المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

والعواس من طريق الهاشمي. وفي رواية خلف عن حمزة بإشمام - تفسير النيسابوري = غرائب القرآن ورغائب الفرقان - جـ ٥

[النيسابوري، نظام الدين القمي]

فهرس الكتاب

- ‌[المجلد الخامس]

- ‌(سورة الأنبياء

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 1 الى 20]

- ‌القراآت

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 21 الى 50]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 51 الى 91]

- ‌القراآت

- ‌الوقوف:

- ‌ التفسير

- ‌التأويل:

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 92 الى 112]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌(سورة الحج)

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 1 الى 22]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 23 الى 41]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 42 الى 64]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 65 الى 78]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌(سورة المؤمنون)

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 1 الى 30]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 31 الى 56]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 57 الى 90]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 91 الى 118]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌(سورة النور)

- ‌[سورة النور (24) : الآيات 1 الى 10]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة النور (24) : الآيات 11 الى 26]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة النور (24) : الآيات 27 الى 34]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة النور (24) : الآيات 35 الى 50]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة النور (24) : الآيات 51 الى 64]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌(سورة الفرقان)

- ‌[سورة الفرقان (25) : الآيات 1 الى 20]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة الفرقان (25) : الآيات 21 الى 50]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة الفرقان (25) : الآيات 51 الى 77]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌(سورة الشعراء)

- ‌[سورة الشعراء (26) : الآيات 1 الى 68]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة الشعراء (26) : الآيات 69 الى 122]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة الشعراء (26) : الآيات 123 الى 175]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة الشعراء (26) : الآيات 176 الى 227]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌(سورة النمل)

- ‌[سورة النمل (27) : الآيات 1 الى 14]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة النمل (27) : الآيات 15 الى 44]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة النمل (27) : الآيات 45 الى 66]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة النمل (27) : الآيات 67 الى 93]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌(سورة القصص)

- ‌[سورة القصص (28) : الآيات 1 الى 21]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة القصص (28) : الآيات 22 الى 42]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة القصص (28) : الآيات 43 الى 70]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة القصص (28) : الآيات 71 الى 88]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌(سورة العنكبوت)

- ‌[سورة العنكبوت (29) : الآيات 1 الى 15]

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة العنكبوت (29) : الآيات 16 الى 41]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة العنكبوت (29) : الآيات 42 الى 69]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌(سورة الروم)

- ‌[سورة الروم (30) : الآيات 1 الى 32]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة الروم (30) : الآيات 33 الى 60]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌(سورة لقمان)

- ‌[سورة لقمان (31) : الآيات 1 الى 19]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة لقمان (31) : الآيات 20 الى 34]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌(سورة ألم السجدة)

- ‌[سورة السجده (32) : الآيات 1 الى 30]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌(سورة الأحزاب)

- ‌[سورة الأحزاب (33) : الآيات 1 الى 20]

- ‌القراآت:

- ‌ الوقوف

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة الأحزاب (33) : الآيات 21 الى 40]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة الأحزاب (33) : الآيات 41 الى 73]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌(سورة سبأ)

- ‌[سورة سبإ (34) : الآيات 1 الى 21]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة سبإ (34) : الآيات 22 الى 54]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌(سورة فاطر)

- ‌[سورة فاطر (35) : الآيات 1 الى 26]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة فاطر (35) : الآيات 27 الى 45]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌(سورة يس)

- ‌[سورة يس (36) : الآيات 1 الى 44]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة يس (36) : الآيات 45 الى 83]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌(سورة والصافات)

- ‌[سورة الصافات (37) : الآيات 1 الى 82]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌ التفسير

- ‌التأويل:

- ‌[سورة الصافات (37) : الآيات 83 الى 182]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌(سورة ص)

- ‌[سورة ص (38) : الآيات 1 الى 40]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة ص (38) : الآيات 41 الى 88]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌(سورة الزمر)

- ‌[سورة الزمر (39) : الآيات 1 الى 31]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌الفهرس

الفصل: والعواس من طريق الهاشمي. وفي رواية خلف عن حمزة بإشمام

والعواس من طريق الهاشمي. وفي رواية خلف عن حمزة بإشمام الجيم الضم ثم يشير إلى الكسر وبضم الياء. الآخرون: بالكسر الخالص. غير بالنصب على الاستثناء أو الحال:

ابن عامر ويزيد وأبوبكر وحماد. الباقون: بالكسر على الوصف أيه المؤمنون بضم الهاء في الحالين: ابن عامر. وقرأ أبو عمرو وعلي وابن كثير بألف في الوقف. الباقون بفتح الهاء بغير ألف في الوقف وبألف في الوصل.

‌الوقوف:

أَهْلِها ط تَذَكَّرُونَ هـ يُؤْذَنَ لَكُمْ ج للشرط مع العطف أَزْكى لَكُمْ ط عَلِيمٌ هـ مَتاعٌ لَكُمْ ط تَكْتُمُونَ هـ فُرُوجَهُمْ ط لَهُمْ ط بِما يَصْنَعُونَ هـ جُيُوبِهِنَّ صل عَوْراتِ النِّساءِ ص زِينَتَهُنَّ ط تُفْلِحُونَ هـ وَإِمائِكُمْ ط فَضْلِهِ ط عَلِيمٌ هـ فَضْلِهِ ط خَيْراً ق قد قيل: والوصل أوجه للعطف. آتاكُمْ ط للعدول إلى حكم آخر الدنيا ط رَحِيمٌ هـ لِلْمُتَّقِينَ هـ.

‌التفسير:

الحكم الرابع الاستئذان: لما كانت الخلوة طريقا إلى التهمة ولذلك وجد أهل الإفك سبيلا إلى إفكهم شرع أن لا يدخل المرء بيت غيره إلا بعد الاستئذان. وفي الآية أسئلة: الأول الاستئناس هو الأنس الحاصل بعد المجانسة قال الله تعالى وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ [الأحزاب: 53] ولا يكون ذلك في الأغلب إلا بعد الدخول والسلام، فلم عكس هذا الترتيب في الآية؟ جوابه بعد تسليم أن الواو للترتيب، هو أن الاستئناس طلب الأنس وأنه مقدم على السلام. وقال جار الله: هو من باب الكفاية والإرداف لأن الأنس الذي هو خلاف الوحشة يردف الإذن فوضع موضع الإذن كأنه قيل: حتى يؤذن لكم. أو هو استفعال من آنس إذا أبصر، فالمراد حتى تستكشفوا الحال ويبين هل يراد دخولكم أم لا. أو هو من الإنس بالكسر وهو أن يتعرف هل ثمّ إنسان لأنه لا معنى للسلام ما لم يعلم أفي البيت إنسان أم لا. وعن ابن عباس وسعيد بن جبير: إنما هو «حتى تستأذنوا» فأخطأ الكاتب ولا يخفى ضعف هذه الرواية لأنها توجب الطعن في المتواتر وتفتح باب القدح في القرآن كله نعوذ بالله منه. الثاني: ما الحكمة في شرع الاستئذان؟ الجواب: كيلا يطلع الداخل على عورات، ولا تسبق عينه إلى ما لا يحل النظر إليه، ولئلا يوقف على الأحوال التي تخفيها الناس في العادة، ولأنه تصرف في ملك الغير فلا بد أن يكون برضاه وإلا أشبه الغصب والتغلب ولذلك قال سبحانه ذلِكُمْ يعني الاستئذان والتسليم خير لكم من تحية الجاهلية والدمور أي الدخول من غير إذن.

قال صلى الله عليه وسلم «من سبقت عينه استئذانه فقد دمر»

واشتقاقه من الدمار وهو الهلاك كأن صاحبه دامر لعظم ما ارتكب لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ أي أنزل عليكم. أو قيل لكم: هذا إرادة أن تتعظوا أو تعملوا به. الثالث: كيف يكون الاستئذان؟ جوابه:

استأذن رجل على رسول الله فقال: ألج. فقال: لامرأة يقال لها روضة: قومي إلى هذا فعلميه فإنه

ص: 176

لا يحسن أن يستأذن قولي له يقول «السلام عليكم أدخل» فسمع الرجل فقالها فقال: ادخل.

ويؤيده قراءة عبد الله حتى تسلموا على أهلها وتستأذنوا وكان أهل الجاهلية يقول الرجل منهم إذا دخل بيتا غير بيته: حييتم صباحا وحييتم مساء ثم يدخل، فربما أصاب الرجل مع امرأته في لحاف واحد فمنع الله تعالى عن ذلك وعلم الأدب الأحسن. وعن مجاهد حتى تستأنسوا هو التنحنح ونحوه. وقال عكرمة: هو التسبيح والتكبير وقرع الباب بعنف والتصبيح بصاحب الدار منهي عنه وكذا كل ما يؤدي إلى الكراهية وينبىء عن الثقل. الرابع: كم عدد الاستئذان؟ الجواب

روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «الاستئذان ثلاث بالأولى يستنصتون والثانية يستصلحون والثالثة يأذنون أو يردون»

ومثله عن أبي موسى الأشعري وقصته مع عمر مشهورة في ذلك. وعن قتادة الاستئذان ثلاثة: الأول يسمع الحي. الثاني ليتهيأ. والثالث إن شاؤا أذنوا وإن شاؤا ردوا. وينبغي أن يكون بين المرات فاصلة وإلا كان الكل في حكم واحد. الخامس: كيف يقف على الباب؟ جوابه أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا أتى باب قوم لم يستقبل الباب من تلقاء وجهه ولكنه يقف من ركنه الأيمن أو الأيسر، فإن كان للباب ستر كانت الكراهية أخف. السادس: قوله حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا يدل على أنه يجوز الدخول بعد الاستئذان والتسليم وإن لم يكن ثمة إذن أو من يأذن، لأن «حتى» للغاية والحكم بعد الغاية يكون خلاف ما قبلها جوابه.

سلمنا المخالفة لكن لا نسلم المناقضة، وذلك أنه قبل الاستئذان لا يجوز الدخول مطلقا وبعده فيه تفصيل، وهو أنه إن لم يجد فيها أحدا من الآذنين مطلقا أو من يعتبر إذنه شرعا فليس له الدخول وذلك قوله فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيها أَحَداً أي على الإطلاق أو ممن له الإذن فَلا تَدْخُلُوها حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ أي حتى تجدوا من يأذن لكم أو من يعتبر إذنه، وإن وجد فيها من له الإذن فإن أذن دخل وإن لم يأذن وقال ارجع رجع وهو قوله وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكى أي الرجوع أطيب لكم وأطهر لما فيه من سلامة الصدر والبعد من الريبة. وفي قوله وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ نوع زجر للمكلف فعليه أن يحتاط كيف يدخل ولأي غرض يدخل وكيف يخرج. وهل يقوم غير الإذن مقام الإذن؟

عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «رسول الرجل إلى الرجل إذنه»

وفي رواية أخرى «إذا دعى أحدكم فجاء مع الرسول فإن ذلك له إذن»

وقيل: إن من قد جرت العادة له بإباحة الدخول فهو غير محتاج إلى الاستئذان. والجمهور على أن إذن الصبي والعبد والمرأة معتبر وكذلك في الهدايا لأجل الضرورة. وهل يعتبر الاستئذان على المحارم؟

روي أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم:

أستأذن على أمي؟ قال: نعم. قال: إنها ليس لها خادم غيري أستأذن عليها كلما دخلت

ص: 177

عليها. قال: أتحب أن تراها عريانة؟ قال الرجل: لا. قال: فأستأذن.

قال العلماء: إن كان المنع من الهجوم على الغير لأجل أنه لا يراه منكشف الأعضاء فتستثنى منه الزوجة وملك اليمين، وإن كان لأجل أنه لا يراه مشغولا بما يكره الاطلاع عليه فالمنع عام إلا إذا عرض ما يبيح هتك الستر كحريق أو هجوم سارق أو ظهور منكر يجب إنكاره. التاسع: ما حكم من اطلع على دار غيره بغير إذنه؟ الجواب: قال الشافعي: لو فقأ عينه فهي هدر وتمسك بما

روى سهل بن سعد أنه اطلع رجل في حجرة من حجر النبي صلى الله عليه وسلم ومع النبي مدرى يحك بها رأسه فقال: لو علمت أنك تنظر إلي لطعنت بها في عينك، إنما الاستئذان من النظر.

وعن أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم قال: «من اطلع في دار قوم بغير إذنهم ففقؤا عينه فقد هدرت عينه» «1»

قال أبو بكر الرازي: هذا الخبر مردود لوروده على خلاف الأصول، فلا خلاف أنه لو دخل داره بغير إذنه ففقأ عينه ضامنا وعليه القصاص إن كان عامدا، ومعلوم أن الداخل قد اطلع وزاد على الاطلاع. فمعنى الحديث لو صح أنه من اطلع في دار قوم ونظر إلى حرمهم ونسائهم ثم منع فلم يمتنع فذهبت عينه في حال الممانعة فهي هدر، وأجيب بالفرق فإنه إذا علم القوم دخوله عليهم احترزوا عنه وتستروا فأما إذا نظر على حين غفلة منهم اطلع على ما لا يراد الاطلاع عليه فلا يبعد في حكمة الشرع أن يبالغ هاهنا في الزجر حسما لمادة هذه المفسدة. جميع هذه الأحكام فيما إذا كانت الدار مسكونة فإن لم تكن مسكونة فذلك قوله لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ الآية.

وللمفسرين فيه أقوال: الأول: قول محمد بن الحنفية أنها الخانات والرباطات وحوانيت البياعين والمتاع المنفعة كالاستكنان من الحر والبرد وإيواء الرجال والسلع والبيع والشراء.

يروى أن أبا بكر قال: يا رسول الله، إن الله قد أنزل عليك آية في الاستئذان وإنا نختلف في تجاراتنا فننزل هذه الخانات أفلا ندخلها إلا بإذن فنزلت.

وقيل: هي الخربات يتبرز فيها والمتاع التبرز. وقيل: الأسواق. والأولى العموم. وإنما لم يحتج إلى الإذن دفعا للحرج، ولأنها مأذون في دخولها من جهة العرف. ثم ختم الآية بوعيد مثل ما تقدم الحكم الخامس، غض البصر وحفظ الفرج عما لا يحل. وتخصيص المؤمنين بهذا التكليف عند من لا يجعل الكفار مكلفين بفروع الإسلام ظاهر، وأما عند من يجعلهم مكلفين بالفروع أيضا فالتخصيص للتشريف، أو نزل فقدان مقدمة التكليف منزلة فقدان التكليف وإن كان حالهم في الحقيقة كحال المؤمنين في استحقاق العقاب على تركها. قال أكثر النحويين:

(1) رواه مسلم في كتاب الآداب حديث 43- 44. أبو داود في كتاب الآداب باب 127. النسائي في كتاب القسامة باب 48. الدارمي في كتاب الديات باب 23. أحمد في مسنده (2/ 243) .

ص: 178

«من» للتبعيض والمراد غض شيء من البصر لأن غض كله كالمعتذر بخلاف حفظ الفرج فإنه ممكن على الإطلاق. وجوز الأخفش أن تكون «من» مزيدة. وقيل: صلة للغض أي ينقصوا من نظرهم. يقال: غضضت من فلان إذا انقضت من قدره. فالنظر إذا لم يكن من عمله فهو معفو موضوع عنه. وإعراب قوله يَغُضُّوا كما مر في سورة إبراهيم في قوله قُلْ لِعِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا [الآية: 31] قال الفقهاء: العورات على أربعة أقسام:

عورة الرجل مع الرجل، وعورة المرأة مع المرأة، وعورة المرأة مع الرجل، وبالعكس. أما الرجل مع الرجل فيجوز أن ينظر إلى جميع بدنه إلا إلى عورته، وعورته ما بين السرة والركبة، والسرة والركبة ليستا بعورة. وعند أبي حنيفة: الركبة عورة. قال مالك: الفخذ ليست بعورة وهو خلاف ما

روي أنه صلى الله عليه وسلم قال لعلي: لا تبرز فخذك ولا تنظر إلى فخذ حي وميت.

فإن كان في نظره إلى وجه الرجل أو سائر بدنه شهوة أو خوف فتنة بأن كان أمرد لا يحل النظر إليه. ولا يجوز للرجل مضاجعة الرجل وإن كان واحد منهما في جانب الفراش

لرواية أبي سعيد الخدري أنه صلى الله عليه وسلم قال: «لا يفضي الرجل إلى الرجل في ثوب واحد، ولا تفضي المرأة إلى المرأة في الثوب الواحد» «1»

ويكره المعانقة وتقبيل الوجه. إلا لولده شفقة. وتستحب المصافحة والمرأة مع المرأة كالرجل مع الرجل فلها النظر إلى جميع بدنها إلا ما بين السرة والركبة، ولا يجوز عند خوف الفتنة، ولا تجوز المضاجعة أيضا لما مر في الحديث. والأصح أن الذمية لا يجوز لها النظر إلى بدن المسلمة لأنها أجنبية في الدين والله تعالى يقول أَوْ نِسائِهِنَّ أما عورة المرأة مع الرجل فإن كانت أجنبية حرة فجميع بدنها عورة لا يجوز له أن ينظر إلى شيء منها إلا الوجه والكفين لأنها تحتاج إلى إبراز الوجه للبيع والشراء وإلى إخراج الكف للأخذ والإعطاء. ويعني بالكف ظهرها وبطنها إلى الكوعين.

وقيل: ظهر الكف عورة. وفي هذا المقام تفصيل: قال العلماء: لا يجوز أن يعمد النظر إلى وجه الأجنبية بغير غرض فإن وقع بصره عليها بغتة غض بصره لقوله تعالى قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ

ولقوله صلى الله عليه وسلم «يا علي لا تتبع النظرة النظرة فإن لك الأولى وليست لك الآخرة» «2»

فإن كان هناك غرض ولا شهوة ولا فتنة فذاك والغرض أمور منها: أن يريد نكاح امرأة فينظر إلى وجهها وكفها.

روى أبو هريرة أن رجلا أراد أن يتزوج امرأة من الأنصار فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: انظر إليها فإن في أعين الأنصار شيئا.

ومنها إذا أراد شراء جارية فله

(1) رواه مسلم في كتاب الحيض حديث 74. الترمذي في الكتاب الأدب باب 38.

(2)

رواه أبو داود في كتاب النكاح باب 43. الترمذي في كتاب الأدب باب 28. الدارمي في كتاب الرقاق باب 3. أحمد في مسنده (5/ 351، 353) .

ص: 179

أن ينظر إلى ما ليس بعورة منها. ومنها أنه عند المبايعة ينظر إلى وجهها متأملا حتى يعرفها عند الحاجة. ومنها أنه ينظر إليها عند تحمل الشهادة ولا ينظر إلى الوجه لأن المعرفة تحصل به. ومنها يجوز للطبيب الأمين أن ينظر إلى بدن الأجنبية للمعالجة كما يجوز للخاتن أن ينظر إلى فرج المختون لأنه محل ضرورة. وكما يجوز أن ينظر إلى فرج الزانيين لتحمل الشهادة، وإلى فرجها لتحمل شهادة الولادة إذا لم تكن نسوة، وإلى ثدي المرضعة لتحمل الشهادة على الرضاع. فإن كان هناك شهوة وفتنة فالنظر محظور

قال صلى الله عليه وسلم «العينان تزنيان» «1»

وقيل: مكتوب في التوراة: النظر يزرع الشهوة في القلب ورب شهوة أورثت حزنا طويلا. ويستثنى منه ما لو وقعت في حرق أو غرق فله أن ينظر إلى بدنها ليخلصها. وإن كانت الأجنبية أمة فالأصح أن عورتها ما بين السرة والركبة لما

روي أنه صلى الله عليه وسلم قال في الرجل يشتري الأمة «لا بأس أن ينظر إليها إلا إلى العورة وعورتها ما بين معقد إزارها إلى ركبتها»

وقيل: إلا ما تبدي المهنة فيخرج منه أن رأسها وعنقها وساعديها وساقيها ونحرها وصدرها ليس بعورة، وفي ظهرها وبطنها وما فوق ساعديها الخلاف. وحكم المكاتبة والمدبرة والمستولدة ومن بعضها رقيق حكم الأمة ولا يجوز لمسها ولا لها مسه لأن اللمس أقوى من النظر بدليل أن الإنزال باللمس يفطر الصائم وبالنظر لا يفطر.

وقال أبو حنيفة: يجوز أن يمس من الأمة ما يحل النظر إليه، وأما إن كانت المرأة ذات محرم بنسب أو رضاع أو صهرية فعورتها ما بين السرة والركبة كعورة الرجل. وعند أبي حنيفة: عورتها ما لا يبدو عند المهنة، فإن كانت مستمتعا له كالزوجة والأمة التي يحل له الاستمتاع بها جاز له أن ينظر إلى جميع بدنها غير أنه يكره أن ينظر إلى الفرج، وكذا إلى فرج نفسه لما روي أنه يورث الطمس. وقيل: لا يجوز النظر إلى فرجها، فإن كانت الأمة مجوسية أو مرتدة أو وثنية أو مشتركة بينه وبين غيره أو مزوجة أو مكاتبة فهي كالأجنبية.

روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «إذا زوج أحدكم جاريته عبده أو أجيره فلا ينظر إلى ما دون السرة وفوق الركبة» «2» وأما عورة الرجل مع المرأة فإن كان أجنبيا منها فعورته معها ما بين السرة والركبة. وقيل: جميع بدنه إلا الوجه والكفين كهي معه.

والأصح هو الأول لأن بدن المرأة في نفسه عورة بدليل أنه لا يصح صلاتها مكشوفة البدن، وبدن الرجل بخلافه. ولا يجوز لها قصد النظر عند خوف الفتنة ولا تكرير النظر إلى وجهه لما

روي عن أم سلمة أنها كانت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وميمونة إذ أقبل ابن أم مكتوم فدخل

(1) رواه أحمد في مسنده (2/ 342، 344) .

(2)

رواه أبو داود في كتاب اللباس باب 34.

ص: 180

فقال صلى الله عليه وسلم: احتجبا منه. فقالت: يا رسول الله أليس هو أعمى لا يبصرنا؟ فقال: أعمياوان أنتما ألستما تبصرانه؟

وإن كان محرما لها فعورته معها ما بين السرة والركبة، وإن كان زوجها أو سيدها الذي يحل له وطؤها فلها أن تنظر إلى جميع بدنه غير أنه يكره النظر إلى الفرج كهو معها. ولا يجوز للرجل أن يجلس عاريا في بيت خال وله ما يستر عورته لأنه صلى الله عليه وسلم سئل عن ذلك

فقال: الله أحق أن يستحي منه. وعنه «إياكم والتعري فإن معكم من لا يفارقكم إلا عند الغائط وحين يفضي الرجل إلى أهله» «1»

ولما كان النظر بريد الزنا ورائد الفجور أمر بغض الأبصار أولا ثم بحفظ الفروج عن الزنا والفجور ثانيا. وعن أبي العالية أن كل ما في القرآن من حفظ الفرج فهو عن الزنا إلّا هذا فإنه أراد الاستثناء وأن لا ينظر إلى الفروج أحد، وعلى هذا ففائدة التخصيص بعد التعميم أن يعلم أن أمر الفرج أضيق. وحين خص الخطاب في أول الآية بالمؤمنين ذكر أن ذلك الذي أمر به من غض البصر وحفظ الفرج أزكى لهم لأنهم يتطهرون بذلك من دنس الآثام، ويستحقون الثناء والمدح، وهذا لا يليق بالكافر. وفي قوله إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما يَصْنَعُونَ ولا ثاني له في القرآن إشارة إلى وجوب الحذر في كل حركة وسكون. وتفسير قوله وَقُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ يعلم من التفصيل المتقدم. أما قوله وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ فمن الأحكام التي تختص بالنساء في الأغلب. وقد يحرم على الرجل إبداء زينته للنساء الأجنبيات إذا كان هناك فتنة. قال أكثر المفسرين: الزينة هاهنا أريد بها أمور ثلاثة: أحدها الأصباغ كالكحل والخضاب بالوسمة في حاجبيها والحمرة في خديها والحناء في كفيها وقدميها. وثانيها الحلي كالخاتم والسوار والخلخال والدملج والقلائد والإكليل والوشاح والقرط. وثالثها الثياب.

وقال: آخرون: الزينة اسم يقع على محاسن الخلق التي خلقها الله تعالى وعلى ما يتزين به الإنسان من فضل لباس أو حلي وغير ذلك. يدل على ذلك أن كثيرا من النساء يتفردن بخلقهن عن سائر ما يعدّ زينة. وفي قوله وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَّ إشارة إلى ذلك وكأنه تعالى منعهن من إظهار محاسن خلقهن فأوجب سترها بالخمار. قال القفال:

بناء على هذا القول معنى قوله إِلَّا ما ظَهَرَ مِنْها إلا ما يظهره الإنسان على العادة الجارية وذلك في النساء الحرائر الوجه والكفان، وفي الإماء كل ما يبدو عند المهنة. وفي صوتها خلاف، الأصح أنه ليس بعورة لأن نساء النبي صلى الله عليه وسلم كن يروين الأخبار للرجال. وأما الذين

(1) رواه الترمذي في كتاب الأدب باب 42.

ص: 181

حملوا الزينة على ما عدا الخلقة فذهبوا إلى أنه تعالى إنما حرم النظر إليها حال اتصالها ببدن المرأة لأجل المبالغة في حرمة النظر إلى أعضاء المرأة إلا ما ظهر من هذه الزينة كالثياب مطلقا إذا لم تصف البدن لرقتها، وكالحمرة والوسمة في الوجه، وكالخضاب والخواتيم في اليدين، وما سوى ذلك يحرم النظر إليه. ولهذا قال وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَّ والخمر جمع الخمار وهي كالمقنعة. قال المفسرون: إن نساء الجاهلية كن يسدلن خمرهن من خلفهن وكانت جيوبهن من قدام واسعة فكان ينكشف نحورهن وقلائدهن، فأمر أن يضربن مقانعهن على الجيوب لتستتر بذلك أعناقهن ونحورهن وما حواليها من شعر وزينة.

وفي لفظ الضرب مبالغة في الإلقاء شبيه الإلصاق. وعن عائشة: ما رأيت نساء خيرا من نساء الأنصار، لما نزلت هذه الآية قامت كل واحدة منهن إلى مرطها فصدعت منه صدعة فاختمرن فأصبحن كأن على رؤوسهن الغربان.

ثم بين أن الزينة الخفية يحل إبداؤها لاثنتي عشرة فرقة: الأولى بعولتهن أي أزواجهن والتاء لتأكيد الجمع كصقورة. الثانية: آباؤهن وإن علوا من جهة الأب والأم. الثالثة: آباء بعولتهن وإن علوا. الرابعة: أبناؤهن وإن سفلوا الخامسة: أبناء بعولتهن وإن سفلوا أيضا.

السادسة: إخوانهن سواء كانوا من الأب أو من الأم أو منهما. السابعة: بنو إخوانهن.

الثامنة: بنو أخواتهن وحكم أولاد الأولاد حكم الأولاد فيهما. وهؤلاء كلهم محارم وترك من المحارم العم والخال، فعن الحسن البصري أنهما كسائر المحارم في جواز النظر. وقد يذكر البعض لينبه على الجملة ولهذا لم يذكر المحارم من الرضاع في هذه الآية، وكذا في سورة الأحزاب قال لا جُناحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبائِهِنَّ [الآية: 55] إلى آخر الآية. ولم يذكر البعولة ولا أبناءهم. وقال الشعبي: إنما لم يذكرهما الله تعالى لئلا يصفها العم عند ابنه والخال عند ابنه، وذلك أن العم والخال يفارقان سائر المحارم في أوان أبناءهما ليسوا من المحارم، فإذا رآها الأب فربما وصفها لابنه وليس بمحرم ومعرفة الوصف قريب من النظر، وهذا أيضا من الدلالات البليغة على وجوب الاحتياط في التستر. وإنما أبيح إبداء الزينة الخفية لهؤلاء المذكورين لاحتياجهن إلى مداخلتهم ومخالطتهم ولا سيما في الأسفار للنزول والركوب. وأيضا لقلة وقوع الفتنة من جهاتهم لما في الطباع من النفرة عن مماسة القرائب الأقارب. التاسعة: قوله أَوْ نِسائِهِنَّ فذهب أكثر السلف إلى أن المراد أهل أديانهن ومن هنا قال ابن عباس: ليس للمسلمة أن تتجرد بين نساء أهل الذمة ولا تبدي للكافرة إلا ما تبدي للأجانب إلا أن تكون أمة لها. وكتب عمر إلى أبي عبيدة أن يمنع نساء أهل الكتاب من دخول الحمام مع المؤمنات. وقال آخرون: والعمل عليه إن المراد جميع النساء وقول

ص: 182

السلف محمول على الأولى والأحب. العاشرة: قوله أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ وظاهر الآية يشمل العبيد والإماء ويؤيده ما

روى أنس أنه صلى الله عليه وسلم أتى فاطمة بعبد قد وهبه لها وعليها ثوب إذا قنعت به رأسها لم يبلغ رجليها وإذا غطت به رجليها لم يبلغ رأسها، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما تلقى قال: إنه ليس عليك بأس إنما هو أبوك وغلامك،

وعن عائشة أنها قالت لذكوان:

إنك إذا وضعتني في القبر وخرجت فأنت حر. وعنها أنها كانت تمشط والعبد ينظر إليها.

وقال ابن مسعود ومجاهد والحسن وابن سيرين وسعيد بن المسيب: إن العبد لا ينظر إلى شعر مولاته وهو قول أبي حنيفة إذ ليس ملكها للعبد كملكه للأمة فلا خلاف أنها لا تستبيح بملك العبد شيئا من التمتع منه كما يملك الرجل من الأمة. وتحريم تزوج العبد لمولاته عارض غير مؤبد كمن عنده أربع نسوة لا يجوز له التزوج بغيرهن، فلما لم تكن هذه الحرمة مؤبدة كان العبد بمنزلة سائر الأجانب خصيا كان العبد أو فحلا. وأورد على هذا القول لزوم التكرار ضرورة أن الإماء من حملة نسائهن. وأجيب بأنه أراد بالنساء الحرائر كما أراد بالرجال الأحرار في قوله شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ [البقرة: 282] الحادية عشرة قوله أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ وهي الحاجة وهم البله. وأهل العنة الذين لا يعرفون شيئا من أمور النساء إنما يتبعون الناس ليصيبوا من فضل طعامهم أو شيوخ صلحاء لا حاجة بهم إلى النساء لعفة أو عنانة.

عن زينب بنت أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها وعندها مخنث فأقبل على أخي أم سلمة وقال: يا عبد الله إن فتح الله لكم الطائف أدلك على بنت غيلان فإنها تقبل بأربع وتدبر بثمان عنى عكن بطنها. فقال صلى الله عليه وسلم: لا يدخلن عليكم هذا.

فأباح النبي صلى الله عليه وسلم دخول المخنث عليهن حين ظن أنه من غير أولي الإربة، فلما علم أنه يعرف أحوال النساء وأوصافهن علم أنه من أولي الإربة فحجبه.

الثانية عشر قوله أَوِ الطِّفْلِ وهو جنس يقع على الواحد والجمع وهو المراد هاهنا.

قال ابن قتيبة معنى لَمْ يَظْهَرُوا لم يطلعوا عَلى عَوْراتِ النِّساءِ والعورة سوأة الإنسان وكل ما يستحيا منه. وقال الفراء والزجاج: هو من قولهم «ظهر على كذا» إذا قوي عليه أي لم يبلغوا أوان القدرة على الوطء. فعلى الأول يجب الاحتجاب ممن ظهر فيه داعية الحكاية، وعلى الثاني إنما يجب الاحتجاب من المراهق الذي ظهرت فيه مبادي الشهوة، قال الحسن: هؤلاء الفرق وإن اشتركوا في جواز رؤية الزينة الظاهرة فهم على أقسام ثلاثة:

فأولهم الزوج وله حرمة ليست لغيره يحل له كل شيء منها، والثاني الأب والابن والأخ والجد وأبو الزوج وكل محرم من الرضاع أو النسب كل يحل لهم أن ينظروا إلى الشعر والصدر والساقين والذراع وأشباه ذلك. والثالث التابعون غير أولي الإربة، وكذا المملوك لا

ص: 183

بأس أن تقوم المرأة الشابة بين يدي هؤلاء في درع وخمار صفيق بغير ملحفة، ولا يحل لهؤلاء أن يروا منها شعرا ولا بشرا ولا يصح للشابة أن تقوم بين يدي الغريب حتى تلبس الجلباب. فهذا ضبط هذه المراتب ثم علمهن أدبا آخر جميلا بقوله وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ قال ابن عباس: كانت المرأة تضرب الأرض برجلها ليتقعقع خلخالها فيعلم أنها ذات خلخال. وقيل: كانت تضرب بإحدى رجليها الأخرى ليعلم أنها ذات خلخالين. وفي النهي عن إظهار صوت الحلي بعد نهيهن عن إظهار الحلي مبالغة فوق مبالغة ليعلم أن كل ما يجر إلى الفتنة يجب الاحتراز عنه، فإن الرجل الذي تغلب عليه الشهوة إذا سمع صوت الخلخال يصير ذلك داعيا له إلى مشاهدتهن، ومنه يعلم وجوب إخفاء صوتهن إذا لم يؤمن الفتنة ولهذا كرهوا أذان النساء. ثم ختم الآية بالأمر بالدوام على التوبة والاستغفار لأن الإنسان خلق ضعيفا لا يكاد يقدر على رعاية الأوامر والنواهي كما يجب. قال العلماء: إن من أذنب ذنبا ثم تاب عنه لزمه كلما ذكر أن يجدد عنه التوبة لأنه يلزمه أن يستمر على ندمه وعزمه إلى أن يلقى ربه عز وجل. وعن ابن عباس: أراد توبوا مما كنتم تفعلونه في الجاهلية لعلكم تسعدون في الدنيا والآخرة. قال جار الله: من قرأ أيه المؤمنون بضم الهاء فوجهه أنها كانت مفتوحة لوقوعها قبل الألف، فلما سقطت الألف لالتقاء الساكنين أتبعت حركتها حركة ما قبلها.

الحكم السادس: النكاح وذلك أنه حين أمر بغض الأبصار وحفظ الفروج أرشد بعد ذلك إلى طريق الحل فيما تدعو إليه الشهوة. وأصل الأيامى أيايم فقلب الواحد أيم بتشديد الياء، ويشمل الرجل والمرأة. قال النضر بن شميل: الأيم في كلام العرب كل ذكر لا أنثى معه وكل أنثى لا ذكر معها وهو قول ابن عباس في رواية الضحاك يقول: زوّجوا أياماكم بعضهم من بعض. وقد آم وآمت وتأيما إذا لم يتزوجا بكرين كانا أو ثيبين. قال: فإن تنكحي أنكح وإن تتأيمي وإن كنت أفتى منكم أتأيم. وظاهر الأمر الوجوب إلا أن الجمهور حملوه على الندب لأنه لو كان واجبا لشاع في عصر الرسول صلى الله عليه وسلم وانتشر، ولو انتشر لنقل لعموم الحاجة إليه. وقد ورد في الأخبار التصريح بكونه سنة

كقوله صلى الله عليه وسلم «النكاح سنتي» «1»

وكقوله صلى الله عليه وسلم «من أحب فطرتي فليستسن بسنتي وهي النكاح»

وقد أجمعوا على أن الأيم الثيب لو أبت التزويج لم يكن للولي إجبارها عليه. واتفقوا على أن السيد لا يجبر على تزويج عبده أو أمته. نعم قد يجب في بعض الصور كما إذا التمست التزويج من الولي فعليه الإجابة إذا كان الخاطب كفؤا. استدل الشافعي بعموم الآية على جواز تزويج البكر البالغة

(1) رواه ابن ماجة في كتاب النكاح باب 1.

ص: 184

بدون رضاها واعترض أبوبكر الرازي بأن الأيامى شامل للرجال والنساء وحين لزم في الرجال تزويجهم بإذنهم فكذا في النساء ويؤيده ما

روي أنه صلى الله عليه وسلم قال «البكر تستأمر في نفسها وإذنها صماتها» «1»

وأجيب بأن تخصيص النص لا يقدح في كونه حجة في الباقي. والفرق أن الأيم من الرجال يتولى أمر نفسه فلا يجب على الولي تعهده بخلاف المرأة فإن احتياجها إلى من يصلح أمرها أظهر، على أنا لا نسلم أن لفظ الأيامى عند الإطلاق يتناول الرجال، وفي تخصيص الآية بخبر الواحد أيضا نزاع. واستدل أبو حنيفة بعموم الآية أيضا على أن العم والأخ يليان تزويج الثيب الصغيرة ونوقش فيه. قال الشافعي: من تاقت نفسه إلى النكاح استحب له أن ينكح إذا وجد أهبة النكاح وإلا فليكسر شهوته بالصوم لما

روى عبد الله بن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فإن الصوم له وجاء» «2»

والذي لا تتوق نفسه إلى النكاح لكبر أو مرض أو عجز أو كان غير قادر على النفقة يكره له أن ينكح لأنه يلتزم ما لا يمكنه القيام بحقه، وإن لم يكن به عجز وكان قادرا على القيام بحقه لم يكره له أن ينكح لكن الأفضل أن يتخلى لعبادة الله تعالى. وقال أبو حنيفة: النكاح أفضل. حجة الشافعي أنه تعالى مدح يحيى بقوله وَسَيِّداً وَحَصُوراً [آل عمران: 39] والحصور الذي لا يأتي النساء مع القدرة عليهن.

وقال النبي صلى الله عليه وسلم «أفضل أعمالكم الصلاة» «3»

وقال «أفضل أعمال أمتي قراءة القرآن»

وقال «أحب المباحات إلى الله تعالى النكاح»

والمباح ما استوى طرفاه، والمندوب ما ترجح فعله ولو كان النكاح عبادة لم يصح من الكافر. والنكاح فيه شهوة النفس والعبادة فيها مشقة النفس والإقبال على الله تعالى فأين أحدهما من الآخر! ولو كان النكاح مساويا للنوافل في الثواب لم تكن النوافل مشروعة لأن الطريق المؤدي إلى المطلوب مع بقاء اللذة وعدم التعب أولى بالسلوك، وإن كان الاشتغال بالنكاح أولى من النافلة لأنه سبب لبقاء الأشخاص ونظام العالم. فالاشتغال بالزراعة أيضا أولى من النافلة للعلة المذكورة. وقد وقع

(1) رواه البخاري في كتاب الحيل باب 11. أبو داود في كتاب النكاح باب 23- 25. الترمذي في كتاب النكاح باب 18. ابن ماجة في كتاب النكاح باب 11. الدارمي في كتاب النكاح باب 13. أحمد في مسنده (1/ 219، 261) (2/ 229، 250) .

(2)

رواه البخاري في كتاب الصوم باب 10. مسلم في كتاب النكاح حديث 1. النسائي في كتاب الصيام باب 43. ابن ماجة في كتاب النكاح باب 1. الدارمي في كتاب النكاح باب 2. أحمد في مسنده (1/ 57) .

(3)

رواه ابن ماجة في كتاب الطهارة باب 4. الدارمي في كتاب الوضوء باب 2. الموطأ في كتاب الطهارة حديث 36. أحمد في مسنده (5/ 277، 280) .

ص: 185

الإجماع على أن واجب العبادة مقدم على واجب النكاح، فكذا مندوبها على مندوبه لاتحاد السبب.

وعن النبي صلى الله عليه وسلم «إذا أتى على أمتي مائة وثمانون سنة فقد حلت لهم العزبة والعزلة والترهب على رؤوس الجبال»

وعنه صلى الله عليه وسلم «يأتي على الناس زمان لا تنال المعيشة فيه إلا بالمعصية فإذا كان ذلك الزمان حلت العزوبة»

حجة أبي حنيفة أن النكاح يتضمن صون النفس من ضرر الزنا ودفع الضرر أهم من جلب النفع. وأيضا النكاح يتضمن العدل.

وقد ورد في الحديث «لعدل ساعة خير من عبادة ستين سنة» وقال صلى الله عليه وسلم «النكاح سنتي» «1»

وقال في الصلاة «إنها خير موضوع فمن شاء فليستكثر ومن شاء فليستقلل»

ثم إن الأيامى جمع مستغرق لكنهم أجمعوا على أنه لا بد من شروط ذكرنا بعضها في سورة النساء في قوله وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ [النساء: 24] ومعنى مِنْكُمْ أي من حرائركم قاله كثير من المفسرين لأن حكم العبيد والإماء يعقب ذلك. ومنهم من قال: أراد من يكون تحت ولاية المأمور من الولد والقريب. ومنهم من قال: الإضافة لا تفيد الحرية والإسلام.

ثم أمر السادة أن يزوجوا أرقاءهم الصالحين. واتفقوا على أنه للإباحة والترغيب لأن في تزويج العبد التزام مؤنة زوجته وتعطل خدمته واستفادة المهر وسقوط النفقة في تزويج الأمة ليس قبوله بلازم على السيد أيضا، وتخصيص الصالحين بالذكر عناية من الله بحالهم ليتحصن دينهم ويتحفظ عليهم صلاحهم. وأيضا الصالحون من الأرقاء هم الذين يشفق عليهم مواليهم ويهتمون بشأنهم حتى ينزلوهم منزلة الأولاد. ويجوز أن يراد بالصلاح القيام بحقوق النكاح، ومن جملة ذلك أن لا يكون في غاية الصغر بحيث لا يحتاج إلى النكاح.

وإذن السيد لهم أن يزوجوا أنفسهم ينوب عن تزويج السيد. أما قوله إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ فالأصح أن هذا ليس وعدا من الله تعالى بإغناء من يتزوج حتى لا يجوز أن يقع فيه خلف، فرب غني يفقره النكاح ولكن المعنى لا تنظروا إلى فقر من يخطب إليكم ففي فضل الله ما يغنيهم والمال غاد ورائح. على أن مثل هذا الوعد قد جاء مشروطا بالمشيئة في قوله وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شاءَ [التوبة: 28] فالمطلق محمول على المقيد.

وقيل: أراد بالغنى نفس العفاف بتملك البضع الذي يغنيه عن الوقوع في الزنا. وعن طائفة من الصحابة أن هذا وعد. وعن أبي بكر قال: أطيعوا الله فيما أمركم به من النكاح ينجز لكم ما وعدكم من الغنى. وعن ابن عباس: التمسوا الرزق بالنكاح.

وشكا رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الحاجة فقال: عليك بالباءة.

وقد يستدل بالآية على أن العبد والأمة يملكان وإلا لم

(1) رواه ابن ماجة في كتاب النكاح باب 1.

ص: 186

يتصور فقرهما وغناهما. والمفسرون قالوا: الضمير عائد إلى الأحرار خاصة وهم الأيامى، وإن فسر الغني بالعفاف فلا بد في رجوعه إلى الكل وَاللَّهُ واسِعٌ إفضاله ولكنه عَلِيمٌ يبسط الرزق كما يريد وعلى ما ينبغي. وفيه إشارة إلى قيد المشيئة في الوعد المذكور. ثم ذكر حال العاجزين عن القيام بمؤن النكاح بقوله وَلْيَسْتَعْفِفِ أي ليطلب العفة من نفسه والمضاف محذوف أي لا يجدون استطاعة نكاح ولا يقدرون عليه، أو النكاح يراد به ما ينكح بوساطته وهو المال ولا محذوف. وفي قوله حَتَّى يُغْنِيَهُمُ نوع تأميل للمستعففين.

وفيه أن فضله من أهل الصلاح والعفاف قريب.

الحكم السابع: المكاتبة: وحين رغب السادة في تزويج الصالحين من العبيد والإماء أرشدهم إلى الطريق الذي به ينخرط العبيد في سلك الأحرار مع عدم الإضرار بالسادة فقال وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ ومحله إما رفع والخبر فَكاتِبُوهُمْ والفاء لتضمن المبتدأ معنى الشرط، وإما نصب بفعل مضمر تفسيره فَكاتِبُوهُمْ والفاء للإيذان بتلازم ما قبلها وما بعدها كقوله وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ [المدثر: 3] والكتاب والمكاتبة كالعتاب والمعاتبة، والتركيب يدل على الضم والجمع لما فيه من ضم النجوم بعضها إلى بعض. وقال الأزهري: هو من الكتابة ومعناه كتبت لك على نفسي أن تعتق مني إذا وفيت المال وكتبت لي على نفسك أن تفي بذلك أو كتبت عليك الوفاء بالمال وكتبت عليّ العتق، وقيل: سمي بذلك لما يقع فيه من التأجيل واجبا عند الشافعي وندبا عند أبي حنيفة كما يجيء. والأجل يستدعي الكتابة لقوله إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ [البقرة: 282] قال محي السنة: الكتابة أن تقول لمملوكك كاتبتك على كذا ويسمى ما لا يؤديه في نجمين أو أكثر ويعين عدد النجوم، وما يؤدى في كل نجم ويقول: إذا أديت ذلك المال فأنت حر وينوي ذلك بقلبه. ويقول العبد: قبلت وفي هذا الضبط أبحاث: الأول قال الشافعي: إن لم يقل بلسانه إذا أديت ذلك المال فأنت حر ولم ينور بقلبه ذلك لم يعتق لأن الكتابة ليست عقد معاوضة محضة، فإن ما في يد العبد فهو ملك السيد والإنسان لا يمكنه بيع ملكه بعين ملكه. فقوله «كاتبتك» كناية في العتق فلا بد فيه من لفظ العتق ونيته. وقال أبو حنيفة ومالك وأبو يوسف ومحمد وزفر:

لا حاجة إلى ذلك لإطلاق قوله فَكاتِبُوهُمْ وإذا صحت الكتابة وجب أن يعتق بالأداء للإجماع. الثاني: لا تجوز الكتابة عند الشافعي إلا مؤجلة لأن العبد لا يتصور له ملك يؤديه في الحال. وجوز أبو حنيفة الحلول لإطلاق الآية، ولأنه يجوز العتق على مال في الحال بالاتفاق، فالكتابة أيضا مثله. الثالث:

قال الشافعي: لا تجوز الكتابة على أقل من نجمين.

روي ذلك عن علي عليه السلام وعمر وعثمان وابن عمر.

وذلك أنه عقد إرفاق ومن تمام

ص: 187

الإرفاق التنجيم. وجوز أبو حنيفة على نجم واحد لإطلاق الآية وللقياس على سائر العقود.

الرابع: جوز أبو حنيفة كتابة الصبي قال: ويقبل عنه المولى. وذهب الشافعي إلى أنه يجب أن يكون عاقلا بالغا لأنه تعالى قال وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ والصبي لا يتصور منه الطلب.

الخامس: جوز أبو حنيفة أن يكاتب الصبي بإذن الولي وشرط الشافعي كونه مكلفا مطلقا، لأن قوله فَكاتِبُوهُمْ خطاب فلا يتناول إلا العاقل هذا وللمفسرين خلاف في أن قوله فَكاتِبُوهُمْ أمر إيجاب أو استحباب، فقال قائلون ومنهم عمرو بن دينار وعطاء وداود بن علي ومحمد بن جرير إلى وجوب الكتابة إذا طلبها المملوك بقيمته أو بأكثر وعلم السيد فيه خيرا، ولو كان بدون قيمته لم يلزمه وأكدوه بما روي في سبب النزول أنه كان لحويطب بن عبد العزى مملوك يقال له الصبيح سأل مولاه أن يكاتبه فأبى فنزلت. ويروى أن عمر أمر إنسانا بأن يكاتب سيرين أبا محمد بن سيرين، فأبى فضربه بالدرة ولم ينكر أحد من الصحابة عليه. وذهب أكثر العلماء منهم ابن عباس والحسن والشعبي ومالك وأبو حنيفة والشافعي والثوري إلى أنه ندب

لقوله صلى الله عليه وسلم «لا يحل مال امرئ مسلم إلّا بطيب من قلبه»

ولأن طلب الكتابة كطلب بيعه ممن يعتقه في الكفارة فلا تجب الإجابة، وهذه طريقة المعاوضات أجمع. قال العلماء: إذا أدى مال الكتابة عتق وكان ولاؤه لمولاه لأنه جاد عليه بالكسب الذي هو في الأصل له، ومن هنا يكسب مولاه الثواب.

أما قوله إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً قال عطاء: الخير هو المال كقوله إِنْ تَرَكَ خَيْراً [البقرة: 180] قال: بلغني ذلك عن ابن عباس. وضعف بأنه لا يقال في فلان مال وإنما يقال له أو عنده مال، وبأن العبد لا مال له بل المال لسيده، وعن ابن سيرين: أراد إذا صلى.

وعن النخعي: وفاء وصدقا. وقال الحسن: صلاحا في الدين. والأقرب أنه شيء يتعلق بالكتابة هكذا فسره الشافعي بالأمانة والقوة على الكسب. ويروى مثله مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم. وذلك أن مقصود الكتابة لا يحصل إلا بالكسب ثم بالأمانة كيلا يضيع ما يكسبه.

واختلفوا أيضا في المخاطب بقوله وَآتُوهُمْ فعن الحسن والنخعي وابن عباس في رواية عطاء وهو مذهب أبي حنيفة، أنهم المسلمون والمراد أعطوهم سهمهم الذي جعل الله لهم من بيت المال، ولا بعد في كون المخاطب في أحد المعطوفين غير الآخر ولا في كون أحد الأمرين للاستحباب والآخر للإيجاب. والسهم الذي يأخذه المكاتب له صدقة ولسيده عوض كما

قاله صلى الله عليه وسلم في حديث بريرة «هو لها صدقة ولنا هدية» «1»

وعن كثير من الصحابة

(1) رواه البخاري في كتاب الزكاة باب 61، 62. مسلم في كتاب الزكاة حديث 170- 172. أبو داود

ص: 188

وهو مذهب الشافعي أن المخاطب هو الموالي والأمر أمر إيجاب فيجب عليهم أن يبذلوا للمكاتبين شيئا من أموالهم، أو يحطوا عنهم جزءا من مال الكتابة. ثم اختلفوا في قدره

فعن علي عليه السلام أنه كان يحط الربع

ومثله ما روى عطاء بن السائب عن أبي عبد الرحمن أنه كاتب غلاما له فترك ربع مكاتبته وعن ابن عمر أنه كاتب عبدا له بخمسة وثلاثين ألفا ووضع عنه خمسة آلاف وهو السبع. والأكثرون على أنه غير مقدر ويحصل الامتثال بأقل متمول. عن ابن عباس: يضع له من كتابته شيئا. وعن عمر أنه كاتب عبدا له يكنى أبا أمية وهو أول عبد كوتب في الإسلام، فأتاه بأول نجم فدفعه إليه عمرو وقال: استعن به على مكاتبتك. فقال: لو أخرته إلى آخر نجم، فقال: أخاف أن لا أدرك ذلك، وهذا الحط عند الأولين على وجه الندب فلا يجبر المولى عليه وأكدوه بما

روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أنه صلى الله عليه وسلم قال «أيما عبد كاتب على مائة أوقية فأداها إلّا عشر أواق فهو عبد» «1»

فلو كان الحط واجبا لأسقط عنه بقدره، ومثله المكاتب عبد ما بقي عليه درهم. وأيضا لو كان الحط واجبا فإن كان معلوما لزم عتقه إذا بقي ذلك القدر وليس ذلك بالاتفاق، ولو كان مجهولا لكان ما بقي وهو مال الكتابة مجهولا فلا تصح الكتابة. وأيضا أمر بالإيتاء من مال الله الذي أتاهم ومال الكتابة ليس بدين صحيح لأنه يصدر العجز عنه فلا يستحق ذلك المال هذا الوصف فصح أن هذا أمر من الله تعالى بذلك للناس، أولهم وللسادة أن يعينوا المكاتب على كتابته بما يمكنهم.

قال صلى الله عليه وسلم «من أعان مكاتبا في فك رقبته أظله الله في ظل عرشه» .

الحكم الثامن: المنع من إكراه الإماء على الزنا: كان لعبد الله بن أبيّ رأس النفاق ست جوار: معاذة ومسيكة وأميمة وعمرة وأروى وقتيلة، يكرههن على البغاء- أي الزنا- فشكت ثنتان منهن معاذة ومسيكة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. وحد الإكراه قد مر في سورة النحل في قوله إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ [النحل: 106] والنص وإن كان مختصا بالإماء إلا أنهم أجمعوا على أن حال الحرائر أيضا كذلك.

والسؤال المشهور في الآية هو أن المعلق بكلمة أن على الشيء يفهم منه عدمه عند عدم ذلك الشيء فتدل الآية على جواز الإكراه على الزنا عند عدم إرادة التحصن. والجواب

في كتاب الزكاة باب 30. النسائي في كتاب الزكاة باب 99. ابن ماجة في كتاب الطلاق باب 29.

الدارمي في كتاب الطلاق باب 15. الموطأ في كتاب الطلاق حديث 25. أحمد في مسنده (1/ 281، 361) .

(1)

رواه أبو داود في كتاب العتاق باب 1. ابن ماجة في كتاب العتق باب 3. أحمد في مسنده (2/ 178، 184) . [.....]

ص: 189