المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌القراآت: عَسَيْتُمْ بكسر السين حيث كان نافع. الباقون بالفتح. وزاده بالإمالة: حمزة - تفسير النيسابوري = غرائب القرآن ورغائب الفرقان - جـ ١

[النيسابوري، نظام الدين القمي]

فهرس الكتاب

- ‌[المجلد الاول]

- ‌مقدمة المصنف

- ‌هي النفس ما حمّلتها تتحمّل

- ‌المقدمة الأولى

- ‌في فضل القراءة والقارئ، وآداب القراءة وجواز اختلاف القراآت، وذكر القراء المشهورين المعتبرين

- ‌ذكر القراء السبعة وتسمية نقلتهم من الرواة وطرقهم من الثقات:

- ‌ذكر الأئمة المختارين وتسمية رواتهم:

- ‌المقدمة الثانية

- ‌نكت في الاستعاذة

- ‌المقدمة الثالثة في مسائل مهمة

- ‌المقدمة الرابعة في كيفية جمع القرآن

- ‌المقدمة الخامسة في معاني المصحف والكتاب والقرآن والسورة والآية والكلمة والحرف وغير ذلك

- ‌المقدمة السادسة في ذكر السبع الطول والمثاني والمئين والطواسيم والحواميم والمفصّل والمسبحات وغير ذلك

- ‌المقدمة السابعة في ذكر الحروف التي كتب بعضها على خلاف بعض في المصحف وهي في الأصل واحدة

- ‌المقدمة الثامنة في أقسام الوقف

- ‌المقدمة التاسعة في تقسيمات يعرف منها اصطلاحات مهمة

- ‌المقدمة العاشرة في أن كلام الله تعالى قديم أولا

- ‌المقدمة الحادية عشرة في كيفية استنباط المسائل الكثيرة من الألفاظ القليلة

- ‌(سورة فاتحة الكتاب)

- ‌[سورة الفاتحة (1) : الآيات 1 الى 7]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌(سورة البقرة)

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 1 الى 5]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 6 الى 7]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 8 الى 16]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 17 الى 20]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 21 الى 22]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 23 الى 24]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 25]

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 26 الى 27]

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 28 الى 29]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 30]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 31 الى 33]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 34 الى 39]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 40 الى 46]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 47 الى 48]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 49 الى 53]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 54 الى 57]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 58 الى 59]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 60 الى 61]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 62 الى 66]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 67 الى 74]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 75 الى 82]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 83 الى 86]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 87 الى 91]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 92 الى 96]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 97 الى 101]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 102 الى 103]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌ التأويل:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 104 الى 108]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 109 الى 113]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 114 الى 118]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 119 الى 123]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 124 الى 126]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 127 الى 134]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 135 الى 141]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 142 الى 152]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 153 الى 157]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 158 الى 162]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 163 الى 164]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 165 الى 167]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 168 الى 171]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 172 الى 176]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 177]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 178 الى 179]

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 180 الى 182]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌ التأويل

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 183 الى 187]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 188 الى 189]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 190 الى 195]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 196]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 197 الى 203]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌الوقوف

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 204 الى 210]

- ‌القراآت:

- ‌التفسير:

- ‌ التأويل

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 211 الى 214]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 215 الى 218]

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 219 الى 221]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 222 الى 227]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 228 الى 232]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 233 الى 237]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 238 الى 242]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 243 الى 245]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 246 الى 251]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌الفهرس

الفصل: ‌ ‌القراآت: عَسَيْتُمْ بكسر السين حيث كان نافع. الباقون بالفتح. وزاده بالإمالة: حمزة

‌القراآت:

عَسَيْتُمْ بكسر السين حيث كان نافع. الباقون بالفتح. وزاده بالإمالة:

حمزة ونصير وابن مجاهد والنقاش عن ابن عباس وذكوان. بصطه بالصاد: أبو نشيط والشموني غير النقاد، وكذلك بباصط [المائدة: 28] ويبصط الرزق [الرعد: 26] ولا تبصطها كل البصط [الإسراء: 29] فما اصطاعوا [الكهف: 97] وما أشبه ذلك مِنِّي إِلَّا بفتح الياء: أبو جعفر ونافع وأبو عمرو. الباقون بالسكون. غُرْفَةً بفتح العين: ابن كثير وأبو جعفر ونافع وأبو عمرو. الباقون بالضم هُوَ وَالَّذِينَ بالإدغام روى ابن مهران ومحمد العطار عن أبي شعيب وشجاع وكذلك ما أشبهها فئة ومئة وبابهما غير مهموزتين: يزيد وشموني وحمزة في الوقف دفاع الله وكذلك في سورة الحج: أبو جعفر ونافع وسهل ويعقوب. الباقون دَفْعُ اللَّهِ.

‌الوقوف:

مِنْ بَعْدِ مُوسى م لأنه لو وصل صار «إذ» ظرفا لقوله «ألم تر» وهو محال فِي سَبِيلِ اللَّهِ ط أَلَّا تُقاتِلُوا ط وَأَبْنائِنا ط تعظيما لابتداء أمر معظم مِنْهُمْ ط بِالظَّالِمِينَ هـ مَلِكاً ط مِنَ الْمالِ ط وَالْجِسْمِ ط مَنْ يَشاءُ ط عَلِيمٌ هـ الْمَلائِكَةُ ط مُؤْمِنِينَ هـ بِالْجُنُودِ لا لأن «قال» جواب لما بِنَهَرٍ ج للابتداء بالشرط مع الفاء فَلَيْسَ مِنِّي ج للابتداء بشرط آخر اتحاد المقصود بِيَدِهِ ج لعطف المختلفين مِنْهُمْ ط تعظيما لابتداء أمر معظم مَعَهُ (لا) لأن «قالوا» جواب لما وَجُنُودِهِ ط مُلاقُوا اللَّهِ (لا) لأن ما بعده مفعول «قال» بِإِذْنِ اللَّهِ ط الصَّابِرِينَ هـ الْكافِرِينَ هـ ط لأن ما قبله دعاء وما بعده خبر ماض يتصل بكلام طويل بعده ولا وقف على «بإذن الله» لاتصال اللفظ واتساق المعنى فإن الهزيمة كانت من قتل داود جالوت مِمَّا يَشاءُ ط الْعالَمِينَ هـ.

‌التفسير:

القصة الثانية قصة طالوت، والملأ اسم جماعة من الناس كالقوم والرهط لأنهم يملؤن العيون هيبة، أو لأنهم ملأى بالأحلام والآراء الصائبة وجمعه أملاء. قال:

وقال لها الأملاء من كل معشر. وخير أقاويل الرجال سديدها. قال الزجاج: الملأ الرؤساء

ص: 664

سموا بذلك لأنهم ملؤا بما يحتج إليه من كفايات الأمور وتدبيرها من قولهم «ملؤ الرجل ملاءة فهو ملؤ» إذا كان مطيقا له، لأنهم يتمالؤن أي يتظاهرون ويتساندون. والغرض من إيراد هذه القصة عقيب آية القتال، ترغيب المكلفين على الجهاد وأن لا يكونوا كمن أمروا بالقتال فخالفوا وظلموا إِذْ قالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ لم يحصل العلم بذلك النبي وبأولئك الملأ من الخبر المتواتر، وخبر الواحد لا يفيد إلا الظن. لكن المقصود وهو الحث على الجهاد حاصل. منهم من قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم هو يوشع بن نون بن إفرايم بن يوسف لقوله تعالى مِنْ بَعْدِ مُوسى ولكنه لا يلزم منه حصوله من بعده على الاتصال. والأكثرون على أنه أشمويل واسمه بالعربية إسماعيل. وعن السدي هو شمعون سمته أمه بذلك لأنها دعت الله أن يرزقها إياه فسمع دعاءها فسمته شمعون. والسين تصير شينا بالعبرانية وهو من ولد لاوى بن يعقوب. ابْعَثْ لَنا مَلِكاً أنهض للقتال معنا أميرا نصدر في تدبير الحرب عن رأيه وتنتظم به كلمتنا. وكان قوام بين إسرائيل بملك يجتمعون عليه يجاهد الأعداء ويجري الأحكام، ونبي يطيعه الملك ويقيم أمر دينهم ويأتيهم بالخبر من ربهم نُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بالنون والجزم على الجواب وهي القراءة المشهورة. وقرىء بالنون والرفع على أنه حال أي ابعث لنا ملكا مقدرين القتال، أو استئناف كأنه قال لهم. ما تصنعون بالملك؟

فقالوا: نقاتل. وقرىء «يقاتل» بالياء والجزم على الجواب، وبالرفع على أنه صفة ل مَلِكاً وهَلْ عَسَيْتُمْ خبره أَلَّا تُقاتِلُوا والشرط فاصل بينهما، وجواب الشرط محذوف يدل عليه المذكور أي إن كتب عليكم القتال فهل يتوقع منكم الجبن والخور؟ وأراد بالاستفهام التقرير وتثبيت أن المتوقع كائن وأنه صائب في توقعه وَما لَنا أَلَّا نُقاتِلَ قال المبرد:«ما» نافية أي ليس لنا ترك القتال. والأكثرون على أنه للاستفهام، وأورد عليه أنه خلاف المشهور فإنه لا يقال: مالك أن لا تفعل كذا، وإنما يقال: مالك لا تفعل. فعن الأخفش أن «أن» زائدة أي ما لنا لا نقاتل. ورد بأن الزيادة خلاف الأصل ولا سيما في كلام رب العزة. وعن الفراء أن الكلام محمول على المعنى لأن قولك «ما لك لا تقاتل» معناه ما منعك أن تقاتل، فلما ذهب إلى معنى المنع حسن إدخال «أن» فيه. وعن الكسائي:

واستحسنه الفارسي أن التقدير أيّ شيء لنا وأيّ داع أو غرض في ترك القتال فسقطت كلمة «في» على القياس وَقَدْ أُخْرِجْنا أي وحالنا أنا أخرجنا من ديارنا بالسبي والقهر على نواحيها، ومن بلغ منه العدو هذا المبلغ فالظاهر منه الاجتهاد في قمع عدوّه.

روي أن قوم جالوت كانوا يسكنون ساحل بحر الروم بين مصر وفلسطين، فأسروا من أبناء ملوكهم أربعمائة وأربعين.

وهاهنا محذوف التقدير: فسأل الله تعالى ذلك فبعث لهم ملكا وكتب عليهم القتال. فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ وهم الذين عبروا النهر وسيأتي

ص: 665

ذكرهم وأنهم كانوا ثلاثمائة وثلاثة عشر على عدد أهل بدر. وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ وعيد لهم ولكل مكلف في الإسلام على القعود عن القتال. وأي وعيد أبلغ من أن وضع الظالمين موضع الضمير العائد إليهم.

قوله سبحانه وَقالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طالُوتَ مَلِكاً طالوت اسم أعجمي كجالوت وداود، امتنع من الصرف للعلمية والعجمة المعتبرة. وقد يمكن تكلف اشتقاقه من الطول لما يجيء من وصفه بالبسطة في الجسم، وقد يوافق العبراني العربي.

ومَلِكاً نصب على الحال، أو التمييز، أو مفعول ثان على أن بعث بمعنى صير. وفي الآية تقرير لتوليهم وتأكيد لذلك، فإن أولى ما تولوا هو إنكارهم أمر النبي المبعوث إليهم بالتماسهم وذلك أنهم قالُوا أَنَّى يَكُونُ كيف ومن أين يصح ويصلح لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمالِ الواو الأولى للحال، والثانية للعطف.

فانتظمت الجملتان في سلك الحالية. استبعدوا تملكه من وجهين: الأول: أن النبوة كانت في سبط لاوى بن يعقوب ومنه موسى وهارون، والملك كان في سبط يهوذا ومنه داود وسليمان، وأن طالوت ما كان من أحد هذين السبطين بل كان من ولد بنيامين. الثاني: أنه كان فقيرا ولا بد للملك من مال يعتضد به. فعن وهب أنه كان دباغا. وعن السدي أنه كان مكاريا. وقال الآخرون: كان سقاء فأزيلت شبهتهم بوجوه: الأول: قالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفاهُ عَلَيْكُمْ اختاره دونكم واستخلصه من بينكم وأمره عليكم، ولا اعتراض لأحد على حكم الله.

وروي أن نبيهم دعا الله حين طلبوا منه ملكا فأتي بعصا يقاس بها من يملك عليهم فلم يساوها إلا طالوت.

الثاني: وَزادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ طعنوا فيه بنقصان الجاه والمال فقابلهما الله تعالى بوصفين العلم والقدرة وأنهما أشد مناسبة لاستحقاق الملك من النسب والمال، لأن العلم والقدرة من باب الكمالات الحقيقية دونهما وبالعلم والقدرة يتوسل إلى الجاه والمال ولا ينعكس، والعلم والقدرة من الكمالات الحاصلة لحق الإنسان، والمال والجاه أمران منفصلان عن ذات الإنسان وأنهما لا يمكن سلبهما عن ذات الإنسان بخلافهما. وإن العالم بأمر الحروب ذا القوة والبطش يكون الانتفاع به في مصالح البلاد والعباد أتم من النسيب الغني إذا لم يكن له علم يضبط المصالح وقدرة على دفع الأعداء. والظاهر أن المراد بالبسط في العلم هو حذقه فيما طلبوه لأجله من أمر الحرب، ويجوز أن يكون عالما في الديانات وبغيرها. وذلك أن الملك ينبغي أن يكون عالما وإلا كان مزدري غير منتفع به، وأن يكون جسيما يملأ العين مهابة وحشمة. والبسطة السعة والامتداد وطول القامة.

روي أنه كان يفوق الناس برأسه ومنكبيه.

وقيل: المراد منه الجمال وكان أجمل بني إسرائيل. والأظهر أن يراد بها القوة

ص: 666

لأنها المنتفع بها في دفع الأعداء لا الطول والجمال. الوجه الثالث: وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشاءُ فالملك له والعبيد له والمالك إذا تصرف في ملك نفسه فلا اعتراض لأحد عليه.

الوجه الرابع: وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ فإذا فوض الملك إليه فإن علم أن الملك لا يتمشى إلا بالمال فتح عليه باب الرزق ويوسع عليه.

قوله عز من قائل وَقالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ الآية. اعلم أن ظاهر قوله تعالى إِذْ قالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنا مَلِكاً يدل على أنهم كانوا معترفين بنبوة ذلك النبي صلى الله عليه وسلم. ثم إنه لما قال: إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طالُوتَ مَلِكاً كان هذا دليلا قاطعا على أنه ملك، لكنه تعالى لكمال رأفته بالمكلفين ضم إلى ذلك الدليل دليلا آخر دل على صدق النبي، وإكثار الدلائل من الله تعالى جائز. ولهذا كثرت معجزات محمد صلى الله عليه وسلم ومعجزات موسى وعيسى عليهما السلام. ثم إن مجيء التابوت لا بد أن يقع على وجه يكون خارقا للعادة حتى يصح أن يكون معجزة وآية من عند الله دالة على صدق تلك الدعوى. فقيل: إن الله تعالى أنزل على آدم تابوتا فيه صور الأنبياء من أولاده فتوارثوه إلى أن وصل إلى يعقوب، ثم بقي في أيدي بني إسرائيل فكانوا إذا اختلفوا في شيء تكلم وحكم بينهم، وإذا حضروا القتال قدموه بين أيديهم يستفتحون به على عدوهم، وكانت الملائكة تحمله فوق العسكر وهم يقاتلون العدو فإذا سمعوا من التابوت صيحة استيقنوا النصر، فلما عصوا وفسدوا سلط الله عليهم العمالقة فغلبوهم على التابوت وسلبوه، فلما سألوا نبيهم البينة على ملك طالوت قال ذلك النبي: إن آية ملكه أنكم تجدون التابوت في داره. وكان الكفار الذين سلبوا التابوت قد جعلوه في موضع البول والغائط، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم عليهم في ذلك الوقت فسلط الله على أولئك الكفار البلاء حتى إن كل من بال عنده أو تغوط ابتلاه الله بالبواسير، فعلم الكفار أن ذلك لأجل استخفافهم بالتابوت فأخرجوه ووضعوه على ثورين، فأقبل الثوران يسيران ووكل الله بهما أربعة من الملائكة يسوقونهما حتى أتوا منزل طالوت. فعلى هذا إتيان التابوت مجاز لأنه أتى به ولم يأت هو بنفسه. وقيل:

إنه صندوق من خشب كان موسى يضع التوراة فيه وكانوا يعرفونه، ثم إن الله تعالى رفعه بعد ما قبض موسى عليه السلام لسخطه على بني إسرائيل. ثم قال نبي ذلك القوم: إن آية ملك طالوت أن يأتيكم التابوت من السماء، فنزل من السماء والملائكة كانوا يحفظونه والقوم ينظرون حتى نزل عند طالوت وهذا قول ابن عباس. وعلى هذا الإتيان حقيقة، وأضيف الحمل إلى الملائكة في القولين جميعا لأن من حفظ شيئا في الطريق جاز أن يوصف بأنه حمل ذلك الشيء. أما شكل التابوت فقيل: كان من خشب الشمشار مموها

ص: 667

بالذهب نحوا من ثلاثة أذرع في ذراعين. وقرأ أبي وزيد بن ثابت التابوه بالهاء وهي لغة الأنصار. وأما وزن التابوت فلا يخلو إما أن يكون «فعلوتا» أو «فاعولا» لا سبيل إلى الثاني لقلة باب سلسل وقلق ولأنه تركيب غير معروف فهو «فعلوت» من التوب أي الرجوع لأنه ظرف، فلا يزال يرجع إليه ما يخرج منه وصاحبه يرجع إليه فيما يحتاج إليه من مودعاته. والظاهر أن مجيء التابوت كان معجزة لنبي ذلك الزمان، ومع كونه معجزة له كان آية قاطعة في ثبوت ملك طالوت، وقيل: إن طالوت كان نبيا وإتيان التابوت معجزته لأنه كان مقرونا بالتحدي. والجواب أن التحدي كان من النبي صلى الله عليه وسلم لأمته فِيهِ سَكِينَةٌ هي «فعيلة» من السكون ضد الحركة ومعناه الوقار، ومصدر وقع موقع الاسم كالعزيمة. وأما البقية فبمعنى الباقية. يقال: بقي من الشيء بقية. والمراد بالسكينة والبقية إما أن يكون شيئا حاصلا في التابوت أولا، والثاني قول الأصم وعلى هذا فمعناه أنه متى جاءهم التابوت من السماء وشاهدوا تلك الحالة اطمأنت نفوسهم وأقروا له بالملك وانتظم أمر ما بقي من دين موسى وهارون ومن شريعتهما فهذا

كقوله صلى الله عليه وسلم «في النفس المؤمنة مائة من الإبل» «1»

أي بسببها. وعلى الأول أقوال فعن أبي مسلم: كان في التابوت بشارات من كتب الله المنزلة على موسى وهارون ومن بعدهما من الأنبياء عليهم السلام بأن الله تعالى ينصر طالوت وجنوده فيزول خوف العدو عنهم. وعن ابن عباس: هي صورة من زبرجد وياقوت لها رأس كرأس الهر، وذنب كذنبه، وجناحان فيزف التابوت نحو العدو وهم يمضون معه، فإذا استقر ثبتوا وسكنوا ونزل النصر. وعن علي رضي الله عنه: كان لها وجه كوجه الإنسان، وفيها ريح هفافة أي طيبة. وأما البقية فهي رضاض الألواح وعصا موسى وثيابه وشيء من التوراة وقفيز من المنّ الذي أنزل عليهم. قال بعض العلماء: إنما أضيف ذلك إلى آل موسى وآل هارون لأن ذلك التابوت قد تداولته القرون بعدهما إلى وقت طالوت. وفي التابوت أشياء توارثها العلماء من أتباع موسى وهارون فيكون الآل هم الأتباع. قال تعالى: أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ [غافر: 46] وَإِذْ نَجَّيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ [البقرة: 49] ويجوز أن يراد مما تركه موسى وهارون والآل مقحم لتفخيم شأنهما

كقوله صلى الله عليه وسلم لأبي موسى الأشعري «لقد أوتي هذا مزمارا من مزامير آل داود» «2»

وأراد به داود

(1)

رواه النسائي في كتاب القسامة باب 33. أبو داود في كتاب الديات باب 16. أحمد في مسنده (2/ 178، 182) بلفظ «من قتل خطأ فديته مائة من الإبل» .

(2)

رواه البخاري في كتاب فضائل القرآن باب 31. مسلم في كتاب المسافرين حديث 235.

الترمذي في كتاب المناقب باب 55. النسائي في كتاب الافتتاح باب 83. ابن ماجه في كتاب الإقامة باب 176. الدارمي في كتاب الصلاة باب 171. [.....]

ص: 668

نفسه إذ لم يكن لأحد من آل داود من الصوت الحسن ما كان لداود إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ بدلالة المعجزة على صدق المدعي وهاهنا محذوف والتقدير: فأتاهم التابوت فأذعنوا لطالوت وأجابوا إلى المسير تحت رايته. فَلَمَّا فَصَلَ طالُوتُ بِالْجُنُودِ أصله فصل نفسه ثم كثر حذف المفعول حتى صار في حكم غير المتعدي والمعنى: انفصل عن بلده مع الجنود. والجند الأعوان والأنصار وكل صنف من الخلق جند

قال صلى الله عليه وسلم: «الأرواح جنود مجندة» «1» .

روي أن طالوت قال لقومه: لا ينبغي أن يخرج معي رجل بنى بناء لم يفرغ منه، ولا تاجر مشتغل بالتجارة، ولا متزوج بامرأة لم يبن فيها. ولا أبتغي إلا الشاب النشيط الفارغ. فاجتمع إليه ممن اختاره ثمانون ألفا، وكان الوقت قيظا وسلكوا مفازة فسألوا الله أن يجري لهم نهرا. فقال نبيهم: على قول، أو طالوت على الأظهر،

وذلك إما بإخبار النبي صلى الله عليه وسلم أو بالوحي إن كان نبيا إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ بما اقترحتموه من النهر. قيل في حكمة هذا ابتلاء: إنه لما كان من عادة بني إسرائيل مخالفة الأنبياء والملوك مع ظهور الآيات الباهرة، أظهر الله علامة قبل لقاء العدو يتميز بها الصابر على الحرب من غير الصابر، لأن الرجوع قبل لقاء العدو لا يؤثر كتأثيره حال لقاء العدو. عن ابن عباس والسدي أنه نهر فلسطين، وعن قتادة والربيع أنه نهر بين الأردن وفلسطين.

ونهر بتحريك الهاء وتسكينها لغتان ومُبْتَلِيكُمْ أي ممتحنكم. ولما كان الابتلاء من الناس إنما يكون بظهور الشيء، وثبت أن الله لا يثيب ولا يعاقب على علمه إنما يظهر ذلك بظهور الأفعال من الناس وذلك لا يحصل إلا بالتكليف، لا جرم سمى التكليف ابتلاء. فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي هو كالزجر أي ليس بمتصل بي ولا بمتحد معي من قولهم «فلان مني» يريد أنه كأنه بعضه لاختلاطهما واتحادهما، أو ليس من أهل ديني وطاعتي ومن حزبي وأشياعي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ ومن لم يذقه من طعم الشيء إذا ذاقه.

ومنه طعم الشيء لمذاقه. واعلم أن الفقهاء اختلفوا في أن من حلف أن لا يشرب من هذا النهر كيف يحنث؟ فقال أبو حنيفة: لا يحنث إلا إذا كرع في النهر. حتى لو اغترف بالكوز ماء من ذلك النهر وشربه لا يحنث لأن الشرب من الشيء هو أن يكون ابتداء شربك متصلا بذلك الشيء. وقال الباقون: بل إذا اغترف الماء بالكوز من ذلك النهر وشربه يحنث لأن هذا وإن كان مجازا إلا أنه مجاز مشهور، فلما كان من المحتمل في اللفظ الأول أن يكون النهي مقصورا على الشرب من النهر حتى لو أخذه بالكوز وشربه لا

(1) رواه البخاري في كتاب الأنبياء باب 2. مسلم في كتاب البر حديث 159. أبو داود في كتاب الأدب باب 16. أحمد في مسنده (2/ 295، 527) .

ص: 669

يكون داخلا تحت النهي. ذكر في اللفظ الثاني ما يزيل هذا الإبهام فقال: وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ استثناء من قوله فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي ليصح النظم وإنما فصل قوله وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ بين المستثنى والمستثنى منه للعناية. ومعنى الاستثناء الرخصة في اغتراف الغرفة باليد دون الكروع. والغرفة بالفتح بمعنى المصدر، وبالضم بمعنى المغروف ملء الكف. عن ابن عباس: كانت الغرفة يشرب منها هو ودوابه وخدمه، ويحتمل منها. ولعل ذلك من معجزات نبي ذلك الزمان كما

يروى عن نبينا صلى الله عليه وسلم من إرواء الخلق العظيم من الماء القليل،

ويحتمل أنه كان مأذونا أن يأخذ من الماء ما شاء مرة واحدة بقربة أو جرة بحيث كان المأخوذ في المرة الواحدة يكفيه ولدوابه ولخدمه ولأن يحمله مع نفسه إلا أن قوله بِيَدِهِ لا يجاوب هذا الاحتمال فَشَرِبُوا مِنْهُ كرعوا فيه إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ وقرأ أبي والأعمش إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ وهذا من باب الميل إلى المعنى والإعراض عن اللفظ جانبا كأنه قيل: فلم يطيعوه إلا قليل منهم. فبهذا تميز الموافق عن المنافق والصديق عن الزنديق.

يروى أن أصحاب طالوت لما هجموا على النهر بعد عطش شديد وقع أكثرهم في النهر وأكثروا الشرب فاسودت شفاههم وغلبهم العطش وبقوا على شط النهر وجبنوا عن لقاء العدو، وأطاع قوم قليل منهم أمر الله تعالى فلم يزيدوا على الاغتراف فقوي قلبهم وصح أيمانهم وعبروا النهر سالمين.

والمشهور أنهم كانوا على عدد أهل بدر لما

روي أن النبي قال لأصحابه يوم بدر: أنتم اليوم على عدد أصحاب طالوت حين عبروا النهر وما جاز معه إلا مؤمن.

قال البراء بن عازب: وكنا يومئذ ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا. وقيل: إنهم كانوا أربعة آلاف. ولا خلاف بين المفسرين أن الذين عصوا الله وشربوا من النهر رجعوا إلى بلدهم ولم يتوجه معه إلى لقاء العدو إلا من أطاعه، وإنما الخلاف في أنهم رجعوا قبل عبور النهر أو بعده، والحق أنه ما عبر معه إلا المطيعون لقوله تعالى فَلَمَّا جاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ ولقوله: فَلَيْسَ مِنِّي أي ليس من أصحابي في سفري، ولأن المقصود من الابتلاء أن يتميز المطيع عن العاصي، وإذا تميزا فالظاهر أنه لم يأذن للعاصين، وصرفهم عن نفسه قبل أن يرتدوا عند لقاء العدو، وقيل:

إنه استصحب كل جنوده لأنهم قالوا: لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده. ومعلوم أن هذا الكلام لا يليق بالمؤمن المنقاد لأمر ربه، بل لا يصدر إلا عن المنافق أو الفاسق.

والجواب لعل طالوت والمؤمنين لما جاوزوا النهر ورأوا القوم تخلفوا وما جاوزوه، سألوهم عن سبب التخلف فذكروا ذلك، وما كان النهر في العظم بحيث يمنع المكالمة، أو المراد بالمجاوزة قرب حصول المجاوزة، أو المؤمنون الذين عبروا النهر كانوا فريقين: منهم من

ص: 670

يكره الموت ويغلب الخوف والجزع على طبعه وهم الذين قالوا: لا طاقة لنا، ومنهم من كان شجاعا قوي القلب وهم الذين أجابوا بقولهم كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً أو أنهم لما شاهدوا قلة عسكرهم قال بعضهم: لا طاقة لنا اليوم. فلا بد أن نوطن أنفسنا للقتل. وقال الآخرون: بل نرجو من الله الفتح والظفر. فكأن غرض الأولين الترغيب في الشهادة والفوز بالجنة، وغرض الآخرين التحريض على رجاء الفتح والظفر، وكلا الغرضين محمود. والطاقة اسم بمنزلة الإطاقة. يقال: أطقت الشيء إطاقة وطاقة ومثلها أطاع إطاعة والاسم الطاعة وأغار إغارة والاسم الغارة، وأجاب يجيب إجابة والاسم الجابة. وفي المثل «أساء سمعا فأساء جابة» أي جوابا ومعنى قوله يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا اللَّهِ يغلب على ظنونهم أنهم لا يتخلصون من الموت. عن قتادة: أو يظنون أنهم ملاقوا ثواب الله بسبب هذه الطاعة، وذلك أن أحدا لا يعلم عاقبة أمره، وعن أبي مسلم:

أو تظنون أنهم ملاقو طاعة الله من غير رياء وسمعة وبنية خالصة، أو أنهم عرفوا مما في التابوت من الكتب الإلهية يقين النصر والظفر إلا أن حصول ذلك في المرة الأولى ما كان إلا على سبيل الظن، أو المراد بقوله يَظُنُّونَ يعلمون ويوقنون لما بين اليقين والظن من المشابهة في تأكد الاعتقاد، والفئة الجماعة لأن بعضهم قد فاء إلى بعض فصاروا جماعة، وقال الزجاج: هي من قولهم «فأوت رأسه بالسيف» وفأيت أي قطعت كأن الفئة قطعة من الناس. والمراد تقوية قلوب الذين قالوا: لا طاقة لنا إذ العبرة بالتأييد الإلهي والنصرة الإلهية، فإذا جاءت الدولة فلا مضرة في القلة والذلة، وإذا جاءت المحنة فلا منفعة في كثرة العدد والعدة، ومحل «كم» رفع بالابتداء وغَلَبَتْ الجملة خبره، بِإِذْنِ اللَّهِ بتيسيره وتسهيله. وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ بالمعونة والتأييد يحتمل أن يكون من قوله تعالى وأن يكون من قول الذين يظنون.

قوله سبحانه وَلَمَّا بَرَزُوا لِجالُوتَ وَجُنُودِهِ الآية البراز الأرض الفضاء ومنه البروز والمبارزة في الحرب كأن كل واحد منهما حصل بحيث يرى صاحبه. واعلم أن العلماء والأقوياء من عسكر طالوت لما قرروا مع ضعفائهم وعوامهم أن الغلبة لا تتعلق بكثرة العدد وأن النصر والظفر بإعانة الله اشتغلوا بالدعاء وقالُوا رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً وهكذا كان يفعل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم كما

روي في قصة بدر أنه كان يصلي ويستنجز من الله وعده، وكان متى لقي عدوا قال: اللهم إني أعوذ بك من شرورهم وأجعلك في نحورهم، اللهم بك أصول وبك أجول.

والإفراغ إخلاء الإناء مما فيه، وإنما يخلو بصب كل ما فيه فيفيد المبالغة. أي صب علينا أتم صبر وأبلغه وهذا هو الركن الأعظم في المحاربة، فإنه إن كان

ص: 671

جبانا لم يجد بطائل. ثم إن الشجاع مع ذلك يحتاج إلى الآلات والعدد والاتفاقات الحسنة حتى يمكنه أن يقف ويثبت ولا يصير ملجأ إلى الفرار، فاقترحوها بقولهم وَثَبِّتْ أَقْدامَنا ثم إنه مع كل هذه الأشياء يفتقر إلى أن تزيد قوته على قوة عدوه حتى يغلبهم وهو المراد بقولهم وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ فلا جرم استجاب الله دعاءهم فَهَزَمُوهُمْ كسروهم بِإِذْنِ اللَّهِ بتوفيقه وإعانته وَقَتَلَ داوُدُ جالُوتَ عن ابن عباس أن داود كان راعيا ومعه سبعة إخوة مع طالوت، فلما أبطأ خبر إخوته على أبيهم أيشا أرسل ابنه داود- وكان صغيرا- إليهم ليأتيه بخبرهم، فأتاهم وهم في المصاف، وبرز جالوت الجبار وكان من قوم عاد وكانت بيضته فيها ثلاثمائة رطل من الحديد، فلم يخرج إليه أحد فقال: يا بني إسرائيل، لو كنتم على الحق لبارزني بعضكم. فقال داود لإخوته: أما فيكم من يخرج إلى هذا الأقلف؟ فسكتوه. فذهب إلى ناحية من الصف ليس فيها إخوته فمر به طالوت وهو يحرّض الناس فقال له داود: ما تصنعون لمن يقتل هذا؟ فقال طالوت: أنكحه ابنتي وأعطيه نصف مملكتي. فقال داود: فأنا خارج إليه. وكانت عادته أنه يقاتل بالمقلاع الذئب والأسد في المرعى وكان طالوت عارفا جلادته فلما هم داود بأن يخرج إلى جالوت مر بثلاثة أحجار فقلن: يا داود خذنا معك ففينا ميتة جالوت. ثم لما خرج إلى جالوت رماه فأصابه في صدره ونفذ الحجر فيه وقتل بعده ناسا كثيرا. قيل: فحسده طالوت ولم يف له وعده ثم ندم على صنيعه فذهب يطلبه إلى أن قتل. وَآتاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ في مشارق الأرض المقدسة ومغاربها وَالْحِكْمَةَ أي النبوّة لأن الحكمة وضع الأمور موضعها على الوجه الأصوب والنحو الأصلح. وكمال هذا المعنى إنما يحصل بالنبوة، والمشهور من أحوال بني إسرائيل، أن الله تعالى كان يبعث إليهم نبيا وعليهم ملكا كان ذلك الملك ينفذ أمور ذلك النبي، وكان نبي ذلك الزمان أشمويل وملكه طالوت، فلما توفي أشمويل أعطى الله دود النبوّة، ولما توفي طالوت أعطى الله الملك إياه أيضا، ولم يجتمع الملك والنبوّة على أحد من بني إسرائيل قبله.

ويروى أن بين قتله جالوت وبين ما أعطاه الله الملك والحكمة سبع سنين.

قال بعضهم: هذا الإتيان جبرا له على ما فعل من الطاعة وبذل النفس في سبيل الله، ولا ممتنع في جعل النبوّة جزاء على بعض الطاعات كما قال تعالى: وَلَقَدِ اخْتَرْناهُمْ عَلى عِلْمٍ عَلَى الْعالَمِينَ [الدخان: 32] وقال: اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ [الأنعام: 124] ولهذا ذكر بعده حديث الهزيمة والقتل. وترتب الحكم على الوصف المناسب مشعر بالعلية لا سيما وقد نطقت الأحجار معه، وقد قهر العدو العظيم المهيب بالآلة الحقيرة. وقال آخرون: إن النبوّة لا يجوز جعلها جزاء على الأعمال ولكنها محض عناية الله تعالى ببعض عبيده كما قال: اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ

ص: 672