المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة الأنفال (8): آية 11] - تفسير القرطبي = الجامع لأحكام القرآن - جـ ٧

[القرطبي]

فهرس الكتاب

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 59]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 60]

- ‌[سورة الأنعام (6): الآيات 61 الى 62]

- ‌[سورة الأنعام (6): الآيات 63 الى 64]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 65]

- ‌[سورة الأنعام (6): الآيات 66 الى 67]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 68]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 69]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 70]

- ‌[سورة الأنعام (6): الآيات 71 الى 73]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 74]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 75]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 76]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 77]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 78]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 79]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 80]

- ‌[سورة الأنعام (6): الآيات 81 الى 82]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 83]

- ‌[سورة الأنعام (6): الآيات 84 الى 85]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 87]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 88]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 89]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 90]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 91]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 92]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 93]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 94]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 95]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 96]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 97]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 98]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 99]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 100]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 101]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 102]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 103]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 104]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 105]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 106]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 107]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 108]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 109]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 110]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 111]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 112]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 113]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 114]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 115]

- ‌[سورة الأنعام (6): الآيات 116 الى 117]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 118]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 119]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 120]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 121]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 122]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 123]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 124]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 125]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 126]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 127]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 128]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 129]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 130]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 131]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 132]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 133]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 134]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 135]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 136]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 137]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 138]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 139]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 140]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 141]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 142]

- ‌[سورة الأنعام (6): الآيات 143 الى 144]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 145]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 146]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 147]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 148]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 149]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 150]

- ‌[سورة الأنعام (6): الآيات 151 الى 153]

- ‌[سورة الأنعام (6): الآيات 154 الى 155]

- ‌[سورة الأنعام (6): الآيات 156 الى 157]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 158]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 159]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 160]

- ‌[سورة الأنعام (6): الآيات 161 الى 163]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 164]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 165]

- ‌تفسير سورة الأعراف

- ‌[سورة الأعراف (7): الآيات 1 الى 2]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 3]

- ‌[سورة الأعراف (7): الآيات 4 الى 5]

- ‌[سورة الأعراف (7): الآيات 6 الى 7]

- ‌[سورة الأعراف (7): الآيات 8 الى 9]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 10]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 11]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 12]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 13]

- ‌[سورة الأعراف (7): الآيات 14 الى 15]

- ‌[سورة الأعراف (7): الآيات 16 الى 17]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 18]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 19]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 20]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 21]

- ‌[سورة الأعراف (7): الآيات 22 الى 24]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 25]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 26]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 27]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 28]

- ‌[سورة الأعراف (7): الآيات 29 الى 30]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 31]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 32]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 33]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 34]

- ‌[سورة الأعراف (7): الآيات 35 الى 36]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 37]

- ‌[سورة الأعراف (7): الآيات 38 الى 39]

- ‌[سورة الأعراف (7): الآيات 40 الى 41]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 42]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 43]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 44]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 45]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 46]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 47]

- ‌[سورة الأعراف (7): الآيات 48 الى 49]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 50]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 51]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 52]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 53]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 54]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 55]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 56]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 57]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 58]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 59]

- ‌[سورة الأعراف (7): الآيات 60 الى 62]

- ‌[سورة الأعراف (7): الآيات 63 الى 64]

- ‌[سورة الأعراف (7): الآيات 65 الى 69]

- ‌[سورة الأعراف (7): الآيات 70 الى 72]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 73]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 74]

- ‌[سورة الأعراف (7): الآيات 75 الى 76]

- ‌[سورة الأعراف (7): الآيات 77 الى 79]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 80]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 81]

- ‌[سورة الأعراف (7): الآيات 82 الى 83]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 84]

- ‌[سورة الأعراف (7): الآيات 85 الى 87]

- ‌[سورة الأعراف (7): الآيات 88 الى 89]

- ‌[سورة الأعراف (7): الآيات 90 الى 93]

- ‌[سورة الأعراف (7): الآيات 94 الى 95]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 96]

- ‌[سورة الأعراف (7): الآيات 97 الى 98]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 99]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 100]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 101]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 102]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 103]

- ‌[سورة الأعراف (7): الآيات 104 الى 112]

- ‌[سورة الأعراف (7): الآيات 113 الى 114]

- ‌[سورة الأعراف (7): الآيات 115 الى 117]

- ‌[سورة الأعراف (7): الآيات 118 الى 122]

- ‌[سورة الأعراف (7): الآيات 123 الى 126]

- ‌[سورة الأعراف (7): الآيات 127 الى 128]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 129]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 130]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 131]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 132]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 133]

- ‌[سورة الأعراف (7): الآيات 134 الى 136]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 137]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 138]

- ‌[سورة الأعراف (7): الآيات 139 الى 140]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 141]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 142]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 143]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 144]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 145]

- ‌[سورة الأعراف (7): الآيات 146 الى 147]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 148]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 149]

- ‌[سورة الأعراف (7): الآيات 150 الى 151]

- ‌[سورة الأعراف (7): الآيات 152 الى 153]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 154]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 155]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 156]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 157]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 158]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 159]

- ‌[سورة الأعراف (7): الآيات 160 الى 162]

- ‌[سورة الأعراف (7): الآيات 163 الى 164]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 165]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 166]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 167]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 168]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 169]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 170]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 171]

- ‌[سورة الأعراف (7): الآيات 172 الى 174]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 175]

- ‌[سورة الأعراف (7): الآيات 176 الى 177]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 178]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 179]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 180]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 181]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 182]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 183]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 184]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 185]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 186]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 187]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 188]

- ‌[سورة الأعراف (7): الآيات 189 الى 190]

- ‌[سورة الأعراف (7): الآيات 191 الى 192]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 193]

- ‌[سورة الأعراف (7): الآيات 194 الى 196]

- ‌[سورة الأعراف (7): الآيات 197 الى 198]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 199]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 200]

- ‌[سورة الأعراف (7): الآيات 201 الى 202]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 203]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 204]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 205]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 206]

- ‌تفسير سورة الأنفال

- ‌[سورة الأنفال (8): آية 1]

- ‌[سورة الأنفال (8): الآيات 2 الى 4]

- ‌[سورة الأنفال (8): آية 5]

- ‌[سورة الأنفال (8): آية 6]

- ‌[سورة الأنفال (8): الآيات 7 الى 8]

- ‌[سورة الأنفال (8): الآيات 9 الى 10]

- ‌[سورة الأنفال (8): آية 11]

- ‌[سورة الأنفال (8): آية 12]

- ‌[سورة الأنفال (8): الآيات 13 الى 14]

- ‌[سورة الأنفال (8): الآيات 15 الى 16]

- ‌[سورة الأنفال (8): الآيات 17 الى 18]

- ‌[سورة الأنفال (8): آية 19]

- ‌[سورة الأنفال (8): آية 20]

- ‌[سورة الأنفال (8): الآيات 21 الى 22]

- ‌[سورة الأنفال (8): آية 23]

- ‌[سورة الأنفال (8): آية 24]

- ‌[سورة الأنفال (8): آية 25]

- ‌[سورة الأنفال (8): آية 26]

- ‌[سورة الأنفال (8): آية 27]

- ‌[سورة الأنفال (8): آية 28]

- ‌[سورة الأنفال (8): آية 29]

- ‌[سورة الأنفال (8): آية 30]

- ‌[سورة الأنفال (8): آية 31]

- ‌[سورة الأنفال (8): آية 32]

- ‌[سورة الأنفال (8): آية 33]

- ‌[سورة الأنفال (8): آية 34]

- ‌[سورة الأنفال (8): الآيات 35 الى 37]

- ‌[سورة الأنفال (8): آية 38]

- ‌[سورة الأنفال (8): الآيات 39 الى 40]

الفصل: ‌[سورة الأنفال (8): آية 11]

الْكُفَّارِ. فَمُرْدَفِينَ بِفَتْحِ الدَّالِ نَعْتٌ لِأَلْفٍ. وَقِيلَ: هُوَ حَالٌ مِنَ الضَّمِيرِ الْمَنْصُوبِ فِي" مُمِدُّكُمْ". أَيْ مُمِدُّكُمْ فِي حَالِ إِرْدَافِكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، وَهَذَا مَذْهَبُ مُجَاهِدٍ. وَحَكَى أَبُو عُبَيْدَةَ أَنَّ رَدَفَنِي وَأَرْدَفَنِي وَاحِدٌ. وَأَنْكَرَ أَبُو عُبَيْدٍ أَنْ يَكُونَ أَرْدَفَ بِمَعْنَى رَدِفَ، قَالَ لِقَوْلِ اللَّهِ عز وجل:" تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ «1» " وَلَمْ يَقُلِ الْمُرْدِفَةُ. قَالَ النَّحَّاسُ وَمَكِّيٌّ وَغَيْرُهُمَا: وَقِرَاءَةُ كَسْرِ الدَّالِ أَوْلَى، لِأَنَّ أَهْلَ التَّأْوِيلِ عَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَةِ يُفَسِّرُونَ. أَيْ أَرْدَفَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَلِأَنَّ فِيهَا مَعْنَى الْفَتْحِ عَلَى مَا حَكَى أَبُو عُبَيْدَةَ، وَلِأَنَّ عَلَيْهِ أَكْثَرَ الْقُرَّاءِ. قَالَ سِيبَوَيْهَ: وَقَرَأَ بَعْضُهُمْ" مُرَدِّفِينَ" بِفَتْحِ الرَّاءِ وَشَدِّ الدَّالِ. وَبَعْضُهُمْ" مُرِدِّفِينَ" بِكَسْرِ الرَّاءِ. وَبَعْضُهُمْ" مُرُدِّفِينَ" بِضَمِّ الرَّاءِ. وَالدَّالُ مَكْسُورَةٌ مُشَدَّدَةٌ فِي الْقِرَاءَاتِ الثَّلَاثِ. فَالْقِرَاءَةُ الْأُولَى تَقْدِيرُهَا عِنْدَ سِيبَوَيْهَ مُرْتَدِفِينَ، ثُمَّ أَدْغَمَ التَّاءَ فِي الدَّالِ، وَأَلْقَى حَرَكَتَهَا عَلَى الرَّاءِ لِئَلَّا يَلْتَقِيَ سَاكِنَانِ. وَالثَّانِيَةُ كُسِرَتْ فِيهَا الرَّاءُ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ. وَضُمَّتِ الرَّاءُ فِي الثَّالِثَةِ إِتْبَاعًا لِضَمَّةِ الْمِيمِ، كَمَا تَقُولُ:(رَدَّ وَرُدَّ «2» وَرِدَّ) يَا هَذَا. وَقَرَأَ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَعَاصِمٌ الْجَحْدَرِيُّ:" بَآلُفٍ" جَمْعُ أَلْفٍ، مِثْلَ فَلْسٍ وَأَفْلُسٍ. وَعَنْهُمَا أَيْضًا" بِأَلْفٍ". وَقَدْ مَضَى فِي" آلِ عِمْرَانَ" ذِكْرُ نُزُولِ الْمَلَائِكَةِ وَسِيمَاهُمْ وَقِتَالُهُمْ. وَتَقَدَّمَ فِيهَا الْقَوْلُ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ:" وَما جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرى «3» ". وَالْمُرَادُ الْإِمْدَادُ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْإِرْدَافَ. (وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ) نَبَّهَ عَلَى أَنَّ النَّصْرَ مِنْ عِنْدِهِ جَلَّ وَعَزَّ لَا مِنَ الْمَلَائِكَةِ، أَيْ لَوْلَا نَصْرُهُ لَمَا انْتُفِعَ بِكَثْرَةِ الْعَدَدِ بِالْمَلَائِكَةِ. وَالنَّصْرُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ يَكُونُ بِالسَّيْفِ وَيَكُونُ بالحجة.

[سورة الأنفال (8): آية 11]

إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ وَلِيَرْبِطَ عَلى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدامَ (11)

قَوْلُهُ تَعَالَى: (إِذْ «4» يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ) مَفْعُولَانِ. وَهِيَ قِرَاءَةُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَهِيَ حَسَنَةٌ لِإِضَافَةِ الْفِعْلِ إِلَى اللَّهِ عز وجل لِتَقَدُّمِ ذِكْرِهِ فِي قَوْلِهِ:" وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ".

(1). راجع ج 19 ص 193.

(2)

. من ك، هـ، ج.

(3)

. راجع ج 4 ص 190 وص 198.

(4)

. هي قراءة نافع.

ص: 371

وَلِأَنَّ بَعْدَهُ" وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ" فَأَضَافَ الْفِعْلَ إِلَى اللَّهِ عز وجل. فَكَذَلِكَ الْإِغْشَاءُ يُضَافُ إِلَى اللَّهِ عز وجل لِيَتَشَاكَلَ الْكَلَامُ. وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو" يَغْشَاكُمُ النُّعَاسُ" بِإِضَافَةِ الْفِعْلِ إِلَى النُّعَاسِ. دَلِيلُهُ" أَمَنَةً نُعاساً يَغْشى «1» " فِي قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ بِالْيَاءِ أَوْ بِالتَّاءِ، فَأَضَافَ الْفِعْلَ إِلَى النُّعَاسِ أَوْ إِلَى الْأَمَنَةِ. وَالْأَمَنَةُ هِيَ النُّعَاسُ، فَأَخْبَرَ أَنَّ النُّعَاسَ هُوَ الَّذِي يَغْشَى الْقَوْمَ. وَقَرَأَ الْبَاقُونَ" يُغَشِّيكُمْ" بِفَتْحِ الْغَيْنِ وَشَدِّ الشِّينِ." النُّعَاسَ" بِالنَّصْبِ عَلَى مَعْنَى قِرَاءَةِ نَافِعٍ، لُغَتَانِ بِمَعْنَى غَشَّى وَأَغْشَى، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:" فَأَغْشَيْناهُمْ «2» ". وَقَالَ:" فَغَشَّاها مَا غَشَّى «3» ". وَقَالَ:" كَأَنَّما أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ «4» 10: 27". قَالَ مَكِّيٌّ: وَالِاخْتِيَارُ ضَمُّ الْيَاءِ وَالتَّشْدِيدُ وَنَصْبُ النُّعَاسِ، لِأَنَّ بَعْدَهُ" أَمَنَةً مِنْهُ" وَالْهَاءُ فِي" مِنْهُ 60" لِلَّهِ، فَهُوَ الَّذِي يُغَشِّيهِمُ النُّعَاسَ، وَلِأَنَّ الْأَكْثَرَ عَلَيْهِ. وَقِيلَ: أَمَنَةٌ مِنَ الْعَدُوِّ وَ" أَمَنَةً" مَفْعُولٌ مِنْ أَجْلِهِ أَوْ مَصْدَرٌ، يُقَالُ: أَمِنَ أَمَنَةً وَأَمْنًا وَأَمَانًا، كُلُّهَا سَوَاءٌ. وَالنُّعَاسُ حَالَةُ الْآمَنِ الَّذِي لَا يَخَافُ. وَكَانَ هَذَا النُّعَاسُ فِي اللَّيْلَةِ الَّتِي كَانَ الْقِتَالُ مِنْ غَدِهَا، فَكَانَ النَّوْمُ عَجِيبًا مَعَ مَا كَانَ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ مِنَ الْأَمْرِ الْمُهِمِّ، وَلَكِنَّ اللَّهَ رَبَطَ جَأْشَهُمْ. وَعَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ: مَا كَانَ فِينَا فَارِسٌ يَوْمَ بَدْرٍ غَيْرَ الْمِقْدَادِ عَلَى فَرَسٍ أَبْلَقَ، وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا وَمَا فِينَا إِلَّا نَائِمٌ إِلَّا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَحْتَ شَجَرَةٍ يُصَلِّي وَيَبْكِي حَتَّى أَصْبَحَ، ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ «5». الْمَاوَرْدِيُّ: وَفِي امْتِنَانِ اللَّهِ عَلَيْهِمْ بِالنَّوْمِ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ وَجْهَانِ:- أَحَدُهُمَا: أَنْ قَوَّاهُمْ بِالِاسْتِرَاحَةِ عَلَى الْقِتَالِ مِنَ الْغَدِ. الثَّانِي: أَنْ أَمَّنَهُمْ بِزَوَالِ الرُّعْبِ مِنْ قُلُوبِهِمْ، كَمَا يُقَالُ: الْأَمْنُ مُنِيمٌ، وَالْخَوْفُ مُسْهِرٌ. وَقِيلَ: غَشَّاهُمْ فِي حَالِ الْتِقَاءِ الصَّفَّيْنِ. وَقَدْ مَضَى مِثْلُ هَذَا فِي يَوْمِ أُحُدٍ فِي" آلِ عِمْرَانَ". قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ وَلِيَرْبِطَ عَلى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدامَ) ظَاهِرُ الْقُرْآنِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ النُّعَاسَ كَانَ قَبْلَ الْمَطَرِ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ: كَانَ الْمَطَرُ قَبْلَ النُّعَاسِ. وَحَكَى الزَّجَّاجُ: أَنَّ الْكُفَّارَ يَوْمَ بَدْرٍ سَبَقُوا الْمُؤْمِنِينَ إِلَى مَاءِ بَدْرٍ فَنَزَلُوا عَلَيْهِ، وَبَقِيَ الْمُؤْمِنُونَ لَا مَاءَ لَهُمْ، فَوَجَسَتْ «6» نُفُوسُهُمْ وَعَطِشُوا وأجنبوا وصلوا

(1). راجع ج 4 ص 241.

(2)

. راجع ج 15 ص 9.

(3)

. راجع ج 17 ص 118.

(4)

. راجع ج 8 ص 332.

(5)

. في ك، ى: والماوردي.

(6)

. وجست: وقع في نفوسهم الفزع.

ص: 372

كَذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ فِي نُفُوسِهِمْ بِإِلْقَاءِ الشَّيْطَانِ إليهم: نزعم أنا أولياء الله وفينا رسول وَحَالُنَا هَذِهِ وَالْمُشْرِكُونَ عَلَى الْمَاءِ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ الْمَطَرَ لَيْلَةَ بَدْرٍ السَّابِعَةَ عَشْرَةَ مِنْ رَمَضَانَ حَتَّى سَالَتِ الْأَوْدِيَةُ، فَشَرِبُوا وَتَطَهَّرُوا وَسَقَوُا الظَّهْرَ «1» وَتَلَبَّدَتِ السَّبِخَةُ «2» الَّتِي كَانَتْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمُشْرِكِينَ حَتَّى ثَبَتَتْ فِيهَا أَقْدَامُ الْمُسْلِمِينَ وَقْتَ الْقِتَالِ. وقد قيل: إن هذ الْأَحْوَالَ كَانَتْ قَبْلَ وُصُولِهِمْ إِلَى بَدْرٍ، وَهُوَ أَصَحُّ، وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ فِي سِيرَتِهِ وَغَيْرُهُ. وَهَذَا اخْتِصَارُهُ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لَمَّا أُخْبِرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِأَبِي سُفْيَانَ أَنَّهُ مُقْبِلٌ مِنْ الشَّأْمِ نَدَبَ الْمُسْلِمِينَ إِلَيْهِمْ وَقَالَ:" هَذِهِ عِيرُ قُرَيْشٍ فِيهَا الْأَمْوَالُ فَاخْرُجُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُنَفِّلَكُمُوهَا" قَالَ: فَانْبَعَثَ مَعَهُ مَنْ خَفَّ، وَثَقُلَ قَوْمٌ وَكَرِهُوا الْخُرُوجَ، وَأَسْرَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «3» لَا يَلْوِي عَلَى مَنْ تَعَذَّرَ، وَلَا يَنْتَظِرُ مَنْ غَابَ ظَهْرُهُ، فَسَارَ فِي ثَلَاثِمِائَةٍ وَثَلَاثَةَ عَشَرَ مِنْ أَصْحَابِهِ مِنْ مُهَاجِرِيٍّ وَأَنْصَارِيٍّ. وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: كَانَ الْمُهَاجِرُونَ يَوْمَ بَدْرٍ نَيِّفًا وَثَمَانِينَ، وَكَانَ الْأَنْصَارُ نَيِّفًا وَأَرْبَعِينَ وَمِائَتَيْنِ. وَخَرَّجَ أَيْضًا عَنْهُ قَالَ: كُنَّا نَتَحَدَّثُ إِنَّ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم كَانُوا ثَلَاثمِائَةٍ وَبِضْعَةَ عَشَرَ، عَلَى عَدَدِ أَصْحَابِ طَالُوتَ الَّذِينَ جَاوَزُوا مَعَهُ النَّهْرَ، وَمَا جَاوَزَ مَعَهُ إِلَّا مُؤْمِنٌ. وَذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ: فَخَرَجْنَا- يَعْنِي إِلَى بَدْرٍ- فَلَمَّا سِرْنَا يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ نَتَعَادَّ، فَفَعَلْنَا فَإِذَا نَحْنُ ثَلَاثُمِائَةٍ وَثَلَاثَةَ عَشَرَ رَجُلًا، فَأَخْبَرْنَا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بِعِدَّتِنَا، فَسُرَّ بِذَلِكَ وَحَمِدَ اللَّهَ وَقَالَ:" عِدَّةُ أَصْحَابِ طَالُوتَ". قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَقَدْ ظَنَّ النَّاسُ بِأَجْمَعِهِمْ أَنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يَلْقَى حَرْبًا فَلَمْ يَكْثُرِ اسْتِعْدَادُهُمْ. وَكَانَ أَبُو سُفْيَانَ حِينَ دَنَا مِنَ الْحِجَازِ يَتَجَسَّسُ الْأَخْبَارَ وَيَسْأَلُ مَنْ لَقِيَ مِنَ الرُّكْبَانِ تَخَوُّفًا عَلَى أَمْوَالِ النَّاسِ، حَتَّى أَصَابَ خَبَرًا مِنْ بَعْضِ الرُّكْبَانِ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدِ اسْتَنْفَرَ لَكُمُ النَّاسَ، فَحَذِرَ عِنْدَ ذَلِكَ وَاسْتَأْجَرَ ضَمْضَمَ بْنَ عَمْرٍو الْغِفَارِيَّ وَبَعَثَهُ إِلَى مَكَّةَ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَأْتِيَ قُرَيْشًا

(1). الظهر: الإبل التي يحمل عليها وتركب.

(2)

. السبخة (محركة): أرض ذات ملح ونز. والمراد بها هنا الأرض التي تسوخ فيها الأرجل. [ ..... ]

(3)

. لا يلوى: لا يقف ولا ينظر.

ص: 373

يَسْتَنْفِرُهُمْ إِلَى أَمْوَالِهِمْ وَيُخْبِرُهُمْ أَنَّ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم قَدْ عَرَضَ لَهَا فِي أَصْحَابِهِ، فَفَعَلَ ضَمْضَمُ. فَخَرَجَ أَهْلُ مَكَّةَ فِي أَلْفِ رَجُلٍ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، وَخَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي أَصْحَابِهِ، وَأَتَاهُ الْخَبَرُ عَنْ قُرَيْشٍ بِخُرُوجِهِمْ لِيَمْنَعُوا عِيرَهُمْ، فَاسْتَشَارَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم النَّاسَ، فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ فَأَحْسَنَ، وَقَامَ عُمَرُ فَقَالَ فَأَحْسَنَ، ثُمَّ قَامَ الْمِقْدَادُ بْنُ عَمْرٍو فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، امْضِ لِمَا أَمَرَكَ اللَّهُ فَنَحْنُ مَعَكَ، وَاللَّهِ لَا نَقُولُ كَمَا قَالَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ" فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ" وَلَكِنِ اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا مَعَكُمْ مُقَاتِلُونَ، وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَوْ سِرْتَ إِلَى بَرْكِ الْغِمَادِ- يَعْنِي مَدِينَةَ الْحَبَشَةِ- لَجَالَدْنَا مَعَكَ مِنْ دُونِهِ «1» ، فَسُرَّ بِذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَدَعَا لَهُ بِخَيْرٍ. ثُمَّ قَالَ:" أَشِيرُوا عَلَيَّ أَيُّهَا النَّاسُ" يُرِيدُ الْأَنْصَارَ. وَذَلِكَ أَنَّهُمْ عَدَدُ النَّاسِ، وَكَانُوا حِينَ بَايَعُوهُ بِالْعَقَبَةِ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا بُرَآءُ مِنْ ذِمَامِكَ حَتَّى تَصِلَ إِلَى دِيَارِنَا، فَإِذَا وَصَلْتَ إِلَيْنَا فَأَنْتَ فِي ذِمَمِنَا، نَمْنَعُكَ مِمَّا نَمْنَعُ مِنْهُ أَنْفُسَنَا وَأَبْنَاءَنَا وَنِسَاءَنَا. فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَتَخَوَّفُ أَلَّا تَكُونَ الْأَنْصَارُ تَرَى أَنَّ عَلَيْهَا نُصْرَتَهُ إِلَّا بِالْمَدِينَةِ، وَأَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَسِيرَ بِهِمْ إِلَى عَدُوٍّ بِغَيْرِ بِلَادِهِمْ. فَلَمَّا قَالَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَلِمَةُ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ- وَقِيلَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ، وَيُمْكِنُ أَنَّهُمَا تَكَلَّمَا جَمِيعًا فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَأَنَّكَ تُرِيدُنَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:(أَجَلْ) فَقَالَ: إِنَّا قَدْ آمَنَّا بِكَ وَاتَّبَعْنَاكَ، فَامْضِ لِمَا أَمَرَكَ اللَّهُ، فَوَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَوِ اسْتَعْرَضْتَ بِنَا هَذَا الْبَحْرَ فَخُضْتَهُ لَخُضْنَاهُ مَعَكَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:" امْضُوا عَلَى بَرَكَةِ اللَّهِ فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى مَصَارِعِ الْقَوْمِ". فَمَضَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَسَبَقَ قُرَيْشًا إِلَى مَاءِ بَدْرٍ. وَمَنَعَ قُرَيْشًا مِنَ السَّبَقِ إِلَيْهِ مَطَرٌ عَظِيمٌ أَنْزَلَهُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، وَلَمْ يُصِبْ مِنْهُ الْمُسْلِمِينَ إِلَّا مَا شَدَّ لَهُمْ دَهْسَ الْوَادِي وَأَعَانَهُمْ عَلَى الْمَسِيرِ. وَالدَّهْسُ: الرَّمْلُ اللَّيِّنُ الَّذِي تَسُوخُ فِيهِ الْأَرْجُلُ. فَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى أَدْنَى مَاءٍ مِنْ مِيَاهِ بَدْرٍ إِلَى الْمَدِينَةِ، فأشار عليه الحباب

(1). في ج: من دونها.

ص: 374

ابن الْمُنْذِرِ بْنِ عَمْروِ بْنِ الْجَمُوحِ بِغَيْرِ ذَلِكَ وَقَالَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ هَذَا الْمَنْزِلَ، أَمَنْزِلًا أَنْزَلَكَهُ اللَّهُ فَلَيْسَ لَنَا أَنْ نَتَقَدَّمَهُ أَوْ نَتَأَخَّرَ عَنْهُ، أَمْ هُوَ الرَّأْيُ وَالْحَرْبُ وَالْمَكِيدَةُ؟ فَقَالَ عليه السلام:" بَلْ هُوَ الرَّأْيُ وَالْحَرْبُ وَالْمَكِيدَةُ". فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ هَذَا لَيْسَ لَكَ بِمَنْزِلٍ، فَانْهَضْ بِنَا إِلَى أَدْنَى مَاءٍ مِنَ الْقَوْمِ فَنَنْزِلَهُ وَنُعَوِّرُ «1» مَا وَرَاءَهُ مِنَ الْقَلْبِ «2» ، ثُمَّ نَبْنِي عَلَيْهِ حَوْضًا فَنَمْلَأُهُ فَنَشْرَبُ وَلَا يَشْرَبُونَ. فَاسْتَحْسَنَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَلِكَ مِنْ رَأْيِهِ، وَفَعَلَهُ. ثُمَّ الْتَقَوْا فَنَصَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ وَالْمُسْلِمِينَ، فَقَتَلَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ سَبْعِينَ وَأَسَرَ مِنْهُمْ سَبْعِينَ، وَانْتَقَمَ مِنْهُمْ لِلْمُؤْمِنِينَ، وَشَفَى اللَّهُ صَدْرَ رَسُولِهِ عليه السلام وَصُدُورِ أَصْحَابِهِ مِنْ غَيْظِهِمْ. وَفِي ذَلِكَ يَقُولُ حَسَّانُ:

عَرَفْتُ دِيَارَ زَيْنَبَ بِالْكَثِيبِ

كَخَطِّ الْوَحْيِ فِي الْوَرِقِ الْقَشِيبِ «3»

تَدَاوَلَهَا الرِّيَاحُ وَكُلُّ جَوْنٍ

مِنَ الْوَسْمِيِّ مُنْهَمِرٍ سَكُوبِ «4»

فَأَمْسَى رَبْعُهَا خَلْقًا وَأَمْسَتْ

يَبَابًا «5» بَعْدَ سَاكِنِهَا الْحَبِيبِ

فَدَعْ عَنْكَ التَّذَكُّرَ كُلَّ يَوْمٍ

وَرُدَّ حَرَارَةَ الصَّدْرِ الْكَئِيبِ «6»

وَخَبِّرْ بِالَّذِي لَا عَيْبَ فِيهِ

بِصِدْقٍ غَيْرَ إِخْبَارِ الْكَذُوبِ

بِمَا صَنَعَ الْإِلَهُ غَدَاةَ بَدْرٍ

لَنَا فِي الْمُشْرِكِينَ مِنَ النَّصِيبِ

غَدَاةً كَأَنْ جَمَعَهُمْ حِرَاءُ

بَدَتْ أَرْكَانُهُ جُنْحَ الْغُرُوبِ

فَلَاقَيْنَاهُمْ مِنَّا بِجَمْعٍ

كَأُسْدِ الْغَابِ مُرْدَانٍ وَشِيبِ

أَمَامَ مُحَمَّدٍ قَدْ وَازَرُوهُ

عَلَى الْأَعْدَاءِ فِي لَفْحِ الْحُرُوبِ

بِأَيْدِيهِمْ صَوَارِمُ مُرْهَفَاتٍ

وكل مجرب خاظي الكعوب «7»

(1). عور عيون المياه: إذا دفنها وسدها.

(2)

. القلب: جمع قليب، وهى البئر العادية القديمة التي لا يعلم لها رب ولا حافر تكون في البراري.

(3)

. الوحى: الكتابة. والقشيب: الجديد.

(4)

. الجون: السحاب. والوسمي: المطر الذي يأتي في الربيع.

(5)

. اليباب: الخراب.

(6)

. الكئيب: الحزين.

(7)

. الخاظى: الكثير اللحم، والمراد الضخم العظيم، أو ذو الشرف والمجد.

ص: 375

بَنُو الْأَوْسِ الْغَطَارِفُ وَازَرَتْهَا

بَنُو النَّجَّارِ فِي الدِّينِ الصَّلِيبِ «1»

فَغَادَرْنَا أَبَا جَهْلٍ صَرِيعًا

وَعُتْبَةَ قَدْ تَرَكْنَا بِالْجَبُوبِ «2»

وَشَيْبَةَ قَدْ تَرَكْنَا فِي رِجَالٍ

ذَوِي نَسَبٍ إِذَا نُسِبُوا حَسِيبِ

يُنَادِيهِمْ رَسُولُ اللَّهِ لَمَّا

قَذَفْنَاهُمْ كَبَاكِبَ فِي الْقَلِيبِ «3»

أَلَمْ تَجِدُوا كَلَامِي كَانَ حَقًّا

وَأَمْرَ اللَّهِ يَأْخُذُ بِالْقُلُوبِ

فَمَا نَطَقُوا، وَلَوْ نَطَقُوا لَقَالُوا

أَصَبْتَ وَكُنْتَ ذَا رَأْيٍ مُصِيبِ

وَهُنَا ثَلَاثُ مَسَائِلَ: الْأُولَى- قَالَ مَالِكٌ: بَلَغَنِي أَنَّ جِبْرِيلَ عليه السلام قَالَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: (كَيْفَ أَهْلُ بَدْرٍ فِيكُمْ)؟ قَالَ:" خِيَارُنَا" فقال:" إِنَّهُمْ كَذَلِكَ فِينَا". فَدَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّ شَرَفَ الْمَخْلُوقَاتِ لَيْسَ بِالذَّوَاتِ، وَإِنَّمَا هُوَ بِالْأَفْعَالِ. فَلِلْمَلَائِكَةِ أَفْعَالُهَا الشَّرِيفَةُ مِنَ الْمُوَاظَبَةِ عَلَى التَّسْبِيحِ الدَّائِمِ. وَلَنَا أَفْعَالُنَا بِالْإِخْلَاصِ بِالطَّاعَةِ. وَتَتَفَاضَلُ الطَّاعَاتُ بِتَفْضِيلِ الشَّرْعِ لَهَا، وَأَفْضَلُهَا الْجِهَادُ، وَأَفْضَلُ الْجِهَادِ يَوْمَ بَدْرٍ، لِأَنَّ بِنَاءَ الْإِسْلَامِ كَانَ عَلَيْهِ. الثَّانِيَةُ- وَدَلَّ خُرُوجُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِيَلْقَى الْعِيرَ عَلَى جَوَازِ النَّفِيرِ لِلْغَنِيمَةِ لِأَنَّهَا كَسْبٌ حَلَالٌ. وَهُوَ يَرُدُّ مَا كَرِهَ مَالِكٌ مِنْ ذَلِكَ، إِذْ قَالَ: ذَلِكَ قِتَالٌ عَلَى الدُّنْيَا، وَمَا جَاءَ أَنَّ مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ دُونَ مَنْ يُقَاتِلُ لِلْغَنِيمَةِ، يُرَادُ بِهِ إِذَا كَانَ قَصَدَهُ وَحْدَهُ وَلَيْسَ لِلدِّينِ فِيهِ حَظٌّ. وَرَوَى عِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالُوا لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حِينَ فَرَغَ مِنْ بَدْرٍ: عَلَيْكَ بِالْعِيرِ، لَيْسَ دونها شي. فَنَادَاهُ الْعَبَّاسُ وَهُوَ فِي الْأَسْرَى: لَا يَصْلُحُ هَذَا. فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: (وَلِمَ)؟ قَالَ: لِأَنَّ اللَّهَ وَعَدَكَ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ، وَقَدْ أَعْطَاكَ اللَّهُ مَا وَعَدَكَ. فَقَالَ النبي صلى الله عليه وسلم:

(1). الغطارف: جمع الغطريف، وهو السيد الشريف السخي. ولصليب: الشديد المتين.

(2)

. الجبوب: وجه الأرض.

(3)

. كباكب: جمع كبكبة وهى الجماعة الكثيرة. والقليب: البئر.

ص: 376