الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي أنزل القرآن موعظةً وشفاء لما في الصدور، وجعَلَه مَنْهلًا عذبًا للورود والصدور، أظهره من مقام الجمع والتنزيه والنون، فألزمه حجة لأهل الظواهر والبطون، جمع فيه علوم الأولين والآخرين، فلا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين، والصلاة والسلام على من أوحي إليه القرآن، من لوح الوجوب والأمر والشأن، سيدنا محمد وآله وأصحابه المقتبسين من مشكاة أنواره، المغترفين من بحار أسراره، ومن تبعهم ممن تخلق بالقرآن في كل زمان، ما تعاقب الملوان وطلع المرزمان.
أما بعد: فلما فرغت من تفسير الجزء الثالث عشر من القرآن .. أخذت في تفسير الجزء الرابع عشر منه بتوفيق الله سبحانه وتعالى وتيسيره. اللهم كما عودتني في الأول خيرًا كثيرًا، فيسر لي الأمر في الآخر تيسيرًا، فلك الحمد في الأولى والأخرى على عنايتك الكبرى، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
سورة الحجر
وهي كلها مكية بإجماع المفسرين، وهي تسع وتسعون آية، وكلماتها: ست مئة وأربع وخمسون كلمة، وألفان وسبع مئة وستون حرفًا.
فائدة: أطول كلمة في القرآن: {فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ} لأنها أحد عشر حرفًا، وأما:{أَنُلْزِمُكُمُوهَا} فعشرةٌ. اهـ "روح البيان".
المناسبة: ومناسبتها لما قبلها من السورة من وجوهٍ (1):
1 -
أنها افتتحت بمثل ما افتتحت به سابقتها، من وصف الكتاب المبين.
2 -
أنها شرحت أحوال الكفار يوم القيامة، وتمنيهم أن لو كانوا مسلمين، كما كانت السالفة كذلك.
3 -
أن في كل منهما وصف السموات والأرض.
4 -
أن في كل منهما قصصًا مفصلًا عن إبراهيم عليه السلام.
5 -
أن في كل منهما تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم بذكر ما لاقاه الرسل السالفون من أممهم، وكانت العاقبة للمتقين.
فضلها: ومما ورد في فضلها: ما (2) روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من قرأ سورة الحِجر .. كان له من الأجر عشر حسنات، بعدد المهاجرين والأنصار والمستهزئين بمحمدٍ صلى الله عليه وسلم " والله أعلم.
الناسخ والمنسوخ فيها: قال أبو عبد الله محمد بن حزم - رحمه الله تعالى -: سورة الحجر جملة ما فيها من المنسوخ خمس آيات (3):
الآية الأولى: قوله تعالى: {ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا} الآية (3) نسخت بآية السيف.
الآية الثانية: قوله تعالى: {فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ} الآية (85) نسخت بآية السيف.
الآية الثالثة: قوله تعالى: {لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ} الآية (88) نسخت بآية السيف.
(1) المراغي.
(2)
البيضاوي.
(3)
الناسخ والمنسوخ.
الآية الرابعة: قوله تعالى: {وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ} الآية (89) نسخ معناها أو لفظها بآية السيف.
الآية الخامسة: قوله تعالى: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ} الآية (94) نصفها محكم ونصفها منسوخ بآية السيف. انتهى.
والله أعلم
* * *
بسم الله الرحمن الرحيم
المناسبة
مناسبة أوَّل هذه السورة لآخر التي قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لمَّا ذكر (1) في آخر السورة التي قبلها أشياء من أحوال القيامة، من تبديل السموات والأرض، وأحوال الكفار في ذلك اليوم، وأن ما أتى به هو على حسب التبليغ والإنذار .. ابتدأ في هذه السورة بذكر القرآن الذي هو بلاغ للناس، وأحوال الكفرة وودادتهم لو كانوا مسلمين.
قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي شِيَعِ الْأَوَّلِينَ
…
} الآية، مناسبة هذه
(1) البحر المحيط.
الآية لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما ذكر (1) استهزاء الكفار به صلى الله عليه وسلم، ونسبته إلى الجنون، واقتراح نزول الملائكة .. سلَّاه تعالى بأن من أرسل من قبلك كان ديدن المرسل إليهم مثل ديدن هؤلاء معك.
قوله تعالى: {وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ
…
} الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أنَّ الله سبحانه وتعالى لمَّا هدَّد (2) الكافرين وبالغ في ذلك أيما مبالغة .. شرع يذكر بعض مقالاتهم في محمد صلى الله عليه وسلم المتضمنة للكفر بما جاء به، ثم يذكر ما هم فيه من جحود وعناد، بلغا مدى تنكر معه المشاهدات، ويدعى معه السحر والخداع حين رؤية المبصرات، ثم ذكر سبحانه لرسوله صلى الله عليه وسلم تسليةً له أن ما صدر منهم من السفه ليس بدعًا، فهذا دأب كل محجوج، فكثيرٌ من الأمم السالفة فعلت مثل هذا مع أنبيائها، فلك أسوة بهم في الصبر على سفاهتهم وجهلهم.
قوله تعالى: {وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا
…
} الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أنه سبحانه وتعالى لما ذكر (3) شديد جحودهم، وأنهم مهما أوتوا من الآيات لم يفدهم ذلك شيئًا، حتى بلغ من أمرهم أن ينكروا المشاهدات، ويدعوا الخداع حين رؤية المبصرات .. أعقب هذا ببيان أنهم قد كانوا في غنى عن كل هذا، فإن في السماء وبروجها العالية، وشموسها الساطعة وأقمارها النيِّرة، وسيَّاراتها الدائرة، وثوابتها الباسقة، عبرة لمن اعتبر، وحجة لمن اعتبر، وحجةً لمن ادكر، فهلَّا نظروا إلى الكواكب وحسابها ونظامها ومداراتها، وكيف حدثت بها الفصول والسنون، وكيف كان ذلك بمقادير محدودة، وأوقات معلومة لا تغيير فيها ولا تبديل، فبأمثال هذا يكون اليقين، وبالتدبر فيه تقوى دعائم الدين، ويشتد أزر سيد المرسلين، وهلَّا رأوا الأرض كيف مدت، وثبتت جبالها، وأنبتت نباتها بمقادير معلومة موزونة في عناصرها وأوراقها وأزهارها وثمارها، وجعل فيها معايش للإنسان والحيوان، أفلا يعتبرون بكل هذا؟ {وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ (20) وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (21)} .
(1) البحر المحيط.
(2)
المراغي.
(3)
المراغي.