الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ردائي والعظمة إزاري»
فهو كقوله وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ [البقرة: 61] وفي قوله وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنا لا يُرْجَعُونَ دليل على أنهم كانوا منكري البعث كالطبائعيين. وفي قوله فَأَخَذْناهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِّ دلالة على علو شأنه تعالى وعظمة سلطانه وإشارة إلى استحقار فرعون وجنوده وعدده وإن كانوا أكثر من رمال الدهناء كأنه شبههم بحصيات أخذهن أحد في كفه فطرحهن في البحر. استدلت الأشاعرة بقوله وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ أن خالق الشر وجاعل الكفر هو الله سبحانه. وقالت المعتزلة: معنى الجعل التسمية والحكم بذلك كما يقال: جعله بخيلا وفاسقا إذا حكم بالبخل والفسق عليه وسماه بالبخيل والفاسق، أو أراد خذلناهم ومنعناهم الألطاف حتى كانوا أئمة الكفر داعين إلى النار أي إلى موجباتها من الكفر والمعاصي. وقال أبو مسلم: معنى الإمامة التقدم وذلك أنه تعالى عجل لهم العذاب فصاروا متقدمين لمن وراءهم من الكفرة إلى النار. وقال بعضهم:
أراد بالإمامة أنهم بلغوا في ذلك الباب أقصى النهايات حتى استحقوا أن يقتدى بهم. ثم بين بقوله وَيَوْمَ الْقِيامَةِ لا يُنْصَرُونَ أن عقاب الآخرة سينزل بهم على وجه لا يمكن التخلص منه. وقال في الكشاف: أراد وخذلناهم في الدنيا ويوم القيامة هم مخذولون كما قال وَأَتْبَعْناهُمْ فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً أي طردا وإبعادا عن الرحمة وَيَوْمَ الْقِيامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ أي من المطرودين المبعدين. وقال الليث: قبحه الله قبحا بالفتح وقبحا بالضم أي نحاه عن كل خير. وقال ابن عباس: من المشهورين بسواد الوجه وزرقة العين. وعن بعضهم أنه تعالى يقبح صورهم ويقبح عليهم عملهم فيجمع لهم بين الفضيحتين.
التأويل:
وحين توجه تلقاء مدين عالم الروحانية وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً من أوصاف الروح يَسْقُونَ مواشي أخلاقهم من ماء فيض الإلهي. وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ السر والخفي ابنتا شعيب الروح يمنعان من استقاء ماء الفيض الإلهي. قال الشيخ الإمام الرباني نجم الدين المعروف بداية: وذلك لأن لمعان أنوار الفيض يرد على الروح في البداية بالتدريج فينشأ منه الخفي، وهو لطيفة ربانية مودعة في الروح بالقوة فلا يحصل بالفعل إلا بعد غلبة الواردات الربانية ليكون واسطة بين الحضرة والروح في قبول تجليات صفات الربوبية والفيوض الإلهية، فيكون في هذه المدة بمعزل عن الاستقاء. وكذا السر وهو لطيفة روحانية متوسطة بين القلب والروح قابلة لفيض الروح، مؤدية إلى القلب وهو أيضا بمعزل عن استقاء ماء فيض الروح عند اشتغال القلب بمعالجات النفس وإصلاح القالب إلى حين توجه موسى القلب إلى مدين عالم الروحانية وذلك قولهما لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعاءُ وهم صفات الروح ويصرفوا مواشيهم وهي الصفات الإنسانية عن ماء الفيض الإلهي، فإذا صدروا استقينا
مواشينا من الأوصاف والأخلاق من أفضلة مواشيهم في حوض القوى وَأَبُونا وهو شعيب الروح لا يقدر على سقيه من الأوصاف الإنسانية إلا بالأجر والوسائط، وإنا لا نطيق أن نسقي لضعف حالنا، فسقي موسى القلب مواشيهما بقوّة استفادها من الجسد وقوّة استفادها من الروح لأنه متوسط بين العالمين ولهذا سمي قلبا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ إلى العناية فطلب الفيض الإلهي بلا واسطة وهكذا ينبغي أن يكون السالك لا يقنع بما وجد من المعارف أبدا.
فَجاءَتْهُ إِحْداهُما فيه أن القلب يحتاج في الوصول إلى حضرة شعيب الروح أن يستمد من الخفي أو السر. لا تَخَفْ نجوث فيه أن القلب إذا وصل إلى مقام الروح نجا من ظلمات النفس وصفاتها إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ من النفس والجسد الْقَوِيُّ الْأَمِينُ لأن القلب استفاد القوّة من الجسد والأمانة من الروح ثَمانِيَ حِجَجٍ فيه أن الروح في تبليغ القلب إلى مقام الخفي يحتاج إلى تسييره في مقامات صفاته الثمانية المخصوصة به في خلافة الحق وهي: الحياة والإرادة والعلم والقدرة والسمع والبصر والكلام والبقاء. وتمام ذلك إلى العشرة راجع إلى خصوصيته وهما المحبة والأنس مع الله أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ في التخلق بأخلاقك اليمانية وفي المحبة والأنس مع الله فَلا عُدْوانَ عَلَيَّ أي ليس لك أن تمنعني العبور عن المحبة لأنك من خصوصيتك بالخلافة مجبول على تلك الصفات الثمانية. وأما المحبة والأنس مع الله فصفتان مخصوصتان بالحضرة. ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ ولهذا كل إنسان من المؤمن والكافر فإنه مجبول على تلك الأوصاف وليس من زمرة يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ [المائدة: 54] إلا مؤمن موحد. فلما اتصف موسى القلب بالأوصاف الثمانية وغلبت عليه محبة الله واستأنس به وصار بجميع صفاته متوجها إلى حضرة القدس آنَسَ من طور الحضرة نار نور الألوهية. وفي قوله لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إشارة إلى أن السالك لا بد له من تجريد الظاهر عن الأهل والمال وتفريد الباطن عن تعلقات الكونين. نور يبدو وإذا بدا استمكن شمس طلعت ومن رآها آمن. وفي قوله لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ إشارة إلى أن الأوصاف الإنسانية جامدة من برودة الطبيعة لا تتسخن إلا بجذوة نار المحبة بل بنار الجذبة الإلهية مِنْ شاطِئِ الْوادِ الْأَيْمَنِ وهو السر في بقعة البدن من شجرة وجود الإنسان مِنَ الرَّهْبِ أي رهبة من فوات وصال الحضرة وَأَخِي هارُونُ هو العقل فمن خصوصيته تصديق الناطق بالحق قالُوا ما هذا إِلَّا سِحْرٌ مُفْتَرىً لأن النفس خلقت من أسفل عالم الملكوت ومنكسة، والقلب خلق وسط عالم الملكوت متوجها إلى الحضرة فلهذا ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى [النجم: 11] وما صدقت النفس ما رأت فِي آبائِنَا الْأَوَّلِينَ أي في طبائع الكواكب فإنها آباء النفس وأمهاتها العناصر والطبائع منكوسة إلى عالم السفل لا يعرفون مقام الوحدة فلا يعرفون بالتوحيد. فَأَوْقِدْ لِي يا هامانُ الشيطان عَلَى الطِّينِ البشرية