المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الطيب، والمطيع من العاصي، والظالم من المظلوم، إلى نحو أولئك - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ١٥

[محمد الأمين الهرري]

فهرس الكتاب

- ‌سورة الحجر

- ‌(1):

- ‌2

- ‌3

- ‌4

- ‌5

- ‌6

- ‌7

- ‌8

- ‌9

- ‌10

- ‌11

- ‌12

- ‌13

- ‌14

- ‌15

- ‌16

- ‌17

- ‌18

- ‌19

- ‌20

- ‌21

- ‌22

- ‌23

- ‌24

- ‌25

- ‌26

- ‌27

- ‌28

- ‌29

- ‌30

- ‌31

- ‌32

- ‌33

- ‌34

- ‌35

- ‌36

- ‌37

- ‌38

- ‌39

- ‌40

- ‌41

- ‌42

- ‌43

- ‌44

- ‌45

- ‌46

- ‌47

- ‌48

- ‌49

- ‌50

- ‌51

- ‌52

- ‌53

- ‌54

- ‌55

- ‌56

- ‌57

- ‌58

- ‌59

- ‌60

- ‌61

- ‌62

- ‌63

- ‌64

- ‌65

- ‌66

- ‌67

- ‌68

- ‌69

- ‌70

- ‌71

- ‌72

- ‌73

- ‌74

- ‌75

- ‌76

- ‌77

- ‌78

- ‌79

- ‌80

- ‌81

- ‌82

- ‌83

- ‌84

- ‌85

- ‌86

- ‌87

- ‌88

- ‌89

- ‌90

- ‌91

- ‌92

- ‌93

- ‌94

- ‌95

- ‌96

- ‌97

- ‌98

- ‌99

- ‌سورة النحل

- ‌1

- ‌2

- ‌3

- ‌4

- ‌(5

- ‌6

- ‌7

- ‌(8

- ‌9

- ‌10

- ‌11

- ‌12

- ‌13

- ‌14

- ‌15

- ‌16

- ‌17

- ‌18

- ‌19

- ‌20

- ‌21

- ‌22

- ‌23

- ‌24

- ‌25

- ‌26

- ‌27

- ‌28

- ‌29

- ‌30

- ‌31

- ‌32

- ‌ 33

- ‌34

- ‌35

- ‌36

- ‌37

- ‌38

- ‌39

- ‌40

- ‌41

- ‌42

- ‌43

- ‌44

- ‌45

- ‌46

- ‌47

- ‌48

- ‌49

- ‌50

- ‌51

- ‌52

- ‌53

- ‌54

- ‌55

- ‌56

- ‌57

- ‌58

- ‌59

- ‌60

- ‌61

- ‌62

- ‌63

- ‌ 64

- ‌65

- ‌66

- ‌67

- ‌68

- ‌69

- ‌70

- ‌71

- ‌72

- ‌73

- ‌74

- ‌75

- ‌76

- ‌77

- ‌78

- ‌79

- ‌80

- ‌81

- ‌82

- ‌83

- ‌84

- ‌85

- ‌86

- ‌87

- ‌88

- ‌89

- ‌90

- ‌91

- ‌92

- ‌93

- ‌94

- ‌95

- ‌96

- ‌97

- ‌98

- ‌99

- ‌100

- ‌101

- ‌102

- ‌103

- ‌104

- ‌105

- ‌106

- ‌107

- ‌108

- ‌109

- ‌110

- ‌111

- ‌112

- ‌113

- ‌114

- ‌115

- ‌116

- ‌117

- ‌118

- ‌119

- ‌120

- ‌121

- ‌122

- ‌123

- ‌124

- ‌125

- ‌126

- ‌127

- ‌128

الفصل: الطيب، والمطيع من العاصي، والظالم من المظلوم، إلى نحو أولئك

الطيب، والمطيع من العاصي، والظالم من المظلوم، إلى نحو أولئك ممن كان مدار دعوة الرسل عليه، وأنكرته الأمم الذي أرسلوا إليهم، ويجزي الذين أساؤوا بما علموا، ويجزي الذين أحسنوا بالحسن، وقوله:{وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا} معطوف على {لِيُبَيِّنَ} ؛ أي: بلى يبعثهم ليبين لهم الذي يختلفون فيه، وليعلم الذين جحدوا وقوع البعث والجزاء {أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ} في قولهم: لا يبعث الله من يموت، وسيدعون إلى نار جهنم دعا، وتقول لهم الزبانية:{هَذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ (14) أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لَا تُبْصِرُونَ (15) اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (16)} هذا (1) إشارة إلى السبب الداعي إلى البعث المقتضى له، من حيث الحكمة، وهو التمييز بين الحق والباطل، والمحق والمبطل، والثواب والعقاب.

‌40

- ثم أخبر سبحانه عن كامل قدرته، وأنه لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء فقال:{إِنَّمَا} و {ما} فيه كافة {قَوْلُنَا} مبتدأ {لِشَيْءٍ} ؛ أي: أي شيء كان مما عز وهان، متعلق بـ {قَوْلُنَا} على أن اللام للتبليغ، كهي في قولنا: قلت له قم فقام، فإن قلت: فيه دليل على أن المعدوم شيءٌ؛ لأنه سماه شيئًا قبل كونه.

قُلْتُ: التعبير عنه بذلك باعتبار وجوده عند تعلق مشيئته تعالى، لا أنه كان شيئًا قبل ذلك. وفي "التأويلات النجمية": في الآية دلالة على أن المعدوم الذي في علم الله إيجاده شيء، بخلاف المعدوم الذي في علم الله عدمه أبدًا، {إِذَا أَرَدْنَاهُ} ظرف لـ {قَوْلُنَا}؛ أي: وقت إرادتنا لوجوده {أَنْ نَقُولَ لَهُ} خبر المبتدأ {كُن} ؛ أي: احدث وابرز من العدم إلى الوجود، لأنه من كان التامة بمعني الحدوث التام، {فَيَكُونُ} ذلك الشيء ويحدث، عطف على مقدر؛ أي: فنقول ذلك فيكون، أو جواب لشرط محذوف؛ أي: فإذا قلنا ذلك .. فهو يكون ويحدث عقيب ذلك، وهذا الكلام مجازٌ عن سرعة الإيجاد وسهولته على الله، وليس هناك قول ولا مقول له، ولا آمر ولا مأمور، حتى يقال إنه يلزم أحد

(1) روح البيان.

ص: 216

المحالين إما خطاب المعدوم، أو تحصيل الحاصل؛ أي: إذا أردنا وجود شيء فليس إلا أن نقول له احدث فهو يحدث بلا توقف.

والمعنى: أي (1) إنا إذا أردنا أن نبعث من يموت. فلا تعب علينا ولا نصب في إحيائه ولا بعثه؛ لأنا إذا أردنا ذلك .. فإنما نقول له كن فيكون، لا معاناة فيه ولا كلفة علينا، ونحو الآية قوله:{فَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} ، وقوله:{وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ (50)} ، وقوله:{مَا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ} .

وخلاصة هذا: أنه تعالى مثل حصول المقدورات وفق مشيئته، وسرعة حدوثها حين إرادته سرعة حصول المأمور حين أمر الآمر، وقوله دون هوادة ولا تراخ، ولكن العباد (2) خوطبوا بذلك على قدر عقولهم، ولو أراد الله خلق الدنيا وما فيها في قدر لمح البصر .. لقدر على ذلك، فالمعنى: إنما إيجادنا لشيء عند تعلق إرادتنا به أن نوجده في أسرع ما يكون، وقرأ ابن كثير ونافع وعاصم وأبو عمرو وحمزة {فَيَكُونُ} رفعًا، وكذلك في كل القرآن، وقرأ ابن عامر والكسائي:{فيكون} نصبًا، قال مكيٌّ بن إبراهيم: من رفع قطعه عما قبله.

والمعنى: فهو يكون، ومن نصب عطفه على يقول. والله أعلم.

الإعراب

{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (24) لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ (25)} .

{وَإِذَا} {الواو} : استئنافية {إذا} : ظرف لما يستقبل من الزمان، {قِيلَ} فعلٌ ماض مغير الصيغة، {لَهُمْ}: متعلق به، {مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ}: نائب فاعل محكي، وإن شئت قلت:{مَاذَا} : اسم استفهام مركب في محل النصب مفعول مقدم وجوبًا، {أَنْزَلَ رَبُّكُمْ}: فعل وفاعل، والجملة الفعلية في محل الرفع نائب

(1) المراغي.

(2)

المراح.

ص: 217

فاعل لـ {قِيلَ} وإن شئت قلت: {ما} اسم استفهام في محل الرفع مبتدأ، {ذا} اسم موصول بمعنى الذي في محل الرفع خبرٌ، {أَنْزَلَ رَبُّكُمْ}: فعل وفاعل، والجمل صلة لـ {ذا} الموصولة، والعائد محذوف تقديره: ما الذي أنزله ربكم، والجملة الاسمية في محل الرفع نائب فاعل لـ {قِيلَ} وجملة {قِيلَ} في محل الجر مضاف إليه لـ {إذا} على كونها فعل شرط لها، {قَالُوا} فعل وفاعل، والجملة جواب {إذا} وجملة {إذا} مستأنفة {أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ}: خبرٌ ومضاف إليه لمبتدأ محذوف تقديره: المنزل أساطير الأولين، وسموه منزلًا على سبيل التهكم، أو على سبيل التقدير {لِيَحْمِلُوا} {اللام}: حرف جر وعاقبة {يحملوا أوزارهم} فعل وفاعل ومفعول، منصب بأن مضمرة جوازًا بعد لام كي {كَامِلَة}: حال من الأوزار، {يَوْمَ الْقِيَامَةِ}: ظرف متعلق بـ {يحملوا} ، والجملة الفعلية صلة أن المضمرة، أن مع صلتها في تأويل مصدر مجرور باللام، تقديره: قالوا لصيرورة عاقبتهم حملهم أوزارهم يوم القيامة، {وَمِنْ أَوْزَارِ}: معطوف على {أَوْزَارَهُمْ} ، و {وَمِنْ} إما زائدة أو تبعيضية، {الَّذِينَ}: اسم موصول في محل الجر مضاف إليه، {يُضِلُّونَهُمْ}: فعل وفاعل ومفعول، والجملة صلة الموصول، {بِغَيْرِ عِلْمٍ}: جار ومجرور ومضاف إليه، إما حال من فاعل {يُضِلُّونَهُمْ} ، أو من مفعوله كما مر {أَلَا}: حرف تنبيه {سَاءَ} : فعل ماض من أفعال الذم، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبًا، لشبهه بالمثل، تقديره: هو يعود على الشيء المبهم الذي يفسره التمييز، {مَا}: نكرة موصوفة في محل النصب على التمييز لفاعل {سَاءَ} ، {يَزِرُونَ}: فعل وفاعل، والجملة الفعلية في محل النصب صفة لـ {مَا} ، والرابط محذوف تقديره: ألا ساءَ الشيء شيئًا يزورنه، والمخصوص بالذم محذوف تقديره: حملهم هذا، وجملة {سَاءَ} جملة إنشائية لا محل لها من الإعراب.

{قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ (26)} .

{قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ} : فعل وفاعل، والجملة مستأنفة {مِنْ قَبْلِهِمْ}: جار

ص: 218

ومجرور صلة الموصول، {فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ}: فعل وفاعل ومفعول، والجملة معطوفة على جملة {مَكَرَ} و {الفاء} للعطف والتعقيب {مِنَ الْقَوَاعِدِ}: جار ومجرور متعلق بـ {أتى} ، {فَخَرَّ} {الفاء}: حرف عطف وتعقيب، {خر}: فعل ماض، {عَلَيْهِمُ}: متعلق به، {السَّقْفُ}: فاعل {مِنْ فَوْقِهِمْ} : جار ومجرور ومضاف إليه، متعلق بـ {خَرَّ} والجملة الفعلية معطوفة على جملة {أتى}. {وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ}: فعل ومفعول وفاعل، والجملة معطوفة على جملة قوله:{فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ} ، {مِنْ حَيْثُ}: جار ومجرور، متعلق بـ {أتى} ، وجملة {لَا يَشْعُرُونَ} في محل الجر مضاف إليه لـ {حَيْثُ} .

{ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُخْزِيهِمْ وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ قَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكَافِرِينَ (27) الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بَلَى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (28)} .

{ثُمَّ} : حرف عطف وتراخ، {يوم القيامة} ظرف متعلق بما بعده، {يخزيهم}: فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على {اللَّهُ} ، والجملة معطوفة على جملة قوله:{وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ} {وَيَقُولُ} : فعل مضارع معطوف على {يُخْزِيهِمْ} ، وفاعله ضمير يعود على {اللَّهُ} {أَيْنَ شُرَكَائِيَ}: إلى قوله: {قَالَ الَّذِينَ} مقول محكي، وإن شئت قلت:{أَيْنَ} اسم استفهام للاستفهام التوبيخي في محل الرفع خبر مقدم وجوبًا، {شُرَكَائِيَ}: مبتدأ مؤخر، والجملة الاسمية في محل النصب مقول لـ {يقول} {الَّذِينَ} في محل الرفع صفة لـ {شُرَكَائِيَ}:{كُنْتُمْ} : فعل ناقص واسمه، وجملة {تُشَاقُّونَ} في محل النصب خبر {كان} {فِيهِمْ}: جار ومجرور، متعلق بـ {تُشَاقُّونَ} ، وجملة {كان} صلة الموصول، {قَالَ الَّذِينَ}: فعل وفاعل، والجملة مستأنفة {أُوتُوا الْعِلْمَ}: فعل مغير ونائب فاعل ومفعول ثان؛ لأن أتى هنا بمعنى أعطى يتعدى لمفعولين، أولهما صار نائب فاعل، لـ {أُوتُوا} والأصل قال الذين آتاهم الله العلم، والجملة الفعلية صلة الموصول، {إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ} إلى قوله:{فَأَلْقَوُا السَّلَمَ} : مقول محكي لـ {قَالَ} ، وإن شئت قلت:{إِنَّ الْخِزْيَ} : ناصب واسمه،

ص: 219

{الْيَوْمَ} : ظرف متعلق بـ {الْخِزْيَ} ؛ لأنه مصدر فيه الألف واللام، أو متعلق بالاستقرار الذي تعلق به الجار والمجرور الواقع خبرًا؛ لأن كما ذكره أبو البقاء، {وَالسُّوءَ}: معطوف على {الْخِزْيَ} ، {عَلَى الْكَافِرِينَ} خبر {إنَّ} ، وجملة {إنَّ} في محل النصب مقول {قَالَ} ، {الَّذِينَ}: صفة لـ {الْكَافِرِينَ} ، {تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ}: فعل ومفعول وفاعل، صلة الوصول، {ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ}: حال من ضمير الغائبين، ومضاف إليه، {فَأَلْقَوُا السَّلَمَ}: فعل وفاعل ومفعول، معطوف على جملة قوله {قَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} أو على {تَتَوَفَّاهُمُ} ، و {الفاء}: حرف عطف وتعقيب، ويجوز أن يكون مستأنفًا، والفاء حينئذٍ استئنافية، ذكره أبو البقاء {مَا} نافية {كُنَّا} فعل ناقص واسمه {نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ} فعل ومفعول، و {مِنْ} زائدة، وفاعله ضمير يعود على المشركين، وجملة {نَعْمَلُ} في محل النصب خبر {كان} ، وجملة {كان} في محل النصب مقولٌ لقول محذوف، حال من فاعل {ألقوا}؛ أي: فألقوا السلم قائلين: {مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ} . {بَلَى} : حرف جواب لإثبات ما بعد حرف النفي قائمة مقام الجواب المحذوف، تقديره: بلى كنتم تعملون أقبح الشرك وأشد الآثام، والجملة الجوابية مستأنفة، {إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ}: ناصب واسمه وخبره، والجملة مستأنفة مسوقة لتعليل الجواب المحذوف {بِمَا}: جار ومجرور متعلق بـ {عَلِيمٌ} ، {كُنْتُمْ}: فعل ناقص واسمه، وجملة {تَعْمَلُونَ} خبر {كان} وجملة كان صلة لـ {ما} أو صفة لها، والعائد أو الرابط محذوف تقديره: بما كنتم تعملونه.

{فَادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (29)} .

{فَادْخُلُوا} {الفاء} : حرف عطف وتعقيب، {ادخلوا}: فعل وفاعل، {أَبْوَابَ جَهَنَّمَ}: ظرف ومضاف إليه متعلق بـ {ادخلوا} ، أو منصوب على التشبيه بالمفعول به، والجملة معطوفة على الجواب تقديره: بلى كنتم تعملون أشد الشرك وأقبح الآثام فادخلوا أبواب جهنم، {خَالِدِينَ}: حال مقدرة من فاعل {ادخلوا} {فِيهَا} : متعلق بـ {خَالِدِينَ} ، {فَلَبِئْسَ} الفاء}: حرف عطف وتعقيب، {اللام} ؛ موطئة للقسم، {بئس مثوى المتكبرين}: فعل وفاعل، والجملة الفعلية جواب القسم المحذوف، وجملة القسم معطوفة على جملة قوله:

ص: 220

{فَادْخُلُوا} ؛ أي: فادخلوا أبواب جهنم فيقال فيكم: والله لبئس مثوى المتكبرين، والمخصوص بالذم محذوف تقديره: جهنم.

{وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْرًا لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ (30)} .

{وَقِيلَ} {الواو} : استئنافية، {قيل}: فعل ماض مغير الصيغة، {لِلَّذِينَ}: متعلق به، {اتَّقَوْا}: فعل وفاعل، صلة الموصول، {مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ} نائب فاعل محكي لـ {قيل} ، وجملة {قيل} مستأنفة، وإن شئت قلت:{مَاذَا} : اسم استفهام مركب في محل النصب مفعول مقدم وجوبًا، {أَنْزَلَ رَبُّكُمْ}: فعل وفاعل، والجملة الفعلية في محل الرفع نائب فاعل لـ {قيل} ، وإن شئت قلت {مَاذَا} مبتدأ وخبر، وجملة {أَنْزَلَ رَبُّكُمْ} صلة لـ {ذا} الموصولة، كما مر نظيره فراجعه، {قَالُوا}: فعل وفاعل، الجملة مستأنفة، {خَيْرًا}: مفعول لفعل محذوف تقديره: أنزل خيرًا، والجملة المحذوفة في محل النصب مقول قالوا، {لِلَّذِينَ} جار ومجرور خبر مقدم، {أَحْسَنُوا}: فعل وفاعل صلة الموصولة {فِي هَذِهِ} : جار ومجرور متعلق بـ {أَحْسَنُوا} ، {الدُّنْيَا}: بدل من اسم الإشارة، أو عطف بيان عنه {حَسَنَةٌ}: مبتدأ مؤخر، والجملة الاسمية مستأنفة، أو في محل النصب بدل من {خَيْرًا} ، أو جملة مفسرة له {وَلَدَارُ الْآخِرَةِ}: مبتدأ ومضاف إليه، و {اللام} حرف ابتداء {خَيْرٌ}: خبر المبتدأ، والجملة الاسمية معطوفة على جملة قوله:{لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا} {وَلَنِعْمَ} : {الواو} : عاطفة، و {اللام}: موطئة للقسم المحذوف، {نِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ}: فعل وفاعل ومضاف إليه، والجملة الفعلية جواب القسم المحذوف، والتقدير: والله لنعم دار المتقين، وجملة القسم معطوفة على الجملة التي قبلها، والمخصوص بالمدح محذوف تقديره: هي.

{جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ كَذَلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ (31)} .

{جَنَّاتُ عَدْنٍ} مبتدأ ومضاف إليه، والخبر محذوف تقديره: لهم جنات عدن، والجملة مستأنفة، وفيه أوجه أخر تركناها خوف الإطالة، {يَدْخُلُونَهَا}: فعل

ص: 221

وفاعل ومفعول، والجملة في محل النصب حال من الضمير المستكن في الخبر المحذوف، {تَجْرِي}: فعل مضارع {مِنْ تَحْتِهَا} : متعلق به، {الْأَنْهَارُ} فاعل، وجملة {تَجْرِي} في محل النصب حال من مفعول {يَدْخُلُونَهَا} {لَهُمْ}: جار ومجرور، خبر مقدم {فِيهَا}: جار ومجرور، متعلق بـ لاستقرار الذي تعلق به الخبر، {مَا} اسم موصول في محل الرفع مبتدأ مؤخر، {يَشَاءُونَ}: فعل وفاعل، والجملة صلة الموصول، والعائد محذوف تقديره: ما يشاؤونه ويشتهونه والجملة الاسمية في محل النصب حال ثانية من مفعول {يَدْخُلُونَهَا} . {كَذَلِكَ} : جار ومجرور صفة لمصدر محذوف، {يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ}: فعل وفاعل ومفعول، والتقدير: يجزى الله المتقين جزاء مثل الجزاء الذي ذكرناه، والجملة الفعلية مستأنفة.

{الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (32)} .

{الَّذِينَ} : اسم موصول في محل النصب صفة لـ {الْمُتَّقِينَ} . {تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ} : فعل ومفعول وفاعل، والجملة صلة الموصول، {طَيِّبِينَ} حال من المفعول في {تَتَوَفَّاهُمُ} ، {يَقُولُونَ}: فعل وفاعل، والجملة في محل النصب حال من {الْمَلَائِكَةُ} {سَلَامٌ عَلَيْكُمُ} إلى آخر الآية: مقولٌ محكي لـ {يَقُولُونَ} ، وإن شئت قلت:{سَلَامٌ} : مبتدأ سوغ الابتداء بالنكرة وقوعه في معرض الدعاء، {عَلَيْكُمُ}: خبره، والجملة الاسمية في محل النصب مقول القول، {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ}: فعل وفاعل مفعول، والجملة الفعلية في محل النصب مقول القول، {بِمَا}: جار ومجرور متعلق بـ {ادْخُلُوا} ، و {الباء} سببية، {كُنْتُمْ}: فعل ناقص واسمه، وجملة {تَعْمَلُونَ} خبره، وجعله {كان} صلة لـ {ما} ، أو صفة لها، والعائد أو الرابط محذوف تقديره: تعملونه، ويصح أن تكون مصدريةً؛ أي: بعملكم.

{هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (33)} .

ص: 222

{هَلْ} : حرف استفهام للاستفهام الإنكاري، {يَنْظُرُونَ}: فعل وفاعل، والجملة مستأنفة، {إِلَّا}: أداة استثناء مفرغ، {أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ}: ناصب وفعل ومفعول وفاعل، والجملة الفعلية مع {أَنْ} المصدرية في تأويل مصدر منصوب على المفعولية، والتقدير: هل ينتظرون إلا إتيان الملائكة إياهم، {أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ}: فعل وفاعل معطوف على {تَأْتِيَهُمُ} ؛ أي: ما ينتظرون إلا إتيان الملائكة، أو إتيان أمر ربك، {كَذَلِكَ}: صفة لمصدر محذوف، {فَعَلَ الَّذِينَ}: فعل وفاعل، {مِنْ قَبْلِهِمْ}: جار ومجرور، صلة الموصول، والجملة مستأنفة، والتقدير: فعل الذين من قبلهم فعلًا مثل فعل هؤلاء المشركين من قومك، {وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ}: ناف وفعل ومفعول وفاعل، والجملة الفعلية معترضة لاعتراضها بين المعطوف الذي هو {فَأَصَابَهُمْ} والمعطوف عليه الذي هو {فَعَلَ} ، و {وَلَكِنْ} {الواو}: عاطفة، {لكن}: حرف استدراك، {كَانُوا}: فعل ناقص واسمه، {أَنْفُسَهُمْ}: مفعول مقدم لـ {يَظْلِمُونَ} وجملة {يَظْلِمُونَ} في محل النصب خبر {كان} ، وجملة {كان} معطوفة على جملة قوله:{وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ} .

{فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (34)} .

{فَأَصَابَهُمْ} {الفاء} : حرف عطف وتعقيب، {أَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا}: فعل ومفعول وفاعل ومضاف إليه، والجملة معطوفة على جملة قوله:{فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} وما بينهما اعتراض اهـ "سمين "، وجملة {عَمِلُوا} صلةٌ لـ {مَا} أو صفة لها، {وَحَاقَ}: فعل ماض، {بِهِمْ}: متعلق به، {مَا}: موصولة أو موصوفة في محل الرفع فاعل، والجملة معطوفة على جملة {أصابهم} ، {كَانُوا}: فعل ناقص واسمه، {بِهِ}: متعلق بما بعده، وجملة {يَسْتَهْزِئُونَ} خبر {كان} ، وجملة {كان} صلة لـ {مَا} أو صفة لها.

{وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ} .

{وَقَالَ الَّذِينَ} : فعل وفاعل، والجملة مستأنفة، {أَشْرَكُوا}: فعل وفاعل،

ص: 223

والجملة صلة الموصول، {لَوْ شَاءَ اللَّهُ} إلى قوله:{كَذَلِكَ} مقول محكي لـ {قالوا} ، وإن شئت قلت:{لَوْ} : حرف شرط {شَاءَ اللَّهُ} : فعل وفاعل، والجملة فعل شرط لـ {لَوْ} ، {مَا}: نافية، {عَبَدْنَا}: فعل وفاعل، {مِنْ دُونِهِ}: حال من {شَيْءٍ} لأنه صفة نكرة قدمت عليها، {مِنْ شَيْءٍ}: مفعول {عَبَدْنَا} ، و {مِن} زائدة وجملة {عَبَدْنَا} جواب {لَوْ} الشرطية، وجملة {لَوْ} الشرطية في محل النصب مقول {قال}. {نَحْنُ}: تأكيد لضمير الفاعل في {عَبَدْنَا} ، {وَلَا آبَاؤُنَا}: معطوف على ذلك الضمير، {وَلَا حَرَّمْنَا}: فعل وفاعل معطوف على {عَبَدْنَا} ، {مِنْ}: زائدة، {دُونِهِ}: ظرف حال من ضمير {حَرَّمْنَا} ؛ أي: حالة كوننا دونه؛ أي: دون الله؛ أي: مستقلين بتحريمه، كما في "الجَمَلِ". {مِنْ شَيْءٍ}: مفعول {حَرَّمْنَا} و {مِنْ} زائدة.

{كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} .

{كَذَلِكَ} : صفة لمصدر محذوف، {فَعَلَ الَّذِينَ}: فعل وفاعل {مِنْ قَبْلِهِمْ} : صلة الموصول، والجملة مستأنفة، والتقدير: فعل الذين من قبلهم فعلًا مثل فعل هؤلاء المشركين، {فَهَلْ} {الفاء} فاء الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر، تقديره: إذا عرفت فعل هؤلاء، وفعل الذين من قبلهم، وأردت بيان ما على الرسل .. فأقول لك: هل على الرسل، {هَلْ} ؛ حرف استفهام، للاستفهام الإنكاري، {عَلَى الرُّسُلِ}: جار ومجرور خبر مقدم، {إِلَّا}: أداة استثناء مفرغ، {الْبَلَاغُ}: مبتدأ مؤخر، {المبين}: صفة لـ {الْبَلَاغُ} والجملة الاستفهامية في محل النصب مقولٌ لجواب إذا المقدرة، وجملة إذا المقدرة مستأنفة.

{وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ} .

{وَلَقَدْ} {الواو} : استئنافية و {اللام} : موطئة للقسم، {قد}: حرف تحقيق، {بَعَثْنَا}: فعل وفاعل، {فِي كُلِّ أُمَّةٍ}: جار ومجرور ومضاف إليه،

ص: 224

متعلق بـ {بَعَثْنَا} . {رَسُولًا} : مفعول به، والجملة الفعلية جواب القسم، وجملة القسم مستأنفة، {أَنِ} مصدريةٌ أو مفسرة {اعْبُدُوا اللَّهَ}: فعل وفاعل ومفعول، والجملة الفعلية مع {أَنِ} المصدرية في تأويل مصدر مجرور بحرف جر محذوف، تقديره: بعبادة الله، الجار والمجرور متعلق بـ {بَعَثْنَا}. {وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ}: فعل وفاعل ومفعول معطوف على {اعْبُدُوا} ، {فَمِنْهُمْ} {الفاء} فاء الفصيحة، لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر، تقديره: إذا عرفت بعثنا في كل أمة رسولًا، وأردت بيان حال أممهم .. فأقول لك: منهم مَنْ هدى الله، {منهم}: جار ومجرور خبر مقدم، {مَنْ}: نكرة موصوفة كما في "العكبري" أو موصولة في محل الرفع مبتدأ مؤخر، والجملة الاسمية في محل النصب مقولٌ لجواب إذا المقدرة، وجملة إذا المقدرة مستأنفة، {هَدَى اللَّهُ}: فعل وفاعل، والجله صفة لـ {مَنْ} المَوْصُوفةِ، أو صلة {مَنْ} الموصولة، والعائد أو الرابط محذوف تقديره: من هداهم الله، {وَمِنْهُمْ}: خبر مقدم، {مَنْ}: اسم موصول مبتدأ مؤخر، والجملة الاسمية في محل النصب معطوفة على الجملة التي قبلها {حَقَّتْ}: فعل ماض، {عَلَيْهِ}: متعلق به، {الضَّلَالَةُ}: فاعل، والجملة صلة لـ {مَنْ} أو صفة لها.

{فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ} .

{فَسِيرُوا} {الفاء} : فاء الفصيحة لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر، تقديره: إذا عرفتم التفريق المذكور، وأردتم معرفة حال من حقت عليه الضلالة .. فأقول لكم {سيْروا}: فعل وفاعل، {فِي الْأَرْضِ}: متعلق بـ {سيروا} ، والجملة في محل النصب مقول لجواب إذا المقدرة، وجملة إذا المقدرة مستأنفة، {فَانْظُرُوا}:{الفاء} : حرف عطف وتعقيب، {انظروا}: فعل وفاعل معطوف على {سيروا} ، {كَيْفَ}: اسم استفهام في محل النصب خبر {كَانَ} مقدم عليها، وهي معلقة لـ {انظروا} عن العمل فيما بعده، {كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ} فعل ناقص واسمه ومضاف إليه، وجملة {كَانَ} في محل النصب مفعول {انظروا} .

ص: 225

{إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (37)} .

{إِنْ} : حرف شرط، {تَحْرِصْ}: فعل مضارع مجزوم بـ {إِنْ} على كونه فعل شرط لها، وفاعله ضمير يعود على محمد، {عَلَى هُدَاهُمْ}: متعلق به، وجواب {إِنْ} الشرطية محذوف، تقديره: فلا ينفعهم حرصك، وجملة {إِنْ} الشرطية مستأنفة، {فَإِنَّ اللَّهَ} {الفاء} تعليلية للجواب المحذوف، {إن الله}: ناصب واسمه، {لَا يَهْدِي}: فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على {اللَّهَ} ، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر {إن} وجملة {إن} في محل الجر بلام التعليل المقدرة، المدلول عليها بالفاء التعليلية {مَنْ}: اسم موصول في محل النصب مفعول {يَهْدِي} {يُضِلُّ} : فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على {اللَّهَ} ، والجملة صلة الموصول، والعائد محذوف تقديره: من يُضِلُّهُ {وَمَا} : {الواو} عاطفة، {ما}: حجازية أو تميمية {لَهُمْ} : خبر {ما} مقدم، أو خبر المبتدأ، {مِنْ نَاصِرِينَ}: اسمها مؤخر، أو مبتدأ مؤخر، و {مِنْ} زائدة، والجملة معطوفة على جملة {إن} .

{وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلَى وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (38)} .

{وَأَقْسَمُوا} : فعل وفاعل، والجملة مستأنفة، {بِاللَّهِ}: متعلق بـ {أقسموا} {جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ} : منصوب على المصدرية، واقع موقع الحال، كما مر في مبحث التفسير، {لَا يَبْعَثُ اللَّهُ من}: فعل وفاعل ومفعول، والجملة في محل النصب مقول لقول محذوف، واقع حالًا من فاعل {أقسموا}؛ أي: وأقسموا باللهِ جهد أيمانهم قائلين {لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ} {يَمُوتُ} : فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على {مَنْ} ، والجملة صلة الموصول، {بَلَى}: حرف جواب لإثبات ما بعد النفي، نائب عن الجواب المحذوف، تقديره: بلى يبعثه الله تعالى، والجملة المحذوفة مستأنفة، {وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا}: مصدران مؤكدان منصوبان بفعلهما المقدر، تقديره: وعد ذلك وعدًا، وحق ذلك حقًّا، {عَلَيْهِ}: جار ومجرور صفةٌ

ص: 226

لـ {وَعْدًا} ، {وَلَكِنَّ} {الواو} عاطفة {لكن}: حرف نصب واستدراك، {أَكْثَرَ النَّاسِ}: اسمها، وجملة {لَا يَعْلَمُونَ} في محل الرفع خبر {لكن} ، والجملة الاستدراكية معطوفة على الجملة الجوابية المحذوفة.

{لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ (39)} .

{لِيُبَيِّنَ} {اللام} : حرف جر وتعليل، {يبين}: فعل مضارع منصوب بأن مضمرة جوازًا بعد لام كَي، وفاعله ضمير يعود على {اللَّهِ} {لَهُمُ}: جار ومجرور متعلق به، والجملة الفعلية مع أن المضمرة في تأويل مصدر مجرور باللام، تقديره: لتبيينه لهم، الجار والمجرور متعلق بالجواب المقدر بعد بلى؛ أي: بلى يبعثهم الله لتبيينه لهم، {الَّذِي}: اسم موصول في محل النصب مفعول يبين، {يَخْتَلِفُونَ}: فعل وفاعل {فِيهِ} : متعلق به، والجملة صلة الموصول، {وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ}: فعل وفاعل، منصوب بأن مضمرة بعد لام كي، والجملة الفعلية مع أن المضمرة في تأويل مصدر مجرور باللام، تقديره: ولعلم الذين كفروا، الجار والمجرور معطوف على الجار والمجرور في قوله:{لِيُبَيِّنَ لَهُمُ} ، {كَفَرُوا}: فعل وفاعل، صلة الموصول، {أَنَّهُمْ}: ناصب واسمه، {كَانُوا كَاذِبِينَ} فعل ناقص واسمه وخبره، وجملة {كان} في محل الرفع خبر {أنَّ} ، وجملة {أن} في تأويل مصدر ساد مسد مفعولي {علم} .

{إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (40)} .

{إِنَّمَا} {إن} : حرف نصب، و {ما}: كافة، {قَوْلُنَا}: مبتدأ أو مضاف إليه، {لِشَيْءٍ}: جار ومجرور متعلق بـ {قَوْلُنَا} ، {إِذَا}: ظرف لما يستقبل من الزمان مجرد عن معنى الشرط في حل النصب على الظرفية، مبني على السكون، {أَرَدْنَاهُ}: فعل وفاعل ومفعول، والجملة في محل الجر مضاف إليه لـ {إِذَا} تقديره: وَقْتَ إرادتنا إياه، والظرف متعلق بـ {قَوْلُنَا} ، {أَنْ}: حرف نصب ومصدر، {نَقُولَ}: فعل مضارع منصوب بـ {أَنْ} ، وفعله ضمير يعود على {اللهُ} {لَهُ}: جار ومجرور متعلق بـ {نَقُولَ} ، {كُنْ}: مقول محكي لـ {نَقُولَ} ، وإن شئت قلت:{كُنْ} : فعل أمر تام بمعنى أحدث، وفاعله ضمير يعود على

ص: 227

الشيء، والجملة في محل النصب مقولٌ لـ {قُلْ} وجملة {نَقُولَ} مع {أَنْ} المصدرية في تأويل مصدر مرفوع على الخبرية، تقديره: إنما قولنا لشيء وقت إرادتنا إياه قولنا له كن، والجملة الاسمية مستأنفة، {فَيَكُونُ} {الفاء}: عاطفة، {يكون} فعل مضارع تام، وفاعله ضمير يعود على {شيء} ، والجملة الفعلية معطوفة على جملة مقدرة تدل عليها الفاء، تقديره: فنقول ذلك فيكون، ويجوز أن يكون جوابًا لشرط محذوف، تقديره: فإذا قلنا ذلك فهو يكون، كذا في "الفتوحات" وغيرها، والله أعلم.

التصريف ومفردات اللغة

{أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ} الأساطير جمع أسطورة، كأحاديث جمع أُحدوثة، وأضاحيك جمع أضحوكة، وأعجايب جمع أعجوبة، وأراجيح جمع أرجوحة، وهي الأكاذيب والأباطل والترهات، وقال في "القاموس": الأساطير الأحاديث التي لا نظام لها، جمع إسطار وإسطير بكسرهما وأسطور، وبالهاء في الكل اهـ. {أَوْزَارَهُمْ} والأوزار الآثام، واحدها وزر كأحمال وحمل، والوزر الثقل والحمل الثقيل، {سَاءَ مَا يَزِرُونَ}؛ أي: بئس شيئًا يحملونه، {قَدْ مَكَر} والمكر صرف غيرك مما يريده بحيلة، ويراد به هنا مباشرة الأسباب وترتيب المقدمات.

{فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِد} ؛ أي: أهلكه وأفناه، كما يقال أتى عليه الدهر، والبنيان البناء يجمع على أبنية، والقواعد جمع قاعدة، وقواعد البيت أساسه، أو أساطينه ودعائمه وعمده، {فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ} والسقف يجمع على سقوف، وهو القياس، وعلى سُقُفٍ وسُقْفٍ، وفُعَلٌ وفُعْلٌ، محفوظان في فَعْلٍ، وليسا مقيسين فيه، {تُشَاقُّونَ فِيهِمْ}؛ أي: تخاصمون وتنازعون الأنبياء وأتباعهم في شأنهم، وأصله أن كلا من المتخاصمين في شق وجانب غير شق الآخر، وعبارة "الخازن": المشاقة عبارة عن كون كل واحد من الخصمين في شقِّ غير شق صاحبه، والمعنى: ما لهم لا يحضرون معكم ليدفعوا عنكم ما نزل بكم من العذاب والهوان اهـ. وأصل الخزي ذل يستحي منه، وأصل {تُشَاقُّونَ} تشاققون بوزن تفاعلون، {فَأَلْقَوُا السَّلَمَ} والسلم بالتحريك الاستسلام؛ أي: فيلقون

ص: 228

الاستسلام والانقياد في الآخرة حين عاينوا العذاب، ويتركون المشاقة، {بَلَى}: حرف يجاب به لإثبات ما بعد النفي.

{مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ} المثوى المنزل والمقام، {وَحَاقَ بِهِمْ}؛ أي: وأحاط بهم جزاؤه ونزل، من الحيق الذي لا يستعمل إلا في الشر، كما في "القاموس": الحَيْقُ ما يشتمل على الإنسان من مكروه فعله، والمراد أن أصل معناه الإحاطة مطلقًا، لكنه خص في الاستعمال بإحاطة الشر، فلا يقال حاقت به النعمة، بل النقمة اهـ. "شهاب"، وفي "المختار": حاق به الشي أحاط به، وبابه باع ومنه قوله تعالى:{وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ} اهـ.

{إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} والبلاغ اسم مصدر بمعنى الإبلاغ اهـ "شهاب"؛ أي: ليست وظيفتهم إلا تبليغ الرسالة تبليغًا واضحًا، {وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} والطاغوت فعلوت من الطغيان، كالجبروت الملكوت من الجبر والملك، وأصله طغيوت فقدم اللام على العين، وتاؤه زائدة دون التأنيث، واختلف في الطاغوت، فقال بعضهم كل ما عبد من دون الله فهو طاغوت، وقال الحسن: الطاغوت الشيطان، والمراد من اجتنابه اجتناب ما يدعوا إليه مما نهي عنه شرعًا، ولما كان ذلك الارتكاب بأمر الشيطان ووسوسته سمي ذلك عبادة للشيطان اهـ. "زاده"، وهو من الطغيان يذكر ويؤنث اهـ "مصباح"، ويقع على الواحد كقوله تعالى:{يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ} ، وعلى الجمع كقوله تعالى:{أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ} والجمع الطواغيت اهـ "مختار"، ومن إطلاقه على الجمع ما هنا، والحاصل: أنَّ الطاغوت كلُّ ما عبدُ من دون الله تعالى، من شيطان وكاهن وصنم، وكل من دعا إلى ضلال.

{مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ} حقت وجبت وثبتت بالقضاء السابق في الأزل لإصراره على الكفر والعناد، {إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ} في "المصباح": حرص عليه حرصًا من باب ضرب إذا اجتهد، والاسم الحرص بالكسر، وحرص على الدنيا من باب شرب أيضًا، وحرص حرصًا من باب تعب لغة إذا رغب رغبة مذمومة اهـ. وفي "السمين": قرأ العامة: {إِنْ تَحْرِصْ} بكسر الراء مضارع حرص بفتحها،

ص: 229

وهي اللغة العالية لغة الحجاز، وقرأ الحسن:{تَحْرص} بفتح الراء مضارع حرص بكسرها وهي لغة لبعضهم اهـ.

{وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ} الإقسام والقسم محركة اليمين بالله، وسمي الحلف قسمًا لأنه يكون عند انقسام الناس إلى مصدَّق ومكذب، والجهد بفتح الجيم المشقة، وبضمها الطاعة، يقال جهد الرجل في كذا - كمنع - جدَّ فيه وبالغ واجتهد، وجهد أيمانهم؛ أي: غاية اجتهادهم فيها، وبلى كلمة جوابٍ كنعم لكنها لا تقع إلا بعد النفي، فتثبت ما بعده، {وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا}؛ أي: وعد ذلك وعدًا عليه حقًّا؛ أي: ثابتًا متحققًا لا شك فيه.

البلاغة

وقد تضمنت هذه الآيات ضروبًا من البلاغة، وأنواعًا من الفصاحة والبيان والبديع:

فمنها: جناس الاشتقاق بين {أَوْزَارَهُمْ} وبين {يَزِرُونَ} .

ومنها: الاستعارة التمثيلية في قوله: {قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ (26)} شبهت حال أولئك الماكرين بحال قوم بنوا بنيانًا شديد الدعائم فانهدم ذلك البنيان، وسقط عليهم فأهلكهم، بطريق الاستعارة التمثيلية، ووجه الشبه أن ما عدوه سببًا لبقائهم عاد سببًا لفنائهم، كقولهم: من حفر حفرة لأخيه سقط فيها.

ومنها: القصر في قوله: {إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكَافِرِينَ} وهو قصر للجنس الادعائي، كأن ما يكون من الذل - وهو العذاب - لعصاة المؤمنين لعدم بقائه ليس من ذلك الجنس.

ومنها: الإيجاز بالحذف في قوله: {قَالُوا خَيْرًا} ؛ أي: قالوا: أنزل خيرًا.

ومنها: الجناس المغاير بين {أحسنوا} و {حسنة} في قوله: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ} .

ص: 230

ومنها: الطباق بين الدنيا والآخرة.

ومنها: الجناس أيضًا بين {اتَّقَوْا} و {الْمُتَّقِينَ} في هذه الآية.

ومنها: المجاز المرسل في قوله: {فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا} ؛ أي: جزية أعمالهم السيئة على طريقة تسمية المسبب باسم سببه، إيذانًا بفظاعته، لا على حذف مضاف، فإنه يوهم أنَّ لهم أعمالًا غير سيئاتهم، ذكره في "روح البيان".

ومنها: الإطناب في قوله: {مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ} {وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ} .

ومنها: الطباق في قوله: {هَدَى اللَّهُ} و {حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ} ، وفي قوله:{لَا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ} .

ومنها: الاستعارة التصريحية في قوله: {لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ} لأن الأوزار حقيقة في الأحمال الثقيلة، فاستعاره للآثام.

ومنها: الكناية في قوله: {فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ} لأنه كناية عن إرادة تخريبه.

ومنها: التأكيد في قوله: {مِنْ فَوْقِهِمْ} لأن السقف لا يخرُّ إلا من فوق.

ومنها: المقابلة بين قوله: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ} وبين قوله: {وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ} .

ومنها: الجناس المماثل بين قوله: {مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ} وبين قوله: {بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} ، وفي قوله:{وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} .

ومنها: التشبيه في قوله: {كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} .

ومنها: المجاز في قوله: {أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} لأنه مجاز عن سرعة الإيجاد وسهولته على الله، وتمثيل الغائب، وهو تأثير قدرته في المراد بالشاهد،

ص: 231

وهو أمر المطاع للمطيع في حصول المأمور به من غير امتناعٍ وتوقف، ولا افتقارٍ إلى مزاولة عمل، واستعمال آلة، وليس هناك قول ولا مقول له، ولا آمرٌ ولا مأمور، حتى يقال إنه يلزم أحد المحالين: إما خطاب المعدوم، أو تحصيل الحاصل.

ومنها: الزيادة والحذف في عدة مواضع.

والله سبحانه وتعالى أعلم

* * *

ص: 232

قال الله سبحانه جلَّ وعلا:

{وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (41) الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (42) وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (43) بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (44) أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ (45) أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ (46) أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (47) أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّدًا لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ (48) وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (49) يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (50) وَقَالَ اللَّهُ لَا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (51) وَلَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَتَّقُونَ (52) وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ (53) ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (54) لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (55) وَيَجْعَلُونَ لِمَا لَا يَعْلَمُونَ نَصِيبًا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ تَاللَّهِ لَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ (56) وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ (57) وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (58) يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (59) لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (60) وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ (61) وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنَى لَا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ (62) تَاللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (63) وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (64)} .

المناسبة

قوله تعالى: {وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ

} الآيتين، مناسبة هاتين الآيتين لما

ص: 233

قبلهما: أن الله سبحانه وتعالى لما حكى (1) أن الكفار أقسموا بالله جهد أيمانهم على إنكار البعث والقيامة، وتمادوا في الغيِّ والضلالة ومن هذه حالة فليس بالعسير عليه أن يقدم على إيذاء المؤمنين بألوان من الإيذاء، حتى يضطروهم إلى الهجرة من الديار، ومفارقة الأهل والأوطان .. ذكر هنا حكم تلك الهجرة، وبين ما لهؤلاء المهاجرين من حسناتٍ في الدنيا، وأجرٍ في الآخرة، من جزاء أنهم فارقوا أوطانهم، وصبروا وتوكلوا على الله سبحانه وتعالى، وفي هذا ترغيب لغيرهم في الهجرة، واحتمال كل أذى في سبيل الله احتسابًا للأجر.

وقال ابن عطية (2): لما ذكر الله كفار مكة الذين أقسموا بالله بأنَّ الله لا يبعث من يموت، ورد على قولهم .. ذكر مؤمني مكة المعاصرين لهم، وهم الذين هاجروا إلى أرض الحبشة، هذا قول الجمهور، وهو الصحيح في سبب الآية، لأن هجرة المدينة ما كانت إلا بعد وقت نزول الآية انتهى، والظاهر أن الذين هاجروا عام في المهاجرين كائنًا ما كانوا فيشمل أولهم وآخرهم.

قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ

} الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما ذكر (3) ما قاله المشركون من أنهم لا حاجة لهم إلى الأنبياء؛ لأن الحاجة إليهم إنما تدعو لو كانت هناك حياةٌ أخرى يحاسبون فيها، وهم لا يصدقون بها، وليس من المعقول أن تكون .. أردف ذلك بشبهة أخرى لهم، إذ قالوا: هب الله أرسل رسولًا، فليس من الجائز أن يكون بشرًا، فالله أعلى وأجل من أن يكون رسوله واحدًا من البشر، فلو بعث إلينا رسولًا لبعثه ملكًا، ثم أجاب عن هذه الشبهة: بأن سنة الله أن يبعث رسله من البشر، وإن كنتم في شكٍّ من ذلك فاسألوا أهل الكتاب عن ذلك، ثم هدّدهم أن يخسف بهم الأرض كما خسف بقارون، أو يأتيهم بعذاب من السماء فيهلكهم بغتة كما فعل بقوم لوط، أو يأخذهم وهم يتقلبون في أسفارهم ومعايشهم، أو

(1) المراغي.

(2)

البحر المحيط.

(3)

المراغي.

ص: 234

يأخذهم طائفة بعد أخرى، ثم أعقب هذا بما يدل على كمال قدرته في تدبير أحوال العالم العلوي والسفلي على أتمِّ نظام، وأحكم تقدير.

قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ عَنِ الْيَمِينِ

} الآية، مناسبة هذه الآية لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما ذكر (1) قدرته على تعذيب الماكرين، وإهلاكهم بأنواع من الأخذ .. ذكر تعالى طواعية ما خلق من غيرهم، وخضوعه ضد حال الماكرين لينبههم على أنه ينبغي بل يجب عليهم أن يكونوا طائعين منقادين لأمره.

قوله تعالى: {وَقَالَ اللَّهُ لَا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ

} الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما بين (2) في الآيات السالفة أنَّ كل ما سواه من جماد وحيوان وإنس وجن وملك منقادٌ له، وخاضعٌ لسلطانه .. أتبع ذلك بالنهي عن الشرك به، وبين أن كل ما سواه فهو ملكه، وأنه مصدر النعم كلِّها، وأن الإنسان يتضرع إليه إذا مسه التفسير، فإذا كشفه عنه .. رجع إلى كفره، وأنَّ الحياة الدنيا قصيرة الأمد، ثم يعلم الكفار بعدئذٍ ما يحل بهم من النكال والوبال جزاءً لهم على سيء أعمالهم، وقبيح أقوالهم، وعبارة أبي (3) حيَّان: مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أنه سبحانه وتعالى لما ذكر انقياد ما في السموات وما في الأرض لما يريده تعالى منها، فكان هو المتفرد بذلك .. نهى أن يشرك به، ودلَّ النهي عن اتخاذ إلهين على النهي عن اتخاذ آلهة، ولمَّا كان الاسم الموضوع للإفراد والتثنية قد يتجوز فيه، فيراد به الجنس، نحو: نعم الرجل زيدٌ، ونعم الرجلان الزيدان، أكد الموضوع لهما بالوصف، فقيل: إلهين اثنين، وقيل إلهٌ واحدٌ، ولمَّا نهى عن اتخاذ الإلهين واستلزم النهي عن اتخاذ آلهة .. أخبر تعالى أنه إله واحد، كما قال:{وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} بأداة الحصر، وبالتأكيد بالوحدة، ثم أمرهم بأن يرهبوه، والتفت من الغيبة إلى الحضور لأنه أبلغ في الرهبة.

(1) البحر المحيط.

(2)

المراغي.

(3)

البحر المحيط.

ص: 235

قوله تعالى: {وَيَجْعَلُونَ لِمَا لَا يَعْلَمُونَ نَصِيبًا

} الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أنه تعالى لما بيَّن (1) سخف أقوال أهل الشرك .. أردف ذلك بذكر قبائح أفعالهم التي تمجها الأذواق السليمة.

قوله تعالى: {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ

} الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها (2): أن الله سبحانه وتعالى لما حكى عن الكفار عظيم ما ارتكبوه من الكفر، ونسبة التوالد له .. بيّن تعالى أنه يُمهلهم ولا يعاجلهم بالعقوبة إظهارًا لفضله ورحمته.

وعبارة "المراغي": مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أنه سبحانه وتعالى لما حكى (3) عن المشركين عظيم كفرهم وقبيح أفعالهم .. بين هنا حلمه بخلقه مع ظلمهم، وأنه يمهلهم بالعقوبة إظهارًا لفضله ورحمته، ولو أخذهم بما كسبت أيديهم ما ترك على ظهر الأرض دابة، أما الظالم فبظلمه، وأما غيره فبشؤمه كما قال سبحانه:{وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} لكنه سبحانه يحلم ويستر وينظر إلى أجل مسمى، ثم سلى رسوله صلى الله عليه وسلم على ما كان يناله من أذى عشيرته بأن قومه ليسوا ببدع في الأمم، فقد أرسلنا رسلًا إلى أمم من قبلك فكذبوهم، ذلك بهم أسوة، فلا يحزننك تكذيبهم، ولا تبخع نفسك عليهم أسى وحسرة.

أسباب النزول

قوله تعالى: {وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ

} الآية، سبب نزولها (4): ما أخرجه ابن جرير عن داود بن أبي هند قال: نزل قوله تعالى: {وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا} إلى قوله: {وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} في أبي جندل بن سهيل.

وقال ابن الجوزي (5): قوله تعالى: {وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ} اختلفوا فيمن نزلت فيه على ثلاثة أقوال:

(1) المراغي.

(2)

البحر المحيط.

(3)

المراغي.

(4)

لباب النقول.

(5)

زاد المسير.

ص: 236