المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

لا للاستفهام مع الفاء يُؤْفَكُونَ هـ وَيَقْدِرُ لَهُ ط عَلِيمٌ - تفسير النيسابوري = غرائب القرآن ورغائب الفرقان - جـ ٥

[النيسابوري، نظام الدين القمي]

فهرس الكتاب

- ‌[المجلد الخامس]

- ‌(سورة الأنبياء

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 1 الى 20]

- ‌القراآت

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 21 الى 50]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 51 الى 91]

- ‌القراآت

- ‌الوقوف:

- ‌ التفسير

- ‌التأويل:

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 92 الى 112]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌(سورة الحج)

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 1 الى 22]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 23 الى 41]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 42 الى 64]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 65 الى 78]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌(سورة المؤمنون)

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 1 الى 30]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 31 الى 56]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 57 الى 90]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 91 الى 118]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌(سورة النور)

- ‌[سورة النور (24) : الآيات 1 الى 10]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة النور (24) : الآيات 11 الى 26]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة النور (24) : الآيات 27 الى 34]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة النور (24) : الآيات 35 الى 50]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة النور (24) : الآيات 51 الى 64]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌(سورة الفرقان)

- ‌[سورة الفرقان (25) : الآيات 1 الى 20]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة الفرقان (25) : الآيات 21 الى 50]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة الفرقان (25) : الآيات 51 الى 77]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌(سورة الشعراء)

- ‌[سورة الشعراء (26) : الآيات 1 الى 68]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة الشعراء (26) : الآيات 69 الى 122]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة الشعراء (26) : الآيات 123 الى 175]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة الشعراء (26) : الآيات 176 الى 227]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌(سورة النمل)

- ‌[سورة النمل (27) : الآيات 1 الى 14]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة النمل (27) : الآيات 15 الى 44]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة النمل (27) : الآيات 45 الى 66]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة النمل (27) : الآيات 67 الى 93]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌(سورة القصص)

- ‌[سورة القصص (28) : الآيات 1 الى 21]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة القصص (28) : الآيات 22 الى 42]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة القصص (28) : الآيات 43 الى 70]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة القصص (28) : الآيات 71 الى 88]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌(سورة العنكبوت)

- ‌[سورة العنكبوت (29) : الآيات 1 الى 15]

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة العنكبوت (29) : الآيات 16 الى 41]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة العنكبوت (29) : الآيات 42 الى 69]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌(سورة الروم)

- ‌[سورة الروم (30) : الآيات 1 الى 32]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة الروم (30) : الآيات 33 الى 60]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌(سورة لقمان)

- ‌[سورة لقمان (31) : الآيات 1 الى 19]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة لقمان (31) : الآيات 20 الى 34]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌(سورة ألم السجدة)

- ‌[سورة السجده (32) : الآيات 1 الى 30]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌(سورة الأحزاب)

- ‌[سورة الأحزاب (33) : الآيات 1 الى 20]

- ‌القراآت:

- ‌ الوقوف

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة الأحزاب (33) : الآيات 21 الى 40]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة الأحزاب (33) : الآيات 41 الى 73]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌(سورة سبأ)

- ‌[سورة سبإ (34) : الآيات 1 الى 21]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة سبإ (34) : الآيات 22 الى 54]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌(سورة فاطر)

- ‌[سورة فاطر (35) : الآيات 1 الى 26]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة فاطر (35) : الآيات 27 الى 45]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌(سورة يس)

- ‌[سورة يس (36) : الآيات 1 الى 44]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة يس (36) : الآيات 45 الى 83]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌(سورة والصافات)

- ‌[سورة الصافات (37) : الآيات 1 الى 82]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌ التفسير

- ‌التأويل:

- ‌[سورة الصافات (37) : الآيات 83 الى 182]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌(سورة ص)

- ‌[سورة ص (38) : الآيات 1 الى 40]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة ص (38) : الآيات 41 الى 88]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌(سورة الزمر)

- ‌[سورة الزمر (39) : الآيات 1 الى 31]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌الفهرس

الفصل: لا للاستفهام مع الفاء يُؤْفَكُونَ هـ وَيَقْدِرُ لَهُ ط عَلِيمٌ

لا للاستفهام مع الفاء يُؤْفَكُونَ هـ وَيَقْدِرُ لَهُ ط عَلِيمٌ هـ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ط الْحَمْدُ لِلَّهِ ط لتمام المقول لا يَعْقِلُونَ هـ وَلَعِبٌ ط الْحَيَوانُ ط لأن الشرط غير معلق يَعْلَمُونَ هـ الدِّينَ هـ يُشْرِكُونَ لا لتعلق لام كي ومن جعلها لام أمر تهديد وقف عليه آتَيْناهُمْ ط لمن قرأ وَلِيَتَمَتَّعُوا بالجزم على استئناف الأمر، ومن جعل لام لِيَكْفُرُوا للأمر عطف هذه عليها فلم يقف. وَلِيَتَمَتَّعُوا لا لاستئناف التهديد يَعْلَمُونَ هـ مِنْ حَوْلِهِمْ ط يَكْفُرُونَ هـ جاءَهُ ط لِلْكافِرِينَ هـ سُبُلَنا ط الْمُحْسِنِينَ هـ.

‌التفسير:

هذا توكيد للمثل المذكور وزيادة عليه حيث لم يجعل ما يدعونه شيئا هذا على تقدير كون «ما» نافية و «من» زائدة، ويجوز أن تكون استفهاما نصبا ب يَدْعُونَ أو بمعنى الذي و «من» للتبيين المراد ما يدعون من دونه من شيء فإن الله يعلمه. وهو العزيز الحكيم قادر على إعدامه وإهلاكهم لكنه حكيم يمهلهم ليكون الهلاك عن بينة والحياة عن بينة. وفيه أيضا تجهيل لهم حيث عبدوا ما هو أقل من لا شيء وتركوا عبادة القاهر القادر الحكيم. ثم إن الجهلة من قريش كانوا يسخرون من ضرب المثل بالذباب والعنكبوت ونحوهما فنزلت وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ وَما يَعْقِلُها إِلَّا الْعالِمُونَ وذلك لأن الأمثال والتشبيهات وسائل إلى المعاني المحتجبة في الأستار كما سبق في أول البقرة، حيث ضرب المثل بالبعوضة. قال الحكيم: العلم الحدسي يعرفه العاقل، وأما إذا كان فكريا دقيقا فإنه لا يعقله إلا العالم لافتقاره إلى مقدمات سابقة. والمثل مما يفتقر في إدراك صحته وحسن موقعه إلى أمور سابقة ولا حقة يعرف بها تناسب مورده ومضربه وفائدة إيراده فلا يعقل صحتها إلا العلماء. وحين أمر الخلق بالإيمان وأظهر الحق بالبرهان وقص قصصا فيها عبر، وأنذر أهل الكفر بإهلاك من غبر ووصف سبيل أهل الأباطيل بالتمثيل، قوى قلوب أهل الإيمان بأن كفرهم ينبغي أن لا يورث شكا في صحة دينكم، وشكهم يجب أن لا يؤثر في رد يقينكم، ففي خلق السموات والأرض بالحق بيان ظاهر وبرهان باهر وإن لم يؤمن به على وجه الأرض كافر. وإنما قال هاهنا لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ مع قوله وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ وقوله إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ إلى قوله لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ [البقرة: 164] لأن المؤمن لا يقصر نظره من الخلق على معرفة الخالق فحسب ولكنه يرتقي منه إلى نعوت الكمال والجلال فيعرف أنه خلقهما متقنا محكما وهو المراد بقوله بِالْحَقِّ والخلق المتقن المحكم لا يصدر إلا عن العالم بالكليات والجزئيات، وإلا عن الواجب الواحد الذات والصفات كقوله لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا [الأنبياء: 22] ثم يرتقي من مجموع هذه المقدمات إلى صحة الرسالة وحقيقة المعاد فيحصل له الإيمان بتمامه من خلق ما خلقه على أحسن نظامه. وإنما

ص: 388

وحد الآية هاهنا لأنه إشارة إلى التوحيد وهو سبحانه واحد لا شريك له. وفي قصة إبراهيم إشارة إلى النبوة وفي النبيين صلى الله عليهم وسلم كثرة. وحيث قوى قلب المؤمنين بالتخصيص المذكور سلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله اتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتابِ لتعلم أن نوحا ولوطا وغيرهما بلغوا الرسالة وبالغوا في إقامة الدلالة، ولم ينقذوا قومهم من الضلالة والجهالة، ولهذا قال اتْلُ ولم يقل «اتل عليهم» لأن التلاوة بعد اليأس منهم ما كانت إلا لتسلية قلب النبي صلى الله عليه وسلم. أو نقول: إن الكاتب الإلهي قانون كلي فيه شفاء للصدور فيجب تلاوته مرة بعد أخرى ليبلغ إلى حد التواتر وينقله قرن إلى قرن ويأخذه قوم من قوم إلى يوم النشور. وأيضا فيه من العبر والمواعظ ما يهش لها الأسماع وتطمئن إليها القلوب كالمسك يفوح لحظة فلحظة، وكالروض يستلذه النظر ساعة فساعة. وفي الجمع بين الأمرين التلاوة وإقامة الصلاة معنيان: أحدهما زيادة تسلية النبي صلى الله عليه وسلم كأنه قيل له: إذا تلوت ولم يقبل منك فأقبل على الصلاة لأنك واسطة بين الطرفين، فإن لم يتصل الطرف الأول وهو من الخالق إلى المخلوق، فليتصل الطرف الآخر وهو من المخلوق إلى الخالق. والثاني أن العبادات إما اعتقادية وهي لا تتكرر بل تبقى مستمرا عليها. وإما لسانية، وإما بدنية خارجية وأفضلها الصلاة، فأمر بتكرار الذكر والصلاة حيازة للفضيلتين ثم علل الأمر بإقامة الصلاة فقال إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ فقال بعض المفسرين: أراد بالصلاة القرآن وفيه النهي عنهما وهو بعيد وقيل: أراد نفس الصلاة وإنما تنهى عنهما ما دام العبد في الصلاة، وضعف بأنه ليس مدحا كاملا لأن غيرها من الأعمال الفاضلة والمباحة قد يكون كذلك كالنوم وغيره. والذي عليه المحققون أن للصلاة لطفا في ترك المعاصي فكأنها ناهية عنها وذلك إذا كانت الشروط من

الخشوع وغيره مرعية. فقد روي عن ابن عباس: من لم تأمره صلاته بالمعروف ولم تنهه عن المنكر لم يزدد بصلاته من الله إلا بعدا.

وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قيل له: إن فلانا يصلي بالنهار ويسرق بالليل. فقال: إن صلاته لتردعه

وروي أن فتى من الأنصار كان يصلي معه الصلاة ثم يرتكب الفواحش، فوصف ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن صلاته ستنهاه، فلم يلبث أن تاب.

وعلى كل حال فالمراعي لأوقات الصلاة لا بد أن يكون أبعد من القبائح. واللفظ لا يقتضي إلا هذا القدر وكيف لا تنهى ونحن نرى أن من لبس ثوبا فاخرا فإنه يتجنب مباشرة القاذورات، فمن لبس لباس التقوى كيف لا يتجنب الفواحش.

وأيضا الصلاة توجب القرب من الله تعالى كما قال وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ [العلق: 19] ومقرّب الملك المجازي يجل منصبه أن يتعاطى الأشغال الخسيسة فكيف يكون مقرب الملك الحقيقي؟

وأيضا من دخل في خدمة ملك فأعطاه منصبا له مقام خاص مرتفع فإذا دخل وجلس في صف النعال لم يتركه الملك هنالك، فإذا صار العبد برعاية شروط الصلاة وحقوقها من

ص: 389

أصحاب اليمين فكيف يتركه الله الكريم في أصحاب الشمال؟ وتفسير الفحشاء والمنكر مذكور مرارا، وقال أهل التحقيق: الفحشاء التعطيل وهو إنكار وجود الصانع، والمنكر الإشراك به وهو إثبات إله غير الله وذلك أن وجود الواجب الواحد أظهر من الشمس وإنكار الظاهر منكر ظاهر. واعلم أن الصلاة لها هيئة فأولها وقوف بين يدي الله كوقوف العبد بين يدي السلطان، وآخرها جثو بين يدي الله كما يجثو أهل الإخلاص بين يدي السلطان. وإذا جثا في الدنيا هكذا لم يجث في الآخرة كما قال وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيها جِثِيًّا [مريم: 72] فالمصلي إذا قال «الله» نفى التعطيل وإذا قال «أكبر» نفى الشرك لأن الشريك لا يكون أكبر من الشريك الآخر فيما فيه الاشتراك، وإذا قال بِسْمِ اللَّهِ نفى التعطيل، وإذا قال الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ نفى الإشراك لأن الرحمن هو المعطي للوجود بالخلق والرحيم هو المفيض للبقاء بالرزق، وهكذا الْحَمْدُ لِلَّهِ خلاف التعطيل، وقوله رَبِّ الْعالَمِينَ خلاف التشريك وفي قوله إِيَّاكَ نَعْبُدُ نفى التعطيل والإشراك من حيث إفادة التقديم الاختصاص بالعبادة، وكذا قوله وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ وفي قوله اهْدِنَا الصِّراطَ نفي التعطيل لأن المعطل لا مقصد له.

وفي قوله الْمُسْتَقِيمَ نفى الإشراك لأن المستقيم أقرب الطرق وهو أحد، والمشرك يزيد في الطريق بتحصيل الوسائط. وعلى هذا إلى آخر الصلاة وهو قوله في التشهد «أشهد أن لا إله إلا الله» نفى التعطيل والإشراك، فأول الصلاة «الله» وآخرها «الله» . ثم إن الله سبحانه كأنه قال للعبد: أنت إنما وصلت إلى هذه المنزلة الرفيعة بهداية محمد صلى الله عليه وسلم، فقل بعد ذكري:

أشهد أن محمدا رسول الله، واذكر إحسانه بالصلاة عليه. ثم إذا رجعت من معراجك وانتهيت إلى إخوانك فسلم عليهم وبلغهم سلامي كما هو دأب المسافرين وَلَذِكْرُ اللَّهِ أي الصلاة أَكْبَرُ من غيرها من الطاعات. وفي تسمية الصلاة بالذكر إشارة إلى أن شرف الصلاة بالذكر. وجوز في الكشاف أن يراد ولذكر الله عند الفحشاء والمنكر وذكر نهيه عنهما ووعيده عليهما أكبر فكان أولى بأن ينهى من اللطف الذي في الصلاة. وعن ابن عباس:

ولذكر الله إياكم برحمته أكبر من ذكركم إياه بالطاعة. وَاللَّهُ يَعْلَمُ ما تَصْنَعُونَ من الأعمال فيثيبكم أو يعاقبكم على حسب ذلك.

وحين بين طريقة إرشاد المسلمين ونفع من انتفع واليأس ممن امتنع، أراد أن يبين طريقة إرشاد أهل الكتاب وهي مجادلتهم بالخصلة التي هي أحسن، يعني مقابلة الخشونة باللين والغضب بالحلم والعجلة بالتأني. قال بعض المفسرين: أراد لا تجادلهم بالسيف وإن لم يؤمنوا إلا إذا ظلموا فنبذوا الذمة أو منعوا الجزية. وقيل: إلّا الذين أشركوا منهم بإثبات الولد لله والقول بثالث ثلاثة وقيل: إلا الذين آذوا رسول الله. والتحقيق أن أكثر أهل الكتاب جاؤا بكل حسن إلا الاعتراف بمحمد صلى الله عليه وسلم فوحدوا وآمنوا بإنزال الكتب وإرسال الرسل

ص: 390

والمبدأ والمعاد، فلمقابلة إحسانهم يجادلون أولا بالأحسن، ولا تستهجن آراؤهم ولا ينسب إلى الضلال آباؤهم بل يقال لهم آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنا إلى آخر الآية.

وعن النبي صلى الله عليه وسلم «ما حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم وقولوا آمنا بالله وكتبه ورسله، فإن كان باطلا لم تصدقوهم، وإن كان حقا لم تكذبوهم» «1»

ثم ذكر دليلا قياسيا فقال وَكَذلِكَ يعني كما أنزلنا على من تقدمك أنزلنا عليك وقال جار الله: هو تحقيق لقوله آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنا أي ومثل ذلك الإنزال أنزلناه مصدقا لسائر الكتب السماوية. فَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ هم عبد الله بن سلام وأضرابه وَمِنْ هؤُلاءِ أي من أهل مكة أو الأولون هم الأقدمون من أهل الكتاب، والآخرون هم المعاصرون منهم للنبي صلى الله عليه وسلم وقيل: الأولون هم الأنبياء لأن كلهم آمنوا بكلهم ومن هؤلاء هم أهل الكتاب وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا مع وضوحها إلا المصرون على الكفر المتوغلون فيه نحو كعب بن الأشرف وأصحابه. واعلم أن المجادل إذا ذكر مسألة خلافية كقوله: الزكاة تجب في مال الصغير. فإذا قيل له: لم؟ قال: كما تجب النفقة في ماله ولا يذكر الجامع بينهما. فإن فهم الجامع من نفسه فذاك، وإلا قيل له: لأن كليهما مال فضل عن الحاجة. فالله سبحانه ذكر أولا التمسك بقوله وَكَذلِكَ أَنْزَلْنا ثم ذكر الجامع بقوله وَما كُنْتَ تَتْلُوا الآية. وفي قوله بِيَمِينِكَ زيادة تصوير لما نفى عنه من كونه كاتبا. ومعنى إِذاً لَارْتابَ لو كان شيء من ذلك أي من التلاوة والخط لارتاب الْمُبْطِلُونَ من أهل الكتاب، وارتاب الذين من شأنهم الركون إلى الأباطيل، لأن النبي إذا كان قارئا كاتبا أمكن أن يسبق إلى الوهم أن الكلام كلامه لا كلام الله، وإذا كان أميا فلا مجال لهذا الوهم. أو المراد أن سائر الأنبياء لم يكونوا أميين ووجب الإيمان بهم لمكان معجزتهم فهبوا أنه قارئ كاتب أليس صاحب آيات ومعجزات فإذا هم مبطلون على كل حال. ثم أكد إزالة ريبهم بقوله بَلْ هُوَ يعني القرآن آياتٌ بَيِّناتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وهو الحفاظ والقراء وسائر الكتب السماوية، ما كانت تقرأ إلا من القراطيس ولهذا جاء في صفة هذه الأمة «صدورهم أناجيلهم» وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا الباهرة النيرة إلا المتوغلون في الظلم. سماهم أولا كافرين لأجل مجرد الجحود، ثم بعد بيان المعجزة سماهم ظالمين لأن الكفر إذا انضم معه الظلم كان أشنع. ويجوز أن يراد بالظلم الشرك كأنهم بغلوهم في الجحود ألحقوا بأهل الشرك حكما أو حقيقة. ولما بين الدليل من جانب النبي صلى الله عليه وسلم ذكر شبهتهم وهي الفرق بين المقيس والمقيس عليه، وذلك أن موسى أوتي تسع آيات علم بها كون الكتاب من عند الله وأنت ما أوتيت شيئا منها فأرشد الله نبيه إلى الجواب

(1) رواه البخاري في كتاب الشهادات باب 29. كتاب تفسير سورة 2 باب 11. أبو داود في كتاب العلم باب 2. أحمد في مسنده (4/ 136) .

ص: 391

وهو أن يقول إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللَّهِ ووجهه أنه ليس من شرط الرسالة إظهار المعجزة وإنما المعجزة بعد التوقف في الرسالة، ولهذا علم وجود رسل كشيث وإدريس وشعيب، ولم يعلم لهم معجزة وكان في بني إسرائيل أنبياء لم تعرف نبوتهم إلا بقول موسى أو غيره، فليس على النبي إلا النذارة. وأما إنزال الآية فإلى رحمة الله إذا شاء تخليص القوم من تصديق المتنبئ وتكذيب النبي. ثم قال أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ الآية. والمعنى هبوا أن إنزال الآية شرط أليس القرآن المتلو الذي أخرس شقاشق فصحائهم كافيا في بيان الإعجاز؟ إِنَّ فِي ذلِكَ المتلو على وجه الأرضين لَرَحْمَةً من الله على الخلق وإلا اشتبه عليهم النبي بالمتنبئ وَذِكْرى ليتعظ بها الناس ما بقي الزمان. وإنما كانت هذه الرحمة من الله على الخلق والتذكرة مختصة بالمؤمنين، لأن المعجزة للكافرين سبب لمزيد الإنكار المستلزم لإلزام الحجة والخلود في النار، ثم ختم الدلائل بأن أمر نبيه صلى الله عليه وسلم بكلام منصف وهو قوله كَفى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً وقال في آخر سورة الرعد قُلْ كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ [الآية: 43] لأن الكلام هناك مع المشركين فاستشهد عليهم بأهل الكتاب أيضا وأما هنا فالكلام مع أهل الكتاب فاقتصر على شهادة الله، ثم بين كون شهادة الله كافية بقوله يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ثم هددهم بقوله وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْباطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ وهما متلازمان لأن الإيمان بما سوى الله وهو الباطل الهالك الزائل الزاهق كفر بالله وجحود بحقه. أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ لا يستحق لهذا الاسم في الحقيقة غيرهم إذ لا غبن أفحش من اشتراء الباطل بالحق والكفر بالإيمان وإضاعة العمر في عبادة ما لا ينفعهم بل يضرهم قيل: إن ناسا من المسلمين أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بكتف قد كتبوا فيها بعض ما يقول اليهود، فلما نظر إليها ألقاها وقال: كفى بها حماقة قوم أن يرغبوا عما جاءهم به نبيهم إلى ما جاء به غير نبيهم فنزلت أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ الآية.

ويروى أن كعب بن الأشرف وأصحابه قالوا: يا محمد من يشهد لك بأنك رسول الله؟ فنزلت قُلْ كَفى الآية.

فعلى هذا فالآية نازلة في المشركين، وعلى ما مر فهل يتناول أهل الكتاب؟ قالوا: نعم، لأنه صح عندهم معجزة محمد صلى الله عليه وسلم وقطعوا بأنها ليست من عند الله بل من تلقاء محمد صلى الله عليه وسلم فيلزمهم أن يقولوا: إن محمدا هو الله فيكون إيمانا بالباطل وكفرا بالله. قلت: ولعل وجه التناول هو أنهم آمنوا بالمحرف من التوراة وعبدوا العجل والله أعلم. ثم إن النضر بن الحرث وغيره من كفار قريش كانوا يستعجلون بالعذاب كما مر استهزاء منهم وتكذيبا فنزلت وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَلَوْلا أَجَلٌ مُسَمًّى هو الموت أو يوم بدر أو ما كتب في اللوح أنه لا يعذب هذه الأمة عذاب الاستئصال إلى يوم القيامة. وقوله وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ تأكيد للبغتة، أو هو كلام مستقل أي إنهم لا يشعرون هذا الأمر ويظنون أن العذاب لا يأتيهم أصلا.

ص: 392

ثم كرر قوله يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ تعجبا منهم وتعجيبا، فإن من توعد بأمر يسير كلطمة أو لكمة يحتمل أن يظهر من نفسه الجلادة ويقول: هات ما عندك. وأما الذي توعد بإحراق ونحوه فكيف يتجلد ويستعجل خصوصا إذا كان الموعد لا يخلف الميعاد ويقدر على كل ما أراد. وقوله لَمُحِيطَةٌ بمعنى الاستقبال أي ستحيط بهم يوم كذا ويجوز أن يكون بمعنى الحال حقيقة لأن المعاصي التي توجبها محيطة بهم في الدنيا، أو مجازا لأن جهنم مآلهم ومرجعهم فكأنها الساعة محيطة بهم. والظرف على هذين الوجهين منصوب بمضمر أي يَوْمَ يَغْشاهُمُ الْعَذابُ كان كيت وكيت. وإنما خص الغشيان بالفوق والتحت دون باقي الجهات، لأن نار جهنم بذلك تتميز عن نار الدنيا لأن نار الدنيا، لا تنزل من فوق ولا تؤثر شعلتها من تحت بل تنطفئ الشعلة تحت القدم، وإنما لم يقل «ومن تحتهم» كما قال مِنْ فَوْقِهِمْ لأن نزول النار من فوق عجيب سواء كان من سمت الرأس أو من موضع آخر. وأما الاشتعال من تحت فليس بعجيب إلا حيث يحاذي الرجل. ويجوز أن يكون زيادة الأرجل تصويرا لوقوفهم في النار أو لجثوهم فيها. وقوله ذُوقُوا ما كُنْتُمْ أي جزاء ما كنتم تعملونه أمر إهانة، وحين ذكر حال الكفرة من أهل الكتاب والمشركين وجمعهم في الإنذار وجعلهم من أهل النار اشتد عنادهم وزاد فسادهم وسعوا في إيذاء المؤمنين ومنعهم من عبادة الله فقال يا عِبادِيَ

فإن كانت الإضافة للتشريف كقوله عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللَّهِ [الدهر: 6] فقوله الَّذِينَ آمَنُوا

صفة موضحة. وإن كانت للتخصيص فهي صفة مميزة.

ومعنى الآية أن المؤمن إذا لم يتسهل له عبادة الله في بلد على وجه الإخلاص فليهاجر عنه إلى بلد يكون فيه أفرغ بالا أو أرفع حالا وأقل عوارض نفسانية وأكمل دواعي روحانية

عن رسول الله صلى الله عليه وسلم «من فر بدينه من أرض إلى أرض وإن كان شبرا من الأرض استوجب الجنة وكان رفيق إبراهيم ومحمد» .

واعلم أني عند الوصول إلى تفسير هذه السورة عنّ لي سفر من غير اختيار كلي فأقول متضرعا إلى الله الكريم ومستمدا من إعجاز الفرقان العظيم: اللهم إن كنت تعلم أن هذا السفر مشوب بشيء من رضاك فإن كل الرضا لا يمكنني أن أراعيه فاجعله سببا لنجح المقاصد وحصول المآرب والاشتمال على الفوائد الدنيوية والدينية والخلاص من شماتة الأعداء الدنية حتى أفرع لنشر العلوم الشرعية إنك على ما تشاء قدير وبالإسعاف والإجابة جدير. والفاء في قوله فَإِيَّايَ

للدلالة على أنه جواب الشرط كأنه.

قال: إذا كان لا مانع من عبادتي فاعبدوني ثم أريد معنى الاختصاص والإخلاص فقدم المفعول على شريطة التفسير، وجيء بالفاء الثانية الدالة على ترتيب المقتضى على المقتضي كما يقال: هذا عالم فأكرموه كما مر في قوله وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ [البقرة: 40] فصار حاصل المعنى:

ص: 393

إن لم تخلصوا العبادة لي في أرض فاخلصوها لي في غيرها. والفائدة في الأمر بالعبادة بعد قوله يا عِبادِيَ

الدال على العبودية إما المداومة أي يا من عبدتموني في الماضي اعبدوني في المستقبل، أو الإخلاص في العبادة. ويجوز أن يقال: العبودية غير العبادة، فكم من عبد لا يطيع سيده، ثم لما أمر المؤمنين بالمهاجرة صعب عليهم ترك الأوطان ومفارقة الإخوان والخلان فقال كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ أي إن الذي تكرهون لا بد من وقوعه فالأولى أن يكون ذلك في سبيل الله ثُمَّ إِلَيْنا تُرْجَعُونَ فنثيبكم على ذلك، وفيه أن كل نفس ذائقة الموت اضطرارا فمن أراد أن لا يموت أبدا فليمت اختيارا فإن أولياء الله لا يموتون ولكن ينقلون من دار إلى دار. ثم بين أن للمؤمنين الجنان في مقابلة ما للكافرين من النيران، وأن في الجنة غرفا تجري من تحتها الأنهار في مقابلة ما يحيط بالكافرين من النار. وبين أن ذلك أجر عملهم بقوله نِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ بإزاء ما بين جزاء عمل الكفار بقوله ذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ وقوله لَنُبَوِّئَنَّهُمْ ألننزلنهم مِنَ الْجَنَّةِ عوالي ومن قرأ بالثاء المثلثة فمن الثواء يقال: ثوى في المنزل لازما وأثوى غيره متعديا إلى واحد. فانتصاب غُرَفاً إما بنزع الخافض، وإما لتضمين الإثواء معنى التبوئة والإنزال، وإما التشبيه الظرف المؤقت بالمبهم. ثم مدح الَّذِينَ صَبَرُوا على المكاره في الحال. وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ فيما يحتاجون إليه في الاستقبال. وكل واحد من الصبر والتوكل يحتاج إليه المسافر والمقيم، فكما أن المهاجر يصبر على فراق الأوطان ويتوكل في سفره على الرحمن، فالمتوطن يصبر على الأذيات والمحن ويتوكل في أموره على فضل ذي المنن. والصبر والتوكل صفتان لا تحصلان إلا مع سعة العلم بالله وبما سوى الله، فمن علم أنه باق لا يصبر عنه ولا يتوكل في الأمور إلا عليه، ومن علم أن ما سواه فإن هان عليه الصبر وعلم أنه لا يصلح للاعتماد عليه. ثم ذكر ما يعين على الصبر والتوكل وهو النظر في حال الدواب.

وقال المفسرون: لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من أسلم بمكة بالهجرة خافوا الفقر والضيعة فكان الرجل منهم يقول: كيف أقدم بلدة ليست لي فيها معيشة فنزلت وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا

عن الحسن أي لا تدخره وقال غيره: لا تطيق حمل الرزق اللَّهُ يَرْزُقُها بإيجاد غذائها وهدايتها إليه. ثم بتشبث ذلك الغذاء بالمغتذي بتوسط قوى أودعها فيها وهيأها لذلك. وَإِيَّاكُمْ بمثل ما قلنا وبزيادة الاهتداء إلى وجوه المكاسب والمعايش وترتيب الملبس والمسكن وتهيئة الأقوات وادخار الأموال وتملكها اختيارا وقهرا، ومنه يعلم أن الاشتغال بترتيب بعض الوسائط وتدبيرها لا ينافي التوكل فقد يكون الزارع الحاصد متوكلا والراكع الساجد غير متوكل. عن ابن عيينة: ليس شيء يخبأ إلا الإنسان والنملة والفأرة وللعقعق مخابئ إلا أنه

ص: 394

ينساها. وحكي أن البلبل يحتكر في حضنيه أي يجمع. وإذا كان أكثر الحيوان على صورة المتوكلين فالإنسان العاقل العارف بالمبدأ والمعاد، العالم بوجوه المكاسب الذي يأتيه الرزق من جهات الإرث والعمارة والهدية ونحوها، كيف يظاهر على الحطام الزائل أشد حرص؟! وَهُوَ السَّمِيعُ لدعاء طلبة الرزق الْعَلِيمُ بطوياتهم ومقادير حاجاتهم. ثم عجب أهل العجب من حال المشركين من أهل مكة وغيرهم لم يعبدوا الله مخلصين مع علمهم بأنه خالقهم ورازقهم، فكيف يصرفون عن توحيد الله؟ فإن من علمت عظمته وجبت خدمته، ولا عظمة فوق عظمة خالق الذرات وإليه أشار بخلق الأرض والسموات موجد الصفات وإليه الإشارة بتسخير الشمس والقمر ولا حقارة فوق حقارة الجماد لأنه دون النبات وهو دون الحيوان وهو دون الإنسان وهو دون سكان السموات، فكيف يتركون عبادة أشرف الموجودات ويشتغلون بعبادة أخس المخلوقات، وحين ذكر الخلق أتبعه ذكر الرزق وحكمة البسط والقبض في ذلك الباب. ومعنى يَقْدِرُ يضيق فالضمير في لَهُ إما للشخص المعين المبسوط له والمراد أن تعاقب الأمرين عليه بمشيئة الله وإما لمبهم غير معين كأن الضمير وضع موضع من يشاء. وفي قوله إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ إشارة إلى أنه عالم بمقادير الحاجات فإذا علم احتياج العبد إلى الرزق أوصله إليه من غير تأخير إن شاء.

ثم احتج على المشركين بوجه آخر وهو اعترافهم بأن إحياء الأرض الميتة بواسطة تنزيل ماء السماء هو من الله. ثم قال قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وهو كلام مستقل على سبيل الاعتراض أو هو متصل بما قبله كأنه استحمد رسوله على البراءة من التناقض والتهافت خلاف أهل الشرك المعترفين بأن النعمة من الله ثم يتركون عبادته إلى عبادة الصنم الذي لا يملك نفعا ولا ضرا. وفيه أن العالم إذا لم يعمل بعلمه انخرط في سلك من لا عقل له ولهذا عقبه بقوله بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ وقال جار الله: أراد لا يعقلون ما يقولون وما فيه من الدلالة على بطلان الشرك وصحة التوحيد، أو لا يعقلون ما تريد بقولك:«الحمد لله» ولا يفطنون لم حمدت الله عند مقالتهم. واعلم أن المشركين معترفون بأن الخلق والرزق من الله، ولكن حب الدنيا وزينتها حملتهم على موافقة أهل الشرك والمداومة على الدين الباطل، فصغر الله تعالى أمر الدنيا وعظم أمر الآخرة ليعلم أن رعاية جانب الآخرة أهم من رعاية صلاح الدنيا. قال أهل العلم: الإقبال على الباطل لعب، والإعراض عن الحق لهو، والمشتغل بالدنيا كذلك. ويمكن أن يقال: المشتغل بها لا على وجه الاستغراق بل على وجه يفرغ لبعض أمور الآخرة لاعب، والمشغول بها بحيث ينسى الآخرة بالكلية لاه وحين كان الكلام في الأنعام بعد ذكر الآخرة وما يجري فيها من الحيرة والحسرة قدم اللعب هنالك

ص: 395

لأن الاستغراق الكلي بالنسبة إلى أهل الآخرة أبعد فأخر الأبعد. ولما كان المذكور هاهنا من قبيل الدنيا ولهذا أشار إليها بقوله وَما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا وقال في الأنعام وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا [الآية: 32] وهي خداعة تدعو النفوس إلى الإقبال عليها بالكلية، فلا جرم قدم اللهو. ويحتمل أن يقال: إنه تعالى قدم اللعب على اللهو في موضعين من «الأنعام» وكذلك في القتال ويقال لها «سورة محمد» صلى الله عليه وسلم وفي «الحديد» . وقدم اللهو على اللعب في «الأعراف» و «العنكبوت» . فاللعب مقدم في الأكثر لأن اللعب زمانه الصبا، واللهو زمانه الشباب، وزمان الصبا مقدم على زمان الشباب.

«تنبيه» ما ذكر في الحديد اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ كلعب الصبيان وَلَهْوٌ كلهو الشبان وزِينَةٌ كزينة النسوان وَتَفاخُرٌ كتفاخر الإخوان وَتَكاثُرٌ [الآية: 20] كتكاثر السلطان وقدم اللهو في الأعراف لأن ذلك في القيامة فذكر على ترتيب ما انقضى وبدأ بما بدأ به الإنسان وانتهى من الجانبين. وأما هذه السورة فأراد فيها ذكر سرعة زمان الآخرة، فبدأ بذكر ما هو أكثر ليكون إلى المقصود أقرب. ثم إن الحال في سورة الأنعام لما كانت حال إظهار الحسرة لم يحتج المكلف إلى وازع قوي فاقتصر على قوله وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ [الأنعام: 32] ولما كان هاهنا حال الاشتغال بالدنيا احتاج إلى وازع أقوى فقال وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ أي لا حياة إلا حياة الآخرة وليس فيها إلا حياة مستمرة دائمة بلا موت فكأنها في ذاتها حياة. ولا يخفى ما في التركيب من أنواع المبالغة من جهة «إن» ومن جهة صيغة الفصل، ولام التأكيد، وبناء الفعلان بتحريك العين وهو مصدر «حيي» بياءين لفقد ما عينه ياء ولامه واو. ولو كانا واوين لقيل: حوى مثل قوى وقياسه «حييان» بياءين قلبت الثانية واوا على منوال حيوة في اسم رجل. ولأن المبالغة هاهنا أزيد مما في الأنعام قال هاهنا لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ وهنالك أَفَلا تَعْقِلُونَ [الأنعام: 32] لأن المعلوم أكثر مقدمة من المعقول وقد مر في السورة ثم أشار بقوله فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ إلى أن المانع من التوحيد والإخلاص هو الحياة الدنيا لأنهم إذا انقطع رجاؤهم رجعوا إلى الفطرة الشاهدة بالتوحيد والإخلاص، فإذا نجاهم إلى البر عادوا إلى ما كانوا عليه من حب الدنيا وأشركوا لأجلها. ثم بين أن نعمة الأمن يجب أن تقابل بالشكر لا بالكفر فقال أَوَلَمْ يَرَوْا الآية. وقد مر مثله في «القصص» . ثم ذكر أن الذين سمعوا البيانات المذكورة ولم يؤمنوا فلا أظلم منهم لأن من وضع شيئا في غير موضعه فهو ظالم. فمن وضع شيئا في موضع لا يمكن أن يكون ذلك موضعه يكون أظلم، وإنهم جعلوا لله شريكا مع عدم إمكان الشريك له، فلا أظلم منهم. وأيضا من كذب صادقا يجوز عليه الكذب كان ظالما، فمن كذب صادقا لا يجوز عليه الكذب كيف يكون حاله وإنهم كذبوا النبي والقرآن؟ وفي قوله

ص: 396