المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة الأعراف (7): آية 32] - تفسير القرطبي = الجامع لأحكام القرآن - جـ ٧

[القرطبي]

فهرس الكتاب

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 59]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 60]

- ‌[سورة الأنعام (6): الآيات 61 الى 62]

- ‌[سورة الأنعام (6): الآيات 63 الى 64]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 65]

- ‌[سورة الأنعام (6): الآيات 66 الى 67]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 68]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 69]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 70]

- ‌[سورة الأنعام (6): الآيات 71 الى 73]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 74]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 75]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 76]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 77]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 78]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 79]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 80]

- ‌[سورة الأنعام (6): الآيات 81 الى 82]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 83]

- ‌[سورة الأنعام (6): الآيات 84 الى 85]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 87]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 88]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 89]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 90]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 91]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 92]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 93]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 94]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 95]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 96]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 97]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 98]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 99]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 100]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 101]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 102]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 103]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 104]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 105]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 106]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 107]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 108]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 109]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 110]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 111]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 112]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 113]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 114]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 115]

- ‌[سورة الأنعام (6): الآيات 116 الى 117]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 118]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 119]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 120]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 121]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 122]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 123]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 124]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 125]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 126]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 127]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 128]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 129]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 130]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 131]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 132]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 133]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 134]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 135]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 136]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 137]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 138]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 139]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 140]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 141]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 142]

- ‌[سورة الأنعام (6): الآيات 143 الى 144]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 145]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 146]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 147]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 148]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 149]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 150]

- ‌[سورة الأنعام (6): الآيات 151 الى 153]

- ‌[سورة الأنعام (6): الآيات 154 الى 155]

- ‌[سورة الأنعام (6): الآيات 156 الى 157]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 158]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 159]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 160]

- ‌[سورة الأنعام (6): الآيات 161 الى 163]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 164]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 165]

- ‌تفسير سورة الأعراف

- ‌[سورة الأعراف (7): الآيات 1 الى 2]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 3]

- ‌[سورة الأعراف (7): الآيات 4 الى 5]

- ‌[سورة الأعراف (7): الآيات 6 الى 7]

- ‌[سورة الأعراف (7): الآيات 8 الى 9]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 10]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 11]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 12]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 13]

- ‌[سورة الأعراف (7): الآيات 14 الى 15]

- ‌[سورة الأعراف (7): الآيات 16 الى 17]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 18]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 19]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 20]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 21]

- ‌[سورة الأعراف (7): الآيات 22 الى 24]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 25]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 26]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 27]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 28]

- ‌[سورة الأعراف (7): الآيات 29 الى 30]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 31]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 32]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 33]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 34]

- ‌[سورة الأعراف (7): الآيات 35 الى 36]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 37]

- ‌[سورة الأعراف (7): الآيات 38 الى 39]

- ‌[سورة الأعراف (7): الآيات 40 الى 41]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 42]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 43]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 44]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 45]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 46]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 47]

- ‌[سورة الأعراف (7): الآيات 48 الى 49]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 50]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 51]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 52]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 53]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 54]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 55]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 56]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 57]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 58]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 59]

- ‌[سورة الأعراف (7): الآيات 60 الى 62]

- ‌[سورة الأعراف (7): الآيات 63 الى 64]

- ‌[سورة الأعراف (7): الآيات 65 الى 69]

- ‌[سورة الأعراف (7): الآيات 70 الى 72]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 73]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 74]

- ‌[سورة الأعراف (7): الآيات 75 الى 76]

- ‌[سورة الأعراف (7): الآيات 77 الى 79]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 80]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 81]

- ‌[سورة الأعراف (7): الآيات 82 الى 83]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 84]

- ‌[سورة الأعراف (7): الآيات 85 الى 87]

- ‌[سورة الأعراف (7): الآيات 88 الى 89]

- ‌[سورة الأعراف (7): الآيات 90 الى 93]

- ‌[سورة الأعراف (7): الآيات 94 الى 95]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 96]

- ‌[سورة الأعراف (7): الآيات 97 الى 98]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 99]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 100]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 101]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 102]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 103]

- ‌[سورة الأعراف (7): الآيات 104 الى 112]

- ‌[سورة الأعراف (7): الآيات 113 الى 114]

- ‌[سورة الأعراف (7): الآيات 115 الى 117]

- ‌[سورة الأعراف (7): الآيات 118 الى 122]

- ‌[سورة الأعراف (7): الآيات 123 الى 126]

- ‌[سورة الأعراف (7): الآيات 127 الى 128]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 129]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 130]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 131]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 132]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 133]

- ‌[سورة الأعراف (7): الآيات 134 الى 136]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 137]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 138]

- ‌[سورة الأعراف (7): الآيات 139 الى 140]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 141]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 142]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 143]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 144]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 145]

- ‌[سورة الأعراف (7): الآيات 146 الى 147]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 148]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 149]

- ‌[سورة الأعراف (7): الآيات 150 الى 151]

- ‌[سورة الأعراف (7): الآيات 152 الى 153]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 154]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 155]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 156]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 157]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 158]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 159]

- ‌[سورة الأعراف (7): الآيات 160 الى 162]

- ‌[سورة الأعراف (7): الآيات 163 الى 164]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 165]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 166]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 167]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 168]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 169]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 170]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 171]

- ‌[سورة الأعراف (7): الآيات 172 الى 174]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 175]

- ‌[سورة الأعراف (7): الآيات 176 الى 177]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 178]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 179]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 180]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 181]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 182]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 183]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 184]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 185]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 186]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 187]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 188]

- ‌[سورة الأعراف (7): الآيات 189 الى 190]

- ‌[سورة الأعراف (7): الآيات 191 الى 192]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 193]

- ‌[سورة الأعراف (7): الآيات 194 الى 196]

- ‌[سورة الأعراف (7): الآيات 197 الى 198]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 199]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 200]

- ‌[سورة الأعراف (7): الآيات 201 الى 202]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 203]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 204]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 205]

- ‌[سورة الأعراف (7): آية 206]

- ‌تفسير سورة الأنفال

- ‌[سورة الأنفال (8): آية 1]

- ‌[سورة الأنفال (8): الآيات 2 الى 4]

- ‌[سورة الأنفال (8): آية 5]

- ‌[سورة الأنفال (8): آية 6]

- ‌[سورة الأنفال (8): الآيات 7 الى 8]

- ‌[سورة الأنفال (8): الآيات 9 الى 10]

- ‌[سورة الأنفال (8): آية 11]

- ‌[سورة الأنفال (8): آية 12]

- ‌[سورة الأنفال (8): الآيات 13 الى 14]

- ‌[سورة الأنفال (8): الآيات 15 الى 16]

- ‌[سورة الأنفال (8): الآيات 17 الى 18]

- ‌[سورة الأنفال (8): آية 19]

- ‌[سورة الأنفال (8): آية 20]

- ‌[سورة الأنفال (8): الآيات 21 الى 22]

- ‌[سورة الأنفال (8): آية 23]

- ‌[سورة الأنفال (8): آية 24]

- ‌[سورة الأنفال (8): آية 25]

- ‌[سورة الأنفال (8): آية 26]

- ‌[سورة الأنفال (8): آية 27]

- ‌[سورة الأنفال (8): آية 28]

- ‌[سورة الأنفال (8): آية 29]

- ‌[سورة الأنفال (8): آية 30]

- ‌[سورة الأنفال (8): آية 31]

- ‌[سورة الأنفال (8): آية 32]

- ‌[سورة الأنفال (8): آية 33]

- ‌[سورة الأنفال (8): آية 34]

- ‌[سورة الأنفال (8): الآيات 35 الى 37]

- ‌[سورة الأنفال (8): آية 38]

- ‌[سورة الأنفال (8): الآيات 39 الى 40]

الفصل: ‌[سورة الأعراف (7): آية 32]

قُلْتُ: وَقَدْ يَكُونُ هَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ عليه السلام: (الْمُؤْمِنُ يَأْكُلُ فِي مِعًى وَاحِدٍ) أَيِ التَّامُّ الْإِيمَانِ، لِأَنَّ مَنْ حَسُنَ إِسْلَامُهُ وَكَمُلَ إِيمَانُهُ كَأَبِي جُحَيْفَةَ تَفَكَّرَ فِيمَا يَصِيرُ إِلَيْهِ مِنْ أَمْرِ الْمَوْتِ وَمَا بَعْدَهُ، فَيَمْنَعُهُ الْخَوْفُ وَالْإِشْفَاقُ مِنْ تِلْكَ الْأَهْوَالِ مِنِ اسْتِيفَاءِ شَهَوَاتِهِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: مَعْنَى" وَلا تُسْرِفُوا" لَا تَأْكُلُوا حَرَامًا. وَقِيلَ: (مِنَ السَّرَفِ أَنْ تَأْكُلَ كُلَّ مَا اشْتَهَيْتَ). رَوَاهُ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، خَرَّجَهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ. وَقِيلَ: مِنَ الْإِسْرَافِ الْأَكْلُ بَعْدَ الشِّبَعِ. وَكُلُّ ذَلِكَ مَحْظُورٌ. وَقَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ: يَا بُنَيَّ لَا تَأْكُلْ شِبَعًا فَوْقَ شِبَعٍ، فَإِنَّكَ أَنْ تَنْبِذَهُ «1» لِلْكَلْبِ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَأْكُلَهُ. وَسَأَلَ سَمُرَةُ بْنُ جُنْدَبٍ عَنِ ابْنِهِ مَا فَعَلَ؟ قَالُوا: بَشِمَ الْبَارِحَةَ. قَالَ: بَشِمَ! فَقَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: أَمَا إِنَّهُ لَوْ مَاتَ مَا صَلَّيْتُ عَلَيْهِ. وَقِيلَ: إِنَّ الْعَرَبَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا لَا يَأْكُلُونَ دَسِمًا فِي أَيَّامِ حَجِّهِمْ، وَيَكْتَفُونَ بِالْيَسِيرِ مِنَ الطَّعَامِ، وَيَطُوفُونَ عُرَاةً. فَقِيلَ لَهُمْ:" خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا" فِي تَحْرِيمِ مَا لَمْ يُحَرَّمْ عَلَيْكُمْ.

[سورة الأعراف (7): آية 32]

قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا خالِصَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (32)

فِيهِ أَرْبَعُ مَسَائِلَ: الْأُولَى- قَوْلُهُ تَعَالَى: (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ) بَيَّنَ أَنَّهُمْ حَرَّمُوا مِنْ تِلْقَاءِ أَنْفُسِهِمْ مَا لَمْ يُحَرِّمْهُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ. وَالزِّينَةُ هُنَا الْمَلْبَسُ الْحَسَنُ، إِذَا قَدَرَ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ. وَقِيلَ: جَمِيعُ الثِّيَابِ، كَمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ: إِذَا وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَوْسِعُوا. وَقَدْ تَقَدَّمَ. وَرُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ شَيْخِ مَالِكٍ رضي الله عنهم أَنَّهُ كَانَ يَلْبَسُ كِسَاءَ خَزٍّ بِخَمْسِينَ دِينَارًا، يَلْبَسُهُ فِي الشِّتَاءِ، فَإِذَا كَانَ فِي الصَّيْفِ تَصَدَّقَ بِهِ، أَوْ بَاعَهُ فَتَصَدَّقَ بِثَمَنِهِ، وكان يلبس في الصيف

(1). في ج: تنشره.

ص: 195

ثوبين من متاع بمصر مُمَشَّقَيْنِ «1» وَيَقُولُ:" قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ". الثَّانِيَةُ- وَإِذَا كَانَ هَذَا فَقَدْ دَلَّتِ الْآيَةُ عَلَى لِبَاسِ الرَّفِيعِ مِنَ الثِّيَابِ، وَالتَّجَمُّلِ بِهَا فِي الْجُمَعِ وَالْأَعْيَادِ، وَعِنْدَ لِقَاءِ النَّاسِ وَمُزَاوَرَةِ الْإِخْوَانِ. قَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: كَانَ الْمُسْلِمُونَ إِذَا تَزَاوَرُوا تَجَمَّلُوا. وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ رَأَى حُلَّةً سِيَرَاءَ «2» تُبَاعُ عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوِ اشْتَرَيْتَهَا لِيَوْمِ الْجُمُعَةِ وَلِلْوُفُودِ إِذَا قَدِمُوا عَلَيْكَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:(إنما يلبس هذا من لأخلاق لَهُ فِي الْآخِرَةِ). فَمَا أَنْكَرَ عَلَيْهِ ذِكْرَ التجمل، فَمَا أَنْكَرَ عَلَيْهِ ذِكْرَ التَّجَمُّلِ، وَإِنَّمَا أَنْكَرَ عَلَيْهِ كَوْنَهَا سِيَرَاءَ. وَقَدِ اشْتَرَى تَمِيمٌ الدَّارِيُّ حُلَّةً بِأَلْفِ دِرْهَمٍ كَانَ يُصَلِّي فِيهَا. وَكَانَ مَالِكُ بْنُ دِينَارٍ يَلْبَسُ الثِّيَابَ الْعَدَنِيَّةَ الْجِيَادَ. وَكَانَ ثَوْبُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ يُشْتَرَى بِنَحْوِ الدِّينَارِ. أَيْنَ هَذَا مِمَّنْ يَرْغَبُ عَنْهُ وَيُؤْثِرُ لِبَاسَ الْخَشِنِ مِنَ الْكَتَّانِ وَالصُّوفِ مِنَ الثِّيَابِ. وَيَقُولُ:" وَلِباسُ التَّقْوى ذلِكَ خَيْرٌ" هَيْهَاتَ! أَتَرَى مَنْ ذَكَرْنَا تَرَكُوا لِبَاسَ التَّقْوَى، لَا وَاللَّهِ! بَلْ هُمْ أَهْلُ التَّقْوَى وَأُولُو الْمَعْرِفَةِ وَالنُّهَى، وَغَيْرُهُمْ أَهْلُ دَعْوَى، وَقُلُوبُهُمْ خَالِيَةٌ مِنَ التَّقْوَى. قَالَ خَالِدُ بْنُ شَوْذَبَ: شَهِدْتُ الْحَسَنَ وَأَتَاهُ فَرْقَدٌ، فَأَخَذَهُ الْحَسَنُ بِكِسَائِهِ فَمَدَّهُ إِلَيْهِ وَقَالَ: يَا فُرَيْقِدُ، يَا بْنَ أُمِّ فُرَيْقِدٍ، إِنَّ الْبِرَّ لَيْسَ فِي هَذَا الْكِسَاءِ، إِنَّمَا الْبِرُّ مَا وَقَرَ فِي الصَّدْرِ وَصَدَّقَهُ الْعَمَلُ. وَدَخَلَ أَبُو مُحَمَّدٍ ابْنُ أَخِي مَعْرُوفٍ الْكَرْخِيِّ عَلَى أَبِي الْحَسَنِ بْنِ يَسَارٍ «3» وَعَلَيْهِ جُبَّةٌ صُوفٌ، فَقَالَ لَهُ أَبُو الْحَسَنِ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، صَوَّفْتَ قَلْبَكَ أَوْ جِسْمَكَ؟ صَوِّفْ قَلْبَكَ وَالْبَسِ الْقُوهِيَّ عَلَى الْقُوهِيِّ «4». وَقَالَ رَجُلٌ لِلشِّبْلِيِّ: قَدْ وَرَدَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِكَ وَهُمْ فِي الْجَامِعِ، فَمَضَى فَرَأَى عَلَيْهِمُ الْمُرَقَّعَاتِ وَالْفُوَطَ، فَأَنْشَأَ يَقُولُ:

أَمَّا الْخِيَامُ فَإِنَّهَا كَخِيَامِهِمْ

وَأَرَى نِسَاءَ الْحَيِّ غير نسائه

(1). ثوب ممشق. ممشوق: مصبوغ بالمشق، وهو صبغ أحمر.

(2)

. سيراء بسين مهملة مكسورة ثم ياء مثناة مفتوحة ثم ألف ممدودة: نوع من البرود فيه خطوط صفر، أو يخالطه. حرير. وضبطوا الحلة هنا بالتنوين، على أن سيراء صفة. وبغير تنوين على الإضافة. وهما وجهان مشهوران.

(3)

. في ج وع وك وه: بشار.

(4)

. القوهي: ضرب من الثياب بيض فارسي منسوبة إلى قهستان.

ص: 196

قَالَ أَبُو الْفَرَجِ بْنُ الْجَوْزِيِّ رحمه الله: وأنا أكره ليس الْفُوَطِ وَالْمُرَقَّعَاتِ لِأَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ لُبْسِ السَّلَفِ، وَإِنَّمَا كَانُوا يُرَقِّعُونَ ضَرُورَةً. وَالثَّانِي: أَنَّهُ يَتَضَمَّنُ ادِّعَاءَ الْفَقْرِ، وَقَدْ أُمِرَ الْإِنْسَانُ أَنْ يُظْهِرَ أَثَرَ نِعَمِ «1» اللَّهِ عَلَيْهِ. وَالثَّالِثُ- إِظْهَارُ التَّزَهُّدِ، وَقَدْ أُمِرْنَا بِسَتْرِهِ. وَالرَّابِعُ- أَنَّهُ تَشَبُّهٌ بِهَؤُلَاءِ الْمُتَزَحْزِحِينَ عَنِ الشَّرِيعَةِ. وَمَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ وَقَالَ الطَّبَرِيُّ: وَلَقَدْ أَخْطَأَ مَنْ آثَرَ لِبَاسَ الشَّعْرِ وَالصُّوفِ عَلَى لِبَاسِ الْقُطْنِ وَالْكَتَّانِ مَعَ وُجُودِ السَّبِيلِ إِلَيْهِ من حله. ومن أكل البقول والعدس وأختاه عَلَى خُبْزِ الْبُرِّ. وَمَنْ تَرَكَ أَكْلَ اللَّحْمِ خوفا من عارض شهوة النساء. وسيل بِشْرُ بْنُ الْحَارِثِ عَنْ لُبْسِ الصُّوفِ، فَشَقَّ عَلَيْهِ وَتَبَيَّنَتِ الْكَرَاهَةُ فِي وَجْهِهِ ثُمَّ قَالَ: لُبْسُ الْخَزِّ وَالْمُعَصْفَرِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ لُبْسِ الصُّوفِ فِي الْأَمْصَارِ. وَقَالَ أَبُو الْفَرَجِ: وَقَدْ كَانَ السَّلَفُ يَلْبَسُونَ الثِّيَابَ الْمُتَوَسِّطَةَ، لَا الْمُتَرَفِّعَةَ وَلَا الدُّونَ، وَيَتَخَيَّرُونَ أَجْوَدَهَا لِلْجُمُعَةِ وَالْعِيدِ وَلِلِقَاءِ الْإِخْوَانِ، وَلَمْ يَكُنْ تَخَيُّرُ الْأَجْوَدِ عِنْدَهُمْ قَبِيحًا. وَأَمَّا اللِّبَاسُ الَّذِي يُزْرِي بِصَاحِبِهِ فَإِنَّهُ يَتَضَمَّنُ إِظْهَارَ الزُّهْدِ وَإِظْهَارَ الْفَقْرِ، وَكَأَنَّهُ لِسَانُ شَكْوَى مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَيُوجِبُ احْتِقَارَ اللَّابِسِ، وَكُلُّ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ مَنْهِيٌّ عَنْهُ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ تَجْوِيدُ اللِّبَاسِ هَوَى النَّفْسِ وَقَدْ أُمِرْنَا بِمُجَاهَدَتِهَا، وَتَزَيُّنٌ لِلْخَلْقِ وَقَدْ أُمِرْنَا أَنْ تَكُونَ أَفْعَالُنَا لِلَّهِ لَا لِلْخَلْقِ. فَالْجَوَابُ لَيْسَ كُلُّ مَا تَهْوَاهُ النَّفْسُ يُذَمُّ، وَلَيْسَ كُلُّ مَا يُتَزَيَّنُ بِهِ لِلنَّاسِ يُكْرَهُ، وَإِنَّمَا يُنْهَى عَنْ ذَلِكَ إِذَا كَانَ الشَّرْعُ قَدْ نَهَى عَنْهُ أَوْ عَلَى وَجْهِ الرِّيَاءِ فِي بَابِ الدِّينِ. فَإِنَّ الإنسان يجب أَنْ يُرَى جَمِيلًا. وَذَلِكَ حَظٌّ لِلنَّفْسِ لَا يُلَامُ فِيهِ. وَلِهَذَا يُسَرِّحُ شَعْرَهُ وَيَنْظُرُ فِي الْمِرْآةِ وَيُسَوِّي عِمَامَتَهُ وَيَلْبَسُ بِطَانَةَ الثَّوْبِ الْخَشِنَةَ إِلَى دَاخِلٍ وَظِهَارَتَهُ الْحَسَنَةَ إِلَى خَارِجٍ. وَلَيْسَ في شي مِنْ هَذَا مَا يُكْرَهُ وَلَا يُذَمُّ. وَقَدْ رَوَى مَكْحُولٌ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَنْتَظِرُونَهُ عَلَى الْبَابِ، فَخَرَجَ يُرِيدُهُمْ، وَفِي الدَّارِ رَكْوَةٌ فِيهَا مَاءٌ، فَجَعَلَ يَنْظُرُ فِي الْمَاءِ وَيُسَوِّي لِحْيَتَهُ وَشَعْرَهُ. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَأَنْتَ تَفْعَلُ هَذَا؟ قَالَ:(نَعَمْ إِذَا خَرَجَ الرَّجُلُ إِلَى إِخْوَانِهِ فَلِيُهَيِّئْ مِنْ نَفْسِهِ فَإِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ). وَفِي صَحِيحِ. مُسْلِمٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كبر).

(1). في ج وك: نعمة. وفى الحديث إن الله يحب أن يرى أثر نعمه على عبده رواء الترمذي.

ص: 197

فَقَالَ رَجُلٌ: إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا وَنَعْلُهُ حَسَنَةً. قَالَ: (إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ). وَالْأَحَادِيثُ فِي هَذَا الْمَعْنَى كَثِيرَةٌ، تَدُلُّ كُلُّهَا عَلَى النَّظَافَةِ وَحُسْنِ الْهَيْئَةِ. وَقَدْ رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ قَالَ حَدَّثَنَا مَنْدَلٌ عَنْ ثَوْرٍ عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُسَافِرُ بِالْمُشْطِ وَالْمِرْآةِ وَالدُّهْنِ وَالسِّوَاكِ وَالْكُحْلِ. وَعَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ: مُشْطٌ عَاجٌ يَمْتَشِطُ بِهِ. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: وَأَخْبَرَنَا قَبِيصَةُ بْنُ عُقْبَةَ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ رَبِيعِ بْنِ صُبَيْحٍ عَنْ يَزِيدَ الرَّقَاشِيِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُكْثِرُ دَهْنَ رَأْسِهِ وَيُسَرِّحُ لِحْيَتَهُ بِالْمَاءِ. أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُكْحُلَةٌ يَكْتَحِلُ بِهَا عِنْدَ النَّوْمِ ثَلَاثًا فِي كُلِّ عَيْنٍ. الثَّالِثَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ) الطَّيِّبَاتُ اسْمٌ عَامٌّ لِمَا طَابَ كَسْبًا وَطَعْمًا. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةُ: يَعْنِي بِالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ مَا حَرَّمَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ مِنَ الْبَحَائِرِ وَالسَّوَائِبِ وَالْوَصَائِلِ وَالْحَوَامِي. وَقِيلَ: هِيَ كُلُّ مُسْتَلَذٍّ مِنَ الطَّعَامِ. وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي تَرْكِ الطَّيِّبَاتِ وَالْإِعْرَاضِ عَنِ اللَّذَّاتِ، فَقَالَ قَوْمٌ: لَيْسَ ذَلِكَ مِنَ الْقُرُبَاتِ، وَالْفِعْلُ وَالتَّرْكُ يَسْتَوِي فِي الْمُبَاحَاتِ. وَقَالَ آخَرُونَ: لَيْسَ قُرْبَةً فِي ذَاتِهِ، وَإِنَّمَا هُوَ سَبِيلٌ إِلَى الزُّهْدِ فِي الدُّنْيَا، وَقِصَرِ الْأَمَلِ فِيهَا، وَتَرْكِ التَّكَلُّفِ لِأَجْلِهَا، وَذَلِكَ مَنْدُوبٌ إِلَيْهِ، وَالْمَنْدُوبُ قُرْبَةٌ. وَقَالَ آخَرُونَ: وَنُقِلَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه قَوْلُهُ: لَوْ شِئْنَا لَاتَّخَذْنَا صِلَاءً وَصَلَائِقَ وَصِنَابًا، وَلَكِنِّي سَمِعْتُ اللَّهَ تَعَالَى يَذُمُّ أَقْوَامًا فَقَالَ:" أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا «1» " وَيُرْوَى" صَرَائِقُ" بِالرَّاءِ، وَهُمَا جَمِيعًا الْجَرَادِقُ «2». وَالصَّلَائِقُ (باللام): ما يلصق مِنَ اللُّحُومِ وَالْبُقُولِ. وَالصِّلَاءُ (بِكَسْرِ الصَّادِ وَالْمَدِّ): الشِّوَاءُ: وَالصِّنَابُ: الْخَرْدَلُ بِالزَّبِيبِ. وَفَرَّقَ آخَرُونَ بَيْنَ حُضُورِ ذَلِكَ كُلِّهِ بِكُلْفَةٍ وَبِغَيْرِ كُلْفَةٍ. قَالَ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ الْمُفَضَّلِ الْمَقْدِسِيُّ شَيْخُ أشياخنا: وهو الصحيح أشاء اللَّهُ عز وجل، فَإِنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ امْتَنَعَ من

(1). راجع ج 16 ص 199.

(2)

. الجرادق: جمع جردقة، وهى الرغيف.

ص: 198

طَعَامٍ لِأَجْلِ طِيبِهِ قَطُّ، بَلْ كَانَ يَأْكُلُ الْحَلْوَى وَالْعَسَلَ وَالْبِطِّيخَ وَالرُّطَبَ، وَإِنَّمَا يُكْرَهُ التَّكَلُّفُ لِمَا فِيهِ مِنَ التَّشَاغُلِ بِشَهَوَاتِ الدُّنْيَا عَنْ مُهِمَّاتِ الْآخِرَةِ. وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. قُلْتُ: وَقَدْ كَرِهَ بَعْضُ الصُّوفِيَّةِ أَكْلَ الطَّيِّبَاتِ، وَاحْتَجَّ بِقَوْلِ عُمَرَ رضي الله عنه: إِيَّاكُمْ وَاللَّحْمَ فَإِنَّ له ضراوة كضرواة «1» الْخَمْرِ. وَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا مِنْ عُمَرَ قَوْلٌ خَرَجَ عَلَى مَنْ خَشِيَ مِنْهُ إِيثَارَ التَّنَعُّمِ فِي الدُّنْيَا، وَالْمُدَاوَمَةَ عَلَى الشَّهَوَاتِ، وَشِفَاءَ النَّفْسِ مِنَ اللَّذَّاتِ، وَنِسْيَانَ الْآخِرَةِ وَالْإِقْبَالَ عَلَى الدُّنْيَا، ولذلك كان يكتب عمر إلى عمال: إِيَّاكُمْ وَالتَّنَعُّمَ وَزِيَّ أَهْلِ الْعَجَمِ، وَاخْشَوْشِنُوا. وَلَمْ يرد رضي الله عنه تحريم شي أَحَلَّهُ اللَّهُ، وَلَا تَحْظِيرَ مَا أَبَاحَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ اسْمُهُ. وَقَوْلُ اللَّهِ عز وجل أَوْلَى مَا امْتُثِلَ وَاعْتُمِدَ عَلَيْهِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:" قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ". وَقَالَ عليه السلام: (سَيِّدُ إِدَامِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ اللَّحْمُ). وَقَدْ رَوَى هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَأْكُلُ الطِّبِّيخَ بِالرُّطَبِ وَيَقُولُ: (يَكْسِرُ حَرُّ هَذَا بَرْدَ هَذَا وَبَرْدُ هَذَا حَرَّ هَذَا). وَالطِّبِّيخُ لُغَةٌ فِي الْبِطِّيخِ، وَهُوَ مِنَ الْمَقْلُوبِ. وَقَدْ «2» مَضَى فِي" الْمَائِدَةِ" الرَّدُّ عَلَى مَنْ آثَرَ أَكْلَ الْخَشِنِ مِنَ الطَّعَامِ. وَهَذِهِ الْآيَةُ تَرُدُّ عَلَيْهِ وَغَيْرُهَا: وَالْحَمْدُ لِلَّهِ. الرَّابِعَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) يَعْنِي بِحَقِّهَا مِنْ تَوْحِيدِ اللَّهِ تَعَالَى وَالتَّصْدِيقِ لَهُ، فَإِنَّ اللَّهَ يُنْعِمُ وَيَرْزُقُ، فَإِنْ وَحَّدَهُ الْمُنْعَمُ عَلَيْهِ وَصَدَّقَهُ فَقَدْ قَامَ بِحَقِّ النِّعْمَةِ، وَإِنْ كَفَرَ فَقَدْ أَمْكَنَ الشَّيْطَانَ مِنْ نَفْسِهِ. وَفِي صَحِيحِ الْحَدِيثِ (لَا أَحَدَ أَصْبَرُ عَلَى أَذًى مِنَ اللَّهِ يُعَافِيهِمْ وَيَرْزُقُهُمْ وَهُمْ يَدَّعُونَ لَهُ الصَّاحِبَةَ وَالْوَلَدَ). وَتَمَّ الْكَلَامُ عَلَى" الْحَياةِ الدُّنْيا". ثُمَّ قَالَ" خالِصَةً" بِالرَّفْعِ وَهِيَ قِرَاءَةُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَنَافِعٍ." خالِصَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ" أَيْ يُخْلِصُ اللَّهُ الطَّيِّبَاتِ فِي الْآخِرَةِ لِلَّذِينَ آمَنُوا، وليس للمشركين فيها شي كَمَا كَانَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا مِنَ الِاشْتِرَاكِ فِيهَا. وَمَجَازُ الْآيَةِ: قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا مُشْتَرِكَةٌ فِي الدُّنْيَا مَعَ غَيْرِهِمْ، وَهِيَ لِلْمُؤْمِنِينَ

(1). أي أن له عادة ينزع إليها كعادة الخمر. أي عادة طلابة لأكله وتسمى القرم وهى شدة شهوة اللحم.

(2)

. راجع ج 6 ص 260.

ص: 199