الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قُلْتُ: فَعَلَى هَذَا تَكُونُ الصَّدَقَةُ بِجَمِيعِ الْمَالِ وَمِنْهُ إِخْرَاجُ حَقِّ الْمَسَاكِينِ دَاخِلَيْنِ، فِي حُكْمِ السَّرَفِ، وَالْعَدْلُ خِلَافُ هَذَا، فَيَتَصَدَّقُ وَيُبْقِي كَمَا قَالَ عليه السلام: (خَيْرُ الصَّدَقَةِ مَا كَانَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى «1» إِلَّا أَنْ يَكُونَ قَوِيَّ النَّفْسِ غَنِيًّا بِاللَّهِ مُتَوَكِّلًا عَلَيْهِ مُنْفَرِدًا لَا عِيَالَ لَهُ، فَلَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِجَمِيعِ مَالِهِ، وَكَذَلِكَ يُخْرِجُ الْحَقَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ مِنْ زَكَاةٍ وَمَا يَعِنُّ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ مِنَ الْحُقُوقِ الْمُتَعَيِّنَةِ فِي الْمَالِ. وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ: الْإِسْرَافُ مَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى رَدِّهِ إِلَى الصَّلَاحِ. وَالسَّرَفُ مَا يَقْدِرُ عَلَى رَدِّهِ إِلَى الصَّلَاحِ. وَقَالَ النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ: الْإِسْرَافُ التَّبْذِيرُ وَالْإِفْرَاطُ، وَالسَّرَفُ الْغَفْلَةُ وَالْجَهْلُ. قَالَ جَرِيرٌ:
أَعْطَوْا هُنَيْدَةَ يَحْدُوهَا ثَمَانِيَةً
…
مَا فِي عَطَائِهِمُ مَنٌّ وَلَا سَرَفٌ
أَيْ إِغْفَالٌ، وَيُقَالُ: خَطَأٌ. وَرَجُلٌ سَرِفُ الْفُؤَادِ، أَيْ مُخْطِئُ الفؤاد غافلة. قال طرفة:
إن امرأ سوف الفؤاد يرى
…
عسلا بماء سحابة شتمي
[سورة الأنعام (6): آية 142]
وَمِنَ الْأَنْعامِ حَمُولَةً وَفَرْشاً كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (142)
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَمِنَ الْأَنْعامِ حَمُولَةً وَفَرْشاً) عَطْفٌ (عَلَى مَا «2» تَقَدَّمَ). أَيْ وَأَنْشَأَ حَمُولَةً وَفَرْشًا مِنَ الْأَنْعَامِ. وَلِلْعُلَمَاءِ فِي الْأَنْعَامِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا- أَنَّ الْأَنْعَامَ الْإِبِلُ خَاصَّةً، وَسَيَأْتِي فِي" النَّحْلِ «3» " بَيَانُهُ. الثَّانِي- أَنَّ الْأَنْعَامَ الْإِبِلُ وَحْدَهَا، وَإِذَا كَانَ مَعَهَا بَقَرٌ وَغَنَمٌ فهي أنعام أيضا. الثالث- وهو أصحها قال أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى: الْأَنْعَامُ كُلُّ مَا أَحَلَّهُ اللَّهُ عز وجل مِنَ الْحَيَوَانِ. وَيَدُلُّ عَلَى صحة هذا قول تَعَالَى:" أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ إِلَّا مَا يُتْلى عَلَيْكُمْ «4» " وَقَدْ تَقَدَّمَ. وَالْحَمُولَةُ مَا أَطَاقَ الْحَمْلَ وَالْعَمَلَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَغَيْرِهِ. ثُمَّ قِيلَ: يَخْتَصُّ اللَّفْظُ بِالْإِبِلِ. وَقِيلَ: كُلُّ مَا احْتَمَلَ عَلَيْهِ الْحَيَّ مِنْ حِمَارٍ أَوْ بَغْلٍ أَوْ بَعِيرٍ، عَنْ أَبِي زَيْدٍ، سَوَاءٌ كَانَتْ عليه الأحمال أو لم تكن.
(1). أي ما كان عفوا قد فضل عن غنى. وقيل: أراد ما فضل عن العيال. والظهر قد يزاد في مثل هذا إشباعا للكلام وتمكينا كأن صدقته مستندة إلى ظهر قوى من المال من ابن الأثير.
(2)
. من ك.
(3)
. راجع ج 10 ص 68. [ ..... ]
(4)
. راجع ج 6 ص 33.
قَالَ عَنْتَرَةُ:
مَا رَاعَنِي إِلَّا حَمُولَةُ أَهْلِهَا
…
وَسْطَ الدِّيَارِ تَسُفُّ حَبَّ الْحِمْحِمِ «1»
وَفَعُولَةٌ بِفَتْحِ الْفَاءِ إِذَا كَانَتْ بِمَعْنَى الْفَاعِلِ اسْتَوَى فِيهَا الْمُؤَنَّثُ وَالْمُذَكَّرُ، نَحْوَ قَوْلِكَ: رَجُلٌ فَرُوقَةٌ وَامْرَأَةٌ فَرُوقَةٌ لِلْجَبَانِ وَالْخَائِفِ. وَرَجُلٌ صَرُورَةٌ وَامْرَأَةٌ صَرُورَةٌ إِذَا لَمْ يَحُجَّا، وَلَا جَمْعَ لَهُ. فَإِذَا كَانَتْ بِمَعْنَى الْمَفْعُولِ فُرِّقَ بَيْنَ الْمُذَكَّرِ وَالْمُؤَنَّثِ بِالْهَاءِ كَالْحَلُوبَةِ وَالرَّكُوبَةِ. وَالْحُمُولَةُ (بِضَمِّ الْحَاءِ): الْأَحْمَالُ. وَأَمَّا الْحُمُولُ (بِالضَّمِّ بِلَا هَاءٍ) فَهِيَ الْإِبِلُ الَّتِي عَلَيْهَا الْهَوَادِجُ، كَانَ فِيهَا نِسَاءٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ، عَنْ أَبِي زَيْدٍ." وَفَرْشاً" قَالَ الضَّحَّاكُ: الْحَمُولَةُ مِنَ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ. وَالْفَرْشُ: الْغَنَمُ. النحاس: واستشهد لصاحب هذا القول بقول:" ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ" قَالَ: فَ" ثَمانِيَةَ" بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ:" حَمُولَةً وَفَرْشاً". وَقَالَ الْحَسَنُ: الْحَمُولَةُ الْإِبِلُ. وَالْفَرْشُ: الْغَنَمُ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْحَمُولَةُ كُلُّ مَا حَمَلَ مِنَ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْخَيْلِ وَالْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ. وَالْفَرْشُ: الْغَنَمُ. وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: الْحَمُولَةُ ما يركب، والفرش ما يؤكل لحمه ومحلب، مِثْلَ الْغَنَمِ وَالْفِصْلَانِ وَالْعَجَاجِيلِ، سُمِّيَتْ فَرْشًا لِلَطَافَةِ أَجْسَامِهَا وَقُرْبِهَا مِنَ الْفَرْشِ، وَهِيَ الْأَرْضُ الْمُسْتَوِيَةُ الَّتِي يَتَوَطَّؤُهَا النَّاسُ. قَالَ الرَّاجِزُ:
أَوْرَثَنِي حَمُولَةً وَفَرْشًا
…
أَمُشُّهَا فِي كُلِّ يَوْمٍ مَشًّا «2»
وَقَالَ آخَرُ:
وَحَوَيْنَا الْفَرْشَ مِنْ أَنْعَامِكُمْ
…
وَالْحُمُولَاتِ وَرَبَّاتِ الْحَجَلِ
قَالَ الْأَصْمَعِيُّ: لَمْ أَسْمَعْ لَهُ بِجَمْعٍ. قَالَ: وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَصْدَرًا سُمِّيَ بِهِ، مِنْ قَوْلِهِمْ: فَرَشَهَا اللَّهُ فَرْشًا، أَيْ بَثَّهَا بَثًّا. وَالْفَرْشُ: الْمَفْرُوشُ مِنْ مَتَاعِ الْبَيْتِ. وَالْفَرْشُ: الزَّرْعُ إِذَا فُرِشَ. وَالْفَرْشُ: الْفَضَاءُ الْوَاسِعُ. وَالْفَرْشُ فِي رِجْلِ الْبَعِيرِ: اتِّسَاعٌ قَلِيلٌ، وَهُوَ مَحْمُودٌ. وَافْتَرَشَ الشَّيْءَ انْبَسَطَ، فَهُوَ لَفْظٌ مُشْتَرَكٌ. وَقَدْ يرجع قول تَعَالَى:" وَفَرْشاً" إِلَى هَذَا. قَالَ النَّحَّاسُ: وَمِنْ أَحْسَنَ مَا قِيلَ فِيهِمَا أَنَّ الْحَمُولَةَ الْمُسَخَّرَةُ الْمُذَلَّلَةُ لِلْحَمْلِ. وَالْفَرْشَ مَا خَلَقَهُ اللَّهُ عز وجل من الجلود والصوف مما يجلس ويتمهد. وباقى الآية قد تقدم.
(1). الحمحم (بكسر الحاء ويقال بلخاء): نبات تعلف حبه الإبل.
(2)
. مش الناقة يمشها مشا: حلبها.