الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القراآت:
عِنْدِي أَوَلَمْ بفتح الياء: أبو جعفر ونافع وابن فليح وأبو عمرو وخزاعي عن أصحابه وابن مجاهد وأبو عون والسرندي عن قنبل. الباقون بالإسكان وَيْكَأَنَّ وَيْكَأَنَّهُ الوقف على الياء: أبو عمرو ويعقوب ويك الوقف على الكاف ووَيْكَأَنَّهُ موصولة: روى السوسي عن السرندي وهو مذهب حمزة. الباقون كلاهما موصولان لَخَسَفَ على البناء للفاعل: سهل ويعقوب وحفص رَبِّي أَعْلَمُ بفتح الياء: أبو جعفر ونافع وابن كثير وأبو عمرو.
الوقوف:
بِضِياءٍ ط تَسْمَعُونَ هـ فِيهِ ط تُبْصِرُونَ هـ تَشْكُرُونَ هـ تَزْعُمُونَ هـ يَفْتَرُونَ هـ عَلَيْهِمْ ص لأن الواو للحال أي وقد آتيناه مع طول الكلام الْقُوَّةِ ط بناء على أن التقدير و «أذكر» إذ قال: وقال في الكشاف: إنه متعلق ب لَتَنُوأُ فلا وقف الْفَرِحِينَ هـ فِي الْأَرْضِ ط الْمُفْسِدِينَ هـ عِنْدِي ط جَمْعاً ط الْمُجْرِمُونَ هـ فِي زِينَتِهِ ط لعدم العاطف واختلاف القائل. قارُونُ لا لأن ما بعده تعليل التمني ولو ابتدأنا لحكمنا بأنه ذو حظ عَظِيمٍ هـ صالِحاً ج لأن ما بعده احتمل أن يكون ابتداء إخبار من الله، واحتمل أن يكون من قول أهل العلم الصَّابِرُونَ هـ مِنْ دُونِ اللَّهِ ق قد قيل: لتفصيل الاعتبار المُنْتَصِرِينَ هـ وَيَقْدِرُ ج للابتداء بلولا مع اتحاد المقول لَخَسَفَ بِنا ط الْكافِرُونَ هـ وَلا فَساداً ط لِلْمُتَّقِينَ هـ مِنْها ج لعطف جملة الشرط يَعْمَلُونَ هـ مَعادٍ ط مُبِينٍ هـ لِلْكافِرِينَ هـ ز للآية مع العطف الْمُشْرِكِينَ هـ للآية وخلو المعطوف عن نون التأكيد التي دخلت المعطوف عليه مع اتفاق الجملتين آخرا احترازا من إيهام كون ما بعده صفة آخَرَ هـ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ ط وَجْهَهُ ط تُرْجَعُونَ هـ.
التفسير:
لما بين سبحانه حقيقة آلهيته واستحقاقه للحمد المطلق وأن مرجع الكل إلى حكمته وقضائه، أتبعه بعض ما يجب أن يحمد عليه مما لا يقدر عليه أحد سواه وهو تبديل ظلام الليل بضياء النهار وبالعكس. والمعنى: أخبروني من يقدر على هذا؟ والسرمد الدائم المتصل من السرد، والميم زائدة، وانتصابه على أنه مفعول ثان لجعل أو على الحال، وإلى متعلق بجعل أو ب سَرْمَداً، ومنافع الليل والنهار والاستدلال بهما على كمال قدرة الله تعالى قد تقدمت مرارا. قال جار الله: وإنما لم يقل بنهار تتصرفون فيه كما قيل: بِلَيْلٍ
تَسْكُنُونَ فِيهِ
لأن الضياء وهو ضوء الشمس تتعلق به المنافع المتكاثرة وليس التصرف في المعاش وحده، والظلام ليس بتلك المنزلة ومن ثمّ قرن بالضياء أَفَلا تَسْمَعُونَ لأن السمع يدرك ما لا يدركه البصر من ذكر منافعه ووصف فوائده، وقرن بالليل أَفَلا تُبْصِرُونَ لأن غيرك يبصر من منفعة الظلام ما تبصره أنت من السكون ونحوه. قال الكلبي: أَفَلا تَسْمَعُونَ معناه أفلا تطيعون من يفعل ذلك. وقوله أَفَلا تُبْصِرُونَ معناه أفلا تبصرون ما أنتم عليه من الخطأ والضلال. وقال أهل البرهان: قدم الليل على النهار لأن ذهاب الليل بطلوع الشمس أكثر فائدة من ذهاب النهار بدخول الليل. وإنما ختم الآية الأولى بقوله أَفَلا تَسْمَعُونَ بناء على الليل، وختم الأخرى بقوله أَفَلا تُبْصِرُونَ بناء على النهار والنهار مبصر وآية النهار مبصرة. ثم بين أن من رحمته زواجه بين الليل والنهار لتسكنوا في الليل ولتبتغوا من فضله في النهار ولإرادة الشكر على النعمتين جميعا. وفي الآية طريقة اللف ثقة بفهم السامع وذلك لأن السكون بالنهار وإن كان ممكنا وكذا الابتغاء من فضل الله بالليل إلا أن الأليق بكل واحد منهما ما ذكره فلهذا خصه به. وفي تكرير التوبيخ باتخاذ الشركاء دليل على أنه لا شيء أسخط عند الله من الإشراك به، ويعلم منه أنه لا شيء أجلب لرضاه من الشهادة بوحدانيته. وفحوى الخطاب: أين الذين ادّعيتم إلهيتهم لتخلصكم أو أين الذين قلتم إنها تقربكم إلى الله زلفى وقد علموا أن لا إله إلا الله؟ فيكون ذلك زيادة في غمهم.
ومعنى وَنَزَعْنا وأخرجنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً قال بعضهم: هو نبيهم لأن الأنبياء يشهدون أنهم بلغوا أمتهم الدلائل وبلغوا في إيضاحها كل غاية ليعلم أن التقصير منهم فيكون ذلك زيادة في غمهم أيضا. وقال آخرون: بل هم الشهداء الذين يشهدون على الناس في كل زمان، ويدخل في جملتهم الأنبياء وهذا أقرب، لأنه تعالى عم كل جماعة بأن ينزع منهم الشهيد فيدخل فيه أزمنة الفترات والأزمنة التي بعد محمد صلى الله عليه وسلم. فَقُلْنا للأمة هاتُوا بُرْهانَكُمْ فيما كنتم عليه من الشرك وخلاف الرسول فَعَلِمُوا حينئذ أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ ورسوله وغاب عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ من الباطل والزور. ثم عقب حديث أهل الضلال بقصة قارون. وهو اسم أعجمي ولهذا لم ينصرف بعد العلمية ولو كان «فاعولا» من قرن لانصرف. والظاهر أنه كان ممن آمن بموسى، هذا ظاهر نص القرآن ولا يبعد أيضا حمله على القرابة. قال الكلبي: إنه كان ابن عم موسى. وقيل: كان موسى ابن أخيه وكان يسمى المنوّر لحسن صورته، وكان أقرأ بني إسرائيل للتوراة إلا أنه نافق كما نافق السامري. وقال:
إذا كانت النبوّة لموسى والذبح والقربان إلى هارون فما لي؟ وفي قوله فَبَغى عَلَيْهِمْ وجوه أحدها: أن بغيه استخفافه بالفقراء. وثانيها أنه ملكه فرعون على بني إسرائيل فظلمهم. وقال
القفال: معناه طلب الفضل عليهم وأن يكونوا تحت يده. وقال الضحاك: طغى عليهم واستطال فلم يوافقهم في أمر. ابن عباس: تجبر وتكبر عليهم ومثله عن شهر بن حوشب قال: بغيه أنه زاد عليهم في الثياب شبرا فهذا يعود إلى التكبر. الكلبي: بغيه حسده وذلك أنه لما جاوز بهم موسى البحر وصارت الرسالة له والوزارة لهارون، وكان القربان إلى موسى فجعله إلى هارون فوجد قارون في نفسه حسدهما فقال لموسى: الأمر لكما ولست على شيء إلى متى اصبر؟ قال موسى: هكذا حكم الله. قال: والله لا أصدقك حتى تأتي بآية، فأمر رؤساء بني إسرائيل أن يأتي كل واحد بعصا فألقى مجموع العصيّ في القبة التي كان الوحي ينزل عليه فيها فأصبحوا فإذا بعصا هارون تهتز ولها ورق أخضر وكانت من شجر اللوز فقال قارون: ما هو بأعجب مما تصنع من السحر. واعتزل قارون بأتباعه وكان كثير المال كما أخبر الله تعالى عن ذلك بقوله وَآتَيْناهُ مِنَ الْكُنُوزِ سأل الكلبي: ألستم تقولون إن الله لا يعطي الحرام فكيف أضاف إيتاء مال قارون إلى نفسه؟ فأجاب بأنه لا حجة في أن ماله حرام لجواز أنه ظفر بكنز لبعض الملوك الخالية، وكان الظفر عندهم طريق التملك، أو لعله وصل إليه بالإرث من جهات، أو بالكسب من جهة المضاربات وغيرها. والمفاتح جمع مفتح بكسر الميم وهو ما يفتح به الباب، أو جمع مفتح بالفتح وهو الخزانة. فمن الناس من طعن في القول الأول لأن مال الرجل الواحد لا يبلغ هذا المبلغ، ولو أنا قدرنا بلدة مملوأة من الذهب لكفاها أعداد قليلة من المفاتيح ولهذا قال أبو رزين: يكفي للكوفة مفتاح واحد. وأيضا الكنوز هي الأموال المدفونة في الأرض ولا يتصوّر لها مفتاح. أجاب الناصرون للقول الأول وهو اختيار ابن عباس والحسن: أن المال إذا كان من جنس العروض لا من جنس النقود جاز أن يبلغ في الكثرة إلى هذا الحد. وأيضا ما روي أن مفاتيحه كانت من جلود الإبل وكل مفتاح إصبع ولكل خزانة مفتاح، وكان إذا ركب حملت المفاتيح ستون بغلا غير مذكور في القرآن. فالصواب أن يفسر قوله لَتَنُوأُ أي تنهض مثقلا بأن تلك الخزائن يعسر ضبطها ومعرفتها على أهل القوّة في الحساب، وقريب منه قول أبي مسلم: إن المراد من المفاتح العلم والإحاطة كقوله وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ [الأنعام: 59] والمراد أن حفظها والاطلاع عليها يثقل على العصبة أولي القوّة والمتانة في الرأي. وظاهر الكنوز وإن كان من جهة العرف هو المال المدفون إلا أنه قد يقع على المال المجموع في المواضع التي عليها أغلاق. وأيضا لا استبعاد في أن يكون موضع المال المدفون بيتا تحت الأرض له غلق ومفتاح معه.
ولا تَفْرَحْ كقوله وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ [الحديد: 23] وذلك أنه لا يفرح بالدنيا
إلا من اطمأن ورضي بها. قال ابن عباس: كان حبه ذلك شركا لأنه ما كان يخاف معه عقوبة الله تعالى. وَابْتَغِ فِيما آتاكَ اللَّهُ من المال والثروة الدَّارَ الْآخِرَةَ يعني أسباب حصول سعاداتها من أصناف الخيرات والمبرات الواجبة والمندوبة فإن ذلك هو نصيب المؤمن من الدنيا دون الذي يأكل ويشرب، وإلى هذا أشار بقوله وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا
ويحتمل أن يراد به اللذات المباحة. وحين أمروه بالإحسان المالي أمروه بالإحسان مطلقا ويدخل فيه الإحسان بالمال والجاه وطلاقة الوجه وحسن الغيبة والحضور. وفي قوله كَما أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ إشارة إلى قوله تعالى لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ [إبراهيم: 7] وإلى ما قال الحكماء: المكافأة في الطبيعة واجبة. والْفَسادَ فِي الْأَرْضِ المنهي عنه هو ما كان عليه من الظلم والبغي. وهذا القائل موسى عليه السلام أو مؤمنو قومه وهو ظاهر اللفظ.
وكيف كان فقد جمع في هذه الألفاظ من الوعظ ما لو قبل لم يكن عليه مزيد لكنه أبى أن يقبل بل تلقى النصح بكفران النعمة قائلا إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ عِنْدِي قال قتادة ومقاتل والكلبي: كان قارون أقرأ بني إسرائيل للتوراة فقال: إنما أوتيته لفضل علمي واستحقاقي لذلك. وقال سعيد بن المسيب والضحاك: إن موسى أنزل عليه الكيمياء من السماء فعلم قارون ثلث العلم ويوشع ثلثه وطالوت ثلثه، فخدعهما قارون حتى أضاف علمهما إلى علمه، وكان يأخذ الرصاص والنحاس فيجعلهما ذهبا. وقيل: أراد علمه بوجوه المكاسب والتجارات. وقيل: أراد إن الله أعطاني ذلك على علم له تعالى بحالي وباستئهالي لذلك.
وقوله عِنْدِي الأمر كذلك أي في اعتقادي وفي ظني فأجابه الله تعالى بقوله أَوَلَمْ يَعْلَمْ الآية. قال علماء المعاني: يجوز أن يكون المعنى بالاستفهام إثباتا لعلمه لأنه قد قرأ في التوراة أخبار الأمم السالفة والقرون الخالية وحفظها من موسى وغيره فكأنه قيل: إنه قد علم ذلك فلم اغتر بكثرة ماله وأعوانه؟ ويجوز أن يراد به نفي العلم لأنه لما تحدّى بكونه من أهل العلم حيث قال عَلى عِلْمٍ عِنْدِي وبخه الله تعالى أنه لم يعلم هذا العلم النافع حتى يقي به نفسه مصارع الهلكى. ووجه اتصال قوله وَلا يُسْئَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ بما قبله أنه تعالى إذا عاقب المجرمين فلا حاجة إلى أن يسألهم عن كيفية ذنوبهم وكميتها لأنه عالم بكل المعلومات. وقال أبو مسلم: أراد أنهم لا يسألون سؤال استيقان وإنما يسألون سؤال تقريع ومحاسبة فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ عن الحسن: في الحمرة والصفرة. وقيل: خرج على بغلة شهباء عليه ثوب أحمر أرجواني، وعلى البغلة سرج من ذهب ومعه أربعة آلاف على زيه. وقيل: عليهم وعلى خيولهم الديباج الأحمر، وعن يمينه ثلاثمائة غلام، وعن يساره ثلاثمائة جارية بيض عليهن الحلي والثياب الفاخرة. وقيل: في تسعين ألفا عليهم الثياب
الصفر. قال الراغبون في الحياة العاجلة يا لَيْتَ لَنا مِثْلَ ما أُوتِيَ قارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ والحظ الجد والبخت. عن قتادة: كانوا مسلمين تمنوا ذلك رغبة في الإنفاق في سبيل الخير. وقال آخرون: كانوا كفارا وقد مر في سورة النساء تحقيق الغبطة والحسد في قوله وَلا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ [النساء: 22] وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ بأحوال الدنيا وأنها عند الآخرة كلا شيء وَيْلَكُمْ وأصله الدعاء بالهلاك إلا أنه قد يستعمل في الردع والزجر بطريق النصح والإشفاق، والضمير في قوله وَلا يُلَقَّاها عائد إلى الكلمة المذكورة وهي قوله ثَوابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً أو إلى الصواب بمعنى المثوبة.
أو بتأويل الجنة، أو إلى السيرة والطريقة أي لا يلزم هذه السيرة إِلَّا الصَّابِرُونَ على الطاعات وعن الشهوات وعلى ما قسم الله وحكم به من الغنى وضده، وظاهر حال قارون ينبىء عن أنه كان ذا أشر وبطر واستخفاف بحقوق الله واستهانة بنبيه وكتابه، فلا جرم خسف الله به وبداره الأرض. إلا أن المفسرين فصلوا فقالوا: كان يؤذي نبي الله موسى وهو يداريه للقرابة التي كانت بينهما حتى نزلت الزكاة فصالحه عن كل ألف دينار على دينار، وعن كل ألف درهم على درهم، فحسبه فاستكثر فشحت به نفسه فجمع بني إسرائيل وقال: إن موسى يريد أن يأخذ أموالكم فقالوا: أنت كبيرنا فأمر بما شئت. فقال: ائتوا إلى فلانة البغي حتى ترميه بنفسها في جمع بني إسرائيل فجعل لها ألف دينار أو طستا مملوءا من ذهب. فلما كان يوم عيد قام موسى فقال: يا بني إسرائيل من سرق قطعناه، ومن افترى جلدناه، ومن زنى وهو غير محصن جلدناه، وإن أحصن رجمناه. فقال قارون: وإن كنت أنت؟ قال: وإن كنت أنا.
قال: فإن بني إسرائيل يزعمون أنك فجرت بفلانة. فأحضرت فناشدها موسى بالذي فلق البحر وأنزل التوراة أن تصدق فتداركها الله فقالت: كذبوا بل جعل لي قارون جعلا على أن أقذفك بنفسي فخر موسى ساجدا يبكي وقال: يا رب إن كنت رسولك فاغضب لي فأوحى إليه أن مر الأرض بما شئت فإنها مطيعة لك. فقال: يا بني إسرائيل إن الله قد بعثني إلى قارون كما بعثني إلى فرعون فمن كان معه فليلزم مكانه، ومن كان معي فليعتزل فاعتزلوا جميعا غير رجلين. ثم قال: يا أرض خذيهم فأخذتهم إلى الركب، ثم قال: خذيهم فأخذتهم إلى الأوساط. ثم قال: خذيهم فأخذتهم إلى الأعناق، وقارون وأصحابه يتضرعون إلى موسى ويناشدونه بالله والرحم وموسى لا يلتفت إليهم لشدة غضبه. ثم قال: خذيهم فانطبقت عليهم. فأوحى الله إلى موسى ما أفظك! استغاثوا بك مرارا فلم ترحمهم أما وعزتي لو إياي دعوا مرة واحدة لوجدوني قريبا مجيبا. قلت: لعل استغاثته كانت مقرونة بالتوبة وإلا فالعتاب بعيد. ثم إن بني إسرائيل أصبحوا يتناجون بينهم إنما دعا موسى على
قارون ليستفيد داره وكنوزه، فدعا الله حتى خسف بداره وأمواله. ومعنى مِنَ المُنْتَصِرِينَ من المنتقمين من موسى، أو من الممتنعين من عذاب الله وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكانَهُ أي منزلته من الدنيا وأسبابها بِالْأَمْسِ أي بالزمان المتقدم يَقُولُونَ راغبين في طاعة الله والرضا بقضائه وقسمته وَيْكَأَنَّ اللَّهَ من قرأ وي مفصولة عن كأن وهو مذهب الخليل وسيبويه فهي كلمة تنبيه على الخطأ وتندم كأنهم تنبهوا على خطئهم في تمنيهم وتندموا ثم قالوا وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ أي ما أشبه الحال بأن الكافرين لا ينالون الفلاح نظير هذا الاستعمال قول الشاعر:
ويكأن من يكن له نشب يح
…
بب ومن يفتقر يعيش عيش ضر
وعند الكوفيين: ويك بمعنى ويلك أي ألم تعلم أنه لا يفلح الكافرون. حكى هذا القول قطرب عن يونس، وجوّز جار الله أن تكون الكاف كاف الخطاب مضمومة إلى وي واللام مقدر قبل أن لبيان المقول لأجله هذا القول والتعليل أي لأنه لا يفلح الكفار كان ذلك الخسف.
قال في الكشاف قوله تِلْكَ تعظيم للدار الآخرة وتفخيم لشأنها يعني تلك التي سمعت ذكرها وبلغك وصفها. قلت: يحتمل أن يكون للتبعيد حقيقة. وفي قوله لا يُرِيدُونَ دون أن يقول «يتركون» زجر عظيم ووعظ بليغ كقوله وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا [هود: 113] حيث علق الوعيد بالركون عن علي أن الرجل يعجبه أن يكون شراك نعله أجود من شراك نعل صاحبه فيدخل تحته. ومن الناس من رد العلو إلى فرعون والفساد إلى قارون لقوله تعالى إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الْأَرْضِ [القصص: 4] وقال في قصة قارون وَلا تَبْغِ الْفَسادَ فِي الْأَرْضِ وضعف هذا التخصيص بيّن لقوله في خاتمة الآية وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ قوله مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ الآية، قد مر تفسير مثله في آخر «الأنعام» وفي آخر «النمل» . وقوله فَلا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ من وضع الظاهر موضع المضمر إذ كان يكفي أن يقال «فلا تجزون» إلا أنه أراد فضل تهجين لحالهم بإسناد عمل السيئات إليهم مكررا، وفي ذلك لطف للسامعين في زيادة تبغيض السيئة إلى قلوبهم. ثم أراد أن يسلي رسوله في خاتمة السورة فقال إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ أي أوجب عليك تلاوته وتبليغه والعمل بما فيه لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ وأي معاد فتنكير المعاد للتعظيم وأنه ليس لغيره من البشر مثله يعني أن الذي حملك صعوبة تكليف التبليغ وما يتصل به لمثيبك عليها ثوابا لا يحيط به الوصف. وقيل: أراد عوده إلى مكة يوم الفتح، ووجه التنكير ظاهر لأن مكة