المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الجن وشياطينهم نارا وقودها الشياطين جزاء لكل جنس بما يشاكله - تفسير النيسابوري = غرائب القرآن ورغائب الفرقان - جـ ١

[النيسابوري، نظام الدين القمي]

فهرس الكتاب

- ‌[المجلد الاول]

- ‌مقدمة المصنف

- ‌هي النفس ما حمّلتها تتحمّل

- ‌المقدمة الأولى

- ‌في فضل القراءة والقارئ، وآداب القراءة وجواز اختلاف القراآت، وذكر القراء المشهورين المعتبرين

- ‌ذكر القراء السبعة وتسمية نقلتهم من الرواة وطرقهم من الثقات:

- ‌ذكر الأئمة المختارين وتسمية رواتهم:

- ‌المقدمة الثانية

- ‌نكت في الاستعاذة

- ‌المقدمة الثالثة في مسائل مهمة

- ‌المقدمة الرابعة في كيفية جمع القرآن

- ‌المقدمة الخامسة في معاني المصحف والكتاب والقرآن والسورة والآية والكلمة والحرف وغير ذلك

- ‌المقدمة السادسة في ذكر السبع الطول والمثاني والمئين والطواسيم والحواميم والمفصّل والمسبحات وغير ذلك

- ‌المقدمة السابعة في ذكر الحروف التي كتب بعضها على خلاف بعض في المصحف وهي في الأصل واحدة

- ‌المقدمة الثامنة في أقسام الوقف

- ‌المقدمة التاسعة في تقسيمات يعرف منها اصطلاحات مهمة

- ‌المقدمة العاشرة في أن كلام الله تعالى قديم أولا

- ‌المقدمة الحادية عشرة في كيفية استنباط المسائل الكثيرة من الألفاظ القليلة

- ‌(سورة فاتحة الكتاب)

- ‌[سورة الفاتحة (1) : الآيات 1 الى 7]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌(سورة البقرة)

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 1 الى 5]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 6 الى 7]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 8 الى 16]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 17 الى 20]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 21 الى 22]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 23 الى 24]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 25]

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 26 الى 27]

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 28 الى 29]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 30]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 31 الى 33]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 34 الى 39]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 40 الى 46]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 47 الى 48]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 49 الى 53]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 54 الى 57]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 58 الى 59]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 60 الى 61]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 62 الى 66]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 67 الى 74]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 75 الى 82]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 83 الى 86]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 87 الى 91]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 92 الى 96]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 97 الى 101]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 102 الى 103]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌ التأويل:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 104 الى 108]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 109 الى 113]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 114 الى 118]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 119 الى 123]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 124 الى 126]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 127 الى 134]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 135 الى 141]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 142 الى 152]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 153 الى 157]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 158 الى 162]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 163 الى 164]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 165 الى 167]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 168 الى 171]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 172 الى 176]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 177]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 178 الى 179]

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 180 الى 182]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌ التأويل

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 183 الى 187]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 188 الى 189]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 190 الى 195]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 196]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 197 الى 203]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌الوقوف

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 204 الى 210]

- ‌القراآت:

- ‌التفسير:

- ‌ التأويل

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 211 الى 214]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 215 الى 218]

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 219 الى 221]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 222 الى 227]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 228 الى 232]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 233 الى 237]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 238 الى 242]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 243 الى 245]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 246 الى 251]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌الفهرس

الفصل: الجن وشياطينهم نارا وقودها الشياطين جزاء لكل جنس بما يشاكله

الجن وشياطينهم نارا وقودها الشياطين جزاء لكل جنس بما يشاكله من العذاب. والحجارة قيل: هي حجارة الكبريت. وقيل: هي ما نحتوها أصناما إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ [الأنبياء: 98] لأنهم لما اعتقدوا فيها أنها شفعاؤهم عند الله، وأنهم ينتفعون بها ويدفعون المضارّ عن أنفسهم، جعلها الله عذابهم إبلاغا في إيلامهم وتوريثا لنقيض مطلوبهم، ونحوه ما يفعله بالذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله، أي يمنعون حقوقها حيث يُحْمى عَلَيْها فِي نارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوى بِها جِباهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ [التوبة: 35] والتاء في الحجارة لتأكيد التأنيث في الجماعة نحو: صقورة. وقد يدور في الخلد من هذه الآية، ومن قوله ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَهِيَ كَالْحِجارَةِ [البقرة: 74] ومن قوله نارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ [الهمزة: 6، 7] أن المراد بالحجارة هي الأفئدة أي وقودها الناس وقلوبهم. وتخصيص القلب بالذكر لأنه أشرف الأعضاء وأولى بالإحراق إن كان مقصرا في درك ما خلق الإنسان لأجله. ومعنى أعدت هيئت وجعلت عدّة لعذابهم، وإنما فقد العاطف لأنها بدل من الصلة أو استئناف، كأنه قيل لمن أعدّت هذه النار؟ فقيل: أعدت للكافرين.

[سورة البقرة (2) : آية 25]

وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ كُلَّما رُزِقُوا مِنْها مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً قالُوا هذَا الَّذِي رُزِقْنا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً وَلَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيها خالِدُونَ (25)

‌الوقوف:

«الأنهار» (ط)«رزقا» (لا) لأن «قالوا» جواب «كلما» . «متشابها» (ط)«مطهرة» (ج)«خالدون» (هـ) .

‌التفسير:

إنه سبحانه لما ذكر دلائل التوحيد والنبوة وانجر الكلام إلى ذكر عقاب الكافرين، شفع ذلك بذكر ثواب المؤمنين جريا على سننه المعهود من ذكر الترغيب مع الترهيب، وضم البشارة إلى الإنذار والجمع بين الوعد والوعيد والجنة والنار. وهل هما الآن مخلوقتان أم لا؟ ظاهر الآية من نحو قوله أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ والأحاديث

كقوله صلى الله عليه وسلم في حديث صلاة الخسوف «إني رأيت الجنة فتناولت منها عنقودا ورأيت النار فلم أر كاليوم منظرا قط يدل على وجودهما» «1»

وكذا سكنى آدم وحواء الجنة، وقد جمع الله في الآية جوامع اللذات من المسكن وهو الجنات، ومن المطعم وهو

(1) رواه مسلم في كتاب الكسوف حديث 9. أحمد في مسنده (3/ 353، 374) .

ص: 197

الثمرات، ومن المنكح وهو الأزواج المطهرات، ثم زال عنهم نقص الزوال بقوله وَهُمْ فِيها خالِدُونَ إتماما للنعمة والحبور وتكميلا للبهجة والسرور. والبشارة الإخبار بما يظهر سرور المخبر به، ولهذا قال العلماء: إذا قال لعبيده: أيكم بشرني بقدوم فلان فهو حر فبشروه فرادى، عتق أوّلهم لأنه هو الذي أظهر سروره بخبره ولو قال: مكان بشرني أخبرني عتقوا جميعا لأنهم جميعا أخبروه. ومنه البشرة لظاهر الجلد، وتباشير الصبح ما ظهر من أوائل ضوئه. فأما قوله فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ [آل عمران: 21] فمن باب التهكم والاستهزاء، فإن قيل:

علام عطف هذا الأمر ولم يسبق أمر ولا نهي يصح عطفه عليه؟ قلنا: ليس الذي اعتمد بالعطف هو الأمر حتى يطلب له مشاكل من أمر أو نهي، إنما المعتمد بالعطف هو جملة وصف ثواب المؤمنين على جملة وصف عقاب الكافرين، كما تقول: زيد يعاقب بالقيد والإرهاق، وبشر عمرا بالعفو والإطلاق، ولك أن تقول معطوف على فَاتَّقُوا كقولك: يا بني تميم احذروا عقوبة ما جنيتم، وبشر يا فلان بني أسد بإحساني إليهم. وقال بعض المحققين: إنه معطوف على قل مقدرا قبل يا أَيُّهَا النَّاسُ فإن تقدير القول في القرآن مع وجود القرينة غير عزيز كقوله تعالى وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ رَبَّنا أي يقولان: ربنا. ثم المأمور في قوله وَبَشِّرِ إما الرسول، وإما كل من له استئهال أن يبشر. والصالحة نحو الحسنة في جريها مجرى الاسم. قال الحطيئة:

كيف الهجاء وما تنفك صالحة

من آل لأم بظهر الغيب تأتيني

واللام للجنس.

والمراد بالصالحات جملة الأعمال الصحيحة المستقيمة في الدين على حسب حال المؤمن في مواجب التكليف. واستدل بهذه الآية من قال: إن الأعمال غير داخلة في مسمى الإيمان، وإلا لزم التكرار، ولمن زعم أن الإيمان هو المجموع أن يقول عطف بعض الأجزاء على الكل جائز لغرض من الأغراض كقوله تعالى وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ [البقرة: 98] ثم هاهنا مذاهب: منهم من قال: إن العبد لا يستحق على الطاعة ثوابا ولا على المعصية عقابا استحقاقا عقليا واجبا وهو قول أهل السنة ولا يرد عليه إشكال. ومنهم من زعم أنه يستحق الثواب بالإيمان والعمل الصالح بشرط أن لا يحبطهما المكلف بالكفر والإقدام على الكبائر، وبالندم على ما أوجده من فعل الطاعة وترك المعصية بدليل قوله لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ [الزمر: 65] . وإنما طوي ذكر هذا الشرط في الآية للعلم به فإنه قد ركز في العقول أن الإحسان إنما يستحق فاعله عليه المثوبة والثناء إذا لم يتعقبه بما يفسده ويذهب بحسنه، وهذا قول المعتزلة ومن يجري مجراهم. ومنهم من أحال القول

ص: 198

بالإحباط، لأن من آمن وعمل صالحا استحق الثواب الدائم فلو فرض إحباط بكفره لاستحق العقاب الدائم والجميع بينهما محال، ولا يخفى ضعف هذا المذهب، فإن الأمور بخواتيمها

قال صلى الله عليه وسلم: «إن العبد ليعمل عمل أهل النار وإنه من أهل الجنة ويعمل عمل أهل الجنة وإنه من أهل النار» «1»

وإنما الأعمال بالخواتيم. والجنة البستان من النخل والشجر المتكاثف المظلل بالتفاف أغصانه والتركيب دائر على معنى الستر كأنها فعلة من جنه إذا ستره. وسميت دار الثواب كلها جنة فيها من الجنان على حسب استحقاقات العاملين لكل طبقة منهم جنات من تلك الجنان، فلهذا نكرت. والنهر: المجرى الواسع فوق الجدول ودون البحر. يقال لبردى نهر دمشق، وللنيل نهر مصر. واللغة العالية الغالبة النهر بفتح الهاء ومدار التركيب على السعة. وإسناد الجري إلى الأنهار من الإسناد المجازي، لأن الجاري هو الماء وكذا من تحتها أي من تحت أشجارها. وأنزه البساتين وأكرمها منظرا ما كانت أشجارها مظللة والأنهار في خلالها مطردة، ولو لاها كانت كتماثيل لا أرواح فيها، وصور لا حياة لها. وإنما عرفت الأنهار لأن المراد بها الجنس كما تقول لفلان بستان فيه الماء الجاري والتين والعنب وألوان الفواكه تشير إلى الأجناس التي في علم المخاطب، أو يراد بها أنهارها فعوض التعريف باللام من تعريف الإضافة مثل وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً [مريم: 4] أو يشار باللام إلى الأنهار المذكورة في قوله فِيها أَنْهارٌ مِنْ ماءٍ غَيْرِ آسِنٍ [محمد: 15] الآية. وكُلَّما رُزِقُوا إما صفة ثانية لجنات، أو خبر مبتدأ محذوف أي هم كلما رزقوا، أو جملة مستأنفة لأنه لما قيل إن لهم جنات لم يخل خلد السامع أن يقع فيه أثمار تلك الجنات أشباه ثمار جنات الدنيا أم أجناس أخر لا تشابه هذه الأجناس، فقيل: إن ثمارها أشباه ثمار جنات الدنيا أي أجناسها وإن تفاوتت إلى غاية لا يعلمها إلا الله. و «من» في مِنْها وفي مِنْ ثَمَرَةٍ لابتداء الغاية كما لو قلت: رزقني فلان فيقال: من أين؟ فتقول: من بستانه. فيقال: من أي ثمرة؟ فتقول: من الرمان.

فالرزق قد ابتدئ من الجنات والرزق من الجنات قد ابتدئ من ثمرة وليس المراد بالثمرة التفاحة الواحدة والرمانة الفذة على هذا التفسير، وإنما المراد النوع من أنواع الثمار، ووجه اخر وهو أن يكون مِنْ ثَمَرَةٍ بيانا على منهاج قولك «رأيت منك أسدا» تريد أنت أسد.

وعلى هذا يصح أن يراد بالثمرة النوع من الثمار والجناة الواحدة، لأن التفاحة الواحدة مثلا يصدق عليها أنها رزق، كما أن نوع التفاح يصدق عليه ذلك، بخلاف ابتداء الرزق من الجنات فإن ذلك إنما يكون بنوع التفاح أولا، وبالذات وبشخصه ثانيا، وبالعرص لأن

(1) رواه البخاري في كتاب الجهاد باب 77.

ص: 199

التشخص أمر زائد على حقيقة الشيء فاعلم. وانتصاب رِزْقاً على أنه مفعول ثان رُزِقُوا ومعنى هذَا الَّذِي أي هذا مثل الذي رزقنا من قبل نحو «أبو يوسف أبو حنيفة» لأن ذات الذي رزقوه في الجنة لا تكون هي ذات الذي رزقوه في الدنيا. والضمير في قوله وَأُتُوا بِهِ يرجع إلى المرزوق في الدنيا والآخرة جميعا، لأن قوله هذَا الَّذِي رُزِقْنا مِنْ قَبْلُ انطوى تحته ذكر ما رزقوه في الدارين. والغرض في تشابه ثمر الدنيا وثمر الآخرة أن الإنسان بالمألوف آنس وإلى المعهود أميل، ولأنه إذا ظفر بشيء من جنس ما سلف له به عهد، ورأى فيه مزية ظاهرة أفرط ابتهاجه وطال استعجابه وتبين كنه النعمة فيه. فإذا أبصروا الرمانة والنبقة في الدنيا وحجمها، ثم أبصروا رمانة الجنة تشبع السكن، والنبقة كقلال هجر، كما يرون الشجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعه، كان ذلك أبين للفضل وأزيد في التعجب من أن يفاجؤا ذلك الرمان وذلك النبق من غير عهد سابق بجنسهما.

وترديدهم هذا القول ونطقهم به عند كل ثمرة يرزقونها، دليل على تناهي الأمر في ظهور المزية وكمال الاستغراب في كل أوان. عن مسروق: نخل الجنة نضيد من أصلها إلى فرعها، وثمرها أمثال القلال، كلما نزعت ثمرة عادت مكانها أخرى، وأنهارها تجري في غير أخدود، والعنقود اثنا عشر ذراعا. ويجوز أن يرجع الضمير في أُتُوا بِهِ إلى الرزق، كما أن هذا إشارة إليه. ويكون المعنى: إن ما يرزقونه من ثمرات الجنة يأتيهم متجانسا في نفسه، إما لتساوي ثوابهم في كل الأوقات في القدر والدرجة حتى لا يزيد ولا ينقص، وإما لأن الإنسان إذا التذ بشيء وأعجب به لا تتعلق نفسه إلا بمثله فإذا جاءوه بما يشبه الأول من كل الوجوه كان ذلك نهاية اللذة. وعن الحسن أن الاشتباه في اللون فقط قال: يؤتى أحدهم بالصحفة فيأكل منها، ثم يؤتى بالأخرى فيقول: هذا الذي أتينا به من قبل. فيقول الملك:

كل، فاللون واحد والطعم مختلف.

وعن النبي صلى الله عليه وسلم «والذي نفس محمد بيده إن الرجل من أهل الجنة ليتناول الثمرة ليأكلها فما هي بواصلة إلى فيه حتى يبدل الله مكانها مثلها، فإذا أبصروها والهيئة هيئتها الأولى قالوا ذلك»

ويحتمل أن يقال: إن كمال السعادة ليس إلا في معرفة ذات الله تعالى وصفاته وأفعاله من الملائكة الكروبية والملائكة الروحانية وطبقات الأرواح وعالم السموات، بحيث يصير روح الإنسان كالمرآة المحاذية لعالم القدس، ثم إن هذه المعارف تحصل في الدنيا، ولكن لا يحصل بها كمال الالتذاذ والابتهاج لمكان العلائق البدنية، وإذا زال العائق بعد الموت وشاهد تلك المعارف قال: هذه هي التي كانت حاصلة لي في الدنيا، ووجد كمال اللذة والسرور. وقال أهل التحقيق: الجنة جنة الوصول، وأشجارها هي الملكات الحميدة والأخلاق الفاضلة، والثمرات ثمرات المكاشفات

ص: 200

والمشاهدات والأسرار والإشارات والإلهامات وغيرها من المواهب، وإنهم يشاهدون أحوالا شتى في صورة واحدة من ثمرات مجاهداتهم، فيقول بعض المتوسطين منهم: إن هذا المشهد هو الذي شاهدته قبل هذا، فتكون الصورة تلك الصورة ولكن المعنى حقيقة أخرى، كما أن موسى شاهد نور الهداية في صورة نار فتكون تارة تلك النار نار صفة غضبية كما كان لموسى، إذا اشتد غضبه اشتعلت قلنسوته نارا، وتارة تكون نار المحبة تقع في محبوبات النفس فتحرقها، وتارة تكون نار الله الموقدة التي تطلع على الأفئدة فتحرق عليهم بيت وجودهم فافهم. وأيضا، كل شيء له صورة في الدنيا فله في الآخرة معنى آخر غيبي

كقوله صلى الله عليه وسلم في دماء الشهداء «اللون لون الدم والريح ريح المسك» «1» فاعلم.

وقوله وَأُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً جملة معترضة تفيد زيادة التقرير كقولك «فلان أحسن إلى فلان ونعم ما فعل» والمراد بتطهير الأزواج تطهيرهن من الأقذار والأدناس لا سيما التي تختص بالنساء، وكذا من الأخلاق الذميمة وعادات السوء. وهما لغتان فصيحتان «النساء فعلن» و «هن فاعلات» و «النساء فعلت» و «هي فاعلة» والمعنى: ولهم جماعة أزواج مطهرة. وفي مُطَهَّرَةٌ فخامة لصفتهن ليست فيما لو قيل طاهرة وهي الإشعار بأن مطهرا طهرهن وليس ذلك إلا الله عز وجل المريد لعباده أن يخولهم كل مزية فيما أعد لهم. وهاهنا نكتة وهي، أن المرأة إذا حاضت فالله تعالى يمنع من مباشرتها قال: فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ [البقرة: 222] مع أنها معذورة في تنجسها. فإذا كانت اللواتي في الجنة مطهرات فلأن يمنعك عنهن، إذا كانت نجسا بالمعاصي مع أنك غير معذور فيها كان أولى. وأيضا من قضى شهوته من الحلال فإنه يمنع من الدخول في المسجد الذي يدخل فيه كل بر وفاجر، فمن قضى شهوته من الحرام كيف يمكن من دخول الجنة التي لا يسكنها إلا المطهرون؟ وكفى دليلا على ذلك بإخراج آدم منها بسبب الزلة الصادرة عنه. وأيضا من كان على ثوبه ذرة من النجاسة لا تجوز صلاته أو تستكره، فكيف بمن صلى وعلى قلبه جبال من نجاسات الذنوب والمعاصي؟ والخلد عند المعتزلة الثبات الدائم والبقاء اللازم الذي لا ينقطع بدليل قوله تعالى وَما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ [الأنبياء: 34] نفى الخلد عن البشر مع تعمير بعضهم وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ [الحج: 5] وعند الأشاعرة: الخلد هو الثبات الطويل، دام أو لم يدم. ولو كان التأبيد داخلا في مفهوم الخلد كان قوله خالِدِينَ فِيها أَبَداً تكرارا. ويقال في العرف: حبسه حبسا مخلدا، أو وقف وقفا مخلدا. والحق أن خوف الانقطاع ينغص النعمة وذلك لا يليق بأكرم الأكرمين.

(1) رواه أبو داود في كتاب الجهاد باب 40. الترمذي في كتاب فضائل الجهاد باب 21. النسائي في كتاب الجهاد باب 25. الموطأ في كتاب الجهاد حديث 29. أحمد في مسنده (5/ 231، 244) .

ص: 201