الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والضمير في «به» للماء. وإنما قدم الأنعام هاهنا على الأنفس لأن الزرع لا يصلح أوّله إلا للأنعام وإنما يحدث الحب في آخر أمره. قال في «طه» كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعامَكُمْ [الآية:
54] لأن الأزواج من النبات أعم من الزرع وكثير منه يصلح للإنسان في أول ظهوره مع أن الخطاب لهم فناسب أن يقدموا وإنما ختم الآية بقوله أَفَلا يُبْصِرُونَ تأكيدا لقوله في أول الآية أَوَلَمْ يَرَوْا ثم حكى نوع جهالة أخرى عنهم وهو استعجالهم العذاب. قال المفسرون: كان المسلمون يقولون إن الله سيفتح لنا على المشركين أي ينصرنا عليهم ويفتح بيننا وبينهم أي يفصل، فاستعجل المشركون ذلك. ويوم الفتح يوم القيامة فحينئذ تنفتح أبواب الأمور المبهمة أو يوم بدر أو يوم فتح مكة قاله مجاهد والحسن. فإن قلت: كيف ينطبق قوله قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ إلخ جوابا عن سؤالهم عن وقت الفتح؟ فالجواب أنهم سألوا ذلك على وجه التكذيب والاستهزاء فقيل لهم: لا تستهزؤا فكأنا بكم وقد حصلتم في ذلك اليوم وآمنتم فلم ينفعكم الإيمان واستنظرتم فلم تنظروا. ومن فسر يوم الفتح بيوم بدر أو بيوم فتح مكة فالمراد أن المقتولين منهم لا ينفعهم إيمانهم في حال القتل وإلا فقد نفع الإيمان الطلقاء يوم فتح مكة وناسا يوم بدر. ثم أمر نبيه صلى الله عليه وسلم بالإعراض عنهم وانتظار النصرة عليهم حين علم أنه لا طريق معهم إلا القتال نظيره قوله قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ [الطور: 31] .
التأويل:
الألف المحبون لقربي والعارفون بتمجيدي فلا يصبرون عني ولا يستأنسون بغيري. اللام الأحباء لي مدخر لقائي فلا أبالي أقاموا على وثاقي أم قصروا في وفائي. الميم ترك أوليائي مرادهم لمرادي فلذلك اخترتهم على جميع عبادي تَنْزِيلُ الْكِتابِ أعز الأشياء على الأحباب كتاب الأحباب أنزله رَبِّ الْعالَمِينَ لأهل الظاهر على ظاهرهم ولأهل الباطن في باطنهم فاستناروا بنوره وتكلموا بالحق عن الحق للحق فلم يفهمه أهل الغرة والغفلة فقالوا افْتَراهُ. خلق سموات الأرواح وأرض الأشباح وما بينهما من النفس والقلب والسر في ستة أجناس هي: الجماد والمعدن والنبات والحيوان والشيطان والملك ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ الخفي وهو لطيفة ربانية قابلة للفيض الرباني بلا واسطة فَلا تَتَذَكَّرُونَ كيف خلقكم في أطوار مختلفة يُدَبِّرُ الْأَمْرَ من سماء الروح إلى أرض النفس البدن ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ النفس المخاطبة بخطاب ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ [الفجر: 28] في يوم طلعت فيه شمس صدق الطلب، وأشرقت الأرض بنور جذبات الحق كانَ مِقْدارُهُ في العروج بالجذبة كألف سنة مما تعدون من أيامكم في السير من غير جذبة كما
قال صلى الله عليه وسلم «جذبة من جذبات الحق توازي عمل الثقلين»
وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ وخمره بيده في أربعين
صباحا فأودع في كل صباح خاصية نوع من أنواع عالم الشهادة ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ سلها من أجناس عالم الشهادة. ثُمَّ سَوَّاهُ شخص إنسان جديد المرآة وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ فصار مرآة قابلة لإراءة صفات جماله وجلاله. ثم تجلى فيها بتجلية صفة السمعية والبصرية والعالمية التي مرآتها السمع والأبصار والأفئدة ضَلَلْنا في أرض البشرية يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ وهو المحبة الإلهية بقبض الأرواح من صفات الإنسانية ويميتها عن محبوباتها بجذبة ارْجِعِي [الفجر: 28] ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ بالتوجه إلى حضيض عالم الطبيعة كالأنعام بعد أن كانوا رافعي الرؤوس يوم الميثاق. تَتَجافى جُنُوبُهُمْ همتهم عن مضاجع الدارين جَنَّاتُ الْمَأْوى التي هي مأوى الأبرار تكون نزلا للمقربين السائرين إلى الله كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ لأنه لم يكن لكم به شعور في الدنيا لأنكم كنتم في يوم الغفلة والاشتغال بالمحسوسات الْعَذابِ الْأَدْنى إذا وقعت للسالك فترة ووقفة لعجب تداخله أو لملالة وسآمة ابتلاه الله ببلاء في نفسه أو ماله أو مصيبة في أهاليه وأقربائه وأحبابه لعله ينتبه من نوم الغفلة ويدارك أيام العطلة قبل أن يذيقه العذاب الأكبر في الخذلان والهجران فلا تك في مرية من لقائه أي من أنه يرى الرب ببركة متابعتك حين قال: اللهم اجعلني من أمة محمد صلى الله عليه وسلم فإن الرؤية مخصوصة بك وبتبعتك لأمتك. ويحتمل أن يكون الخطاب في فلاتك لموسى القلب والضمير في لِقائِهِ لله. وجعلنا موسى القلب هدى لبني إسرائيل صفات القلب وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً هم السر الخفي إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ الآية. لأنهم عنده أعز من أن يجعل حكمهم إلى أحد من المخلوقين، ولأنه أعلم بحالهم من غيرهم ولئلا يطلع على أحوالهم غيره لأنه خلقهم للمحبة والرحمة فينظر في شأنهم بنظر المحبة والرضا، لأنه عفوّ يفيض العفو والجود فتحيا به القلوب الميتة فيسقي حدائق وصلهم بعد جفاف عودها وزوال المأنوس من معهودها فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً من الواردات التي تصلح لتربية النفوس وهي الأنعام، ومن المشاهدات التي تصلح لتغذية القلوب. ويقول المنكرون لهذه الطائفة مَتى هذَا الْفَتْحُ أي الفتوح التي تدعونها قل لا ينفعكم ذلك إذ لم تقتدوا بهم ولم تهتدوا بهديهم فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ أيها الطالب بالإقبال علينا وبالله التوفيق.