المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 114 الى 118] وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ - تفسير النيسابوري = غرائب القرآن ورغائب الفرقان - جـ ١

[النيسابوري، نظام الدين القمي]

فهرس الكتاب

- ‌[المجلد الاول]

- ‌مقدمة المصنف

- ‌هي النفس ما حمّلتها تتحمّل

- ‌المقدمة الأولى

- ‌في فضل القراءة والقارئ، وآداب القراءة وجواز اختلاف القراآت، وذكر القراء المشهورين المعتبرين

- ‌ذكر القراء السبعة وتسمية نقلتهم من الرواة وطرقهم من الثقات:

- ‌ذكر الأئمة المختارين وتسمية رواتهم:

- ‌المقدمة الثانية

- ‌نكت في الاستعاذة

- ‌المقدمة الثالثة في مسائل مهمة

- ‌المقدمة الرابعة في كيفية جمع القرآن

- ‌المقدمة الخامسة في معاني المصحف والكتاب والقرآن والسورة والآية والكلمة والحرف وغير ذلك

- ‌المقدمة السادسة في ذكر السبع الطول والمثاني والمئين والطواسيم والحواميم والمفصّل والمسبحات وغير ذلك

- ‌المقدمة السابعة في ذكر الحروف التي كتب بعضها على خلاف بعض في المصحف وهي في الأصل واحدة

- ‌المقدمة الثامنة في أقسام الوقف

- ‌المقدمة التاسعة في تقسيمات يعرف منها اصطلاحات مهمة

- ‌المقدمة العاشرة في أن كلام الله تعالى قديم أولا

- ‌المقدمة الحادية عشرة في كيفية استنباط المسائل الكثيرة من الألفاظ القليلة

- ‌(سورة فاتحة الكتاب)

- ‌[سورة الفاتحة (1) : الآيات 1 الى 7]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌(سورة البقرة)

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 1 الى 5]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 6 الى 7]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 8 الى 16]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 17 الى 20]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 21 الى 22]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 23 الى 24]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 25]

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 26 الى 27]

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 28 الى 29]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 30]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 31 الى 33]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 34 الى 39]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 40 الى 46]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 47 الى 48]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 49 الى 53]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 54 الى 57]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 58 الى 59]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 60 الى 61]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 62 الى 66]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 67 الى 74]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 75 الى 82]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 83 الى 86]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 87 الى 91]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 92 الى 96]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 97 الى 101]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 102 الى 103]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌ التأويل:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 104 الى 108]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 109 الى 113]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 114 الى 118]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 119 الى 123]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 124 الى 126]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 127 الى 134]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 135 الى 141]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 142 الى 152]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 153 الى 157]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 158 الى 162]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 163 الى 164]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 165 الى 167]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 168 الى 171]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 172 الى 176]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 177]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 178 الى 179]

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 180 الى 182]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌ التأويل

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 183 الى 187]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 188 الى 189]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 190 الى 195]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 196]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 197 الى 203]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌الوقوف

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 204 الى 210]

- ‌القراآت:

- ‌التفسير:

- ‌ التأويل

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 211 الى 214]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 215 الى 218]

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 219 الى 221]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 222 الى 227]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 228 الى 232]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 233 الى 237]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 238 الى 242]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 243 الى 245]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 246 الى 251]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌الفهرس

الفصل: ‌ ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 114 الى 118] وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ

[سورة البقرة (2) : الآيات 114 الى 118]

وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعى فِي خَرابِها أُولئِكَ ما كانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها إِلَاّ خائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ (114) وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ واسِعٌ عَلِيمٌ (115) وَقالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً سُبْحانَهُ بَلْ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ (116) بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَإِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (117) وَقالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ لَوْلا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينا آيَةٌ كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الْآياتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (118)

‌القراآت:

قالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ بلا واو العطف: ابن عامر اتباعا لمصاحف أهل الشام كُنْ فَيَكُونُ بالنصب كل القرآن: ابن عامر إلا قوله كُنْ فَيَكُونُ الْحَقُّ في آل عمران، وكُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ في الأنعام. وافقه الكسائي في النحل ويس.

‌الوقوف:

خَرابِها (ط) للفصل بين الاستفهام والخبر خائِفِينَ ط لأن ما بعده إخبار وعيد مبتدأ منتظر عَظِيمٌ (هـ) وَجْهُ اللَّهِ (ط) عَلِيمٌ (هـ) وَإِذا لا تعجيلا للتنزيه سُبْحانَهُ (ط) وَالْأَرْضِ (ط) لأن ما بعده مبتدأ قانِتُونَ (هـ) وَالْأَرْضِ (ط) لأن إذا أجيبت بالفاء وكانت للشرط فَيَكُونُ (هـ) آيَةٌ (ط) قُلُوبُهُمْ (ط) لأن قد لتوكيد الاستئناف يُوقِنُونَ (هـ) .

‌التفسير:

عن ابن عباس أن ملك النصارى غزا بيت المقدس فخربه وألقى فيه الجيف وحاصر أهله وقتلهم وسبى الذرية وأحرق التوراة، ولم يزل خرابا حتى بناه أهل الإسلام في زمان عمر فنزلت الآية فيهم. وعن الحسن وقتادة والسدي نزلت في بختنصر حيث خرب بيت المقدس وأعانه على ذلك بعض النصارى. ورد بأن بختنصر كان قبل مولد المسيح بزمان. وقيل: نزلت في مشركي العرب الذين منعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الدعاء إلى الله بمكة ألجئوه إلى الهجرة، فصاروا مانعين له ولأصحابه أن يذكروا الله في المسجد الحرام.

وقيل: المراد منع المشركين رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدخل المسجد الحرام عام الحديبية. ووجه اتصال الآية بما قبلها على القولين الأولين. هو أن النصارى ادعوا أنهم من أهل الجنة فقط، فبين أنهم أظلم منهم فكيف يدخلون الجنة؟ وعلى الآخرين هو أنه جرى ذكر مشركي العرب في قوله كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ فعقب ذلك بسائر قبائحهم و «من» استفهامية لتقرير النفي أي ليس أحد أظلم ممن منع وأَنْ يُذْكَرَ ثاني مفعوليه لأنك تقول: منعته كذا أو بدل من مَساجِدَ أو حذف حرف الجر مع أن والتقدير كراهة أن يذكر فيكون مفعولا له.

ص: 370

وهذا حكم عام لجنس مساجد الله، وأن مانعها من ذكر الله تعالى مفرط في الظلم، ولا بأس أن يجيء الحكم عاما وإن كان السبب خاصا كما تقول لمن آذى صالحا واحدا من أظلم ممن آذى الصالحين؟ ومثله وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ [الهمزة: 1] والمنزول فيه الأخنس بن شريق. وينبغي أن يراد بمن منع العموم أيضا لا الذين منعوا من أولئك النصارى أو المشركين بأعيانهم والسعي في خراب المساجد بانقطاع الذكر أو تخريب البنيان قيل: إن قوله وَمَنْ أَظْلَمُ الذي هو في قوة ليس أحد أظلم ليس على عمومه لأن الشرك أعظم من هذا الفعل إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان: 13] وكذا الزنا وقتل النفس قلت: أما استعمال لفظ الظلم في هذا المعنى في غاية الحسن، لأن المسجد موضوع لذكر الله تعالى فيه، فالمانع من ذلك واضع للشيء في غير موضعه. وأما أنه لا أظلم منه فلأنه إن كان مشركا فقد جمع مع شركه هذه الخصلة الشنعاء فلا أظلم منه، وإن كان يدعي الإسلام ففعله مناقض لقوله، لأن من اعتقد أن له معبودا عرف وجوب عبادته له عقلا أو شرعا، والعبادة تستدعي متعبدا لا محالة. فتخريب المتعبد ينبىء عن إنكار العبادة وإنكار العبادة يستلزم إنكار المعبود، فهذا الشخص لا يكون في الحقيقة مسلما وإنما هو منخرط في سلك أهل النفاق، والمنافق كافر أسوأ حالا من الكافر الأصلي بالاتفاق أُولئِكَ المانعون ما كانَ لَهُمْ أي ما ينبغي لهم أَنْ يَدْخُلُوها في حال من الأحوال إِلَّا خائِفِينَ على حال التهيب وارتعاد الفرائص من المؤمنين أن يبطشوا بهم فضلا أن يستولوا عليها ويلوها ويمنعوا المؤمنين منها.

والمعنى: ما كان الحق والواجب إلا ذلك لولا ظلم الكفرة وعتوهم. وقيل: هذه بشارة للمؤمنين أنه سيظهرهم على المسجد الحرام وعلى سائر المساجد، وأنه يذل المشركين لهم حتى لا يدخلوا المسجد الحرام إلا خائفين من أن يعاقبوا أو يقتلوا إن لم يسلموا. وقد أنجز الله هذا الوعد فمنعهم من دخول المسجد الحرام ونادى فيهم عام حج أبو بكر: ألا لا يحجن بعد العام مشرك. وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بإخراج اليهود من جزيرة العرب، وصار بيت المقدس في أيدي المسلمين. وقيل: يحرم عليهم دخول المسجد إلا في أمر يتضمن الخوف نحو أن يدخلوا للمحاكمة أو المخاصمة أو المحاجة. وقيل: اللفظ خبر ولكن معناه النهي عن تمكينهم من الدخول والتخلية بينهم وبينه كقوله وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ [الأحزاب: 53] فمن هنا قال مالك: لا يجوز للكافر دخول المساجد. وخصص الشافعي المنع بالمسجد الحرام لجلالة قدره ومزيد شرفه، للتصريح بذلك في قوله إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا [التوبة: 28] . وجوز أبو حنيفة دخول المساجد كلها لما

روي أنه صلى الله عليه وسلم قدم عليه وفد ثقيف فأنزلهم المسجد.

وأجيب بأنه في أول الإسلام ثم نسخ بالآية خِزْيٌ ذل يمنعهم من المساجد أو بالجزية في حق أهل الذمة

ص: 371

وبالسبي والقتل في حق أهل الحرب، وفيه ردع لهم عن ثباتهم على الكفر. وقيل: الخزي فتح مدائنهم قسطنطينية وعمورية ورومية، والعذاب العظيم يناسب الظلم العظيم ولنذكر هنا فوائد:

(الأولى) في بيان فضل المساجد ومن ذاك إضافتها إلى الله في الآية وذلك دليل على شرفها وكذا في قوله وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ [الجن: 18] بلام الاختصاص إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ [التوبة: 18] فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ [النور: 39]

وقال صلى الله عليه وسلم «أحب البلاد إلى الله مساجدها وأبغض البلاد إلى الله أسواقها» «1»

وليس ذلك إلا لأن المسجد يذكر الحبيب، والسوق يشغل عنه، وفي الآية نكتة وهي أن مخرب المساجد لما كان في نهاية الظلم والكفر يلزم أن يكون عامر المساجد في غاية العدل والإيمان.

(الثانية) في فضل المشي إلى المساجد

عن أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم قال «من تطهر في بيته ثم مشى إلى بيت من بيوت الله ليقضي فيه فريضة من فرائض الله كانت خطواته إحداها تحط خطيئة والأخرى ترفع درجة» «2»

وقال صلى الله عليه وسلم لبني سلمة حين أرادوا أن ينتقلوا إلى قرب المسجد «دياركم تكتب آثاركم» «3» .

(الثالثة) في تزيين المساجد.

عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما أمرت بتشييد المساجد»

قال ابن عباس: بزخرفتها كما زخرفت اليهود والنصارى. التشييد رفع البناء وتطويله، والزخرفة التزيين والتمويه. وأمر عمر ببناء مسجد فقال: أكن الناس من المطر وإياك أن تحمر أو تصفر فتفتن الناس.

(الرابعة) في تحية المسجد.

عن أبي قتادة أنه صلى الله عليه وسلم قال: «إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين قبل أن يجلس» «4»

وتؤدى التحية بالفرض أو النفل نواها أولا وهذا مذهب

(1) رواه مسلم في كتاب المساجد حديث 288. أحمد في مسنده (4/ 81) .

(2)

رواه مسلم في كتاب المساجد حديث 282. ابن ماجه في كتاب الإقامة باب 197. أحمد في مسنده (3/ 39)(4/ 157) .

(3)

رواه الترمذي في كتاب تفسير سورة 36 باب 1.

(4)

رواه مالك في الموطأ في كتاب السفر حديث 57. ابن ماجه في كتاب الإقامة باب 188. الدارمي في كتاب الصلاة باب 114. أحمد في مسنده (5/ 295، 302) .

ص: 372

الحسن البصري ومكحول والشافعي وأحمد وإسحق. وقيل: يجلس ولا يصلي وإليه ذهب ابن سيرين وعطاء بن أبي رباح والنخعي وقتادة ومالك والثوري وأصحاب الرأي.

(الخامسة) في الدعاء عند الدخول في المسجد والخروج منه.

روت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أبيها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل المسجد صلى على محمد صلى الله عليه وسلم وقال: رب اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك وإذا خرج صلى على محمد وسلم وقال: رب اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب فضلك.

(السادسة) في فضيلة القعود فيه لانتظار الصلاة

عن أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم قال: «الملائكة تصلي على أحدكم ما دام في مصلاه الذي صلى فيه فتقول: اللهم اغفر له وارحمه ما لم يحدث» «1» .

(السابعة) في كراهية البيع والشراء فيه،

عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن تناشد الأشعار في المساجد وعن البيع والشراء فيها، وأن يتحلق الناس يوم الجمعة قبل الصلاة يعني لمذاكرة العلم ونحوه، بل يشتغل بالذكر والصلاة والإنصات للخطبة ثم لا بأس بالاجتماع والتحلق بعد الصلاة، وأما طلب الضالة في المسجد ورفع الصوت بغير الذكر فمكروه أيضا.

عن أبي هريرة أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من سمع رجلا ينشد ضالة في المسجد فليقل: لا أداها الله إليك فإن المساجد لم تبن لهذا» «2»

وقد كره بعض السلف المسألة في المسجد، وكان بعضهم لا يرى أن يتصدق على السائل المتعرض في المسجد، وقال معاذ بن جبل: إن المساجد طهرت من خمس: من أن تقام فيها الحدود، أو يقبض فيها الخراج، أو ينطق فيها بالأشعار، أو ينشد فيها الضالة، أو تتخذ سوقا. ولم ير بعضهم بالقضاء في المسجد بأسا لأن النبي صلى الله عليه وسلم لاعن بين العجلاني وامرأته في المسجد، ولاعن عمر عند منبر النبي صلى الله عليه وسلم، وقضى شريح والشعبي ويحيى بن يعمر في المسجد، وكان الحسن وزرارة بن أبي أوفى يقضيان في الرحبة خارجا من المسجد.

(الثامنة) النوم في المسجد.

عن عبادة بن تميم عن عمه أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم مستلقيا في المسجد واضعا إحدى رجليه على الأخرى.

وفيه دليل على جواز الاتكاء والاضطجاع

(1) رواه البخاري في كتاب الأذان باب 30، 36. أبو داود في كتاب الصلاة باب 20. الدارمي في كتاب الصلاة باب 122. الموطأ في كتاب السفر حديث 51، 54. أحمد في مسنده (2/ 312) .

(2)

رواه مسلم في كتاب المساجد حديث 79. أبو داود في كتاب الصلاة باب 21. ابن ماجه في كتاب المساجد باب 11. أحمد في مسنده (2/ 349، 420) .

ص: 373

وأنواع الاستراحة في المسجد وجوازها في البيت إلا الانبطاح، فإنه صلى الله عليه وسلم نهى عنه

وقال: «إنها ضجعة يبغضها الله» .

(التاسعة) في كراهة البزاق في المسجد.

عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «البزاق في المسجد خطيئة وكفارتها دفنها» «1»

وعنه صلى الله عليه وسلم «إذا قام أحدكم إلى الصلاة فلا يبصق أمامه فإنه يتاجي الله ما دام في مصلاه، ولا عن يمينه فإن عن يمينه ملكا ولكن ليبصق عن شماله أو تحت رجله «2» فيدفنه» .

(العاشرة)

عن جابر أنه صلى الله عليه وسلم قال: «من أكل ثوما أو بصلا فليعتزل مسجدنا» «3»

وعنه صلى الله عليه وسلم «من أكل من هذه الشجرة المنتنة فلا يقربن مسجدنا فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه الإنس» «4» .

(الحادية عشرة) في بناء المساجد في الدور

عن عائشة قالت: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ببناء المساجد في الدور وأن تنظف وتطيب.

وفيه دليل أن مجرد تسمية الموضع بالمسجد لا يخرجه عن ملكه ما لم يسبله.

قوله عز من قائل وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ الآية، الأكثرون على أنها نزلت في أمر يختص بالصلاة، ومنهم من زعم أنها نزلت في أمر لا يختص بالصلاة أما الفرقة الأولى فاختلفوا على وجوه: أحدها: أراد به تحويل المسلمين عن استقبال بيت المقدس إلى الكعبة فقال: إن المشرق والمغرب وجميع الأطراف مملوكة له سبحانه ومخلوقة له، فأينما أمركم باستقباله فهو القبلة لأن القبلة ليست قبلة لذاتها بل بجعل الله تعالى، فكانت الآية

(1) رواه البخاري في كتاب الصلاة باب 37. مسلم في كتاب المساجد حديث 55- 57. أبو داود في كتاب الصلاة باب 22. الترمذي في كتاب الجمعة باب 49.

(2)

رواه البخاري في كتاب الصلاة باب 33- 38. مسلم في كتاب الزهد حديث 74. النسائي في كتاب المساجد باب 31. الموطأ في كتاب القبلة حديث 4. أحمد في مسنده (2/ 32، 66) . [.....]

(3)

رواه البخاري في كتاب الأذان باب 160. أبو داود في كتاب الأطعمة باب 40. الترمذي في كتاب الأطعمة باب 1. النسائي في كتاب المساجد باب 16، 17.

(4)

رواه مسلم في كتاب المساجد حديث 72. أحمد في مسنده (3/ 274) .

ص: 374

مقدمة لما أراد من نسخ القبلة، وثانيها عن ابن عباس: لما حولت القبلة عن بيت المقدس أنكر اليهود ذلك فنزلت ردا عليهم. وثالثها قول أبي مسلم: إن كلا من اليهود والنصارى زعمت أن الجنة لهم وحدهم فرد الله عليهم، وذلك أن اليهود إنما استقبلوا بيت المقدس لاعتقادهم أنه تعالى صعد السماء من الصخرة، والنصارى استقبلوا المشرق لأن عيسى ولد هناك إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِها مَكاناً شَرْقِيًّا

[مريم: 16] فكل منهما وصف معبوده بالحلول في الأماكن، ومن كان هكذا فهو مخلوق لا خالق فكيف تخلص لهم الجنة وهم لا يفرقون بين المخلوق والخالق؟ ورابعها: قول قتادة وابن زيد: إن الله تعالى نسخ بيت المقدس بالتخيير إلى أي جهة شاءوا بهذه الآية، وكان للمسلمين ذلك إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يختار التوجه إلى بيت المقدس، ثم إنه تعالى نسخ ذلك التخيير بتعيين الكعبة. وخامسها أن الآية في حق من يشاهد الكعبة فله الاستقبال من أي جهة شاء. وسادسها:

روى عبد الله بن عامر بن ربيعة: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاة في ليلة سوداء مظلمة فلم نعرف القبلة، فجعل كل رجل منا مسجده حجارة موضوعة بين يديه ثم صلينا، فلما أصبحنا إذا نحن على غير القبلة فذكرنا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله هذه الآية عذرا لنا في خطئنا.

وهذا الحديث يدل على أنهم حينئذ قد نقلوا إلى الكعبة، لأن القتال فرض بعد الهجرة بعد نسخ القبلة.

وسابعها:

عن ابن عمر نزلت في المسافر يصلي النوافل حيث توجهت به راحلته، وكان صلى الله عليه وسلم إذا رجع من مكة صلى على راحلته تطوعا يومىء برأسه نحو المدينة.

فمعنى الآية أينما تولوا وجوهكم لنوافلكم في أسفاركم فثم وجه الله، أي فقد صادفتم رضاه إن الله واسع الفضل عليم بمصالحكم فمن ثم رخص لكم كيلا يلزم ترك النوافل والتخلف عن الرفقة، فإن النوافل غير محصورة بخلاف الفرائض فإنها محصورة. فتكليف النزول عن الراحلة لاستقبال القبلة لا يفضي فيها إلى الحرج، ولا يخفى أن الآية على الوجه الأول ناسخة، وعلى الوجه الرابع منسوخة، وعلى سائر الوجوه لا ناسخة ولا منسوخة. وأما الفرقة الثانية فاختلفوا أيضا فقيل: الخطاب في تُوَلُّوا للمانعين والساعين يريد أنهم أين هربوا فإن سلطاني يلحقهم وتدبيري يسبقهم وعلمي محيط بمكانهم.

عن قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن أخاكم النجاشي قد مات فصلوا عليه فقالوا نصلي على رجل ليس بمسلم» فنزلت وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ [آل عمران: 199] الآية.

فقالوا: إنه كان لا يصلي إلى القبلة فنزلت هذه الآية أي الجهات التي يصلي إليها أهل كل ملة لي. فمن وجه وجهه نحو شيء منها يريد طاعتي وجد ثوابي، فكان في هذا عذر للنجاشي وأصحابه الذين ماتوا على استقبال المشرق كقوله وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ [البقرة: 143] وعن الحسن ومجاهد

ص: 375

والضحاك: لما نزلت ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غافر: 60] قالوا: أين ندعوه؟ فنزلت، وعن علي بن عيسى أنه خطاب للمسلمين أي لا يمنعكم تخريب من خرب مساجد الله عن ذكره حيث كنتم من أرضه فلله بلاد المشرق والمغرب والجهات كلها، ففي أي مكان فعلتم التولية التي أمرتم بها بدليل فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ [البقرة: 144] فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ [البقرة: 144] فثم الجهة المأمورة المرضية وهذا

كقوله صلى الله عليه وسلم «جعلت لي الأرض مسجدا» «1»

وقيل: نزلت في المجتهدين في الصلاة أو في غيرها، وفيه أن المجتهد إذا رأى بشرائط الاجتهاد رأيا فهو مصيب. ومعنى تولوا في جميع الوجوه تقبلوا بوجوهكم إليها. ويقال: ولى هاربا أي أدبر، فالتولية من الأضداد، ومن جعل الخطاب للمانعين احتمل أن يريد بالتولية الإدبار وفَثَمَّ إشارة إلى المكان خاصة. وقد زعمت المجسمة من الآية أن لله تعالى وجها وأيضا سماه واسعا، والسعة من نعوت الأجسام. والجواب أن الآية عليه لا له، فإن الوجه لو حمل على مفهومه اللغوي لزم خلاف المعقول فإنه إن كان محاذيا للشرقي استحال أن يكون حينئذ محاذيا للغربي، فلا بد من تأويل هو: أن الإضافة للتشريف مثل «بيت الله» «وناقة الله» لأنه خلقهما وأوجدهما فأي وجه من وجوه العالم وجهاته المضافة إليه بالخلق والتكوين نصبه وعينه فهو قبلة والمراد بالوجه القصد والنية مثل وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ [الأنعام: 79] أو المراد فثم مرضاة الله مثل إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ [الدهر: 9] فإن المتقرب إلى رضا أحد شيئا فشيئا كالمتوجه إلى شخص ذاهبا إليه شيئا فشيئا. وكيف يكون له وجه أو وجهة، أم كيف يكون جسما أو جسمانيا وأنه خالق الأمكنة والأحياز والجواهر والأعراض والخالق مقدم على المخلوق تقدما بالذات والعلية والشرف؟ فالمراد بالسعة كمال الاستيلاء والقدرة والملك وكثرة العطاء والرحمة والإنعام، وأنه تعالى قادر على الإطلاق وفي توفية ثواب من يقوم بالمأمورات على شرطها، وتوفية عقاب من يتكاسل فيها، عليم بمواقع نياتهم فيجازيهم على حسب أعمالهم.

قوله وَقالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً نوع آخر من قبائح أفعال اليهود والنصارى والمشركين جميعا فقد مر ذكرهم في قوله كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ وفي قوله وَمَنْ أَظْلَمُ

(1) رواه البخاري في كتاب التيمم باب 1. مسلم في كتاب المساجد حديث 3، 4، 5. أبو داود في كتاب الصلاة باب 24. الترمذي في كتاب المواقيت باب 119. النسائي في كتاب الغسل باب 26.

ابن ماجه في كتاب الطهارة باب 90.

ص: 376

كما مر. والضمير يصلح للعود إليهم، فاليهود قالوا عزير ابن الله، والنصارى قالوا المسيح ابن الله، والمشركون من العرب قالوا الملائكة بنات الله سُبْحانَهُ تنزيه له عن ذلك وتبعيد بَلْ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ملكا وخلقا وإبداعا وصنعا، ومن جملتهم الملائكة وعزير والمسيح. والولد لا بد أن يكون من جنس الوالد، ومن أين المناسبة بين واجب الوجود لذاته وممكن الوجود لذاته؟ اللهم إلا في مطلق الوجود، وذلك لا يقتضي شركة في الحقيقة الخاصة بكل منهما. وقد يتخذ الولد للحاجة إليه في الكبر ورجاء الانتفاع بمعونته وذلك على الغني المطلق والقيوم الحق محال كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ التنوين عوض عن محذوف أي كل ما في السموات والأرض والقنوت في الأصل الدوام ثم الطاعة، أو طول القيام أو السكوت فالمعنى أن دوام الممكنات واستمرارها جميعا به ولأجله وقيل: عن مجاهد وابن عباس مطيعون فسئل ما للكفار، فأجاب: أنهم يطيعون يوم القيامة فسئل هذا للمكلفين. وقوله بَلْ لَهُ ما فِي السَّماواتِ يعم المكلف وغيره، فعدل إلى تفسير آخر قائلا المراد كونها شاهدة على وجود الخالق بما فيها من آثار القدرة وأمارات الحدوث، أو كون جميعها في ملكه وتحت قهره لا يمتنع عن تصرفه فيها كيف يشاء. وعلى هذه الوجوه جمع السلامة في قانِتُونَ للتغليب، أو يراد كل من الملائكة وعزير والمسيح عابدون له مقرون بربوبيته منكرون لما أضافوا إليهم من الولدية، وعلى هذا الوجه يجمع على الأصل.

يحكى أن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه قال لبعض النصارى: لولا تمرد عيسى عن عبادة الله تعالى لصرت على دينه. فقال النصراني: كيف يجوز أن ينسب ذلك إلى عيسى مع جده في طاعة الله؟ فقال علي: إن كان عيسى إلها فالإله كيف يعبد غيره؟ وإنما العبد هو الذي يليق به العبادة فانقطع النصراني وبهت

بَدِيعُ خبر مبتدأ محذوف أي هو بديع السَّماواتِ وَالْأَرْضِ عم أولا لأن الملكية والاختصاص لا يستلزم كون المالك موجدا للمملوك، ثم خص ثانيا فقال بديع: بدع الشيء بالضم فهو بديع، وأبدعته اخترعته لأعلى مثال، وهذا من إضافة الصفة المشبهة إلى فاعلها أي بديع سمواته وأرضه. وقيل: بمعنى المبدع كأليم بمعنى مؤلم وضعف، ثم إنه تعالى بين كيفية إبداعه فقال: وَإِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ أصل التركيب من «ق ض ى» يدل على القطع. قضى القاضي بهذا إذا فصل الدعوى، وانقضى الشيء انقطع، وقضى حاجته قطعها عن المحتاج، وقضى الأمر إذا أتمه وأحكمه، لأن إتمام العمل قطع له، وقضى دينه أداه لأنه انقطع كل منهما عن صاحبه وضاق الشيء لأنه كأنه مقطوع الأطراف، والأمر الشأن، والفعل هاهنا، ومعنى قضى أمرا أتمه أو حكم بأنه يفعله أو أحكمه قال:

ص: 377

وعليهما مسرودتان قضاهما

داود أو صنع السوابغ تبع

ثم من قرأ فَيَكُونُ بالرفع على تقدير فهو يكون فلا إشكال، وأما من قرأ بالنصب على أنه جواب الأمر فأورد عليه أن جواب الأمر لا بد أن يخالف الأمر في الفعل أو في الفاعل أو فيهما نحو: اذهب تنتفع، أو اذهب يذهب زيد، أو اذهب ينفعك زيد، فإما أن يتفق الفعلان والفاعلان نحو: اذهب تذهب فغير جائز لأن الشيء لا يكون شرطا لنفسه.

قلت: لا استبعاد في هذا، لأن الغرض الذي رتب على الأمر قد يكون شيئا مغايرا لفعل الأمر وذلك أكثري، وقد لا يكون الغرض إلا مجرد ذلك الفعل فيوقع في جواب نفسه ليعلم أن الغرض منه ليس شيئا آخر مغايرا له. فقول القائل «اذهب تذهب أو فتذهب» معناه إعلام أن الغرض من الأمر هو نفس صدور الذهاب عنه لا شيء آخر، كما أن المقصود في الآية من الأمر بالوجود هو نفس الوجود، فأوقع «كان» التامة جوابا لمثلها لهذا الغرض، على أنه يمكن أن يشبه الواقع بعد الأمر بجواب الأمر وإن لم يكن جوابا له من حيث المعنى. فإن قلت: إن قوله فَيَكُونُ لما كان من تتمة المقول. فالصواب أن يكون بتاء الخطاب نحو «اذهب فتذهب» قلت: هذا الحادث قد ذكر مرتين بلفظ الغيبة في قوله أَمْراً وفي قوله لَهُ ومرة على سبيل الخطاب فغلب جانب الغيبة، ويحتمل أن يكون من باب الالتفات تحقيرا لشأنه في سهولة تكونه، ولأن أول الكلام مع المكلفين فروعي ذلك. وهاهنا بحث آخر وهو أنه لا يجوز أن يتوقف إيجاد الله تعالى لشيء على صدور لفظة «كن» منه لوجوه:

الأول أن قوله كُنْ إما أن يكون قديما أو محدثا لا جائز أن يكون قديما، لأن النون لكونه مسبوقا بالكاف يكون محدثا لا محالة، والكاف لكونه متقدما على المحدث بزمان مقدر يكون محدثا أيضا، ولأن «إذا» للاستقبال فالقضاء محدث، وقوله «كن» مرتب عليه بفاء التعقيب، والمتأخر عن المحدث محدث، ولأن تكون المخلوق مرتب على قوله «كن» بالفاء والمتقدم على المحدث بزمان محصور محدث أيضا، ولا جائز أن يكون «كن» محدثا وإلا احتاج إلى مثله ويلزم إما الدور وإما التسلسل وإذا بطل القسمان بطل توقف الأشياء على «كن» (الثاني) إما أن يخاطب المخلوق ب «كن» قبل دخوله في الوجود وخطاب المعدوم سفه، وإما بعد دخوله في الوجود لا فائدة فيه. (الثالث) المخلوق قد يكون جمادا وتكليف الجماد لا يليق بالحكمة. (الرابع) إذا فرضنا القادر المريد منفكا عن قوله كُنْ فإن تمكن من الإيجاد فلا حاجة إلى كُنْ، وإن لم يتمكن فلا يكون القادر قادرا على الفعل إلا عند تكلمه ب كُنْ فيلزم عجز القادر بالنظر إلى ذاته، أو يرجع الحاصل إلى تسمية القدرة ب كُنْ ولا نزاع في اللفظ. (الخامس) أنا نعلم بالضرورة أنه لا تأثير لهذه

ص: 378

الكلمة إذا تكلمنا بها وكذا إذا تكلم بها غيرنا. (السادس) المؤثر إما مجموع الكاف والنون ولا وجود لهما مجموعين، فعند مجيء الثاني ينقضي الأول، وإما أحدهما وهذا خلاف المفروض فثبت بهذه الوجوه أن حمل الآية على الظاهر غير جائز فلابد من تأويل، وأصحه أن يقال: المراد أن ما قضاه من الأمور وأراد كونه فإنما يتكون ويدخل تحت الوجود من غير امتناع ولا توقف، فشبه حال هذا المتكون بحال المأمور المطيع الذي يؤمر فيمتثل لا يتوقف ولا يمتنع ولا يأبى، وفيه تأكيد لاستبعاد الولادة لأن من كان بهذه الصفة من القدرة كانت حاله مباينة لأحوال الأجسام في توالدها وقيل: إنه علامة وضعها الله تعالى للملائكة إذا سمعوها علموا أنه أحدث أمرا، عن أبي الهزيل. وقيل إنه خاص بالموجودين الذين قال لهم كونوا قردة ومن يجري مجراهم من الأمم. وقيل: أمر للأحياء بالموت وللموتى بالحياة وَقالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ يعني الجهلة من المشركين. وقيل: من أهل الكتاب أيضا. ونفى عنهم العلم لأنهم لم يعملوا به. فالآية الأولى فيها بيان قدحهم في التوحيد، وهذه الآية فيها بيان قدحهم في النبوة. ولولا حرف تحضيض أي هلا يكلمنا وتقرير الشبهة أن الحكيم إذا أراد تحصيل شيء اختار أقرب الطرق المؤدية إلى المطلوب، ثم إنه تعالى كلم الملائكة وكلم موسى وأنت تقول يا محمد إنه كلمك فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى

[النجم: 10] فلم لا يكلمنا مشافهة ولا ينص على نبوتك حتى يتأكد الاعتقاد وتزول الشبهة؟ فإن لم يفعل ذلك فلم لا تأتي بآية ومعجزة؟ وهذا طعن منهم في كون القرآن آية ومعجزة فأجابهم الله تعالى بقوله كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ من مكذبي الرسل تَشابَهَتْ قُلُوبُهُمْ أي قلوب هؤلاء ومن قبلهم في العمى كقوله أَتَواصَوْا بِهِ [الذاريات: 53] فكما أن قوم موسى كانوا أبدا في التعنت واقتراح الأباطيل لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعامٍ واحِدٍ [البقرة: 61] أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً [النساء: 153] اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ [الأعراف: 138] فكذلك هؤلاء المشركون قالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً [الإسراء: 90] لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرى رَبَّنا [الفرقان: 21] وكذلك المعاصرون من اليهود والنصارى يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتاباً مِنَ السَّماءِ [النساء: 153] قَدْ بَيَّنَّا الْآياتِ لِقَوْمٍ يفقهون ف يُوقِنُونَ أنها آيات. فلو كان غرضهم طلب الحق لوقع الاكتفاء بها لكونها آيات ظاهرة هي القرآن العظيم الذي أخرس شقاشق الفصحاء عن آخرهم، ومعجزات باهرة كمجيء الشجرة وحنين الجذع وتسبيح الحصى وإشباع الخلق الكثير من الطعام القليل، وأيضا لو كان في معلوم الله تعالى أنهم يؤمنون عند إنزال ما اقترحوه لفعلها، لكنه علم لجاجهم وعنادهم فلا جرم لم يفعل ذلك وأيضا، لعل في تلك الآيات مفاسد لا يعلمها إلا علام الغيوب كإفضائها إلى حد الإلجاء المخل بالتكليف، وكإيجابها استئصالهم بالكلية إذا

ص: 379