (لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) اللَّهَ فِي تَرْكِ مَا هُمْ فِيهِ. ثُمَّ قِيلَ: نُسِخَ هَذَا بِقَوْلِهِ:" وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ أَنْ إِذا سَمِعْتُمْ آياتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِها وَيُسْتَهْزَأُ بِها فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ"«1» . وَإِنَّمَا كَانَتِ الرُّخْصَةُ قَبْلَ الْفَتْحِ وَكَانَ الْوَقْتُ وَقْتَ تَقِيَّةٍ. وَأَشَارَ بقول:" وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ" إلى قول:" وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً". قَالَ الْقُشَيْرِيُّ: وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْآيَةَ لَيْسَتْ مَنْسُوخَةً. وَالْمَعْنَى: ما عليكم شي مِنْ حِسَابِ الْمُشْرِكِينَ، فَعَلَيْكُمْ بِتَذْكِيرِهِمْ وَزَجْرِهِمْ فَإِنْ أبوا فحسابهم على الله. و" الذِّكْرى " فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى الْمَصْدَرِ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ، أَيْ وَلَكِنِ الَّذِي يَفْعَلُونَهُ ذِكْرَى، أَيْ وَلَكِنْ عَلَيْهِمْ ذِكْرَى. وَقَالَ الكسائي: المعنى ولكن هذه ذكرى.
[سورة الأنعام (6): آية 70]
وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِما كَسَبَتْ لَيْسَ لَها مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لَا يُؤْخَذْ مِنْها أُولئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِما كَسَبُوا لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ (70)
أَيْ لَا تُعَلِّقْ قَلْبَكَ بهم فإنهم أهل تعنت إن كُنْتَ مَأْمُورًا بِوَعْظِهِمْ. قَالَ قَتَادَةُ: هَذَا مَنْسُوخٌ، نَسَخَهُ" فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ" «2». وَمَعْنَى" لَعِباً وَلَهْواً" أَيِ اسْتِهْزَاءً بِالدِّينِ الَّذِي دَعَوْتَهُمْ إِلَيْهِ. وَقِيلَ: اسْتَهْزَءُوا بِالدِّينِ الَّذِي هُمْ عَلَيْهِ فَلَمْ يَعْمَلُوا بِهِ. وَالِاسْتِهْزَاءُ لَيْسَ مُسَوَّغًا فِي دِينٍ. وَقِيلَ:" لَعِباً وَلَهْواً" بَاطِلًا وَفَرَحًا، وَقَدْ تَقَدَّمَ «3» هَذَا. وَجَاءَ اللَّعِبُ مُقَدَّمًا فِي أَرْبَعَةِ مَوَاضِعَ، وقد نظمت.
(1). راجع ج 5 ص 417.
(2)
. راجع ج 8 ص 71.
(3)
. راجع ج 6 ص 413 فما بعده.
إِذَا أَتَى لَعِبٌ وَلَهْوٌ «1»
…
وَكَمْ مِنْ مَوْضِعٍ هُوَ فِي الْقُرْآنِ
فَحَرْفٌ فِي الْحَدِيدِ وَفِي الْقِتَالِ
…
وَفِي الْأَنْعَامِ مِنْهَا مَوْضِعَانِ
وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالدِّينِ هُنَا الْعِيدُ. قَالَ الْكَلْبِيُّ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ لِكُلِّ قَوْمٍ عِيدًا يُعَظِّمُونَهُ وَيُصَلُّونَ فِيهِ لِلَّهِ تَعَالَى، وَكُلُّ قَوْمٍ اتَّخَذُوا عِيدَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا إِلَّا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم فإنهم اتخذوه وصلاة وَذِكْرًا وَحُضُورًا بِالصَّدَقَةِ، مِثْلَ الْجُمُعَةِ وَالْفِطْرِ وَالنَّحْرِ. قَوْلُهُ تَعَالَى:(وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا) أَيْ لَمْ يَعْلَمُوا إِلَّا ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا. قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَذَكِّرْ بِهِ) أَيْ بِالْقُرْآنِ أَوْ بِالْحِسَابِ. (أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِما كَسَبَتْ) أَيْ تُرْتَهَنُ وَتُسْلَمُ لِلْهَلَكَةِ، عَنْ مُجَاهِدٍ وَقَتَادَةَ وَالْحَسَنِ وَعِكْرِمَةَ وَالسُّدِّيِّ. وَالْإِبْسَالُ: تَسْلِيمُ الْمَرْءِ لِلْهَلَاكِ، هَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ فِي اللُّغَةِ. أَبْسَلْتُ وَلَدِي أَرْهَنْتُهُ، قَالَ عَوْفُ بْنُ الْأَحْوَصِ بْنِ جَعْفَرٍ:
وَإِبْسَالِي بَنِيَّ بِغَيْرِ جُرْمٍ
…
بَعَوْنَاهُ وَلَا بِدَمٍ مُرَاقِ
" بَعَوْنَاهُ" بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ مَعْنَاهُ جَنَيْنَاهُ. وَالْبَعْوُ الْجِنَايَةُ. وَكَانَ حَمَلَ عَنْ غَنِيٍّ لِبَنِي قُشَيْرٍ دَمَ ابْنَيِ السُّجَيْفَةِ «2» فَقَالُوا: لَا نَرْضَى بِكَ، فَرَهَنَهُمْ بَنِيهِ طَلَبًا لِلصُّلْحِ. وَأَنْشَدَ النَّابِغَةُ (الْجَعْدِيُّ) «3»:
وَنَحْنُ رَهَنَّا بِالْأُفَاقَةِ «4» عَامِرًا
…
بِمَا كَانَ فِي الدَّرْدَاءِ رَهْنًا فَأُبْسِلَا
الدَّرْدَاءُ: كَتِيبَةٌ كَانَتْ لَهُمْ. (لَيْسَ لَها مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ «5» وَلا شَفِيعٌ) 6 (تَقَدَّمَ مَعْنَاهُ.) قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لَا يُؤْخَذْ مِنْها) الْآيَةَ. الْعَدْلُ الْفِدْيَةُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي" الْبَقَرَةِ"«6» . وَالْحَمِيمُ الْمَاءُ الْحَارُّ، وَفِي التنزيل" يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُسِهِمُ الْحَمِيمُ «7» " الآية.
(1). هكذا الشطر في الأصول ولعل الأصل: إذا سألت عن إلخ.
(2)
. كذا في ك. والذي في اللسان وشرح القاموس: السجفيه. والذي في الجواهري وفي اوب وج وز: السحيفه بالحاء المهملة بدل الجحيم.
(3)
. من ج، ع، ك، ز.
(4)
. الإفاقة (ككناسة): موضع في أرض الحزن قرب الكوفه. أو هو ماء لبنى يربوع، ويوم الإفاقة من أيام العرب.
(5)
. راجع ج 3 ص 283 وص 273 وج 4 ص 109.
(6)
. راجع ج 1 ص 378 وص 380.
(7)
. راجع ج 12 ص 25. [ ..... ]