المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

البشارتين وتوفيرا للفرح الْغابِرِينَ هـ يَفْسُقُونَ هـ يَعْقِلُونَ هـ شُعَيْباً - تفسير النيسابوري = غرائب القرآن ورغائب الفرقان - جـ ٥

[النيسابوري، نظام الدين القمي]

فهرس الكتاب

- ‌[المجلد الخامس]

- ‌(سورة الأنبياء

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 1 الى 20]

- ‌القراآت

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 21 الى 50]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 51 الى 91]

- ‌القراآت

- ‌الوقوف:

- ‌ التفسير

- ‌التأويل:

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 92 الى 112]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌(سورة الحج)

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 1 الى 22]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 23 الى 41]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 42 الى 64]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 65 الى 78]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌(سورة المؤمنون)

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 1 الى 30]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 31 الى 56]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 57 الى 90]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 91 الى 118]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌(سورة النور)

- ‌[سورة النور (24) : الآيات 1 الى 10]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة النور (24) : الآيات 11 الى 26]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة النور (24) : الآيات 27 الى 34]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة النور (24) : الآيات 35 الى 50]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة النور (24) : الآيات 51 الى 64]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌(سورة الفرقان)

- ‌[سورة الفرقان (25) : الآيات 1 الى 20]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة الفرقان (25) : الآيات 21 الى 50]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة الفرقان (25) : الآيات 51 الى 77]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌(سورة الشعراء)

- ‌[سورة الشعراء (26) : الآيات 1 الى 68]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة الشعراء (26) : الآيات 69 الى 122]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة الشعراء (26) : الآيات 123 الى 175]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة الشعراء (26) : الآيات 176 الى 227]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌(سورة النمل)

- ‌[سورة النمل (27) : الآيات 1 الى 14]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة النمل (27) : الآيات 15 الى 44]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة النمل (27) : الآيات 45 الى 66]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة النمل (27) : الآيات 67 الى 93]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌(سورة القصص)

- ‌[سورة القصص (28) : الآيات 1 الى 21]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة القصص (28) : الآيات 22 الى 42]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة القصص (28) : الآيات 43 الى 70]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة القصص (28) : الآيات 71 الى 88]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌(سورة العنكبوت)

- ‌[سورة العنكبوت (29) : الآيات 1 الى 15]

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة العنكبوت (29) : الآيات 16 الى 41]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة العنكبوت (29) : الآيات 42 الى 69]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌(سورة الروم)

- ‌[سورة الروم (30) : الآيات 1 الى 32]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة الروم (30) : الآيات 33 الى 60]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌(سورة لقمان)

- ‌[سورة لقمان (31) : الآيات 1 الى 19]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة لقمان (31) : الآيات 20 الى 34]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌(سورة ألم السجدة)

- ‌[سورة السجده (32) : الآيات 1 الى 30]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌(سورة الأحزاب)

- ‌[سورة الأحزاب (33) : الآيات 1 الى 20]

- ‌القراآت:

- ‌ الوقوف

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة الأحزاب (33) : الآيات 21 الى 40]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة الأحزاب (33) : الآيات 41 الى 73]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌(سورة سبأ)

- ‌[سورة سبإ (34) : الآيات 1 الى 21]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة سبإ (34) : الآيات 22 الى 54]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌(سورة فاطر)

- ‌[سورة فاطر (35) : الآيات 1 الى 26]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة فاطر (35) : الآيات 27 الى 45]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌(سورة يس)

- ‌[سورة يس (36) : الآيات 1 الى 44]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة يس (36) : الآيات 45 الى 83]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌(سورة والصافات)

- ‌[سورة الصافات (37) : الآيات 1 الى 82]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌ التفسير

- ‌التأويل:

- ‌[سورة الصافات (37) : الآيات 83 الى 182]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌(سورة ص)

- ‌[سورة ص (38) : الآيات 1 الى 40]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة ص (38) : الآيات 41 الى 88]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌(سورة الزمر)

- ‌[سورة الزمر (39) : الآيات 1 الى 31]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌الفهرس

الفصل: البشارتين وتوفيرا للفرح الْغابِرِينَ هـ يَفْسُقُونَ هـ يَعْقِلُونَ هـ شُعَيْباً

البشارتين وتوفيرا للفرح الْغابِرِينَ هـ يَفْسُقُونَ هـ يَعْقِلُونَ هـ شُعَيْباً لا لتعلق الفاء مُفْسِدِينَ هـ جاثِمِينَ هـ لأن عاداً يحتمل أن يكون منصوبا ب فَأَخَذَتْهُمُ أو بمحذوف أي واذكر وهذا أوجه لأن قوله وَقَدْ تَبَيَّنَ حال ولا يحسن أن يكون عامله فَأَخَذَتْهُمُ والأوجه انتصابه بمحذوف وهو «أذكر» أو أهلكنا. مَساكِنِهِمْ ط لأن التقدير مقدرين وعامله فأخذتهم مُسْتَبْصِرِينَ هـ ج للعطف وَهامانَ يحتمل عندي الوقف وقيل: لا بناء على أن قوله وَلَقَدْ جاءَهُمْ حال عامله فَأَخَذَتْهُمُ. سابِقِينَ هـ لانقطاع النظم بتقديم المفعول مع اتفاق الجملتين بِذَنْبِهِ ط وكذلك حاصِباً ط أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ ط خَسَفْنا بِهِ الْأَرْضَ ط وأَغْرَقْنا ط لعطف الجمل والوقف أوجه تفصيلا لأنواع النقم وإمهالا لفرصة الاعتبار يَظْلِمُونَ هـ الْعَنْكَبُوتِ ج لأن ما بعده يصلح وصفا واستئنافا بَيْتاً ط الْعَنْكَبُوتِ ج لأن وهن بيت العنكبوت معلق يَعْلَمُونَ هـ.

‌التفسير:

قوله وَإِبْراهِيمَ منصوب بمضمر وهو «اذكر» . وقوله إِذْ قالَ بدل منه بدل الاشتمال لأن الأحيان تشتمل على ما فيها أي اذكر وقت قوله لقومه، وجوز أن يكون معطوفا على نُوحاً فأورد عليه أن الإرسال قبل الدعوة فكيف يكون وقت الدعوة ظرفا للإرسال؟ وأجيب بأن الإرسال أمر ممتد إلى أوان الدعوة أو المراد أرسلناه حين كان صالحا لأن يقول لقومه اعبدوا الله خصوه بالعبادة واتقوا مخالفته. ذلِكُمْ الإخلاص والتقوى خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ أما العبادة فلأنها غاية الخضوع فلا تصلح إلا لمن هو في غاية الكمال فضلا عن الجماد، وأما اتقاء خلافه فلأن من قدر على إهلاك الماضين فهو قادر على إهلاك الباقين وتعذيبهم إذا عصوه، فالعاقل من يحذر خلاف القادر. ثم بين بقوله إِنَّما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثاناً أن الذي يعبدونه في غاية الخسة لأنه صنم لا روح له، ولا ظلم أشنع من وضع الأخس موضع الأشرف. وبين بقوله وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً أن الذين يزعمون أنها شفعاؤهم عند الله كذب وزور، ثم ذكرهم أنهم لا يقدرون على نفع ولا على إيصال رزق أيّ رزق كان. ثم أشار بقوله فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ إلى أن هذه الهبة والرزق الموعود في قوله وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُها [هود: 6] يجب أن يطلب من الله فقط، وإذا كان الرزق منه فالشكر يجب أن يكون له. ثم بين بقوله إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ أن المعاقب والمثيب هو وحده فلا رهبة إلا منه ولا رغبة إلا فيه. ثم إن قوله وَإِنْ تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ إلى قوله فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إن كان اعتراضا خطابا لكفار قريش فظاهر، وإن كان تتمة قول إبراهيم فالأمم المتقدمة عليه إما قوم نوح وقوم إدريس وقوم شيث وقوم آدم، وإما قوم نوح وحده. وعبر عن أمته بالأمم لأنه عاش ألف سنة وأكثر فمضت عليه

ص: 378

القرون، وكان كل قرن يوصون من بعدهم من الأبناء أن يكذبوا نوحا. والبلاغ ذكر المسائل والإبانة وإقامة البرهان عليه، وفيه دليل على أن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز وإلا لم يكن البلاغ مبينا. وحين بين التوحيد والرسالة شرع في بيان المعاد فإن هذه الأصول الثلاثة لا تكاد تنفصل في الذكر الإلهي فقال أَوَلَمْ يَرَوْا أي ألم يعلموا بالبرهان النير القائم مقام الرؤية كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثم يعيده. أما إبداء الخلق المطلق فلأن المخلوق لا بد له من خالق أوّل تنتهي إليه سلسلة المخلوقات، وأما خلق الإنسان بل كيفيته فإنه كالمشاهد المحسوس فإنا نرى النطفة وقعت في الرحم فدارت عليها الأطوار حتى حصلت خلقا آخر. وأما الإعادة فلأنها أهون في القياس العقلي ولهذا ختم الآية بقوله إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ وحين أشار إلى العلم الحدسي الحاصل من غير طلب أمر نبينا صلى الله عليه وسلم أو حكى إبراهيم قول ربه له قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ أي إن لم يحصل لكم الحدس المذكور فسيروا في أقطار الأرض وتفكروا في كيفية تكوّن المواليد الثلاثة: المعادن والنبات والحيوان. حتى يفضى بكم النظر إلى العيان فالآية الأولى إشارة إلى ما هو كالمركوز في الأذهان ولهذا قال بطريق الاستفهام أَوَلَمْ يَرَوْا الآية الثانية أمر بالنظر المؤدي إلى العلم والإيقان على تقدير عدم حضور ذلك البيان والعيان. وإنما قال أوّلا كَيْفَ يُبْدِئُ بلفظ المستقبل وثانيا كَيْفَ بَدَأَ بلفظ الماضي، لأن العلم الحدسي حاصل في كل حال، وأما العلم الاستقرائي فلا يفيد اليقين إلا فيما شاهد وتتبع فكأنه قيل: إن لم يحصل لكم العلم بأن الله في كل حال موصوف بالإبداء والإعادة فانظروا في أصناف المخلوقات حتى تعرفوا أنه كيف بدأها ثم تستدلوا من ذلك على أنه ينشئها النشأة الثانية، فهذا عطف على المعنى كأنه قال: وانظروا كيف بدأ هذا. وتكلف جار الله فقال: هو معطوف على جملة قوله أَوَلَمْ يَرَوْا كما قال قوله ثُمَّ يُعِيدُهُ إخبار على حياله وليس بمعطوف على يُبْدِئُ ثم في إقامة اسم الله مقام الضمير في قوله ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ إشارة إلى أنه لا يقدر على هذه النشأة إلا المعبود الكامل الذات المتصف بالعلم والحياة وبسائر نعوت الجلال. وحين ذكر دلائل الأنفس والآفاق صرح بالنتيجة الكلية فقال إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ من الإبداء والإعادة قَدِيرٌ وكذا على التكليف والجزاء تقريره قوله

يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشاءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ يقال: قلب فلان في مكانه إذا أردى. وفي الآية لطائف منها: أنه قدم التعذيب على الرحمة مع

قوله «سبقت رحمتي غضبي» «1»

لأن الآية مسوقة لتهديد المكذبين ومع ذلك لم يخل الكلام عن ذكر الرحمة وإنه يؤكد

قوله «سبقت رحمتي غضبي» «2»

ومنها أنه لم يقل يعذب

(1، 2) رواه البخاري في كتاب التوحيد باب 15، 22، 28. مسلم في كتاب التوبة حديث 14- 16.

ص: 379

الكافر ويرحم المؤمن إظهارا للهيبة الإلهية. ومنها أنه قال أوّلا إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ثم أعاده هاهنا لأن التعذيب والرحمة قد يكونان عاجلين وكأنه قال: وإن تأخر ثوابكم وعقابكم فإن إلينا إيابكم وعلينا حسابكم وعندنا يدّخر لكم ذلك فلا تظنوا فواته يؤكده قوله وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ وفيه أن الانقلاب إليه لا منه، وذلك أن الإعجاز إما بالهرب وإما مع الثبات وقد نفى الأول بقوله وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ أي لو هبطتم إلى موضع السمك في الماء أو صعدتم إلى محل السماك في السماء لم تخرجوا من قبضة قدرة الله.

وقدّم الأرض على السماء لأن السماء أبعد وأفسح أي إن هربتم من حكمه وقضائه في الأرض الفسيحة أو في السماء التي هي أفسح منها وأبعد فإنكم لا تفوتون الله، والمراد لا تعجزونه كيفما هبطتم في أعماق الأرض أو علوتم إلى البروج المشيدة الذاهبة في السماء كقوله وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ [النساء: 78] أو أراد لا تعجزون بلاءه الظاهر في الأرض أو النازل من السماء. وجوّز بعضهم أن يراد وما أنتم بمعجزين من في الأرض ولا في السماء بحذف الموصول، واقتصر في الشورى على قوله وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ [العنكبوت: 22] لأنه خطاب للمؤمنين. ونفى الثاني بقوله وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ لأن الركن الشديد الذي يستند إليه إما وليّ يشفع أو ناصر يدفع، والأول أسهل الطريقين فلذلك قدم الوليّ على النصير.

ثم خص الوعيد بالكافرين بآياته أي بدلائل الوحدانية وبالكتب والمعجزات. وفي زيادة قوله أُولئِكَ إشارة إلى أن اليأس من الرحمة منحصر فيهم لقوله إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ [يوسف: 87] ونسبة اليأس إليهم إمّا على سبيل الإخبار عن حالهم يوم القيامة، أو على سبيل وصف الحال، فإن وصف المؤمن أن يكون راجيا خاشيا ونعت الكافر أن لا يخطر بباله خوف ولا رجاء بل يكون خائفا كما قيل: الخائن خائف.

وجوز في الكشاف أن يكون على طريقة التشبيه كأنه يشبه حالهم في انتفاء الرحمة عنهم بحال من يئس من رحمة الله. ولعله ذهب إلى هذا التشبه لأن اليأس من رحمة الله متوقف على الاعتراف بالله وبرحمته والكافر غير معترف بواحد من الأمرين. ثم بين بتكرير أولئك في قوله وَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ أن كل واحد من الوعيدين لا يوجد إلا فيهم وإن كان الوعيدان متلازمين في الحقيقة. ثم حكى أن جواب قوم إبراهيم لم يكن إلا أن قالوا فيما بينهم أو قال واحد ورضي به الباقون اقْتُلُوهُ بالسيف ونحوه أَوْ حَرِّقُوهُ بالنار وهذا ليس

الترمذي في كتاب الدعوات باب 99 ابن ماجة في كتاب المقدمة باب 13. أحمد في مسنده (2/ 242) .

ص: 380

جوابا في الحقيقة ولكنه كقولهم «عتابك السيف» . وفيه بيان جهالتهم أنهم وضعوا الوعيد موضع الائتمار للنصيحة والإذعان للحق. ثم بين أنهم اتفقوا على تحريقه فأنجاه من النار.

والقصة مذكورة في سورة الأنبياء. إِنَّ فِي ذلِكَ الإنجاء لَآياتٍ جمع الآية لعظم تلك الحالة كقوله إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً [النحل: 120] أو لأنها مشتملة على أحوال عجيبة كالرمي من المنجنيق من غير أن لحق به ضرر، وكما يروى أن النار صارت عليه روحا وريحانا إلى غير ذلك. وإنما قال في قصة نوح عليه السلام وَجَعَلْناها آيَةً [العنكبوت:

15] ولم يذكر الجعل هاهنا لأن الخلاص من مثل تلك النار آية في نفسه، وأما السفينة فقد جعلها الله آية بأن أحدث الطوفان وصانها عن الغرق، ويمكن أن يقال: إن الصون عن النار أعجب من الصون عن الماء فلذلك وحد الآية هناك وجمعها هاهنا. وإنما قال هناك آيَةً لِلْعالَمِينَ [العنكبوت: 15] وهاهنا لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ لأن تلك السفينة بقيت أعواما حتى مرّ عليها الناس ورأوها فحصل العلم بها لكل أحد. أو نقول: جنس السفينة حصلت بعد ذلك فما بين الناس فكانت آية للعالمين. وأما تبريد النار فلم يبق من ذلك أثر فلم يظهر لمن بعده إلا بطريق الإيمان به. وهاهنا لطيفة وهي أن الله تعالى جعل النار بردا وسلاما على إبراهيم بسبب اهتدائه في نفسه وهدايته لغيره وقال قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْراهِيمَ [الممتحنة: 4] فحصل للمؤمنين بشارة بأن الله سيجعل النار على المؤمن المهتدي بردا وسلاما. ثم حكى أنه بعد أن خرج من النار عاد إلى النصيحة والدعاء لقومه إلى التوحيد والإخلاص وذلك قوله وَقالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثاناً مَوَدَّةَ قال جار الله: من قرأ بالنصب بغير إضافة أو بإضافة فعلى وجهين: أحدهما التعليل أي لتتوددوا بينكم وتتواصلوا لاتفاقكم وائتلافكم على عبادتها كما يتفق الناس على مذهب فيكون بينهم نسبة من ذلك.

الوجه الثاني: أن يكون مفعولا ثانيا على حذف المضاف، أو على أن المصدر بمعنى المفعول أي اتخذتم الأوثان سبب المودة بينكم واتخذتموها مودودة بينكم. ومن قرأ بالرفع بإضافة أو بغير إضافة فعلى وجهين أيضا: أن يكون خبرا لأن على أن ما موصولة والتقدير:

إن التي اتخذتموها أوثانا هي سبب مودة بينكم أو مودودة بينكم. وأن يكون خبر مبتدأ محذوف أي هي مودودة أو سبب مودة وعلى هذا فالوقف على أَوْثاناً حسن كما مر.

ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يقوم بين العبدة وكذا بينهم وبين أوثانهم التباغض والتلاعن نظيره كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا [مريم: 82] والتحقيق فيه أنهم غلبت عليهم الجسمية ولذاتها فلهذا ألفوا الأصنام ولم تقبل عقولهم موجودا منزها عن الأجسام وخواصها، فلا جرم إذا رفعت الحجب وكشف الغطاء عن عالم الأرواح زالت نسبة الجسمية وظهرت الآلام الروحانية وعذبوا بنار الخسران والحرمان من غير شفعاء ولا أعوان، فلذلك

ص: 381

قال وَمَأْواكُمُ النَّارُ وَما لَكُمْ مِنْ ناصِرِينَ وإنما لم يقل هاهنا وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ [البقرة:

107] لأن الله لا ينصر الكفار من أهل النار. وإنما جمع هاهنا لأنه أراد في الأول جنس النصير وهاهنا أراد نفي الناصرين الذين كان أهل الشرك يزعمون أنهم شفعاؤهم عند الله فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وكان ابن أخي إبراهيم صدقه حين رأى النار لم تحرقه. قالت العلماء: إن لوطا آمن برسالة إبراهيم حين رأى المعجزة. وأما بالوحدانية فآمن حين سمع مقالته إذ لو توقف في الإيمان إلى وقت إظهار المعجزة كان نقصا في مرتبته وقدحا في نور باطنه، ألا ترى أن أبا بكر وعليا أسلما كما عرض النبي صلى الله عليه وسلم الإسلام عليهما. وَقالَ إبراهيم إِنِّي مُهاجِرٌ من كوثى وهي من سواد الكوفة إلى حران ثم منها إلى فلسطين ولهذا قالوا: لكل نبي هجرة ولإبراهيم هجرتان. وكان معه في هجرته امرأته سارة وهاجر وهو ابن خمس وسبعين سنة وهاجر معه لوط أيضا. ومعنى إِلى رَبِّي أي إلى حيث أمر ربي بالهجرة إليه ومثله قوله إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي [الصافات: 99] وعبارة القرآن أدخل في الإخلاص لأن المهاجر إلى حيث أمره الملك قد يهاجر إليه مرة أخرى لغرض نفسه فيصدق أنه مهاجر إلى حيث أمره الملك ولا يصدق أنه مهاجر لأجل الملك ولرضاه. وفي قوله إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ نوع تهديد لقومه وتصويب لما بدا له من الهجرة بأمر الله. قال في الكشاف: إنه هو العزيز الذي يمنعني من أعدائي، الحكيم الذي لا يأمرني إلا بما هو مصلحتي.

ثم ذكر ما أنعم به عليه من الأولاد والأحفاد، ومن جعل النبوة وجنس الكتاب الإلهي فيهم. وهو التوراة والإنجيل والزبور والفرقان- ولهذا اندرج ذكر إسماعيل في الآية. ولعل السر في عدم ذكر إسماعيل والتصريح بذكره أن الله تعالى جعل الزمان بعد إبراهيم قسمين:

أحدهما زمن إسحاق ويعقوب وذراريهما إلى زمان الفترة، والآخر من محمد صلى الله عليه وسلم إلى يوم قيام الساعة وهو من ولد إسماعيل فطي ذكر إسماعيل إشارة إلى تأخر زمان دولته والله أعلم. ثم كرر ذكر النعمة بقوله وَآتَيْناهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيا قال أهل التحقيق: إن الله تعالى بدل جميع أحوال إبراهيم عليه السلام بأضدادها. لما أراد القوم تعذيبه بالنار فجعلها الله عليه بردا وسلاما، وهاجر فريدا وحيدا فوهب الله له ذريّة طيبة مباركة كما وصفنا، وكان لا مال له فكثر ماله حتى حصل له من المواشي ما علم الله عدده فقط.

يروى أنه كان له اثنا عشر ألف كلب حارس في أعناقها أطواق من ذهب.

وكان خاملا حتى قال قائلهم سَمِعْنا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقالُ لَهُ إِبْراهِيمُ [الأنبياء: 60] فجعل الله له لسان صدق في الآخرين. اللهم صل على محمد وآل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم. ثم بين بقوله وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ أن تلك النعمة الدنيوية ولذاتها مقرونة بفلاح الآخرة وصلاحها

ص: 382

جعلنا الله تعالى ببركته أهلا لبعض ذلك وهو المستعان. قوله وَلُوطاً إِذْ قالَ إعرابه كإعراب قوله وَإِبْراهِيمَ إِذْ قالَ وقد مر والظاهر أن لوطا يكون قد أمر قومه بالتوحيد والعبادة أوّلا ثم نهاهم عن الفاحشة ثانيا. إلا أن الله تعالى قد حكى عنه ما اختص به وبقومه وهو قوله إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ ويحتمل أن يكونوا موحدين إلا أنهم بسبب الإصرار على الفعلة الشنعاء وتحليلها مع وجود النبي صلى الله عليه وسلم الناهي عنها صاروا في حكم الكفرة. وإذا كان الزنا فاحشة كما قال وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً [الإسراء: 32] مع أن الزنا لا يفضي إلى قطع النسل فاللواطة أولى بكونها فاحشة لتماديها في القبح ولإفضائها إلى انقطاع النسل، ويعلم منه احتياجها إلى الزاجر كالزنا بل أولى ويعلم منه افتقارها إلى الرجم بدليل إمطار الحجارة على أهلها. ومعنى ما سَبَقَكُمْ بِها أنه لم يأت بمثل هذا الفعل أحد قبلهم أو لم يشتهر به ولم يبالغ فيه أحد وإن ارتكبه بعضهم في الندرة كما يقال: إن فلانا سبق البخلاء في البخل، واللئام في اللؤم إذا زاد عليهم. ومعنى تَقْطَعُونَ السَّبِيلَ تقضون الشهوة بالرجال مع قطع السبيل المعتاد مع النساء. ويجوز أن يكونوا قطاع الطريق والظاهر يشعر به وَتَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ الْمُنْكَرَ أي تضمون إلى قبح فعلكم قبح الإظهار. والنادي هو المجلس ما دام فيه الناس. وعن عائشة: كانوا يتجامعون. وعن ابن عباس: هو الحذف ومضغ العلك وحل الإزار والفحش في المزاح والسخرية بمن مر بهم فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا ائْتِنا بِعَذابِ اللَّهِ ولم يهددوه بنحو القتل والتخويف كما في قصة إبراهيم، لأن إبراهيم كان يقدح في آلهتهم ويشتمهم بتعديد نقائصهم يا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ ما لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً

[مريم: 42] فجعلوا جزاءه شر الجزاء. وأما لوط فكان ينكر عليهم فعلهم فهددوه بالإخراج أوّلا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ [النمل: 56] واقترحوا من عذاب الله ثانيا. ويجوز أن يكون على سبيل الاستهزاء فلا جرم قالَ رَبِّ انْصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ كأنه أيس من توبتهم وإنابتهم ومن أن يلدوا تائبا مطيعا كما قال نوح وَلا يَلِدُوا إِلَّا فاجِراً كَفَّاراً [نوح: 27] ولعلهم كانوا يفسدون الناس بحملهم على ما كانوا عليه من المعاصي والفواحش طوعا وكرها أو بابتداء الفواحش واقتداء من بعدهم بهم.

والبشرى هي البشارة بالولد، والنافلة إسحق ويعقوب، وإضافة مُهْلِكُوا إضافة تخفيف لا تعريف لأنه بمعنى الاستقبال أو الحال القريب منه لا الماضي، ولأن المقصود يتضح بذلك لا بوصف الملائكة لمطلق الإهلاك. والقرية سذوم. ثم علل الإهلاك بأن الظلم قد استمر فيهم بناء على أن كان للثبوت والاستمرار، ويحتمل أن يكون للزمان الماضي فإن هذا القدر يكفي للتعليل والزائد عليه لا تحتاج الملائكة إلى تقريره بخلاف ما في قصة نوح فَأَخَذَهُمُ

ص: 383

الطُّوفانُ وَهُمْ ظالِمُونَ

[العنكبوت: 14] فإن ذلك إخبار من الله تعالى ولا يحسن من الكريم أن يعاقب على الجرم السابق إلا بعد تحقق الإصرار والاستمرار. قال بعضهم: إن تعلق بِالْبُشْرى بهذا الإنذار هو أنه كان في إهلاك قوم لوط إخلاء الأرض من العباد فقدمت البشارة المذكورة المتضمنة لوجود عباد صالحين حتى لا يتأسف على إهلاك قوم من أبناء جنسه. ثم إن إبراهيم لما سمع إنذار الملائكة أظهر الإشفاق على لوط والحزن له قائلا إِنَّ فِيها لُوطاً قالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ منك بِمَنْ فِيها وأخبروا بحاله وحال قومه. ومعنى مِنَ الْغابِرِينَ من الماضين ذكرهم أو ممن يمضي زمانه ويفني أو من الباقين في المهلكين وسِيءَ بِهِمْ وَضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً قد مر في «هود» وقال بعضهم: يحتمل أن يكون ضيق الذرع عبارة عن انقباض الروح فعند ذلك تجتمع أعضاء الإنسان وتقل مساحتها. فقالت الملائكة لا تَخَفْ علينا وَلا تَحْزَنْ بسب التفكر في أمرنا. وقال أهل البرهان: وإنما قيل هاهنا وَلَمَّا أَنْ جاءَتْ بزيادة «أن» لأن «لما» تقتضي جوابا وإذا اتصل به «أن» دل على أن الجواب وقع في الحال من غير تراخ في الظاهر كما في هذه السورة وهو قوله سِيءَ بِهِمْ وفي هود اتصل به كلام بعد كلام فطال فلم يحسن دخول «أن» ظاهرا مع أن القصة واحدة. ثم إن الملائكة قالوا للوط إِنَّا مُنَجُّوكَ بلفظ اسم الفاعل وقالوا لإبراهيم عليه السلام لَنُنَجِّيَنَّهُ بلفظ الفعل لأن ذلك ابتداء الوعد وهذا أوان إنجازه فأرادوا أن ذلك الوعد حتم واقع منا كقولك: أنا ميت لضرورة وقوعه ووجوده. والرجز العذاب الذي يوقع صاحبه في القلق والاضطراب من قولهم: ارتجز وارتجس إذا اضطرب، والمراد الحجارة.

وقيل: النار. وقيل: الخسف. وعلى هذا يراد أن الأمر بالخسف والقضاء به من السماء وَلَقَدْ تَرَكْنا مِنْها أي من القرية آيَةً بَيِّنَةً هي آثار منازلهم الخربة أو بقية الحجارة أو الماء الأسود أو قصتهم وخبرهم. وقوله لِقَوْمٍ يتعلق ب تَرَكْنا أو ب بَيِّنَةً ولزيادة قوله بَيِّنَةً قال لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ بخلاف قوله في قصة نوح عليه السلام وَجَعَلْناها آيَةً لِلْعالَمِينَ [العنكبوت: 15] لأن الآية لا تتبين إلا لذوي العقول وليس كل من في العالم بذي عقل.

ثم أجمل سائر القصص والرجاء إما على أصله أو بمعنى الخوف. وعلى الأول قال جار الله: أراد افعلوا ما ترجون به العاقبة، فأقيم المسبب مقام السبب. أو أمروا بالرجاء والمراد اشتراط ما يسوغه من الإيمان كما يؤمر الكافر بالصلاة مثلا على إرادة الشرط وهو الإسلام. فَكَذَّبُوهُ إنما صح إطلاق التكذيب مع أن ما ذكره شعيب أمر ونهي، والأمر لكونه طلبا لا يحتمل التصديق والتكذيب، وكذا النهي لأن قول شعيب يتضمن قوله الله

ص: 384

واحد والحشر كائن والفساد محرم وكل واحد من هذه خبر. ومعنى الرجفة والصيحة قد مر في «الأعراف» وفي «هود» . وكذا إنه لم قال مع الرجفة في دارهم على التوحيد، ومع الصيحة في ديارهم على الجمع. وَأهلكنا عاداً وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ ذلك الإهلاك مِنْ جهة مَساكِنِهِمْ إذا نظرتم إليها عند مروركم بها وَكانُوا مُسْتَبْصِرِينَ أي عقلاء متمكنين من النظر والاستدلال، وكانوا عارفين بأخبار الرسل أن العذاب نازل بهم ولكنهم لم ينظروا في الدليل ولجوا حتى هلكوا وَما كانُوا سابِقِينَ أي أدركهم أمر الله فلم يفوتوه.

ثم قرر أمر المذنبين بإجمال آخر يفيد أنهم عذبوا بالعناصر الأربعة، فجعل ما منه تركيبهم سببا لعدمهم وما منه بقاؤهم سببا لفنائهم. فالحاصب حجارة محماة تقع على كل واحد منهم فتنفذ من الجانب الآخر وهو إشارة إلى التعذيب بعنصر النار وأنه لقوم لوط. والصيحة وهي تموّج شديد في الهواء لمدين وثمود. والخسف لقارون والغرق لقوم نوح وفرعون وَما كانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ بالإهلاك وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ بالإشراك وقال بعض أهل العرفان: وما كان الله ليضعهم في غير موضعهم فإن موضعهم الكرامة ولكنهم وضعوا أنفسهم مع شرفها في عبادة الوثن الذي هو في غاية الخسة فلذلك ضرب لهم المثل بالعنكبوت ونسجه الذي هو عند الناس في غاية الوهن والضعف. فإن كان تشبيها مركبا فظاهر، وإن كان مفرقا فالمشرك كالعنكبوت واتخاذه الصنم معبودا وملجأ كاتخاذ العنكبوت نسجه بيتا فإنه يصير سببا لهلاكه ولتنظيف البيت منه كعابد الوثن يقع في النار بسبب عبادته.

وفيه أن العنكبوت كما أنه يصطاد بسبب نسجه الذباب ولكنه لا بقاء له ويتلاشى بأدنى سبب كذلك الكافر يستفيد بشركه ما هو أقل من جناح بعوضة وهو بعض متاع الدنيا ولكنه كعمله يصير آخر الأمر هباء منثورا. ثم عرض على العقول صحة المثل المضروب قائلا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ بأنه لا يصلح للبقاء ولا للاستدفاء ولا للاستظلال ولا للاستكنان والنسج في نفسه إن فرض له فائدة كما أن الصنم في نفسه يمكن أن ينتفع به ولكن اتخاذ النسج بيتا لا شك أنه غير مفيد بل مضر كما مر فكذلك عبادة الصنم. ثم قال لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ فحذف الجواب ليذهب الوهم كل مذهب أي لو كانوا يعلمون أن هذا مثلهم وأمر دينهم لتابوا وندموا، ولو كانوا يعلمون صحة هذا التشبيه وقد صح أن أوهن البيوت إذا استقريتها بيتا بيتا بيت العنكبوت. فقد تبين أن دينهم أوهن الأديان إذا استقريتها دينا دينا.

وصاحب الكشاف علق هذا الشرط بما قبله وليس بذاك وقد مر في الوقوف والله أعلم.

تم الجزء العشرون، ويليه الجزء الحادي والعشرون وأوله: إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ

ص: 385