المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

ابن أبي ليلى، فإنه أقرَّ الميم على حركتها. ومعنى الآية: أي - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ١٥

[محمد الأمين الهرري]

فهرس الكتاب

- ‌سورة الحجر

- ‌(1):

- ‌2

- ‌3

- ‌4

- ‌5

- ‌6

- ‌7

- ‌8

- ‌9

- ‌10

- ‌11

- ‌12

- ‌13

- ‌14

- ‌15

- ‌16

- ‌17

- ‌18

- ‌19

- ‌20

- ‌21

- ‌22

- ‌23

- ‌24

- ‌25

- ‌26

- ‌27

- ‌28

- ‌29

- ‌30

- ‌31

- ‌32

- ‌33

- ‌34

- ‌35

- ‌36

- ‌37

- ‌38

- ‌39

- ‌40

- ‌41

- ‌42

- ‌43

- ‌44

- ‌45

- ‌46

- ‌47

- ‌48

- ‌49

- ‌50

- ‌51

- ‌52

- ‌53

- ‌54

- ‌55

- ‌56

- ‌57

- ‌58

- ‌59

- ‌60

- ‌61

- ‌62

- ‌63

- ‌64

- ‌65

- ‌66

- ‌67

- ‌68

- ‌69

- ‌70

- ‌71

- ‌72

- ‌73

- ‌74

- ‌75

- ‌76

- ‌77

- ‌78

- ‌79

- ‌80

- ‌81

- ‌82

- ‌83

- ‌84

- ‌85

- ‌86

- ‌87

- ‌88

- ‌89

- ‌90

- ‌91

- ‌92

- ‌93

- ‌94

- ‌95

- ‌96

- ‌97

- ‌98

- ‌99

- ‌سورة النحل

- ‌1

- ‌2

- ‌3

- ‌4

- ‌(5

- ‌6

- ‌7

- ‌(8

- ‌9

- ‌10

- ‌11

- ‌12

- ‌13

- ‌14

- ‌15

- ‌16

- ‌17

- ‌18

- ‌19

- ‌20

- ‌21

- ‌22

- ‌23

- ‌24

- ‌25

- ‌26

- ‌27

- ‌28

- ‌29

- ‌30

- ‌31

- ‌32

- ‌ 33

- ‌34

- ‌35

- ‌36

- ‌37

- ‌38

- ‌39

- ‌40

- ‌41

- ‌42

- ‌43

- ‌44

- ‌45

- ‌46

- ‌47

- ‌48

- ‌49

- ‌50

- ‌51

- ‌52

- ‌53

- ‌54

- ‌55

- ‌56

- ‌57

- ‌58

- ‌59

- ‌60

- ‌61

- ‌62

- ‌63

- ‌ 64

- ‌65

- ‌66

- ‌67

- ‌68

- ‌69

- ‌70

- ‌71

- ‌72

- ‌73

- ‌74

- ‌75

- ‌76

- ‌77

- ‌78

- ‌79

- ‌80

- ‌81

- ‌82

- ‌83

- ‌84

- ‌85

- ‌86

- ‌87

- ‌88

- ‌89

- ‌90

- ‌91

- ‌92

- ‌93

- ‌94

- ‌95

- ‌96

- ‌97

- ‌98

- ‌99

- ‌100

- ‌101

- ‌102

- ‌103

- ‌104

- ‌105

- ‌106

- ‌107

- ‌108

- ‌109

- ‌110

- ‌111

- ‌112

- ‌113

- ‌114

- ‌115

- ‌116

- ‌117

- ‌118

- ‌119

- ‌120

- ‌121

- ‌122

- ‌123

- ‌124

- ‌125

- ‌126

- ‌127

- ‌128

الفصل: ابن أبي ليلى، فإنه أقرَّ الميم على حركتها. ومعنى الآية: أي

ابن أبي ليلى، فإنه أقرَّ الميم على حركتها.

ومعنى الآية: أي والله (1) جعلكم تعلمون ما لا تعلمون، بعد أن أخرجكم من بطون أمهاتكم، فرزقكم عقولًا تفقهون بها، وتميزون الخير من الشر، والهدى من الضلال، والخطأ من الصواب، وجعل لكم السمع الذي تسمعون به الأصوات، فيفقه بعضكم عن بعض ما تتحاورون به فيما بينكم، والأبصار التي تبصرون بها الأشخاص، فتتعارفون وتميزون بعضها من بعض، والأشياء التي تحتاجون إليها في هذه الحياة، فتعرفون السبل وتسلكونها للسعي على الأرزاق والسِّلع، لتختاروا الجيد، وتتركوا الردي، وهكذا جميع مرافق الحياة ووجوهها، {لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}؛ أي: إرادة أن تشكروه باستعمال نعمه فيما خلقت لأجله، وتتمكنوا بها من عبادته تعالى، وتستعينوا بكل جارحة وعضو على طاعته.

‌79

- ثم ذكر سبحانه دليلًا آخر على كمال قدرته فقال: {أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ} والاستفهام فيه تقرير (2) لمن ينظر إليهن، وتعجيب من شأنهن، والطير جمع طائر؛ أي: ألم ينظر هؤلاء المشركون من قومك بأبصارهم إلى الطير ليستدلوا بها على قدرة الله تعالى حالة كونها {مُسَخَّرَاتٍ} ؛ أي: مذللات للطيران بما خلق الله لهن من الأجنحة والأسباب المساعدة لهن، كرقة (3) قوام الهواء، وإلهامها بسط الجناح وقبضه، كما يفعل السابح في الماء {فِي جَوِّ السَّمَاءِ}؛ أي: مذلَّلات للطيران في الهواء، بين السماء والأرض، وإضافته إلى السماء لما أنه في جانبها من الناظر، والجو الفضاء الواسع بين السماء والأرض، وهو الهواء، قال كعب الأحبار: إن (4) الطير ترتفع في الجو مسافة اثني عشر ميلًا، ولا ترفع فوق ذلك {مَا يُمْسِكُهُنَّ} في الجو عن السقوط {إِلَّا اللَّهُ} عز وجل بقدرته الباهرة، فإن ثقل أجسادها مع رقة الهواء يقتضي سقوطها، إذ لا علاقة من فوقها، ولا دعامة من تحتها تمسكها، ولو سلبها ما أعطاها من قوة الطيران .. لم تقدر على النهوض

(1) المراغي.

(2)

روح البيان.

(3)

الشوكاني.

(4)

الخازن.

ص: 314

ارتفاعًا، وقد كان العلماء قديمًا يعلمون تخلخل الهواء في الطبقات العالية في الجوّ، وهي نظرية لم تدرس في العلوم الطبيعية إلا حديثًا.

وقرأ ابن عامر وحمزة وطلحة والأعمش وابن هرمز (1): {ألم تروا} بتاء الخطاب، وباقي السبعة: بالياء، قال ابن عطية: واختلف عن الحسن وعيسى الثقفي وعاصم وأبي عمرو.

{إِنَّ فِي ذَلِكَ} التسخير على تلك الصفة {لَآيَاتٍ} ظاهرات تدل على وحدانية الله سبحانه وقدرته الباهرة {لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} بالله سبحانه، وبما جاءت به رسله من الشرائع، التي شرعها الله تعالى على ألسنتهم - عليهم الصلاة والسلام - أو لقوم يصدقون أنَّ إمساكهن من الله تعالى، فإنه تعالى أعطى الطير جناحًا يبسطه مرة ويكسره مرةً أخرى وأذنابًا خفيفة، وخلق الهواء خلقة رقيقة، يسهل الطيران بسبب خرقه، ولولا ذلك لما أمكن الطيران.

والمعنى: أن في (2) ذلك التسخير في الجو والإمساك فيه لدلالات على أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأنه لا حظَّ للأوثان والأصنام في الألوهية لمن يؤمن باللهِ، ويقر بوجدان ما تعاينه أبصارهم، وتحسه حواسهم، وخصص هذه الآيات بالمؤمنين لأنهم هم المنتفعون بها، وإن كانت هي آيات لجميع العقلاء.

الإعراب

{وَاللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (65)} .

{وَاللَّهُ} : مبتدأ، وجملة {أَنْزَلَ} خبره، والجملة الاسمية مستأنفة، {مِنَ السَّمَاءِ}: متعلق بـ {أَنْزَلَ} ، {مَاءً}: مفعول به لـ {أَنْزَلَ} ، {فأحيا} {الفاء}: حرف عطف وتعقيب، {أحيا}: فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على {اللَّهُ} ، والجملة الفعلية في محل الرفع معطوفة على جملة {أَنْزَلَ} ، {بِهِ} متعلق بـ

(1) البحر المحيط.

(2)

المراغي.

ص: 315

{أَحْيَا} {الْأَرْضَ} : مفعول به لـ {أحيا} {بَعْدَ مَوْتِهَا} : ظرف ومضاف إليه، متعلق بـ {أحيا} ، {إنَّ}: حرف نصب، {فِي ذَلِكَ}: خبرها مقدم، {لَآيَةً}: اسمها مؤخر، و {اللام}: حرف ابتداءٍ، {لِقَوْمٍ} صفة لـ {لَآيَةً} ، وجملة {يَسْمَعُونَ} صفة لـ {لِقَوْمٍ} وجملة {إِنَّ} مستأنفة.

{وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ (66)} .

{وَإِنَّ} {الواو} : استئنافية، {إِنَّ}: حرف نصب، {لَكُمْ}: جار ومجرور، خبرها مقدم على اسمها، {فِي الْأَنْعَامِ}: متعلق بالاستقرار الذي تعلق به الخبر، {لَعِبْرَةً}: اسمها مؤخر و {اللام} فيه حرف ابتداء وجملة {إن} مستأنفة، {نُسْقِيكُمْ}: فعل ومفعول أول، وفاعله ضمير يعود على {الله} ، والجملة الفعلية جملة مفسرة لا محل لها من الإعراب، لأنها تفسيرٌ لـ {لَعِبْرَةً} ، كأنه قيل: كيف العبرة؟ فقيل: نسقيكم .. إلخ، ويجوز (1) أن تكون خبرًا لمبتدأ محذوف، والجملة جواب لذلك السؤال؛ أي: هي؛ أي: العبوة نسقيكم، ويكون كقوله: تسمع بالمعيدي خير من أن تراه، {مِمَّا}: جار ومجرور حال من {لَبَنًا} الآتي، {فِي بُطُونِهِ}: جار ومجرور صلة لـ {ما} أو صفة لها، {مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ} جار ومجرور ومضاف إليه، متعلق بـ {نُسْقِيكُمْ} ، {وَدَمٍ}: معطوف على {فَرْثٍ} ، {لَبَنًا}: مفعول ثان لـ {نُسْقِيكُمْ} ، {خَالِصًا}: صفة أولى لـ {لَبَنًا} ، {سَائِغًا}: صفة ثانية له، {لِلشَّارِبِينَ}: متعلق بـ {سَائِغًا} .

{وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (67)} .

{وَمِنْ} {الواو} : عاطفة، {مِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ}: جار ومجرور ومضاف إليه، متعلق بمحذوف دل عليه السياق، تقديره: ونسقيكم من ثمرات النخيل ونطعمكم منها، والجملة المحذوفة معطوفة على جملة {نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ} .

(1) الفتوحات.

ص: 316

{وَالْأَعْنَابِ} : معطوف على {النَّخِيلِ} ، {تَتَّخِذُونَ}: فعل وفاعل، والجملة مستأنفة استئنافًا بيانيًّا مسوقة لبيان كيفية الإسقاء والإطعام {مِنْهُ}: متعلق بـ {تَتَّخِذُونَ} ، وهو في محل المفعول الثاني، {سَكَرًا}: مفعول {تَتَّخِذُونَ} ، {وَرِزْقًا}: معطوف على {سَكَرًا} ، {حَسَنًا}: صفة {وَرِزْقًا} ، {إِنَّ} حرف نصب، {فِي ذَلِكَ}: خبرها مقدم، {لَآيَةً}: اسمها مؤخر، و {اللام} حرف ابتداء، وجمله {إِنَّ} مستأنفة، {لِقَوْمٍ} صفة {آية} ، وجملة {يَعْقِلُونَ} صفة {قوم} .

{وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ (68) ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا} .

{وَأَوْحَى رَبُّكَ} : فعل وفاعل، والجملة مستأنفة، {إِلَى النَّحْلِ}: متعلق به، {أَنِ}: حرف مصدر أو تفسير، {اتَّخِذِي}: فعل وفاعل، في محل النصب بـ {أَنِ} المصدرية، مبني على حذف النون، {مِنَ الْجِبَالِ}: متعلق به، وهو في محل المفعول الثاني، {بُيُوتًا}: مفعول لـ {اتَّخِذِي} ، وجملة {اتَّخِذِي} مع {أَنِ} المصدرية في تأويل مصدر مجرور بحرف جر محذوف، تقديره: وأوحى ربك إلى النحل باتخاذها من الجبال بيوتًا، أو جملة مفسرة للإيحاء لا محل لها من الإعراب، {وَمِنَ الشَّجَرِ}: معطوف على قوله: {مِنَ الْجِبَالِ} ، وكذا قوله:{وَمِمَّا} : معطوف عليه، {يَعْرِشُونَ}: فعل وفاعل صلة لـ {ما} أو صفة لها، والعائد أو الرابط محذوف تقديره: ومما يعرشونه. {ثُمَّ} : حرف عطف {كُلِي} : فعل وفاعل، معطوف على {اتَّخِذِي {مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ}: متعلق به، {فَاسْلُكِي} {الفاء} عاطفة، والجملة الفعلية معطوفة على جملة {كُلِي} . {سُبُلَ رَبِّكِ} ظرف ومضاف إليه، متعلق بـ {اسلكي} ، {ذُلُلًا}: حال من السبل، أو من الضمير في {اسْلُكِي}؛ أي: حالة كون النحل منقادة لأربابها.

{يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} .

{يَخْرُجُ} : فعل مضارع، {مِنْ بُطُونِهَا}: متعلق به، {شَرَابٌ} فاعل، {مُخْتَلِفٌ} صفة أولى لـ {شَرَابٌ} ، والجملة الفعلية مستأنفة استئنافًا بيانيًّا، أو حال

ص: 317

من فاعل {اسلكي} ولكن فيه التفات من الخطاب إلى الغيبة، {أَلْوَانُهُ} فاعل {مُخْتَلِفٌ}. {فِيهِ}: خبر مقدم، {شِفَاءٌ}: مبتدأ مؤخر، {لِلنَّاسِ}: متعلق به، أو صفة له، والجملة الاسمية في محل الرفع صفة ثانية لـ {شَرَابٌ}. {إِنَّ}: حرف نصب {فِي ذَلِكَ} : خبرها مقدم، {لَآيَةً}: اسمها مؤخر، وجملة {إِنَّ} مستأنفة، {لِقَوْمٍ} ، صفة {آية} ، وجملة {يَتَفَكَّرُونَ} صفة {قوم} .

{وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (70)} .

{وَاللَّهُ} : مبتدأ، {خَلَقَكُمْ}: فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على {اللَّهُ} ، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر المبتدأ، والجملة الاسمية مستأنفة، {ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ}: فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على {الله} ، والجملة معطوفة على جملة {خَلَقَكُمْ} ، {وَمِنْكُمْ}: جار ومجرور خبر مقدم، {مَنْ} اسم موصول في محل الرفع مبتدأ مؤخر، والجملة الاسمية معطوفة على جملة محذوف، تقديرها: فمنكم من يبقى على قوة جسده وعقله حتى يموت ومنكم من يُرَد {يُرَدُّ} مضارع مغير الصيغة {إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ} جار ومجرور ومضاف إليه، متعلق بـ {يُرَدُّ} ، {لِكَيْ} {اللام}: حرف جر وتعليل، {كي}: حرف نصب ومصدر، {لَا}: نافية، {يَعْلَمَ}: فعل مضارع منصوب بـ {كي} ، وفاعله ضمير يعود على {مَنْ} {بَعْدَ عِلْمٍ}: ظرف ومضاف إليه، متعلق بـ {يَعْلَمَ} ، {شَيْئًا}: مفعول به لـ {يَعْلَمَ} أو للمصدر على سبيل التنازع، والجملة الفعلية مع {كي} المصدرية في تأويل مصدر مجرور باللام، تقديره: لعدم علمه شيئًا، الجار والمجرور متعلق بـ {يُرَدُّ} ، {إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ}: ناصب واسمه وخبره، {قَدِيرٌ}: خبر ثان لـ {إِنَّ} ، وجملة {إِنَّ} مستأنفة مسوقة لتعليل ما قبلها.

{وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (71)} .

{وَاللَّهُ} : مبتدأ، {فَضَّلَ بَعْضَكُمْ}: فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على {الله} ، {عَلَى بَعْضٍ}: متعلق بـ {فَضَّلَ} ، وكذا يتعلق به قوله:{فِي الرِّزْقِ} ،

ص: 318

والجملة الفعلية في محل الرفع خبر المبتدأ، والجملة الاسمية مستأنفة، {فَمَا} {الفاء}: عاطفة {ما} : حجازية، {الَّذِينَ}: في محل الرفع اسمها، وجملة {فُضِّلُوا} صلة الموصول، {بِرَادِّي رِزْقِهِمْ}: خبرها ومضاف إليه، و {الباء} زائدة، والجملة الاسمية معطوفة على جملة قوله:{وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ} ، {عَلَى مَا}: جار ومجرور متعلق بـ {بِرَادِّي} . {مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} : صلة لـ {مَا} أو صفة لها، والعائد أو الرابط محذوف تقديره: على ما ملكته أيمانهم، {فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ} مبتدأ وخبر، و {الفاء} عاطفة، و {فِيهِ}: متعلق بـ {سَوَاءٌ} ، والجملة الاسمية معطوفة على الجملة المنفية في قوله:{فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا} ، {أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ} {الهمزة}: للاستفهام التوبيخي المضمن للإنكار، داخلة على محذوف، و {الفاء}: عاطفة على ذلك المحذوف، {بنعمة الله}: جار ومجرور ومضاف إليه، متعلق بما بعده، وجملة {يَجْحَدُونَ} معطوفة على تلك الجملة المحذوفة، والتقدير: أيشركون به فيجحدون نعمته، والجملة المحذوفة جملة إنشائية لا محل لها من الإعراب.

{وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ (72)} .

{وَاللَّهُ} : مبتدأ، وجملة {جَعَلَ} في محل الرفع خبره، والجملة الاسمية مستأنفة، {لَكُم}: متعلق به، وهو في محل المفعول الثاني لـ {جَعَلَ} ، {مِنْ أَنْفُسِكُمْ}: حال من {أَزْوَاجًا} لأنه صفة نكرة قدمت عليها، {أَزْوَاجًا}: مفعول أول لـ {جعل} . {وَجَعَلَ} : فعل ماض، معطوف على {وَجَعَلَ} الأول، وفاعله ضمير يعود على {الله} ، {لَكُم}: في محل المفعول الثاني له، {مِنْ أَزْوَاجِكُمْ}: حال من {بَنِينَ} ، {بَنِينَ}: مفعول أول لـ {جعل} {وَحَفَدَةً} : معطوف عليه، {وَرَزَقَكُمْ}: فعل ومفعول، معطوف على {جَعَلَ} ، وفاعله ضمير يعود على {اللَّهِ} {مِنَ الطَّيِّبَاتِ}: متعلق به، وهو في محل المفعول الثاني، {أَفَبِالْبَاطِلِ} {الهمزة}: للاستفهام التوبيخي داخلة على محذوف، و {الفاء}: عاطفة على ذلك المحذوف، {بالباطل}: جار ومجرور متعلق بما بعده، {يُؤْمِنُونَ}: فعل

ص: 319

فاعل، والجملة معطوفة على ذلك المحذوف، والتقدير: أيكفرون بالله الذي شأنه هذا فيؤمنون بالباطل، {وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ}: متعلق بـ {يَكْفُرُونَ} . {هُمْ} : مبتدأ، وجملة {يَكْفُرُونَ} خبره، والتقدير: وهم يكفرون بنعمة الله تعالى، والجملة الاسمية في محل النصب حال من فاعل {يُؤْمِنُونَ} .

{وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقًا مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ شَيْئًا وَلَا يَسْتَطِيعُونَ (73)} .

{وَيَعْبُدُونَ} : فعل وفاعل، والجملة مستأنفة، {مِنْ دُونِ اللَّهِ}: جار ومجرور ومضاف إليه، حال من فاعل {يعبدون}؛ أي: حالة كونهم متجاوزين الله، {مَا}: موصولة أو موصوفة في محل النصب مفعول {يَعْبُدُونَ} ، {لَا}: نافية، {يَمْلِكُ}: فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على {مَا} ، {لَهُمْ}: متعلق بـ {يَمْلِكُ} ، {رِزْقًا}: مفعول {يَمْلِكُ} ، وجملة {يَمْلِكُ} صلة لـ {مَا} أو صفة لها، {مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}: متعلق بـ {رِزْقًا} لأنه اسم مصدر بمعنى إعطاءً، {شَيْئًا}: مفعول {رِزْقًا} لأنه مصدر يعمل عمل الفعل، {وَلَا يَسْتَطِيعُونَ}: فعل وفاعل، معطوف على جملة {لَا يَمْلِكُ} على كونها صلة الموصول.

{فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (74)} .

{فَلَا} {الفاء} فاء الفصيحة، لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر تقديره: إذا عرفتم إنعام الله عليكم بهذه النعم المذكورة، وعجز الأصنام عنها، وأردتم بيان ما هو اللازم لكم .. فأقول لكم لا تضربوا لله الأمثال، {لَا تَضْرِبُوا}: فعل وفاعل وجازم، {لِلَّهِ}: متعلق به، {الْأَمْثَالَ}: مفعول به، والجملة الفعلية في محل النصب مقول لجواب إذا المقدرة، وجملة إذا المقدرة مستأنفة {إِنَّ اللَّهَ}: ناصب واسمه، وجملة {يَعْلَمُ} خبره، وجملة {إِنَّ} مستأنفة، مسوقة لتعليل ما قبلها، {وَأَنْتُمْ}: مبتدأ، وجملة {لَا تَعْلَمُونَ} خبره، والجملة الاسمية معطوفة على جملة {إِنَّ} .

{ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (75)} .

ص: 320

{ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا} : فعل وفاعل ومفعول، والجملة مستأنفة، {عَبْدًا}: بدل من {مَثَلًا} بدل كل من كل، {مَمْلُوكًا}: صفة أولى لـ {عَبْدًا} ، وجملة {لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ} صفة ثانية لـ {عَبْدًا} ، {وَمَن}: اسم موصول أو نكرة موصوفة في محل النصب معطوف على {عَبْدًا} ، {رَزَقْنَاهُ}: فعل وفاعل ومفعول أول، والجملة صلة لـ {من} الموصولة، أو صفة لها إن كانت موصوفة، {مِنَّا}: حال من {رِزْقًا} ، {رِزْقًا}: مفعول ثان، {حَسَنًا}: صفة {رِزْقًا} ، {فَهُوَ} {الفاء}: عاطفة، {هو}: مبتدأ، {يُنْفِقُ}: فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على {مَنْ} ، {مِنْهُ}: متعلق بـ {يُنْفِقُ} ، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر المبتدأ، والجملة الاسمية معطوفة على جملة الصلة، {سرا وجهرا}: إما منصوبان على المصدرية؛ أي: إنفاق سر وجهر، أو حالان من فاعل {يُنْفِقُ} ، {هَلْ}: حرف للاستفهام الإنكاري {يَسْتَوُونَ} : فعل وفاعل، والجملة جملة إنشائية لا محل لها من الإعراب، {الْحَمْدُ لِلَّهِ}: مبتدأ وخبر، والجملة مستأنفة، {بَلْ}: حرف عطف وإضراب للإضراب الانتقالي {أَكْثَرُهُمْ} : مبتدأ والجملة {لَا يَعْلَمُونَ} خبره، والجملة معطوفة على جملة {الْحَمْدُ لِلَّهِ} .

{وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلَاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (76)} .

{وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا} : فعل وفاعل ومفعول، والجملة معطوفة على جملة {وَضَرَبَ} الأول، {رَجُلَيْنِ}: بدل من {مَثَلًا} ، {أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ}: مبتدأ وخبر، والجملة في محل النصب صفة {رَجُلَيْنِ} ، {لَا يَقْدِرُ}: فعل مضارع {عَلَى شَيْءٍ} : متعلق به، وفاعله ضمير يعود على {أَبْكَمُ} والجملة في محل الرفع صفة لـ {أَبْكَمُ} ، {وَهُوَ كَلٌّ}: مبتدأ وخبر، {عَلَى مَوْلَاهُ}: متعلق بـ {كَلٌّ} والجملة الاسمية في محل النصب حال من فاعل {يَقْدِرُ} {أَيْنَمَا} : اسم شرط جازم يجزم فعلين في محل النصب على الظرفية المكانية، مبني على الفتح، والظرف متعلق بفعل الشرط، {يُوَجِّهْهُ}: فعل مضارع ومفعول به، مجزوم بـ {أَيْنَمَا} على كونه جواب شرطٍ لها؛ وفاعله ضمير يعود على الأبكم.

ص: 321

{لَا يَأْتِ} مضارع مجزوم وهو جواب الشرط و {لَا} نافية {بِخَيْرٍ} : متعلق بـ {يَأْتِ} ، وجملة الشرط مع جوابه في محل الرفع صفة ثانية لـ {أَبْكَمُ} ، {هَلْ}: حرف للاستفهام الإنكاري، {يَسْتَوِي}: فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على {أَبْكَمُ} ، {هُوَ}: تأكيد للضمير المستتر في {يَسْتَوِي} ، وجملة {يَسْتَوِي} جملة إنشائية مستأنفة، {وَمَن} عطف على الفاعل المستتر في {يَسْتَوِي} والشرط موجود وهو العطف بالضمير المنفصل وهو لفظ {هو} {يَأْمُرُ}: فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على {مَن} الموصولة، {بِالْعَدْلِ}: متعلق به، والجملة الفعلية صلة الموصول {وَهُوَ}: مبتدأ، {عَلَى صِرَاطٍ}: خبره، {مُسْتَقِيمٍ}: صفة {صِرَاطٍ} ، والجملة الاسمية في محل النصب حال من الضمير المستتر في {يَأْمُرُ} .

{وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (77)} .

{وَلِلَّهِ} : جار ومجرور خبر مقدم، {غَيْبُ السَّمَاوَاتِ}: مبتدأ مؤخر، والجملة مستأنفة، {وَالْأَرْضِ}: معطوف على {السَّمَاوَاتِ} {وَمَاَ} {الواو} : عاطفة {ما} : نافية مهملة لانتقاض نفيها بإلا، {أَمْرُ السَّاعَةِ}: مبتدأ ومضاف إليه {إِلَّا} : أداة استثناء مفرغ، {كَلَمْحِ الْبَصَرِ}: جار ومجرور خبر المبتدأ، والجملة معطوفة على الجملة التي قبلها، {أَوْ}: حرف عطف بمعنى بل الإضرابية، {هُوَ أَقْرَبُ}: مبتدأ وخبر، والجملة معطوفة على الجملة التي قبلها، {إِنَّ اللَّهَ}: ناصب واسمه، {عَلَى كُلِّ شَيْءٍ}: جار ومجرور ومضاف إليه، متعلق بما بعده {قَدِيرٌ}: خبر {إِنَّ} ، وجملة {إِنَّ} مستأنفة مسوقة لتعليل ما قبلها.

{وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (78)} .

{وَاللَّهُ} : مبتدأ، {أَخْرَجَكُمْ}: فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على {اللَّهُ} ، {مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ}: جار ومجرور ومضاف إليه، متعلق بـ {أخرج} والجملة الفعلية في محل الرفع معطوفة عل جملة {أخرج} . {لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا}

ص: 322

فعل مضارع ومفعول به، والجملة في محل نصب حال من الكاف أي: غير عالمين شيئًا {وَجَعَلَ} عطف على {أَخْرَجَكُمْ} والفاعل تقديره هو. {لَكُمُ} : متعلق بـ {جَعَلَ} ، وهو في محل المفعول الثاني له، {السَّمْعَ}: مفعول أول لـ {جَعَلَ} ، {وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ}: معطوفان عليه، {لَعَلَّكُمْ}: ناصب واسمه، وجملة {تَشْكُرُونَ} خبره، وجملة {لعل} مستأنفة مسوقة لتعليل ما قبلها.

{أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاءِ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (79)} .

{أَلَمْ يَرَوْا} {الهمزة} فيه للاستفهام التقريري التعجبي، {لم}: حرف جزم، {يَرَوْا}: فعل وفاعل مجزوم بـ {لم} ، {إِلَى الطَّيْرِ}: متعلق به، عداه بإلى لتضمينه معنى النظر، والجملة جملة إنشائية مستأنفة، {مُسَخَّرَاتٍ}: حال من {الطَّيْرِ} ، {فِي جَوِّ السَّمَاءِ}: جار ومجرور ومضاف إليه، متعلق بـ {مُسَخَّرَاتٍ}. {مَا}: نافية {يُمْسِكُهُنَّ} : فعل ومفعول {إِلَّا} : أداة استثناء مفرغ {اللَّهُ} : فاعل، والجملة الفعلية في محل النصب حال ثانية من {الطَّيْرِ} ، {إِنَّ}: حرف نصب، {فِي ذَلِكَ}: خبرها مقدم، {لَآيَاتٍ}: اسمها مؤخر، و {اللام} حرف ابتداء، {لِقَوْمٍ}: صفة {آيات} ، وجملة {يُؤْمِنُونَ} صفة لـ {لِقَوْمٍ} ، وجملة {إنَّ} مستأنفة مسوقة لتعليل ما قبلها.

التصريف ومفردات اللغة

{فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ} والمراد بحياة الأرض إنباتها الزرع والشجر، وإخراجها الثمر {وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ} قال الفراء والزجاج: النعم والأنعام واحد، يذكر ويؤنث، ولهذا تقول العرب: هذه نعم وارد، ورجحه ابن العربي فقال: إنما يرجع التذكير إلى معنى الجمع، والتأنيث إلى معنى الجماعة، وقد جاء بالوجهين هنا، وفي سورة النور.

ويجوز أن يقال في الأنعام وجهان (1):

(1) البحر المحيط.

ص: 323

أحدهما أن يكون تكسير نعم، كالأجبال في جبل.

والثاني: وأن يكون اسمًا مفردًا مقتضيًا لمعنى الجمع، كنعم، فإذا ذكر فكما يذكر نعم في قوله:

في كُلِّ عَامٍ نَعَمٌ تَحْوُوْنَهُ

يُلْقِحُهُ قَوْمٌ وَيُنْتِجُوْنَهُ

وإذا أنث ففيه وجهان: أنه تكسير نعم، وإنه في معنى الجمع، وفي "البيضاوي": الأنعام اسم جمع وقيل جمع نعم اهـ.

{لَعِبْرَةً} والعبرة الاعتبار والعظة، وهو مصدر بمعنى العبور، أطلق على ما يعبر به إلى العلم مبالغة في كونه سببًا للعبور اهـ "زاده"، وفي "الشهاب": وأصل (1) معنى العبر والعبور التجاوز من محل إلى آخر، فإطلاق العبرة على ما يعتبر به لما ذكر، لكنه صار حقيقة في عرف اللغة اهـ.

{نُسْقِيكُمْ} قال الزجاج: سقيته وأسقيته بمعنى واحد اهـ. كما مر {مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ} والفرث كثيف ما يبقى من المأكول في الكرش اهـ. وإذا خرج من الكرش لا يسمى فرثًا اهـ. "خازن" بل يسمى روثًا، {خَالِصًا}؛ أي: مصفى من كل ما يصحبه من مواد أخرى، {سَائِغًا}؛ أي: سهل المرور في الحلق، يقال: ساغ الشراب في الحلق وأساغه صاحبه، قال تعالى:{وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ} .

{سَكَرًا} والسَّكر بفتحتين فيه أقوال (2):

أحدها: أنه من أسماء الخمر.

الثاني: أنه في الأصل مصدر، ثم سمي به الخمر، يقال سكر - من باب طرب وفرح - يسكر سكرًا بفتحتين، وسكرًا بضم فسكون.

الثالث: أنه اسمٌ للخلِّ بلغة الحبشة، قاله ابن عباس.

الرابع: أنه اسم للعصير ما دام حلوًا، كأنه سمي بذلك لمآله لذلك لو ترك، وفي "القاموس": السكر محركة: الخمر، ونبيذ يتخذ من التمر، وقال بعضهم: السكر الخمر، والرزق الحسن الخل، الرُّب الطلاء الخاشر، والتمر والزبيب ونحو ذلك.

(1) الشهاب.

(2)

الفتوحات.

ص: 324

{وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ} ؛ أي: ألهمها وعلمها وأرشدها، {بُيُوتًا}؛ أي: أوكارًا، وأصل البيت مأوى الإنسان، واستعمل هنا في الوكر الذي تبنيه النحل لتعسل فيه، لما فيه من دقة الصنع وجميل الهندسة {يَعْرِشُونَ} بكسر الراء وضمها من بابي ضرب ونصر، كما في "المختار"، وفي "القاموس": وعرش يعرش بني عريشًا، كأعرش وعرش بالتشديد اهـ. ويعرشون؛ أي: يرفعون من الكروم والسقوف، والسبل الطرق واحدها سبيل، والذلل جمع ذلول؛ أي: منقادة طائعة، والشراب العسل مختلف ألوانه؛ أي: من أبيض إلى أصفر إلى أسود بحسب اختلاف المرعى، {أَرْذَلِ الْعُمُرِ} أردؤه وأخسه، يقال رذل الشيء يرذل رذالةً، وأرذله غيره، قال تعالى حكاية عما قاله قوم شعيب له:{وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ} ، والحفدة: أولاد الأولاد، على ما روي عن الحسن والأزهري جمع حافد، ككتبةٍ وكاتب، من الحفد وهو الخفة في الخدمة والعمل، يقال منه حفد يحفد من باب ضرب حفدًا وحفودًا وحفدانًا إذا أسرع، كما جاء في القُنوت:"وإليك نسعى ونحفد".

{رِزْقًا مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} رزق السماء المطر، ورزق الأرض النبات والثمار التي تخرج منها، {فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ}؛ أي: لا تجعلوا له الأنداد والنظراء، فهو كقوله:{فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا} ، وضرب (1) المثل للشيء ذكر الشبيه له، ليوضح حاله المبهمة، ويزيل ما عرض من الشك في أمره، {أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ} والبكم محركًا الخرس، وهو إمَّا ناشيءٌ من صمم خلقي، وإما لسبب عارض، ولا علة في أذنيه فهو يسمع لكن لسانه معتقل لا يطيق الكلام، فكل من ولد غير سميع فهو أبكم؛ لأن الكلام بعد السماع، ولا سماع له، وليس كل أبكم يكون أصم صممًا طبيعيًّا، فإن بعض البكم لا يكونون صمًّا، وفي "القاموس" (2): البكم محركًا الخرس كالبكامة، أو مع عيٍّ وبله، أو أن يولد ولا ينطق ولا يسمع ولا يبصر، وبكم كفرح فهو أبكم وبكيمٌ، والجمع بكم، وبكم ككرم امتنع عن الكلام تعمدا اهـ. والكل الغليظ الثقيل، من قولهم: من كَلَّتِ

(1) المراغي.

(2)

القاموس.

ص: 325

السكين، إذا غلظت شفرتها فلم تقطع، وكل عن الأمر ثقل عليه فلم يستطع عمله.

{أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ} ؛ أي: يرسله في وجهٍ معين من الطريق، يقال وجهته إلى موضع كذا فتوجه إليه {عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}؛ أي: طريق عادل غير جائرٍ، {وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ} والساعة الوقت الذي تقوم فيه القيامة، سميت بذلك لأنها تفجأ الإنسان في ساعة ما، فيموت الخلق بصيحة واحدة، ولمح البصر: رجع الطرف من أعلى الحدقة إلى أسفلها، وفي "الخازن": لمح البصر انطباق جفن العين وفتحه، والجفن طرف العين اهـ. وفي "البيضاوي":{إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ} ؛ أي: إلا كرجع الطرف من أعلى الحدقة إلى أسفلها اهـ. وهذا يقتضي أنَّ اللمح معناه إغماض العين، والذي في كتب اللغة أنَّ معناه فتح العين والإبصار بها، ففي "المصباح": لمحت الشيء لمحًا من باب نفع نظرت إليه باختلاس البصر، وألمحته بالألف لغةٌ، ولمحته بالبصر صوبته إليه، ولمح البصر امتد إلى الشيء اهـ.

{وَالْأَفْئِدَةَ} واحدها فؤاد، وهي القلوب التي هيأها الله تعالى للفهم وإصلاح البدن، والجو: الفضاء بين السماء والأرض.

البلاغة

وقد تضمنت هذه الآيات ضروبًا من البلاغة، وأنواعًا من الفصاحة والبيان والبديع:

فمنها: الاستعارة التصريحية التبعية في قوله: {فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا} حيث (1) شبه تهييج القوى النامية في الأرض وإحداث نضارتها بالنباتات بالإحياء، وهو إعطاء الحياة، وهي صفةٌ تقتضي الحس والحركة، وشبه يبوستها بعد نضارتها بالموت بعد الحياة، فاشتق منه أحيا بمعنى أحدث نضارتها على طريقة الاستعارة التصريحية التبعية.

ومنها: الطباق في هذه الآية بين: {فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ} وبين {مَوْتِهَا} .

(1) روح البيان.

ص: 326

ومنها: المجاز في قوله: {وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً} لأن العبرة حقيقةٌ في العبور الذي هو التجاوز من محل إلى آخر، فإطلاقه على ما يعتبر به مجازٌ، لكونه سببًا في العبور من الجهل إلى العلم، لكنه صار حقيقةً في عرف اللغة كما في "الجمل".

ومنها: الاستعارة في قوله: {أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا} حيث (1) شبه ما تبنيه لتعسل فيه ببناء الإنسان بجامع الحفظ في كل، فاستعار لفظ بيت على طريقة الاستعارة التصريحية الأصلية.

ومنها: الجناس الناقص بين {كُلِي} و {كُلّ} في قوله: {ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ} .

ومنها: الإضافة في قوله: {سُبُلَ رَبِّكِ} إشارةٌ إلى كمال عنايته وعظيم إحسانه في تربيتها وإرشادها.

ومنها: الالتفات (2) من الخطاب إلى الغيبة في قوله: {يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا} ولو جاء على الكلام الأول لقيل من بطونك.

ومنها: مجاز الأول في قوله: {شَرَابٌ} ؛ أي: عسل يؤول إلى كونه مشروبًا للناس.

ومنها: التنكير في قوله: {شِفَاءٌ} إشعارًا بالتبعيض، لأنه إنما يكون شفاءً لبعض الأمراض كالأمراض البلغمية، ويجوز أن يكون للتعظيم كما في "البيضاوي".

ومنها: جمع المؤكدات في قوله: {إنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً} في مواضع عديدة اعتناءً بمقتضى السياق.

ومنها: صيغة المبالغة في قوله: {إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ} .

ومنها: الاستفهام التوبيخي التقريعي في قوله: {أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ} .

(1) روح البيان.

(2)

الجمل.

ص: 327

ومنها: تقديم الصلة على الفعل في قوله: {أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ} إمَّا (1) للاهتمام، أو لإيهام التخصيص مبالغة أو للمحافظة على الفواصل.

ومنها: الطباق بين {يُؤْمِنُونَ} و {يَكْفُرُونَ} في قوله: {أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ} .

ومنها: الإطناب في قوله: {إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} ، وفي قوله:{ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا} ، وقوله:{وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ} .

ومنها: الاستعارة التمثيلية في قوله: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ} فالآية تمثيل للصنم بالأبكم الذي لا ينتفع منه بشيء أصلًا مع القادر السميع البصير، فشتان ما بين الرب والصنم.

ومنها: الطباق بين {سِرًّا وَجَهْرًا} .

ومنها: الإتيان بضمير الجمع في قوله: {هَلْ يَسْتَوُونَ} نظرًا إلى تعدد أفراد كل فريق، لأن مقتضى السياق أن يقال: هل يستويان بضمير التثنية.

ومنها: الحصر في قوله: {وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} .

ومنها: التشبيه المرسل المجمل في قوله: {كَلَمْحِ الْبَصَرِ} قال الزجاج: ليس المراد أن الساعة تأتي في لمح البصر، أو في زمن أقرب منه، بل المراد بيان سرعة تأثير القدرة متى تعلقت الإرادة بشيء اهـ.

ومنها: الزيادة والحذف في عدة مواضع.

والله سبحانه وتعالى أعلم

* * *

ص: 328

قال الله سبحانه جلَّ وعلا:

{وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ (80) وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلَالًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ (81) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (82) يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ (83) وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا ثُمَّ لَا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (84) وَإِذَا رَأَى الَّذِينَ ظَلَمُوا الْعَذَابَ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ (85) وَإِذَا رَأَى الَّذِينَ أَشْرَكُوا شُرَكَاءَهُمْ قَالُوا رَبَّنَا هَؤُلَاءِ شُرَكَاؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُو مِنْ دُونِكَ فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكَاذِبُونَ (86) وَأَلْقَوْا إِلَى اللَّهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (87) الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ (88) وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلَاءِ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (89) إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90) وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ (91) وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (92) وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (93) وَلَا تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِمَا صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (94) وَلَا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا إِنَّمَا عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (95) مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (96) مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (97)} .

المناسبة

قوله تعالى: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ

} الآيات، مناسبة هذه

ص: 329

الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لمَّا أقام (1) الأدلة على توحيده .. أردف ذلك بذكر ما أنعم به على عباده، فجعل لهم بيوتًا يَأْوُوُن إليها، وتكون سكنًا لهم، وجعل لهم من جلود الأنعام بيوتًا يستخفون حملها في أسفارهم ويجعلونها خيامًا في السفر والحضر، وجعل لهم في الجبال الحصون والمعاقل، وجعل لهم الثياب التي تقيهم الحر، والدروع والجواشن من الحديد لتقي بعضهم أذى بعض في الحرب.

وقصارى هذا: أنه امتن على عباده فبدأ بما يخص المقيمين بقوله: {جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا} ، ثم بما يخص المسافرين منهم ممن لهم قدرة على ضرب الخيام بقوله:{وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعَامِ بُيُوتًا} ، ثم بمن لا قدرة لهم على ذلك ولا يأويهم إلا الظلال بقوله:{جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلَالًا} ، ثم بما لا بد منه لكل أحد بقوله: {وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ

} إلخ، ثم بما لا غنى عنه في الحروب بقوله:{وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ} .

وقال أبو حيان (2): مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أنه سبحانه وتعالى لما ذكر ما مَنَّ به عليهم من خلقهم، وما خلق لهم من مدارك العلم .. ذكر هنا ما امتن به عليهم مما ينتفعون به في حياتهم من الأمور الخارجة عن دوابهم، من البيوت التي يسكنونها، من الحجر والمدر والأخشاب وغيرها.

قوله تعالى: {وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا

} الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أنَّ الله سبحانه وتعالى لمَّا ذكر (3) حال هؤلاء المشركين، وأنهم عرفوا نعمة الله، ثم أنكروها .. قفى على ذلك بوعيدهم، فذكر حالهم يوم القيامة، وأنهم يكونون أذلاء لا يؤذن لهم في الكلام لتبرئة أنفسهم، ولا يمهلون، بل يؤخذون إلى العذاب بلا تأخير، وإذا رأوا معبوداتهم من الأصنام والأوثان والملائكة والأدميين .. قالوا: هؤلاء معبوداتنا، فكذبتهم تلك المعبودات، واستسلموا لربهم، وانقادوا له، وبطل ما كانوا يفترونه، ثم ذكر ذلك اليوم،

(1) المراغي.

(2)

البحر المحيط.

(3)

المراغي.

ص: 330

وهوله وما منح نبيه من الشرف العظيم، وأنه أنزل عليه الكتاب ليبين للناس ما أشكل عليهم من مصالح دينهم ودنياهم، ويهديهم سواء السبيل، وفيه البشرى للمؤمنين بجنات النعيم.

قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ

} الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أنَّ الله سبحانه وتعالى لما بالغ في الوعد للمتقين والوعيد للكافرين، وعاد وكرر في الترهيب والترهيب إلى أقصى الغاية .. أردف ذلك ذكر هذه الأوامر التي جمعت فضائل الأخلاق والآداب، وضروب التكاليف التي رسمها الدين، وحث عليها، لما فيها من إصلاح حال النفوس، وصلاح حال الأمم والشعوب، ثم ضرب الأمثال لمن يحيد عنها وينفر من فعلها، ثم أبان أن أمر الهداية والإضلال بيده، وأنه قد قدَّر بحسب استعداد النفوس للصلاحِ والغواية، وأنه سيجازي يوم القيامة كل نفس بما كسبت:{لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ} .

قوله تعالى: {وَلَا تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ

} الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما حذر من نقض العهود والأيمان على الإطلاق .. حذر في هذه الآية من نقض أيمان مخصوصة أقدموا عليها، وهي نقض عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإيمان به واتباع شرائعه جريًا وراء خيرات الدنيا وزخارفها، وأبان لهم أنَّ كل ذلك زائلٌ، وما عند الله باقٍ لا ينفد، ثم هو بعد يجزيهم الجزاء الأوفى.

أسباب النزول

قوله تعالى: {يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا

} الآية، سبب نزول هذه الآية: ما أخرجه (1) ابن أبي حاتم عن مجاهد أن أعرابيًّا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله، فقرأ عليه:{وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا} قال الأعرابي: نعم، ثم قرأ عليه:{وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ} قال:

(1) لباب النقول.

ص: 331