الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صَاحِبُهَا. يُقَوِّي هَذِهِ الْقِرَاءَةَ قَوْلُهُ تَعَالَى:" رَفِيعُ الدَّرَجاتِ «1» " وقول عليه السلام:" اللَّهُمَّ ارْفَعْ دَرَجَتَهُ". فَأَضَافَ الرَّفْعَ إِلَى الدَّرَجَاتِ. وَهُوَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّفِيعُ الْمُتَعَالِي فِي شَرَفِهِ وَفَضْلِهِ. فَالْقِرَاءَتَانِ مُتَقَارِبَتَانِ، لِأَنَّ مِنْ رُفِعَتْ دَرَجَاتُهُ فَقَدْ رُفِعَ، وَمَنْ رُفِعَ فَقَدْ رُفِعَتْ دَرَجَاتُهُ، فَاعْلَمْ. (إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ) يضع كل شي موضعه.
[سورة الأنعام (6): الآيات 84 الى 85]
وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنا وَنُوحاً هَدَيْنا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسى وَهارُونَ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (84) وَزَكَرِيَّا وَيَحْيى وَعِيسى وَإِلْياسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ (85)
فِيهِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ: الْأُولَى- قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ) أَيْ جَزَاءً لَهُ عَلَى الِاحْتِجَاجِ فِي الدِّينِ وَبَذْلِ النَّفْسِ فِيهِ." (كُلًّا هَدَيْنا) " أَيْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مُهْتَدٍ. وَ" كُلًّا" نُصِبَ بِ" هَدَيْنا"(وَنُوحاً) نُصِبَ بِ" هَدَيْنا" الثَّانِي. (وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ) أَيْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ. وَقِيلَ: مِنْ ذُرِّيَّةِ نُوحٍ، قَالَهُ الْفَرَّاءُ وَاخْتَارَهُ الطَّبَرِيُّ وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ كَالْقُشَيْرِيِّ وَابْنِ عَطِيَّةَ وَغَيْرِهِمَا. وَالْأَوَّلُ قَالَهُ الزَّجَّاجُ، وَاعْتَرَضَ بِأَنَّهُ عُدَّ مِنْ (هَذِهِ «2») الذُّرِّيَّةِ يُونُسُ وَلُوطٌ وَمَا كَانَا مِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ. وَكَانَ لُوطٌ ابْنَ أَخِيهِ. وَقِيلَ: ابْنُ أُخْتِهِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هَؤُلَاءِ الْأَنْبِيَاءُ جَمِيعًا مُضَافُونَ إِلَى ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ، وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ مَنْ لَمْ تَلْحَقْهُ وِلَادَةٌ مِنْ جِهَتِهِ مِنْ جِهَةِ أَبٍ وَلَا أُمٍّ، لِأَنَّ لُوطًا ابْنُ أَخِي إِبْرَاهِيمَ. وَالْعَرَبُ تَجْعَلُ الْعَمَّ أَبًا كَمَا أَخْبَرَ اللَّهُ عَنْ وَلَدِ يَعْقُوبَ أَنَّهُمْ قَالُوا" نَعْبُدُ إِلهَكَ وَإِلهَ آبائِكَ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ «3» ". وَإِسْمَاعِيلُ عَمُّ يَعْقُوبَ. وَعُدَّ عِيسَى مِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِنَّمَا هُوَ ابْنُ الْبِنْتِ. فَأَوْلَادُ فَاطِمَةَ رضي الله عنها ذُرِّيَّةُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. وَبِهَذَا تَمَسَّكَ مَنْ رَأَى أَنَّ وَلَدَ الْبَنَاتِ يَدْخُلُونَ فِي اسم الولد وهي:
(1). راجع ج 15 ص 298.
(2)
. من ك وب وع.
(3)
. راجع ج 2 ص 137.
الثَّانِيَةُ- قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ: مَنْ وَقَفَ وَقْفًا عَلَى وَلَدِهِ وَوَلَدِ وَلَدِهِ أَنَّهُ يَدْخُلُ فِيهِ وَلَدُ وَلَدِهِ وَوَلَدُ بَنَاتِهِ مَا تَنَاسَلُوا. وَكَذَلِكَ إِذَا أَوْصَى لِقَرَابَتِهِ يَدْخُلُ فِيهِ وَلَدُ الْبَنَاتِ. وَالْقَرَابَةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ كُلُّ ذِي رَحِمٍ مُحَرَّمٍ. وَيَسْقُطُ عِنْدَهُ ابْنُ الْعَمِّ وَالْعَمَّةِ وَابْنُ الْخَالِ وَالْخَالَةِ، لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا بِمُحَرَّمِينَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: الْقَرَابَةُ كُلُّ ذِي رَحِمٍ مُحَرَّمٍ وَغَيْرُهُ. فَلَمْ يَسْقُطْ عِنْدَهُ ابْنُ الْعَمِّ «1» وَلَا غَيْرُهُ. وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ وَلَدُ البنات. وقول: لقرابتي وعقبي كقول: لِوَلَدِي وَوَلَدِ وَلَدِي. يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ وَلَدُ الْبَنِينَ وَمَنْ يَرْجِعُ إِلَى عَصَبَةِ الْأَبِ وَصُلْبِهِ، وَلَا يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ وَلَدُ الْبَنَاتِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ نَحْوُ هَذَا عَنِ الشَّافِعِيِّ فِي" آلَ عِمْرانَ «2» ". والحجة لهما قول سُبْحَانَهُ:" يُوصِيكُمُ اللَّهُ «3» فِي أَوْلادِكُمْ" فَلَمْ يَعْقِلِ الْمُسْلِمُونَ مِنْ ظَاهِرِ الْآيَةِ إِلَّا وَلَدَ الصُّلْبِ وَوَلَدَ الِابْنِ خَاصَّةً. وَقَالَ تَعَالَى:" وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي «4» الْقُرْبى " فَأَعْطَى عليه السلام الْقَرَابَةَ مِنْهُمْ مِنْ أَعْمَامِهِ دُونَ بَنِي أَخْوَالِهِ. فَكَذَلِكَ وَلَدُ الْبَنَاتِ لَا يَنْتَمُونَ إِلَيْهِ بِالنَّسَبِ، وَلَا يَلْتَقُونَ مَعَهُ فِي أَبٍ. قَالَ ابْنُ الْقَصَّارِ: وَحُجَّةُ مَنْ أَدْخَلَ الْبَنَاتِ فِي الْأَقَارِبِ قَوْلُهُ عليه السلام لِلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ" إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ". وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا يَمْتَنِعُ أَنْ يَقُولَ فِي وَلَدِ الْبَنَاتِ إِنَّهُمْ وَلَدٌ لِأَبِي أُمِّهِمْ. وَالْمَعْنَى يَقْتَضِي ذَلِكَ، لِأَنَّ الْوَلَدَ مُشْتَقٌّ مِنَ التَّوَلُّدِ وَهُمْ مُتَوَلِّدُونَ عَنْ أَبِي أُمِّهِمْ لَا مَحَالَةَ، وَالتَّوَلُّدَ مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ كَالتَّوَلُّدِ مِنْ جِهَةِ الْأَبِ. وَقَدْ دَلَّ الْقُرْآنُ عَلَى ذَلِكَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:(وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ) إِلَى قول (مِنَ الصَّالِحِينَ) فَجَعَلَ عِيسَى مِنْ ذُرِّيَّتِهِ وَهُوَ ابْنُ ابْنَتِهِ. الثَّالِثَةُ- قَدْ تَقَدَّمَ فِي النِّسَاءِ «5» بَيَانُ مَا لَا يَنْصَرِفُ مِنْ هْذِهِ الْأَسْمَاءِ. وَلَمْ يَنْصَرِفْ دَاوُدُ لِأَنَّهُ اسْمٌ أَعْجَمِيٌّ، وَلَمَّا كَانَ عَلَى فَاعُولٍ لَا يَحْسُنُ فِيهِ الْأَلِفُ وَاللَّامُ لَمْ يَنْصَرِفْ. وَإِلْيَاسُ أَعْجَمِيٌّ. قَالَ الضَّحَّاكُ: كَانَ إِلْيَاسُ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ. وَذَكَرَ الْقُتَبِيُّ قَالَ: كَانَ مِنْ سِبْطِ يُوشَعَ بْنِ نُونٍ. وَقَرَأَ الْأَعْرَجُ وَالْحَسَنُ وَقَتَادَةُ" وَالِيَاسَ" بِوَصْلِ الْأَلِفِ. وَقَرَأَ أَهْلُ الْحَرَمَيْنِ وَأَبُو عَمْرٍو وَعَاصِمٌ" وَالْيَسَعَ" بِلَامٍ مُخَفَّفَةٍ. وَقَرَأَ الْكُوفِيُّونَ إِلَّا عَاصِمًا" وَاللَّيْسَعَ".
(1). في ك: ابن العمة.
(2)
. راجع ج 4 ص 104.
(3)
. راجع ج 5 ص 54 وص 15 ج 6.
(4)
. راجع ج 8 ص 1.
(5)
. راجع ج 5 ص 54 وص 15 ج 6.
وَكَذَا قَرَأَ الْكِسَائِيُّ، وَرَدَّ قِرَاءَةَ مَنْ قَرَأَ" وَالْيَسَعَ" قَالَ: لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ الْيَفْعَلُ مِثْلَ الْيَحْيَى. قَالَ النَّحَّاسُ: وَهَذَا الرَّدُّ لَا يَلْزَمُ، وَالْعَرَبُ تَقُولُ: الْيَعْمَلُ وَالْيَحْمَدُ، وَلَوْ نَكَّرْتَ يَحْيَى لَقُلْتَ الْيَحْيَى. وَرَدَّ أَبُو حَاتِمٍ عَلَى مَنْ قَرَأَ" اللَّيْسَعَ" وَقَالَ: لَا يُوجَدُ لَيْسَعُ. وَقَالَ النَّحَّاسُ: وَهَذَا الرَّدُّ لَا يَلْزَمُ، فَقَدْ جَاءَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ حَيْدَرٌ وَزَيْنَبُ، وَالْحَقُّ فِي هَذَا أَنَّهُ اسْمٌ أَعْجَمِيٌّ، وَالْعُجْمَةُ لَا تُؤْخَذُ بِالْقِيَاسِ إِنَّمَا تُؤْخَذُ سَمَاعًا وَالْعَرَبُ تُغَيِّرُهَا كَثِيرًا، فَلَا يُنْكَرُ أَنْ يَأْتِيَ الِاسْمُ بِلُغَتَيْنِ. قَالَ مَكِّيٌّ: مَنْ قَرَأَ بِلَامَيْنِ فَأَصْلُ الِاسْمِ لَيْسَعُ، ثُمَّ دَخَلَتِ الْأَلِفُ وَاللَّامُ لِلتَّعْرِيفِ. وَلَوْ كَانَ أَصْلُهُ يَسَعُ مَا دَخَلَتْهُ الْأَلِفُ وَاللَّامُ، إِذْ لَا يَدْخُلَانِ عَلَى يَزِيدَ وَيَشْكُرَ: اسْمَيْنِ لِرَجُلَيْنِ، لِأَنَّهُمَا مَعْرِفَتَانِ عَلَمَانِ. فَأَمَّا" لَيْسَعُ" نَكِرَةٌ فَتَدْخُلُهُ الْأَلِفُ وَاللَّامُ لِلتَّعْرِيفِ، وَالْقِرَاءَةُ بِلَامٍ وَاحِدَةٍ أَحَبُّ إِلَيَّ، لِأَنَّ أَكْثَرَ الْقُرَّاءِ عَلَيْهِ. وَقَالَ الْمَهْدَوِيُّ: مَنْ قَرَأَ" الْيَسَعَ" بِلَامٍ وَاحِدَةٍ فَالِاسْمُ يَسَعُ، وَدَخَلَتِ الْأَلِفُ وَاللَّامُ زَائِدَتَيْنِ، كَزِيَادَتِهِمَا فِي نَحْوِ الخمسة عشر، وفي نحو قوله:
وجدنا اليزيد بْنَ الْوَلِيدِ مُبَارَكًا
…
شَدِيدًا بِأَعْبَاءِ الْخِلَافَةِ كَاهِلُهُ «1»
وَقَدْ زَادُوهَا فِي الْفِعْلِ الْمُضَارِعِ نَحْوَ قَوْلِهِ:
فَيُسْتَخْرَجُ الْيَرْبُوعُ مِنْ نَافِقَائِهِ
…
وَمِنْ بَيْتِهِ بِالشِّيخَةِ الْيَتَقَصَّعُ «2»
يُرِيدُ الَّذِي يَتَقَصَّعُ. قَالَ الْقُشَيْرِيُّ: قُرِئَ بِتَخْفِيفِ اللَّامِ وَالتَّشْدِيدِ. وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ فِي أَنَّهُ اسْمٌ لِنَبِيٍّ مَعْرُوفٍ، مِثْلُ إِسْمَاعِيلَ وَإِبْرَاهِيمَ، وَلَكِنْ خَرَجَ عَمَّا عَلَيْهِ الْأَسْمَاءُ الْأَعْجَمِيَّةُ بِإِدْخَالِ الْأَلِفِ وَاللَّامِ. وَتَوَهَّمَ قَوْمٌ أَنَّ الْيَسَعَ (هُوَ)«3» إِلْيَاسُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَفْرَدَ كُلَّ وَاحِدٍ بِالذِّكْرِ. وَقَالَ وَهْبٌ: الْيَسَعُ (هُوَ)«4» صَاحِبُ إلياس، وكانا قبل زكريا وَيَحْيَى وَعِيسَى. وَقِيلَ: إِلْيَاسُ هُوَ إِدْرِيسُ (وَهَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّ إِدْرِيسَ «5») جَدُّ نُوحٍ وَإِلْيَاسُ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ «6» . وَقِيلَ: إِلْيَاسُ هُوَ الْخَضِرُ. وَقِيلَ: لَا، بَلِ الْيَسَعُ هُوَ الْخَضِرُ" وَلُوطاً"(اسْمٌ)«7» أَعْجَمِيٌّ انْصَرَفَ لِخِفَّتِهِ. وَسَيَأْتِي اشْتِقَاقُهُ فِي" الْأَعْرَافِ «8» .
(1). البيت لابن ميادة.
(2)
. البيت لذي الخرق الطهوي: كما في شرح القاموس. الفقه (كالهمزه) والنافقاء: حجر الضب واليربوع. وقيل موضوع يرققه اليربوع من حجره فإذا أتى من قبل القاصعاء. (وهو حجره) ضرب النافقاء برأسه فخرج والشيخة: رملة بيضاء ببلاد أسد حنظلة. يروى: حجره. وفى الأصول: ذو الشيخة.
(3)
. من ك. [ ..... ]
(4)
. من ك.
(5)
. من ع ول.
(6)
. أي من ذرية نوح.
(7)
. من ع.
(8)
. راجع ص 243 من هذا الجزء.