المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

«أقول له ارحل لا تقيمن عندنا» لأوهم أن المقصود بالذات - تفسير النيسابوري = غرائب القرآن ورغائب الفرقان - جـ ١

[النيسابوري، نظام الدين القمي]

فهرس الكتاب

- ‌[المجلد الاول]

- ‌مقدمة المصنف

- ‌هي النفس ما حمّلتها تتحمّل

- ‌المقدمة الأولى

- ‌في فضل القراءة والقارئ، وآداب القراءة وجواز اختلاف القراآت، وذكر القراء المشهورين المعتبرين

- ‌ذكر القراء السبعة وتسمية نقلتهم من الرواة وطرقهم من الثقات:

- ‌ذكر الأئمة المختارين وتسمية رواتهم:

- ‌المقدمة الثانية

- ‌نكت في الاستعاذة

- ‌المقدمة الثالثة في مسائل مهمة

- ‌المقدمة الرابعة في كيفية جمع القرآن

- ‌المقدمة الخامسة في معاني المصحف والكتاب والقرآن والسورة والآية والكلمة والحرف وغير ذلك

- ‌المقدمة السادسة في ذكر السبع الطول والمثاني والمئين والطواسيم والحواميم والمفصّل والمسبحات وغير ذلك

- ‌المقدمة السابعة في ذكر الحروف التي كتب بعضها على خلاف بعض في المصحف وهي في الأصل واحدة

- ‌المقدمة الثامنة في أقسام الوقف

- ‌المقدمة التاسعة في تقسيمات يعرف منها اصطلاحات مهمة

- ‌المقدمة العاشرة في أن كلام الله تعالى قديم أولا

- ‌المقدمة الحادية عشرة في كيفية استنباط المسائل الكثيرة من الألفاظ القليلة

- ‌(سورة فاتحة الكتاب)

- ‌[سورة الفاتحة (1) : الآيات 1 الى 7]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌(سورة البقرة)

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 1 الى 5]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 6 الى 7]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 8 الى 16]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 17 الى 20]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 21 الى 22]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 23 الى 24]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 25]

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 26 الى 27]

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 28 الى 29]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 30]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 31 الى 33]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 34 الى 39]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 40 الى 46]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 47 الى 48]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 49 الى 53]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 54 الى 57]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 58 الى 59]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 60 الى 61]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 62 الى 66]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 67 الى 74]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 75 الى 82]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 83 الى 86]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 87 الى 91]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 92 الى 96]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 97 الى 101]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 102 الى 103]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌ التأويل:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 104 الى 108]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 109 الى 113]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 114 الى 118]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 119 الى 123]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 124 الى 126]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 127 الى 134]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 135 الى 141]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 142 الى 152]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 153 الى 157]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 158 الى 162]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 163 الى 164]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 165 الى 167]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 168 الى 171]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 172 الى 176]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 177]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 178 الى 179]

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 180 الى 182]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌ التأويل

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 183 الى 187]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 188 الى 189]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 190 الى 195]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 196]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 197 الى 203]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌الوقوف

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 204 الى 210]

- ‌القراآت:

- ‌التفسير:

- ‌ التأويل

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 211 الى 214]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 215 الى 218]

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 219 الى 221]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 222 الى 227]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 228 الى 232]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 233 الى 237]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 238 الى 242]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 243 الى 245]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 246 الى 251]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌الفهرس

الفصل: «أقول له ارحل لا تقيمن عندنا» لأوهم أن المقصود بالذات

«أقول له ارحل لا تقيمن عندنا» لأوهم أن المقصود بالذات هو الثاني والأول في حكم المنحى. ويحتمل من حيث العربية أن تكون «لا» نافية والنون ليست للوقاية، ومحل الجملة النصب على الحال أي اشكروا لي غير جاحدين لنعمتي. وأما الذكر فباللسان وهو أن يحمده ويسبحه ويمجده ويقرأ كتابه، أو بالقلب وهو أن يتفكر في الدلائل على ذاته وصفاته، وفي الأجوبة عن شبه الطاعنين فيها وفي الدلائل على كيفية تكاليفه وأحكامه وأوامره ونواهيه ووعده ووعيده ليعمل بمقتضاها، ثم يتفكر في أسرار المخلوقات متوصلا من كل ذرة إلى موجدها، أو بالجوارح وهو أن تكون مستغرقة في الأعمال المأمور بها فارغة عن الأشغال المنهي عنها. وبهذا الوجه سمى الصلاة ذكرا فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللَّهِ [الجمعة: 9] وأما ذكر الله تعالى فلا بد أن يحمل على ما له تعلق بالثواب وإظهار الرضا واستحقاق المنزلة والإكرام فالحاصل اذكروني بطاعتي أذكركم برحمتي، اذكروني بالدعاء أذكركم بالإجابة، اذكروني في الدنيا أذكركم في الآخرة، اذكروني في الخلوات أذكركم في الفلوات، اذكروني في الرخاء أذكركم في البلاء، اذكروني بالمجاهدة أذكركم بالهداية، اذكروني بالصدق والإخلاص أذكركم بالخلاص ومزيد الاختصاص، اذكروني بالعبودية أذكركم بالربوبية، اذكروني بالفناء أذكركم بالبقاء.

[سورة البقرة (2) : الآيات 153 الى 157]

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (153) وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتٌ بَلْ أَحْياءٌ وَلكِنْ لا تَشْعُرُونَ (154) وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَراتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ (156) أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157)

‌القراآت:

إِنَّا لِلَّهِ بالإمالة فيهما: قتيبة ونصير. وإنما جازت مع امتناعها في الحروف لكثرة استعمال كلمة الاسترجاع.

‌الوقوف:

وَالصَّلاةِ ط الصَّابِرِينَ لا أَمْواتٌ ط لا تَشْعُرُونَ هـ وَالثَّمَراتِ ط الصَّابِرِينَ لا لأن صفتهم مُصِيبَةٌ لا لأن «قالوا» جواب «إذا» راجِعُونَ ط لأن «أولئك» مبتدأ على الأصح ومن ابتداء بالذين فخبره «أولئك» مع ما يتلوه ووقف على الصابرين ولم يقف على راجِعُونَ الْمُهْتَدُونَ هـ.

‌التفسير:

أنه تعالى لما أوجب بقوله فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي جميع الطاعات ورغب بقوله وَلا تَكْفُرُونِ عن جميع المنهيات فإن الشكر بالحقيقة صرف العبد جميع ما أنعم الله تعالى به عليه إلى ما أعطاه لأجله، ندب إلى الاستعانة على تلك

ص: 438

الوظائف بالصبر والصلاة. فالصبر قهر النفس على احتمال المكاره في ذات الله تعالى، والصلاة إذا اشتملت على مواجب الخشوع والتذلل للمعبود والتدبر لآيات الوعد والوعيد والترغيب والترهيب، انجر ذلك إلى أداء حقوق سائر الطاعات والاجتناب عن جميع الفواحش والمنكرات إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ بالنصر والتأييد ومزيد التوفيق والتسديد وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً [مريم: 76] وقيل: الصبر الصوم. وقيل: الجهاد بدليل قوله وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتٌ بَلْ أَحْياءٌ أي هم أموات بل هم أحياء.

وعلى الوجه الأول كأنه قيل: استعينوا بالصبر والصلاة في إقامة ديني وسلوك سبيلي، فإن احتجتم في ذلك إلى مجاهدة عدوّي بأموالكم وأنفسكم فتلفت فإن قتلاكم أحياء عندي، من قتله محبته فديته رؤيته. ثم إن أكثر المفسرين على أنهم أحياء في الحال، فمن الجائز أن يجمع الله تعالى من أجزاء الشهيد جملة فيحييها ويوصل إليها النعيم وإن كانت في حجم الذرة فيرى معظم جسد الشهيد ميتا فلا يحس بحياته وإليه الإشارة بقوله وَلكِنْ لا تَشْعُرُونَ ومما يؤيد هذا القول الآيات الدالة على إثبات عذاب القبر النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا [غافر: 46] أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا ناراً [نوح: 25] والفاء للتعقيب

وقال صلى الله عليه وسلم «القبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفرة النيران» «1»

. ولم يزل أرباب القلوب يزورون قبور الشهداء ويعظمونها. وقيل: المعنى لا تسموهم بالأموات وقولوا لهم الشهداء الأحياء. أو المراد: قولوا لهم أحياء في الدين وإنهم على هدى ونور من ربهم لا كما يزعم المشركون أنهم ليسوا من الدين في شيء أو لا تقولوا مثل ما يقول منكرو البعث إنهم لا ينشرون وقد ضيعوا أعمارهم، ولكنهم سيحيون فيثابون وينعمون في الجنة. وعلى هذه الوجوه لا يبقى لتخصيص الشهداء بكونهم أحياء فائدة وكذا لقوله مع المؤمنين ولكن لا تشعرون. وقيل: إن الثواب وكذا العقاب للروح لا للقالب، لأنه مدرك للجزئيات أيضا فلا يمتنع أن يتألم ويلتذ. ثم إنه سبحانه يرد الروح إلى البدن في القيامة الكبرى حتى يضم الأحوال الجسمانية إلى الإدراكات الروحانية. عن ابن عباس أن الآية نزلت في شهداء بدر وكانوا أربعة عشر، ستة من المهاجرين وثمانية من الأنصار.

وعن كعب بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن أرواح الشهداء في حواصل طير خضر تعلق من ثمر الجنة» «2»

أي تأكل وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ ولنصيبنكم بذلك إصابة تشبه فعل المختبر لأحوالكم هل تصبرون

(1)

رواه الترمذي في كتاب القيامة باب 36. بدون لفظ «أو حفرة من حفر النار» .

(2)

رواه الترمذي في كتاب فضائل الجهاد باب 13. الدارمي في كتاب الجهاد باب 18. أحمد في مسنده (6/ 386) بدون لفظ «حواصل» .

ص: 439

وتثبتون على ما أنتم عليه من أداء حقوق الطاعة وتسلمون لأمر الله وحكمه، أم تنقلبون على أعقابكم وتظهرون الجزع على استرداد ما يدكم فيه يد المستعير؟ أمر أولا بالشكر على إكمال الشرائع، ثم بالصبر على التكاليف الدينية، ثم حض على التثبت عند طروق النوائب وبروق المصائب، ومعنى بِشَيْءٍ بيان من هذه الأشياء وأيضا لو قال «بأشياء» لأوهم أن من كل واحد من الخوف وغيره ضروبا وليس بمراد. وفيه أن كل بلاء أصاب الإنسان وإن جل ففوقه ما يقل هو بالنسبة إليه، وفيه أن رحمته معهم في كل حال لا تزايلهم. واعلم أن كل ما يلاقيك من مكروه ومحبوب فإذا خطر ببالك وهو قد مضى سمي ذكرا وتذكرا، وإن كان في الحال سمي ذوقا ووجدا لأنها حالة تجدها من نفسك، وإن تعلق بالاستقبال وغلب خطوره على قلبك سمي انتظارا وتوقعا، فإن كان المنتظر مكروها حصل منه ألم في القلب يسمى خوفا وإشفاقا، وإن كان محبوبا سمي ذلك ارتياحا والارتياح رجاء. وأما الجوع فالمراد منه القحط وتعذر تحصيل القوت. عن عطاء والربيع بن أنس: أن المراد بهذه المخاطبة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة وقد حصل لهم عند مكاشفة العرب خوف شديد بسبب الدين، فكانوا لا يأمنون قصدهم إياهم واجتماعهم عليهم وقد كان من الخوف في وقعة الأحزاب ما كان هُنالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزالًا شَدِيداً [الأحزاب: 11] وأما الجوع فقد أصابهم في أول مهاجرة النبي إلى المدينة لقلة أموالهم حتى إنه صلى الله عليه وسلم كان يشد الحجر على بطنه.

وقد روي أنه صلى الله عليه وسلم خرج ذات يوم فالتقى مع أبي بكر فقال: ما أخرجك؟ قال: الجوع. قال: أخرجني ما أخرجك وكانوا ينفقون أموالهم في الاستعداد للجهاد ثم يقتلون.

فهناك يحصل النقص في المال والنفس، وقد يحصل الجوع في سفر الجهاد عند فناء الزاد ذلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ وَلا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إلى قوله إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صالِحٌ [التوبة: 120] وقد يكون النقص في النفس بموت الإخوان والأخدان. وإما نقص الثمرات فقد يكون بالجدوب وقد يكون بترك عمارة الضياع للاشتغال بالجهاد. وعن الشافعي: الخوف خوف الله، والجوع صيام شهر رمضان، والنقص من الأموال الزكوات والصدقات، ومن الأنفس الأمراض، ومن الثمرات موت الأولاد.

قال صلى الله عليه وسلم «إذا مات ولد العبد قال الله تعالى للملائكة أقبضتم ولد عبدي؟ فيقولون:

نعم. فيقول: أقبضتم ثمرة قلبه؟ فيقولون: نعم. فيقول الله تعالى: ماذا قال عبدي؟

فيقولون: حمدك واسترجع فيقول الله: «ابنوا لعبدي بيتا في الجنة وسموه بيت الحمد» «1»

(1) رواه الترمذي في كتاب الجنائز باب 36.

ص: 440

وَنَقْصٍ عطف على بِشَيْءٍ ويحتمل أن يعطف على الخوف بمعنى وشيء من نقص الأموال. والخطاب في وَبَشِّرِ لرسول الله صلى الله عليه وسلم، أو لكل من يتأتى منه البشارة. قال الإمام الغزالي رحمه الله: الصبر من خواص الإنسان ولا يتصور ذلك في البهائم لنقصانها، فليس لشهواتها عقل يعارضها حتى يسمى ثبات تلك القوة في مقابلة مقتضى الشهوة صبرا، ولا في الملائكة فليس لعقلهم شهوة تصرفهم عن الاشتغال بخدمة الكبير المتعال وتمنعهم عن الاستغراق في مطالعة حضرة ذي الجلال. وأما الإنسان فإنه في الصبا بمنزلة البهيمة ليس له إلا شهوة الغذاء، ثم شهوة اللعب بعد حين، ثم شهوة النكاح لكنه إذا بلغ انضم له مع الشهوة الباعثة على اللذات العاجلة عقل يدعوه إلى الإعراض عنها والإقبال على تحصيل السعادات الباقية، فيقع بين داعيتي العقل والشهوة تضاد قصد العقل إياها هو المعنى بالصبر. وإنه ضربان: بدني فعلا كتعاطي الأعمال الشاقة، أو انفعالا كالثبات على الآلام، ونفساني وهو منع النفس عن مقتضيات الطبع، فإن كان حبسا عن شهوة البطن والفرج سمي عفة، وإن كان احتمال مكروه، فإن كان من مصيبة خص باسم الصبر ويضاده حالة هي الجزع وهي إطلاق داعي الهوى في رفع الصوت وضرب الخد وشق الجيب ونحوها، وإن كان في حال الغنى سمي ضبط النفس، ويضاده حالة البطر. وإن كان في حال مبارزة الأقران سمي شجاعة ويضاده الجبن، وإن كان في كظم الغيظ والغضب يسمى حلما ويضاده النزق، وإن كان في نائبة من النوائب سمي سعة الصدر ويضاده الضجر وضيق الصدر، وإن كان في إخفاء كلام يسمى كتمان النفس، وإن كان عن فضول العيش سمي زهدا وضده الحرص، وإن كان على قدر يسير من المال سمي قناعه ويضاده الشره. وليس الصبر أن لا يجد الإنسان ألم المكروه ولا أن لا يكره ذلك فإنه غير ممكن، وإنما الصبر على المصيبة هو حمل النفس على ترك إظهار الجزع. ولا بأس بظهور الدمع وتغير اللون

فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم بكى على إبراهيم ابنه فقيل له في ذلك فقال: إنها رحمة، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء. ثم قال: العين تدمع والقلب يحزن ولا نقول إلا ما يرضي ربنا.

ثم الصبر عند الصدمة الأولى وإلا سمي سلوا وهو مما لا بد منه ولهذا قيل: لو كلف الناس إدامة الجزع لم يقدروا عليه. وقد وصف الله تعالى الصبر في القرآن في نيف وسبعين موضعا وأضاف أكثر الخيرات إليه فقال وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا لَمَّا صَبَرُوا [السجدة:

27] وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنى عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ بِما صَبَرُوا [اعراف: 137] وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ [النحل: 96] إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ [الزمر: 10] فما من طاعة إلا وأجرها مقدر إلا الصبر،

ص: 441

ولأن الصوم من الصبر قال تعالى في الحديث القدسي «الصوم لي» فأضافه إلى نفسه ووعد الصابرين بأنه معهم فقال وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ [الأنفال: 46] وعلق النصرة بالصبر فقال إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هذا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ [آل عمران: 125] وجمع للصابرين أمورا لم يجمعها لغيرهم أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ

وقال صلى الله عليه وسلم «الصبر نصف الإيمان»

لأن الإيمان لا يتم إلا بترك ما لا ينبغي، والإتيان بما ينبغي والاستمرار على كل منهما إنما يتأتى بالصبر. فكل الإيمان صبر إلا أن كل واحد منهما قد يكون مطابقا لمقتضى الشهوة فلا يحتاج فيه إلى الصبر، فلهذا عاد إلى النصف.

وقد جاء «الإيمان هو الصبر»

وذلك

كقوله «الحج عرفة» «1»

وعن النبي صلى الله عليه وسلم «من أفضل ما أوتيتم اليقين وعزيمة الصبر»

وقال: «يؤتى بأشكر أهل الأرض فيجزيه الله جزاء الشاكرين ويؤتى بأصبر أهل الأرض فيقال له أترضى أن نجزيك كما جزينا هذا الشاكر فيقول نعم يا رب فيقول تعالى لقد أنعمت عليه فشكر وابتليتك فصبرت لأضعفنّ لك الأجر فيعطى أضعاف جزاء الشاكرين»

ومن فضيلة الصبر أن

قال صلى الله عليه وسلم: «الطاعم الشاكر بمنزلة الصائم الصابر» «2»

فإن المشبه به يجب أن يكون أقوى كما

قال «شارب الخمر كعابد الوثن» «3»

وروي أن سليمان يدخل الجنة بعد الأنبياء بأربعين خريفا لمكان ملكه، وآخر أصحابي دخولا الجنة عبد الرحمن بن عوف لمكان غناه.

وفي الخبر: أبواب الجنة كلها مصراعان إلا باب الصبر فإنه مصراع واحد. وأول من يدخله أهل البلاء إمامهم أيوب.

ثم إن الله تعالى بيّن أن الإنسان كيف يكون صابرا وأنه متى يستحق البشارة فقال الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ هي من الصفات الغالية التي لا تكاد تستعمل موصوفاتها وتختص من بين ما يصيب الإنسان بحالة مكروهة كالنازلة والواقعة والملمة، وإنما نكرت لتشمل كل مضرة تناله من قبل الأسباب السماوية والأرضية المنتهية إلى مسبب الأسباب بواسطة ظاهرة أو خفية قالُوا: إِنَّا لِلَّهِ إقرار بالعبودية وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ تفويض للأمر إليه كما يقال: إن الملك والدولة رجع إلى فلان لا يراد الانتقال بل القدرة وترك المنازعة إِنَّا لِلَّهِ اعتراف منا له بالملك وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ إقرار على

(1)

رواه الترمذي في كتاب تفسير سورة البقرة باب 22. أبو داود في كتاب المناسك باب 68. ابن ماجه في كتاب المناسك باب 57. الدارمي في كتاب المناسك باب 54 بلفظ «الحج عرفات» .

(2)

رواه ابن ماجه في كتاب الصيام باب 55. الترمذي في كتاب القيامة باب 43. الدارمي في كتاب الأطعمة باب 4. أحمد، في مسنده (2/ 283، 289) .

(3)

رواه ابن ماجه في كتاب الأشربة باب 3.

ص: 442

أنفسنا بالهلك إِنَّا لِلَّهِ إشارة إلى المبدأ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ تصريح بالمعاد. إِنَّا لِلَّهِ إعلام بالفناء فيه وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ إشعار بالبقاء به. إِنَّا لِلَّهِ إيمان بقضائه وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ إيمان بقدره. واعلم أن الرضا بالقضاء إنما يحصل للعبد من الله تعالى بطريقين:

الصرف أو الجذب أما الصرف فمتى مال قلبه إلى شيء والتفت خاطره إليه جعله تعالى منشأ للآفات لينصرف وجه قلبه من عالم الحدوث إلى جانب القدس، كما أن آدم لما تعلق قلبه بالجنة جعلها محنة عليه حتى زالت الجنة فبقي آدم مع ذكر الله. ولما استأنس يعقوب بيوسف أوقع الفراق بينهما فبقي يعقوب مع ذكر الحق. ولما طمع محمد صلى الله عليه وسلم من أهل مكة في النصرة والإعانة صاروا من أشد الناس بغضا له فأخرجوه. وقد لا يجعل ذلك الشيء بلاء ولكن يرفعه من البين حتى لا يبقى لا البلاء ولا الرحمة، فحينئذ يرجع العبد إلى الله.

وقد يتوقع العبد من جانب خيرا فيعطيه الله تعالى ذلك بلا واسطة فيستحي العبد فيرجع إلى الله. وأما الجذب فجذبة من جذبات الرحمن توازي عمل الثقلين. ومن جذبه الحق إلى نفسه صار مغلوبا لأن الحق غالب فتصير الربوبية غالبة على العبودية، والحقيقة مستعلية على المجاز، كالعبد الداخل على السلطان المهيب ينصرف فكره إليه ويشتغل بالكلية عمن سواه ويصير فانيا عن نفسه وعن حظوظها فيحصل له مرتبة الرضا بأقضية الحق سبحانه من غير أن يبقى في طاعته شبهة المنازعة.

عن النبي صلى الله عليه وسلم «من استرجع عند المصيبة جبر الله مصيبته وأحسن عقباه وجعل له خلفا صالحا يرضاه»

وروي أنه طفىء سراج رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ فقيل: أمصيبة هي؟ قال: نعم. كل شيء يؤذي المؤمن فهو له مصيبة.

وعن أم سلمة أن أبا سلمة حدثها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «ما من مسلم يصاب بمصيبة فيفزع إلى ما أمر الله به» من قوله: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ اللهم عندك احتسبت مصيبتي فأجرني منها وعوّضني خيرا منها ألا أجره الله عليها وعوضه خيرا منها» «1» .

قالت: فلما توفي أبو سلمة ذكرت هذا الحديث وقلت: هذا القول فعوّضني الله محمدا صلى الله عليه وسلم.

وعن ابن عباس: أخبر الله تعالى أن المؤمن إذا سلم لأمر الله ورجع واسترجع عند مصيبته كتب الله تعالى له ثلاث خصال: الصلاة من الله والرحمة وتحقيق سبيل الهدى. وعن عمر قال: نعم العدلان إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ ونعم العلاوة وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ. قيل: الصلوات من الله الثناء والمدح والتعظيم،

(1) رواه أبو داود في كتاب الجنائز باب 18. الترمذي في كتاب الدعوات باب 83. ابن ماجه في كتاب الجنائز باب 55. أحمد في مسنده (4/ 27) .

ص: 443