الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لجهل نفسه. وإن لم تستلزم فقد سقط السؤال وأيضا الاعتصام به إنما يكون منه
كقوله «أعوذ بك منك.» «1»
وأيضا إنه خلق الشهوة في قلب الفاسق وخلق المشتهي وقربه منه ودفع المانع وسلط عليه شياطين الإنس والجن، فلو لم تكن كل هذه مقتضية لكونه بئس المولى لم يكن خلق الكفر أيضا مقتضيا لذلك.
التأويل:
سَخَّرَ لَكُمْ ما في أرض البشرية من الصفات الحيوانية والشيطانية، وسخر فلك الواردات المغيبة تجري في بحر القلب، ويمسك سماء القلب أن تقع على أرض النفس بأن تتصف بصفاتها إِلَّا بِإِذْنِهِ بقدر ما أباحه الشرع من ضروريات المأكول والملبوس وغيرهما وَهُوَ الَّذِي أَحْياكُمْ بازدواج الروح إلى القالب ثُمَّ يُمِيتُكُمْ عن صفات البشرية ثُمَّ يُحْيِيكُمْ بنور الصفات الرحمانية فَلا يُنازِعُنَّكَ في أمرك فإن لك مع الله وقتا لا يسعك فيه ملك مقرب ولا نبي مرسل ولكل قوم رتبة لا يتجاوزونها إن الذين يدعون من دون الله كالأصنام الظاهرة والباطنة لن يطلعوا على كيفية خلق الذباب، وإن يسلبهم ذباب هواجس النفس شيئا من صفاء القلب وجمعية الوقت ضَعُفَ الطَّالِبُ وهو القلب غير المؤيد بنور الإيمان وَالْمَطْلُوبُ وهو النفس والشيطان ارْكَعُوا بالنزول عن مرتبة الإنسانية إلى خضوع الحيوانية: وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى أَرْبَعٍ [النور: 45] وَاسْجُدُوا بالنزول إلى مرتبة الحيوانية وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ [الرحمن: 6] وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ بجعل الطاعة خالصة له وَافْعَلُوا الْخَيْرَ بمراقبة الله في جميع أحوالكم لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ بالوصال. وَجاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهادِهِ فجهاد النفس بتزكيتها بأداء الحقوق وترك الحظوظ، وجهاد القلب بتصفيته وقطع تعلقه عن الكونين، وجهاد الروح بتحليته بإفناء الوجود في وجوده هُوَ اجْتَباكُمْ لهذه الكرامات من بين سائر البريات ولولا أنه اجتباكم ما اهتديتم إليه كما قيل:
فلولاكم ما عرفنا الهوى وما جعل عليكم في دين العشاق. وهو السير إلى الله من ضيق
«من تقرّب إلي شبرا
(1) رواه مسلم في كتاب الصلاة حديث 222. أبو داود في كتاب الصلاة باب 148 الترمذي في كتاب الدعوات باب 112. النسائي في كتاب الطهارة باب 119. ابن ماجة في كتاب الدعاء باب 3. أحمد في مسنده (1/ 96) . [.....]
تقربت إليه ذراعا» «1»
والسير إلى الله من سنة إبراهيم إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي سَيَهْدِينِ [الصافات: 99] هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ في الأزل وهو في هذا الطور. وإنما قدم الرسول لأن روحه في طرف الأزل مقدم «أول ما خلق الله روحي» فهو مشرف وقتئذ على أرواح أمته وبعد ذلك خلقت أرواح أمته مشرفين على أرواح غيرهم. وفي سورة البقرة اعتبر طرف الأبد فوقع الختم على الرسول وعلى شهادته فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ بدوام السير والعروج إلى الله والتعظيم لأمره وَآتُوا الزَّكاةَ بدعوة الخلق إلى الله والشفقة عليهم وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ حتى تصلوا إليه هو متولي أفنائكم عنكم فَنِعْمَ الْمَوْلى في إفناء وجودكم وَنِعْمَ النَّصِيرُ في إبقائكم بربكم والله أعلم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وأصحابه الطيبين الطاهرين وذرياته وسلم تسليما كثيرا دائما أبدا إلى يوم الدين.
تم الجزء السابع عشر، ويليه الجزء الثامن عشر وأوله تفسير سورة المؤمنون
(1) رواه البخاري في كتاب التوحيد باب 15. مسلم في كتاب الذكر حديث 20، 21. الترمذي في كتاب الدعوات باب 131. ابن ماجة في كتاب الأدب باب 58. أحمد في مسنده (2/ 413) .