المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌التفسير: إنه سبحان نبههم على عظم ذنبهم ثم على ما به - تفسير النيسابوري = غرائب القرآن ورغائب الفرقان - جـ ١

[النيسابوري، نظام الدين القمي]

فهرس الكتاب

- ‌[المجلد الاول]

- ‌مقدمة المصنف

- ‌هي النفس ما حمّلتها تتحمّل

- ‌المقدمة الأولى

- ‌في فضل القراءة والقارئ، وآداب القراءة وجواز اختلاف القراآت، وذكر القراء المشهورين المعتبرين

- ‌ذكر القراء السبعة وتسمية نقلتهم من الرواة وطرقهم من الثقات:

- ‌ذكر الأئمة المختارين وتسمية رواتهم:

- ‌المقدمة الثانية

- ‌نكت في الاستعاذة

- ‌المقدمة الثالثة في مسائل مهمة

- ‌المقدمة الرابعة في كيفية جمع القرآن

- ‌المقدمة الخامسة في معاني المصحف والكتاب والقرآن والسورة والآية والكلمة والحرف وغير ذلك

- ‌المقدمة السادسة في ذكر السبع الطول والمثاني والمئين والطواسيم والحواميم والمفصّل والمسبحات وغير ذلك

- ‌المقدمة السابعة في ذكر الحروف التي كتب بعضها على خلاف بعض في المصحف وهي في الأصل واحدة

- ‌المقدمة الثامنة في أقسام الوقف

- ‌المقدمة التاسعة في تقسيمات يعرف منها اصطلاحات مهمة

- ‌المقدمة العاشرة في أن كلام الله تعالى قديم أولا

- ‌المقدمة الحادية عشرة في كيفية استنباط المسائل الكثيرة من الألفاظ القليلة

- ‌(سورة فاتحة الكتاب)

- ‌[سورة الفاتحة (1) : الآيات 1 الى 7]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌(سورة البقرة)

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 1 الى 5]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 6 الى 7]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 8 الى 16]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 17 الى 20]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 21 الى 22]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 23 الى 24]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 25]

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 26 الى 27]

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 28 الى 29]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 30]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 31 الى 33]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 34 الى 39]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 40 الى 46]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 47 الى 48]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 49 الى 53]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 54 الى 57]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 58 الى 59]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 60 الى 61]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 62 الى 66]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 67 الى 74]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 75 الى 82]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 83 الى 86]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 87 الى 91]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 92 الى 96]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 97 الى 101]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 102 الى 103]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌ التأويل:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 104 الى 108]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 109 الى 113]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 114 الى 118]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 119 الى 123]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 124 الى 126]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 127 الى 134]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 135 الى 141]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 142 الى 152]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 153 الى 157]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 158 الى 162]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 163 الى 164]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 165 الى 167]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 168 الى 171]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 172 الى 176]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 177]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 178 الى 179]

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 180 الى 182]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌ التأويل

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 183 الى 187]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 188 الى 189]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 190 الى 195]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 196]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 197 الى 203]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌الوقوف

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 204 الى 210]

- ‌القراآت:

- ‌التفسير:

- ‌ التأويل

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 211 الى 214]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 215 الى 218]

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 219 الى 221]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 222 الى 227]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 228 الى 232]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 233 الى 237]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 238 الى 242]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 243 الى 245]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 246 الى 251]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌الفهرس

الفصل: ‌ ‌التفسير: إنه سبحان نبههم على عظم ذنبهم ثم على ما به

‌التفسير:

إنه سبحان نبههم على عظم ذنبهم ثم على ما به يتخلصون منه، وذلك من أعظم النعم في الدين وأيضا لما أمرهم بالقتل ورفع ذلك الأمر عنهم قبل فنائهم بالكلية، كان ذلك نعمة في حق أولئك الباقين وفي أعقابهم إلى زمن محمد صلى الله عليه وسلم، وأيضا لما بين أن توبة أولئك ما تمت إلا بالقتل، ظهر أن بعثة محمد صلى الله عليه وسلم لهم نعمة ورحمة لأنه لا يأمرهم بشيء من ذلك متى رجعوا عن كفرهم. وفيه ترغيب لأمة محمد صلى الله عليه وسلم في التوبة، فإن أمة موسى لما رغبوا في تلك التوبة مع نهاية مشقتها على النفس فلأن يرغب أحدنا في مجرد الندم كان أولى. هذا وقد مر أن الظلم وضع الشيء في غير موضعه إلا أنه لا بد فيه من تعدي ضرر، فبين هاهنا أن الضرر إنما يعود على أنفسهم فبذلك استحقوا العذاب الأبدي.

والفرق بين الفاءات الثلاثة في الآية، أن الأولى للتسبيب لا غير لأن الظلم سبب التوبة.

والثانية للتعقيب إما لأن المعنى فاعزموا على التوبة فاقتلوا أنفسكم على أن التوبة مفسرة بقتل النفس في شرعهم لا بالندم، وإما لأن القتل تمام توبة المرتد في شرعهم، والمعنى فتوبوا فاتبعوا التوبة القتل تتمة لتوبتكم كما أن القاتل عمدا لا تتم توبته في شرعنا إلا بتسليم النفس حتى يرضى أولياء المقتول أو يقتلونه. ومعنى إِلى بارِئِكُمْ النهي عن الرياء في التوبة كأنه قيل: لو أظهرتم التوبة لا عن القلب فأنتم ما تبتم إلى الله وإنما تبتم إلى الناس.

وقوله ذلِكُمْ أي القتل خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بارِئِكُمْ جملة معترضة تفيد التنبيه على أن ضرر الدنيا أهون من عذاب الآخرة إذ لا نسبة للمتناهي إلى غير المتناهي. والموت لا بد واقع فليس في تحمل القتل إلا التقديم والتأخير. والثالثة هي الفاء الفصيحة أي المفصحة عن محذوف تقديره: فامتثلتم فتاب عليكم. وعلى هذا يكون الكلام خطابا من الله تعالى لهم على طريقة الالتفات، ويمكن أن يقال: المحذوف شرط منتظم في جملة قول موسى كأنه قال فإن فعلتم فقد تاب عليكم، وإنما اختص هذا الموضع بذكر البارئ لأن معناه كما مر في الأسماء الذين خلق الخلق على الوجوه الموافقة للمصالح والأغراض، ففيه تقريع لما كان منهم من ترك عبادة العليم الحكيم الذي برأهم بلطف حكمته على الأشكال المختلفة برآء من التنافر مناسبة للحكم والمقاصد إلى عبادة العجل الذي هو مثل في البلادة والغباوة، فلا جرم كان جزاؤهم تفكيك ما ركب من خلقهم وتبديل. من أشكالهم حين لم يشكروا النعمة في ذلك وغمطوها باتخاذ من لا يقدر على شيء منها. والمراد بقتل الأنفس إما ما يقتضيه ظاهر اللفظ وهو أن يقتل كل واحد نفسه، والقتل اسم للفعل المؤدي إلى زهوق الروح في الحال أو في المآل. وإما قتل بعضهم بعضا وعليه المفسرون لقوله تعالى وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ [النساء: 29] وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ [الحجرات: 11] فَسَلِّمُوا عَلى

ص: 289

أَنْفُسِكُمْ

[النور: 61] وذلك أن المؤمنين كنفس واحدة. ثم اختلفوا فقيل: إنه أمر من لم يعبد العجل من السبعين المختارين لحضور الميقات أن يقتل من عبد العجل منهم. وقيل:

لما أمرهم موسى عليه السلام بالقتل أجابوا فأخذ عليهم المواثيق ليصبرن على القتل فأصبحوا مجتمعين كل قبيلة على حدة، وأتاهم هارون بالاثني عشر ألفا الذين ما عبدوا العجل وبأيديهم السيوف فقال: إن هؤلاء إخوانكم قد أتوكم شاهرين للسيوف فاجلسوا بأفنية بيوتكم واتقوا الله واصبروا، فلعن الله رجلا قام من مجلسه أو مد طرفه إليهم أو اتقاهم بيد أو رجل ويقولون آمين.

روي أن الرجل كان يبصر ولده ووالده وجاره وقريبه فلم يمكنه المضي لأمر الله، فأرسل الله ضبابة وسحابة سوداء لا يتباصرون تحتها، فجعلوا يقتلونهم إلى المساء. وقام موسى وهارون يدعوان الله ويقولان: هلكت بنو إسرائيل، البقية البقية يا الهنا. فكشفت الضبابة والسحابة، وأوحى الله تعالى إليه: قد غفرت لمن قتل، وتبت على من لم يقتل. قالوا: وكانت القتلى سبعين ألفا.

وقيل: كانوا قسمين: منهم من عبد العجل، ومنهم من لم يعبد. ولكن لم ينكر على من عبده فأمر من لم يشتغل بالإنكار بقتل من اشتغل بالعبادة. والقائلون بأن العجل عجل الهوى قالوا: معنى قتل الأنفس هو قمع الهوى لأن الهوى حياة النفس.

قوله: وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى ذهب بعض المفسرين إلى أن هذه الواقعة كانت قبل أن كلف الله عبدة العجل بالقتل. قال محمد بن إسحق: لما رجع موسى عليه السلام من الطور إلى قومه فرأى ما هم عليه من عبادة العجل وقال لأخيه والسامري ما قال وأحرق العجل ونسفه في اليم، اختار سبعين رجلا من خيارهم. فلما خرجوا إلى الطور قالوا لموسى: سل ربك حتى نسمع كلامه. فسأل موسى ذلك فأجابه الله إليه، فلما دنا من الجبل وقع عليه عمود من الغمام وتغشى الجبل كله، ودنا موسى عليه السلام من ذلك الغمام حتى دخل فيه فقال للقوم: ادخلوا وعوا. وكان موسى متى كلمه ربه وقع على جبهته نور ساطع لا يستطيع أحد من بني إسرائيل النظر إليه. وسمع القوم كلام الله مع موسى يقول له: افعل ولا تفعل.

ومن جملة الكلام

«إني أنا الله لا إله إلا أنا ذو بكة، أخرجتكم من أرض مصر فاعبدوني ولا تعبدوا غيري» .

فلما تم الكلام انكشف عن موسى الغمام الذي دخل فيه فقال القوم بعد ذلك لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ أي لن نصدقك ولن نقر بنبوتك حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً عيانا، وهي مصدر قولك جهر بالقراءة والدعاء، كأن الذي يرى بالعين يجاهر بالرؤية، والذي يرى بالقلب يخافت بها. وانتصابها على نحو انتصاب «قعد القرفصاء» لأن هذه نوع من الرؤية كما أن تلك نوع من القعود، ويحتمل أن يكون نصبها على الحال بمعنى ذوي جهرة. ومن قرأ

ص: 290

جَهْرَةً بفتح الهاء فإما لأنه مصدر كالغلبة، وإما لأنه جمع جاهر. وإنما أكدوا بهذا لئلا يتوهم أن المراد بالرؤية العلم أو التخيل على ما يراه النائم فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وهي ما صعقهم أي أماتهم. فقيل: نار وقعت من السماء فأحرقتهم، وقيل: صيحة جاءت من السماء، وقيل: أرسل الله جنودا سمعوا بحسها فخروا صعقين ميتين يوما وليلة. وصعقة موسى في قوله وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً [الأعراف: 143] لم تكن موتا ولكن غشية بدليل فَلَمَّا أَفاقَ [الأعراف: 143] والظاهر أنه أصابهم ما ينظرون إليه لقوله وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ فرفع موسى يديه إلى السماء يدعو ويقول: إلهي اخترت من بني إسرائيل سبعين رجلا ليكونوا شهودي بقبول توبتهم فأرجع إليهم وليس معي أحد، فما الذي يقولون فيّ؟ فلم يزل يدعو حتى رد الله إليهم أرواحهم وذلك قولهم ثُمَّ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ نعمة البعث بعد الموت، أو نعمة الله بعد ما كفرتموها فطلب توبة بني إسرائيل من عبادة العجل فقال: لا إلا أن يقتلوا أنفسهم. وقيل: إن هذه الواقعة كانت بعد القتل. قال السدي:

لما تاب بنو إسرائيل من عبادة العجل بأن قتلوا أنفسهم، أمر الله أن يأتيه موسى في ناس من بني إسرائيل يعتذرون إليه من عبادتهم العجل، فاختار موسى سبعين رجلا. فلما أتوا الطور قالوا: لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتهم الصاعقة وماتوا، فقام موسى يبكي ويقول: يا رب، ماذا أقول لبني إسرائيل فإني أمرتهم بالقتل ثم اخترت من بينهم هؤلاء، فإذا رجعت إليهم ولا يكون معي أحد منهم فماذا أقول لهم؟ فأوحى الله إلى موسى: إن هؤلاء السبعين ممن اتخذوا العجل إلها. فقال موسى: إن هي إلا فتنتك. فأحياهم الله تعالى فقاموا ونظر كل واحد إلى الآخر كيف يحييه الله تعالى. فقالوا: يا موسى إنك لا تسأل الله شيئا، إلا أعطاك، فادعه يجعلنا أنبياء. فدعا بذلك فأجاب الله دعوته. هذا ما قاله المفسرون، وليس في الآية ما يدل على ترجيح أحد القولين على الآخر، ولا على أن الذين سألوا الرؤية عبدة العجل أم لا، والصحيح أن موسى لم يكن من جملة الصعقين في هذه الواقعة لأنه خطاب مشافهة، ولأنه لو تناوله لوجب تخصيصه بقوله في حق موسى فَلَمَّا أَفاقَ [الأعراف: 143] مع أن لفظة «الإفاقة» لا تستعمل في الموت.

ثم في الآية فوائد منها: التحذير لمن كان في زمان نبينا صلى الله عليه وسلم عن فعل ما يستحق بسببه أن يفعل به ما فعل بأولئك. ومنها تشبيه جحودهم معجزات النبي صلى الله عليه وسلم بجحود أسلافهم نبوة موسى عليه السلام مع مشاهدتهم لعظم تلك الآيات ليتنبهوا أنه إنما لا يظهر على النبي صلى الله عليه وسلم مثلها لعلمه بأنه لو أظهرها لجحدوها، ولو جحدوها لاستحقوا العقاب كما استحقه أسلافهم. ومنها التسلية للنبي صلى الله عليه وسلم وتثبيت فؤاده كي يصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل.

ص: 291

ومنها إزالة شبهة من يقول إن نبوة محمد صلى الله عليه وسلم لو صحت لكان أولى الناس بالإيمان به أهل الكتاب، حيث إنهم عرفوا خبره، وذلك أنه تعالى بيّن أن أسلافهم بعد مشاهدة تلك الآيات كانوا يرتدون كل وقت ويتحكمون عليه، فكيف يتعجب من مخالفتهم محمدا صلى الله عليه وسلم وإن وجدوا في كتبهم أخبار نبوته صلى الله عليه وسلم. ومنها لما أخبر محمد صلى الله عليه وسلم عن هذه القصة مع كونه أميا، تبين أن ذلك من الوحي.

بقي هاهنا بحث وهو أن المعتزلة استدلوا بالآية على امتناع رؤية الله تعالى لأنها لو كانت أمرا جائز الوقوع لم تنزل بهم العقوبة كما لم تنزل بهم حين التمسوا النقل من قوت إلى قوت في قولهم لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعامٍ واحِدٍ [البقرة: 61] . وأجيب بأن امتناع رؤيته في الدنيا لا يستلزم امتناع رؤيته في الآخرة الذي هو محل النزاع، فعل رؤيته تقتضي زوال التكليف عن العبد والدنيا مقام التكليف، وأيضا اقتراح دليل زائد على صدق المدعي بعد ثبوته تعنت. وأيضا لا يمتنع أن الله تعالى علم أن فيه مفسدة كما علم في إنزال الكتاب من السماء يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتاباً مِنَ السَّماءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسى أَكْبَرَ مِنْ ذلِكَ فَقالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً [النساء: 153] فلهذا جاز الاستنكار لأن مطالبة الرؤية جهرة مطالعة الذات غفلة، وفيه من سوء الأدب وترك الحرمة ما لا يستحسنه قضية العزة والحشمة.

قوله تعالى وَظَلَّلْنا أي جعلنا الغمام يظلكم وذلك في التيه كما سيجيء في المائدة، سخر الله لهم السحاب فيسير بسيرهم يظلهم من الشمس والظل ضوء ثان، وينزل بالليل عمود من نار يسيرون في ضوئه، وثيابهم لا تتسخ ولا تبلى، وإذا ولد لهم مولود كان عليه ثوب كالظفر يطول بطوله كما كان لآدم قبل الزلة، وينزل عليهم المن وهو الترنجبين مثل الثلج من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، لكل إنسان صاع لا أزيد، ويبعث الله الجنوب فتحشر عليهم السلوى وهي السماني، فيذبح الرجل منها ما يكفيه لا أزيد. مجاهد: المن صمغ حلو. وهب: هو الخبز السميذ. الزجاج: هو ما منّ الله تعالى به عليهم، وهذا كما

يروى مرفوعا «الكمأة من المن وفيها شفاء للعين»

وقيل: السلوى العسل. وقيل: طائر أحمر كُلُوا على إرادة القول أي وقلنا لهم كلوا مِنْ طَيِّباتِ من حلالات ما رَزَقْناكُمْ وهذا للإباحة. وَما ظَلَمُونا يعني فظلموا بأن كفروا هذه النعم فجعلوا موضع الشكر كفرا، وما ظلمونا فاختصر الكلام بحذفه لدلالة وما ظلمونا عليه وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ لأن وبال الظلم عائد عليهم لا إلى غيرهم ولا إلى الله تعالى. وإنما قال هاهنا وفي الأعراف والتوبة والروم بزيادة لفظة «كانوا» لأنها إخبار عن قوم ماتوا وانقرضوا بخلاف قوله في آل عمران لكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ

[آل عمران: 117] لأنه مثل، والله أعلم.

ص: 292