الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حديثهم في أثناء الحوار أن ليست هذه البشرى هي المقصودة، بل لهم شأن آخر لأجله أرسلوا؛ لأنهم كانوا عددًا، والبشارة لا تحتاج إلى مثل هذا العدد، ومن ثم اكتفى بالواحد في بشارة زكريا ومريم عليهما السلام، وأيضًا لو كانت البشارة هي المقصودة لابتدؤوا بها،
58
- فأجابوه بما بينه سبحانه وتعالى {قَالُوا} ؛ أي: الملائكة لإبراهيم {إنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ} متناهين، وهم قوم لوط، واكتفوا بهذا القدر من الجواب؛ لأن إبراهيم يعلم أن الملائكة إذا أرسلوا إلى المجرمين كان ذلك لهلاكهم وإبادتهم،
59
- ومما يرشد إلى هذا الفهم قولهم {إِلَّا آلَ لُوطٍ} ؛ أي: إلا أتباع لوط في الدين {إنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ} فلن نهلكهم، بل ننجيهم من العذاب الذي أمرنا أن نُعَذِّبَ به قوم لوط، وهو قلب مدائنهم، فالاستثناء (1) متصل من الضمير في {مُجْرِمِينَ}؛ أي: أرسلنا إلى قوم أجرموا جميعًا إلا آل لوط، يريد أهله المؤمنين، فالقوم والإرسال شاملان للمجرمين وغيرهم.
والمعنى: إنَّا أرسلنا إلى قوم أجرم كلهم إلا آل لوط، لنهلك الأولين وننجي الآخرين، واكتفى بنجاة (2) الآل لأنهم إذا نجوا وهم تابعون فالمتبوع وهو لوط أولى بذلك. لوط: هو ابن هاران بن تارخ، وهو ابن أخي إبراهيم الخليل، كان قد آمن به، وهاجر معه إلى الشام، بعد نجاته من النار، واختتن لوط مع إبراهيم وهو ابن ثلاث وخمسين، وإبراهيم ابن ثمانين أو مدّة وعشرين سنة، فنزل إبراهيم فلسطين، وهي البلاد التي بين الشام ومصر، منها الرملة وغزة وعسقلان وغيرها، ونزل لوط الأردن، وهي كورة بالشام، فأرسل الله لوطًا إلى أهل سدوم بالدال، وكانت تعمل الخبائث، فأرسل الله إليهم ملائكة للإهلاك، وقرأ الأخوان حمزة والكسائي {لَمُنَجُّوهُمْ} بالتخفيف من أنجا، وقرأ الباقون بالتشديد من نجى، واختار هذه القراءة الأخيرة أبو عبيدة وأبو حاتم، والتنجية والإنجاء التخلص مما وقع فيه غيرهم،
60
- {إِلَّا امْرَأَتَهُ} استثناء من الضمير في {منجوهم} ، وليس استثناء من استثناء، كما في "البحر" واسمها واهلة، {قَدَّرْنَا}؛ أي: قضينا
(1) روح البيان.
(2)
روح البيان.
وحكمنا {إِنَّهَا لَمِنَ الْغَابِرِينَ} ؛ أي: الباقين مع الكفرة في العذاب، لتهلك معهم، وأسند الملائكة فعل التقدير إلى أنفسهم، وهو قول الله تعالى، لما لهم من القرب والاختصاص، كما يقول خاصة الملك أمرنا بكذا، والآمر هو الملك، وقرأ أبو بكر والمفضل:{قَدَّرْنَا} بالتخفيف ها هنا، وفي النمل، وباقي السبعة بالتشديد، وقال الهروي: هما بمعنى، وكُسِرَتْ {إِنَّهَا} إجراء لفعل التقدير مجرى العلم، إما لكونه بمعناه، وإما لترتبه عليه، والغابرين جمع غابر، والغابر الباقي والأغبار بقايا اللبن.
الإعراب
{وَلَقَدْ} (الواو) استئنافية، و {اللام}: موطئة للقسم، {قد}: حرف تحقيق {خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ} : فعل وفاعل ومفعول، والجملة الفعلية جواب القسم لا محل لها من الإعراب، {مِنْ صَلْصَالٍ}: جار ومجرور متعلق بـ {خَلَقْنَا} . {مِنْ حَمَإٍ} : جار ومجرور، صفة لـ {صَلْصَالٍ} ، {مَسْنُونٍ}: صفة {حَمَإٍ} . {وَالْجَانَّ} : منصوب على الاشتغال بفعل محذوف وجوبًا، يفسره المذكور بعده، تقديره: وأنشأنا الجان خلقناه، والجملة المحذوفة معطوفة على جملة:{خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ} ، {خَلَقْنَاهُ}: فعل وفاعل ومفعول، {مِنْ قَبْلُ}: حال من ضمير {خَلَقْنَاهُ} ، والجملة جملة مفسرة لا محل لها من الإعراب {مِنْ نَارِ السَّمُومِ}: جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بـ {خَلَقْنَا} ، وهو من إضافة الموصوف إلى صفته، كمسجد الجامع، وصلاة الوسطى.
{وَإِذْ} {الواو} : استئنافية {إذْ} : ظرف لما مضى من الزمان متعلق بمحذوف، تقديره: واذكر، والجملة المحذوفة مستأنفة، {قَالَ رَبُّكَ} ؛ فعل وفاعل، {لِلْمَلَائِكَةِ}: متعلق به، والجملة الفعلية في محل الجر مضاف إليه
لـ {إذ} {إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا} إلى {سَاجِدِينَ} : مقول محكيٌّ، وإن شئت قلت:{إِنِّي خَالِقٌ} : ناصب واسمه وخبره {بَشَرًا} : مفعول {خَالِقٌ} ، وجملة {إن} في محل النصب مقول {قَالَ} {مِنْ صَلْصَالٍ}: جار مجرور، متعلق بـ {خَالِقٌ} {مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ}: جار ومجرور وصفة، متعلق بمحذوف صفة لـ {صَلْصَالٍ} {فَإِذَا} {الفاء}: عاطفة {إذا} : ظرف لما يستقبل من الزمان، {سَوَّيْتُهُ}: فعل وفاعل ومفعول، والجملة الفعلية في محل الجر مضاف إليه لـ {إذا} على كونها فعل شرط لها، {وَنَفَخْتُ}: فعل وفاعل، معطوف على {سَوَّيْتُهُ} {فِيهِ} متعلق بـ {نفخت} ، {مِنْ رُوحِي}: مفعول {نفخت} ، و {مِنْ} زائدة، {فَقَعُوا لَهُ} {الفاء}: رابطة لجواب {إذا} الشرطيّة، {قَعُوا}: فعل وفاعل، {لَهُ}: جار ومجرور، متعلق بـ {سَاجِدِينَ} {سَاجِدِينَ}: حال من فاعل {قعوا} ، وجملة {قَعُوا} جواب {إذا} الشرطية، وجملة {إذا} الشرطية في محل النصب معطوفة على جملة {إن} على كونها مقول {قَالَ} .
{فَسَجَدَ} {الفاء} حرف عطف وتفريع، {سجد الْمَلَائِكَةُ}: فعل وفاعل، {كُلُّهُمْ}: توكيد أول، {أَجْمَعُونَ}: توكيد ثان، والجملة الفعلية في محل النصب معطوفة على جملة قوله:{فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ} على كونها مقول {قَالَ} {إِلَّا} : أداة استثناء، {إِبْلِيسَ}: منصوب على الاستثناء، متصل أو منقطع على الخلاف فيه، {أَبَى}: فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على {إِبْلِيسَ} ، والجملة مستأنفة مسوقة لبيان كيفية عدم السجود، {أَنْ يَكُونَ}: ناصب وفعل ناقص، واسمه ضمير يعود على {إِبْلِيسَ} {مَعَ السَّاجِدِينَ}: ظرف ومضاف إليه، خبر {يَكُونَ} وجملة {يَكُونَ} في تأويل مصدر منصوب على المفعولية لـ {أَبَى} تقديره: أبى كونه مع الساجدين.
{قَالَ} : فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة مستأنفة
{يَا إِبْلِيسُ} إلى آخر الآية: مقول محكي لـ {قَالَ} ، وإن شئت قلت:{يَا إِبْلِيسُ} : منادى مفرد العلم، وجملة النداء في محل النصب مقول {قَالَ} {مَا}: اسم استفهام للاستفهام التوبيخي في محل الرفع مبتدأ، {لَكَ}: جار ومجرور، خبر المبتدأ، والجملة الاسمية في محل النصب مقول {قَالَ} على كونها جواب النداء، {أَلَّا} {أن}: حرف نصب ومصدر، {لا} نافية، {تَكُونَ}: فعل مضارع ناقص منصوب بـ {أنْ} واسمها ضمير يعود على {إبليس} ، {مَعَ السَّاجِدِينَ}: خبر {تَكُونَ} ، وجملة {تَكُونَ} في تأويل مصدر مجرور بحرف جر محذوف، تقديره: ما لك في عدم كونك مع الساجدين، الجار والمجرور متعلق بالاستقرار الذي تعلق به الخبر، {قَالَ}: فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على {إبليس} . والجملة مستأنفة {لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ} إلى آخر الآية مقول محكي لـ {قَالَ} ، وإن شئت قلت:{لَمْ أَكُنْ} : جازم ومجزوم، وهي من الأفعال الناقصة، واسمها ضمير يعود على {إبليس} {لِأَسْجُدَ} {اللام}: حرف جر وجحود {أسجد} : فعل مضارع منصوب بأن مضمرة وجوبًا بعد لام الجحود، وفاعله ضمير يعود على {إبليس} ، {لِبَشَر}: متعلق به، والجملة الفعلية في تأويل مصدر مجرور بلام الجحود، تقديره: لم أكن لسجودي لبشر، الجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر {أَكُن} تقديره: لم أكن مريدًا لسجودي لبشرٍ، هذا على مذهب البصريين، كما مر مرارًا، وجملة {أَكُن} في محل النصب مقول {قَالَ} ، {خَلَقْتَهُ}: فعل وفاعل ومفعول، {مِنْ صَلْصَالٍ}: متعلق بـ {خَلَقْتَهُ} ، والجملة الفعلية في محل الجر صفة {لِبَشَرٍ} {مِنْ حَمَإٍ}: صفة لـ {صَلْصَالٍ} ، {مَسْنُونٍ}: صفة لـ {حَمَإٍ} .
{قَالَ} : فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة مستأنفة {فَاخْرُجْ مِنْهَا} إلى قوله:{الدِّينِ} مقول محكي، وإن شئت قلت:{فَاخْرُجْ} {الفاء} رابطة لجواب شرط محذوف، تقديره: فحيث عصيت وتكبرت فاخرج، وجملة الشرط المحذوف في محل النصب مقول {قَالَ} ، {اخرج}: فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على {إبليس} {مِنْهَا}: متعلق بـ {اخرج} ، {فَإِنَّكَ رَجِيمٌ}: ناصب واسمه
وخبره، و {الفاء}: تعليلية، وجملة {إنَّ} في محل نصب مستأنفة مسوقة لتعليل ما قبلها {وَإِنَّ} حرف نصب {عَلَيْكَ} خبر {إن} مقدم، {اللَّعْنَةَ}: اسمها مؤخر، وجملة {إن} معطوفة على جملة {إنَّ} التي قبلها {إِلَى يَوْمِ الدِّين}: جار ومجرور ومضاف إليه، متعلق بالاستقرار الذي تعلق به خبر {إنَّ} .
{قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (36 {قَالَ} فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (37) إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (38)}.
{قَالَ} : فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على {إبليس} ، والجملة مستأنفة، {رَبِّ فَأَنْظِرْنِي} إلى آخر الآية مقول {قَالَ} ، وإن شئت قلت {رَبِّ}: منادى مضاف، وجملة النداء في محل النصب مقول {قَالَ} ، {فَأَنْظِرْنِي} {الفاء}: واقعة في جواب شرط مقدر دل عليه قوله: {فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ} ، تقديره: إذا جعلتني رجيمًا فأنظرني، وجملة الشرط المحذوف في محل النصب مقول {قَالَ} ، {أنظرني} فعل ومفعول ونون وقاية، وفاعله ضمير يعود على الله، {إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ}: متعلق به، وجملة {يُبْعَثُونَ} في محل الجر مضاف إليه. {قَالَ}: فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة الفعلة مستأنفة، {فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ} مقول محكي وإن شئت قلت:{الفاء} : تعليلية لجملة محذوفة معلومة من السياق، تقديرها لا تطمع إنظارك إلى يوم يبعثون؛ لأنك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم، والجملة المحذوفة في محل النصب مقول {قَالَ} ، {إنك}: ناصب واسمه، {مِنَ الْمُنْظَرِينَ}: جار ومجرور، خبره، وجملة {إنَّ} في محل النصب مقول {قَالَ} على كونها معللة للجملة المحذوفة. {إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ} جار ومجرور ومضاف إليه، متعلق بـ {الْمُنْظَرِينَ} ، {الْمَعْلُومِ}: صفة لـ {الْوَقْتِ} .
{قَالَ} : فعل ماض وفاعله ضمير يعود على {إبليس} ، والجملة مستأنفة، {رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي} إلى {قَالَ} مقول محكي، وإن شئت قلت {رَبِّ}: منادى مضاف، وجملة النداء في محل النصب مقول {قَالَ}. {بِمَا} {الباء}: حرف جرٍّ
وقسم {ما} : مصدرية، {أَغْوَيْتَنِي}: فعل وفاعل ومفعول، ونون وقاية، الجملة الفعلية في تأويل مصدر مجرور بباء القسم، الجار والمجرور متعلق بفعل قسم محذوف، تقديره: أقسمت بإغوائك إياي، وجملة القسم المحذوف في محل النصب مقول {قَالَ} {لَأُزَيِّنَنَّ} {اللام}: موطئة للقسم {أُزينن} : فعل مضارع في محل الرفع لتجرده عن الناصب والجازم، مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد، وفاعله ضمير يعود على الشيطان، {لَهُمْ}: متعلق به، والجملة الفعلية في محل النصب مقول على كونها جواب القسم، {فِي الْأَرْضِ}: جار ومجرور، حال من ضمير {لَهُمْ} . {وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ} {الواو} عاطفة، {لَأُغْوِيَنَّهُمْ} {اللام}: موطئة للقسم، {أغوينهم}: فعل ومفعول ونون توكيد، وفاعله ضمير يعود على إبليس، والجملة معطوفة على جملة قوله:{لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ} على كونها جواب القسم، {أَجْمَعِينَ}: تأكيد لضمير المفعول، {إِلَّا}: أداة استثناء، {عِبَادَكَ}: منصوب على الاستثناء، {مِنْهُمُ}: متعلق بما بعده، {الْمُخْلَصِينَ}: صفة لـ {عِبَادَكَ} .
{قَالَ} : فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة مستأنفة {هَذَا صِرَاطٌ} إلى قوله:{جُزْءٌ مَقْسُومٌ} مقول محكي لـ {قَالَ} ، وإن شئت قلت {هَذَا صِرَاطٌ}: مبتدأ وخبر، والجملة في محل النصب مقول {قَالَ} ، {عَلَيَّ}: جار ومجرور، صفة أولى لـ {صِرَاطٌ} وعليَّ بمعنى إلى، والتقدير: هذا صراط موصل إليَّ، {مُسْتَقِيمٌ}: صفة ثانية له. {إِنَّ عِبَادِي} : ناصب واسمه، {لَيْسَ}: فعل ماض ناقص {لَكَ} : خبره مقدم، {عَلَيْهِمْ}: متعلق بما بعده، {سُلْطَانٌ}: اسم {لَيْسَ} مؤخر، وجملة {لَيْسَ} في محل الرفع خبر {إنَّ} ، وجملة {إنَّ} في محل النصب مقول {قَالَ}. {إِلَّا}: أداة استثناء، {مَنِ}: اسم موصول في محل النصب على الاستثناء، {اتَّبَعَكَ}: فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على {مَنِ} الموصولة، {مِنَ الْغَاوِينَ}: حال من فاعل {اتَّبَعَكَ} والجملة الفعلية صلة الموصول.
{وَإِنَّ} {الواو} : عاطفة، {وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ}: ناصب واسمه وخبره، و {اللام} حرف ابتداء، {أَجْمَعِينَ}: تأكيد لضمير الغائبين، وجملة {إنَّ} في محل النصب معطوفة على جملة {إنَّ} الأولى، {لَهَا}: جار ومجرور، خبر مقدم، {سَبْعَةُ أَبْوَابٍ}: مبتدأ مؤخر، والجملة مستأنفة، أو في محل الرفع خبر ثان خبر لـ {إِنَّ} {لِكُلِّ بَابٍ}: جار ومجرور ومضاف خبر مقدم {مِنْهُمْ} جار ومجرور حال من {جُزْءٌ} ؛ لأنه صفة نكرة قدمت عليها، أو حال من الضمير المستكن في الجار والمجرور الواقع خبرًا مقدمًا أعني قوله:{لِكُلِّ بَابٍ} {جُزْءٌ} : مبتدأ مؤخر، {مَقْسُومٌ}: صفة {جُزْءٌ} ، والجملة الاسمية في محل النصب حال من الضمير المستكن في الجار والمجرور في قوله:{لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ} ، والتقدير: سبعة أبواب كائنة هي لها حالة كون كل باب منها له جزء مقسوم منهم.
{إِنَّ الْمُتَّقِينَ} : ناصب واسمه، {فِي جَنَّاتٍ}: خبره، {وَعُيُونٍ}: معطوف على {جَنَّاتٍ} ، وجملة {إِنَّ} مستأنفة، {ادْخُلُوهَا}: فعل وفاعل ومفعول، والجملة في محل النصب مقول لقول محذوف، تقديره: ويقال لهم ادخلوها، {يَمَسُّهُمْ}: جار ومجرور حال أول من فاعل {ادْخُلُوهَا} ، تقديره: حالة كونكم ملتبسين بسلام، {آمِنِينَ}: حال ثانية، {وَنَزَعْنَا مَا} فعل وفاعل ومفعول، والجملة مستأنفة، {فِي صُدُورِهِمْ}: جار ومجرور صلة لـ {مَا} أو صفة لها، {مِنْ غِلٍّ}: جار ومجرور، حال من الضمير المستكن في الجار والمجرور قبله، {إِخْوَانًا}: حال من ضمير الغائبين؛ لأن المضاف جزء من المضاف إليه، فيجوز مجيء الحال من المضاف إليه، {عَلَى سُرُرٍ}: حال من الضمير في {إِخْوَانًا} {مُتَقَابِلِينَ} : حال من الضمير المستكن في الجار والمجرور قبله، {لَا يَمَسُّهُمْ}:
فعل ومفعول، {فِيهَا}: متعلق به، أو حال من ضمير المفعول، {نَصَبٌ}: فاعل، والجملة مستأنفة، أو حال من الضمير المستكن في {مُتَقَابِلِينَ} ، {وَمَا} {الواو}: عاطفة {ما} : حجازية أو تميمية، {هُمْ}: مبتدأ، أو اسم {ما} {مِنْهَا}: متعلق بما بعده، {بِمُخْرَجِينَ}: خبر المبتدأ، أو خبر {ما} ، والباء زائدة، والجملة الاسمية في محل النصب معطوفة على جملة قوله:{لَا يَمَسُّهُمْ} .
{نَبِّئْ عِبَادِي} فعل وفاعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على محمد صلى الله عليه وسلم، والجملة مستأنفة، {أَنِّي}: ناصب واسمه {أَنَا} : تأكيد لضمير النصب، أو ضميره فصل، أو مبتدأ، {الْغَفُورُ}: خبر أول لـ {أن} ، {الرَّحِيمُ}: خبر ثان، أو صفة لـ {الْغَفُورُ} ، وجملة {أنَّ} في تأويل مصدر ساد مسدَّ مفعولي {نَبِّئْ} الثاني والثالث؛ لأنه يتعدى إلى ثلاثة مفاعيل، والتقدير: نبىء عبادي كوني الغفور الرحيم، أو مجرورة بحرف جر محذوف؛ أي: بأني أنا الغفور. {وَأَنَّ} {الواو} : عاطفة، {أن عذابي}: ناصب واسمه، {هُوَ}: ضمير فصل، {الْعَذَابُ} خبر {أن} {الْأَلِيمُ}: صفة لـ {الْعَذَابُ} ، وجملة {أن} في محل النصب معطوفة على جملة {أنَّ} الأولى. {وَنَبِّئْهُمْ}: فعل ومفعول أول، {عَنْ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ}: جار ومجرور ومضاف إليه متعلق به، وهو في محل المفعول الثاني، وفاعله ضمير يعود على محمد، والجملة معطوفة على جملة {نَبِّئْ} الأولى.
{إِذْ} : ظرف لما مضى متعلق بمحذوف، تقديره: واذكر يا محمد إذ دخلوا، {دَخَلُوا}: فعل وفاعل، {عَلَيْهِ}: متعلق به، والجملة في محل الجر
مضاف إليه، لـ {إِذْ} ، {فَقَالُوا}: فعل وفاعل معطوف على {دَخَلُوا} {سَلَامًا} : مفعول {قالوا} لأنه بمعنى ذكروا، أو منصوب بفعل مضارع مقدر؛ أي: نسلم عليك سلامًا، أو ماضي؛ أي: سلمنا عليك سلامًا، والجملة المحذوفة في محل النصب مفعول {قالوا} ، {قَالَ}: فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على إبراهيم، والجملة مستأنفة، {إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ}: مقول محكي لـ {قَالَ} ، وإن شئت قلت:{إِنَّا} : ناصب واسمه، {مِنْكُمْ}: متعلق بما بعده، {وَجِلُونَ}: خبر {إن} وجملة {إن} في محل النصب مقول {قال} ، {قَالُوا}: فعل وفاعل، والجملة مستأنفة، {لَا تَوْجَلْ} إلى آخر الآية مقول محكي، وإن شئت قلت:{لَا تَوْجَلْ} : جازم ومجزوم، وفاعله ضمير يعود على إبراهيم، والجملة في محل النصب مقول {قَالُوا} {إِنَّا}: ناصب واسمه، {نُبَشِّرُكَ}: فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على الملائكة، {بِغُلَامٍ}: متعلق بـ {نُبَشِّرُكَ} ، {عَلِيمٍ}: صفة {غلام} ، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر {إنَّ} ، وجملة {إنَّ} في محل النصب مقول {قَالُوا} على كونها معللة لما قبلها.
{قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ (54)} .
{قَالَ} فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على إبراهيم، والجملة مستأنفة، {أَبَشَّرْتُمُونِي}: إلى قوله {قَالُوا} مقول محكي لـ {قَالَ} ، وإن شئت قلت:{أَبَشَّرْتُمُونِي} {الهمزة} للاستفهام التعجبي {بشرتموني} : فعل وفاعل ومفعول ونون وقاية، والواو حرف زائد من إشباع حركة الميم، والجملة في محل النصب مقول {قال} ، {عَلَى}: حرف جر بمعنى مع، {أَنْ}: حرف نصب، {مَسَّنِيَ الْكِبَرُ}: فعل وفاعل ومفعول ونون وقاية، في محل النصب مبنيٌّ على الفتح، والجملة في تأويل مصدر مجرور بـ {عَلَى} ، تقديره: على مس الكبر إياي؛ أي: مع مس الكبر إياي، الجار والمجرور حال من ياء {بشرتموني}؛ أي: أبشرتموني حالة كوني كبير السن، {فَبِمَ} {الفاء} عاطفة، {الباء}: حرف جر، {م}: اسم استفهام للاستفهام التعجبي، في محل الجر بالباء، والجار والمجرور متعلق بما بعده، {تُبَشِّرُونَ}: فعل وفاعل، مرفوع وعلامة
رفعه ثبات النون المحذوفة لتوالي الأمثال، على قراءة كسر النون، والنون المذكورة نون الوقاية، حذفت ياء المتكلم اجتزاءً عنها بكسر النون، والجملة الفعلية في محل النصب معطوفة على جملة الاستفهام الأول، على كونها مقولًا لـ {قال} .
{قَالُوا بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْقَانِطِينَ (55)} .
{قَالُوا} : فعل وفاعل، والجملة مستأنفة. {بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْقَانِطِينَ} مقولٌ محكي لـ {قَالُوا} ، وإن شئت قلت {بَشَّرْنَاكَ}: فعل وفاعل ومفعول، {بِالْحَقِّ}: متعلق به، والجملة في محل النصب مقول {قَالُوا} ، {فَلَا} {الفاء}: حرف عطف وتفريع، {لا}: ناهية جازمة، {تَكُنْ}: فعل مضارع مجزوم بلا الناهية، واسمها ضمير يعود على إبراهيم، {مِنَ الْقَانِطِينَ}: خبر {تَكُنْ} ، وجملة {تَكُنْ} في محل النصب معطوفة على جملة {بَشَّرْنَاكَ} ، على كونها مقول {قَالُوا} .
{قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ (56)} .
{قَالَ} : فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على إبراهيم، والجملة مستأنفة {وَمَن يَقنَطُ} إلى آخر الآية: مقول محكي، وإن شئت قلت:{الواو} : استئنافية، {مَنْ} اسم استفهام للاستفهام الإنكاري، في محل الرفع مبتدأ، {يَقْنَطُ}: فعل مضارع، {مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ}: جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بـ {يَقْنَطُ} ، {إلا}: أداة استثناء مفرغ، {الضَّالُّونَ}: فاعل {يَقْنَطُ} ، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر المبتدأ، وعلى هذا الوجه فلا ضمير في {يَقْنَطُ} والرابط للخبر بالمبتدأ {الهاء} من {رَبِّهِ} ، وهذا الإعراب على ما قاله: ابن عنقاء، كما ذكره صاحب "الكواكب الدرية"، وأما على مذهب الجمهور ففي {يَقْنَطُ} ضمير مستتر يعود على {مَنْ} {الضَّالُّونَ}: بدل من فاعل {يَقْنَطُ} المستتر فيه بدل كل من كل، ولم يؤت معه بضمير؛ لأن قوة تعلق المستثنى بالمستثنى منه تغني عن الضمير، كما قاله الفاكهي، وابن عنقاء، والعصاميُّ.
{قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ (57)} .
{قَالَ} : فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على إبراهيم، والجملة مستأنفة، {فَمَا} {الفاء}: فاء الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر، تقديره: إذا عرفتم ما قلت لكم، وأردتم زيادة محاورتي لكم .. فأقول لكم {ما خطبكم} ، {ما}: اسم استفهام للاستفهام الإستخباري في محل الرفع مبتدأ، {خَطْبُكُمْ}: خبره، والجملة الاسمية في محل النصب مقول لجواب إذا المقدر، وجملة إذا المقدرة في محل النصب مقول {قَالَ} . {أَيُّهَا} منادي نكرة مقصودة، {الْمُرْسَلُونَ}: صفة لـ {أيُّ} تابع للفظه.
{قَالُوا} : فعل وفاعل، والجملة مستأنفة، {إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ} مقول محكي لـ {قَالُوا} ، وإن شئت قلت:{إِنَّا} : ناصب واسمه، {أُرْسِلْنَا}: فعل ونائب فاعل، {إِلَى قَوْمٍ} متعلق به، {مُجْرِمِينَ}: صفة {قَوْمٍ} ، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر {إنَّ} وجملة {إنَّ} في محل النصب مقول {قَالُوا} ، {إِلَّا}: أداة استثناء، {آلَ لُوطٍ}: منصوب على الاستثناء، {إِنَّا}: ناصب واسمه، {لَمُنَجُّوهُمْ}: خبر {إن} مرفوع بالواو لأنه جمع مذكر سالم، و {الهاء} مضاف إليه، {أَجْمَعِينَ}: تأكيد لضمير {منجوهم} ، {إِلَّا امْرَأَتَهُ}: استثناء من ضمير {منجوهم} منصوب، {قَدَّرْنَا}: فعل وفاعل، {إِنَّهَا}: ناصب واسمه، {لَمِنَ الْغَابِرِينَ}: خبر {إنَّ} و {اللام} حرف ابتداء، وجملة {إنّ} في محل النصب مفعول {قَدَّرْنَا} ، ولكنها معلقة عنها باللام، وجملة {قَدَّرْنَا} مستأنفة مسوقة لتعليل الاستثناء قبلها. والله أعلم.
التصريف ومفردات اللغة
{وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ} ؛ أي: طين يابس، يصلصل ويصوت إذا
نقر، أي: صدم وضرب بجسم آخر، وهو غير مطبوخ، فإذا طبخ فهو فخار، وقال أبو عبيدة (1): الصلصال الطين إذا خلط بالرمل وجف، وقال أبو الهيثم: الصلصال صوت اللجام وما أشبهه، وهو مثل القعقعة في الثوب، وقيل: التراب المدقق، وصلصل الرمل إذا صوت، وصلصال بمعنى مصلصل، كالقضقاض، أي: المقضقض وهو فيه كثير، ويكون هذا النوع من المضعف مصدرًا، فتقول: زلزل زلزالًا بالفتح وزلزالًا، ووزنه عند البصريين: فعلان، وهكذا جميع المضاعف حروفه كلها أصول، لا فعفع خلافًا للفراء، وكثير من النحويين، ولا فعفل خلافًا لبعض البصريين وبعض الكوفيين، ولا أن أصله فعّل بتشديد العين، أبدل من الثاني حرف من جنس الحرف الأول، خلافًا لبعض الكوفيين، وينبني على هذه الأقوال وزن صلصال.
{مِنْ حَمَإٍ} ؛ أي: من طين تغير واسود من مجاورة الماء له، واحدته حمأة، وقال الليث (2): الحمأ طين أسود منتن واحدته حمأة بتحريك الميم، ووهم في ذلك، وقالوا: لا نعرف في كلام العرب الحمأة إلا ساكنة الميم، قاله أبو عبيدة والأكثر، قال أبو الأسود:
يَجِيءُ بِمِلْئِهَا طَوْرًا وَطَوْرًا
…
يَجِيءُ بِحَمْأةِ وَقَلِيْلِ مَاءِ
وعلى هذا لا يكون حمأ بينه وبين مفرده ثاء التأنيث لاختلاف الوزن، قال ابن (3) السكيت: تقول منه حمات البئر حمأً بالتسكين .. إذا نزعت حمأتها، وحمئت البئر حمأً بالتحريك كثرت حمأتها، وأحميتها إحماء ألقيت فيها الحمأة، قال أبو عبيدة: الحمأ بسكون الميم مثل الحمأة، يعني بالتحريك، والجمع حمءٌ، مثل تمرةٍ وتمرٍ، والحمأ المصدر، مثل الهلع والجزع، ثم سُمِّي به.
{مَسْنُونٍ} والمسنون قال الفراء هو المتغير، وأصله من سننتُ الحجر على
(1) البحر المحيط.
(2)
البحر المحيط.
(3)
الشوكاني.
الحجر إذا حككته، وما يخرج بين الحجرين يقال له السنانة والسنين ويكون منتنًا، ومنه قول عبد الرحمن بن حسان:
ثُمَّ حَاصَرْتُهَا إلى الْقُبَّةِ الْحَمْـ
…
ـرَاءِ تَمْشِيْ في مَرْمَرٍ مَسْنُوْنِ
أي: محكوك، ويقال: أسن الماء إذا تغير ومنه قوله: {لَمْ يَتَسَنَّهْ} ، وقوله:{مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ} ، وكلا الاشتقاقين يدل على التغير؛ لأن ما يخرج بين الحجرين لا يكون إلا منتنًا، وقال أبو عبيدة: المسنون المصبوب، وهو من قول العرب سننت الماء على الوجه إذا صببته، والسن الصب، وقال سيبويه: المسنون المصور، مأخوذ من سنة الوجه وهي صورته، ومنه قول ذي الرمة:
تُرِيْكَ سُنَّةَ وَجْه غَيْرَ مُقْرِفَةٍ
…
مَلْسَاءَ لَيْسَ بِهَا خَالٌ ولا نَدَبُ
وقال الأخفش: المسنون المنصوب القائم، من قولهم وجه مسنون إذا كان فيه طولٌ، والحاصل على هذه الأقوال أن التراب لما بل صار طينًا، فلما أنتن .. صار حمأ مسنونًا، فلما يبس .. صار صلصالًا، فأصل الصلصال هو الحمأ المسنون، ولهذا وصف بهما.
{وَالْجَانَّ} ؛ أي: هذا (1) الجنس، كما أن الإنسان يراد به ذلك، فإذا أريد بالإنسان آدم .. أريد بالجان أبو الجن، وإبليس أبو الشيطان، وهما نوعان يجمعهما وصف الاستتار عنا، وسمي جانًّا لتواريه عن الأعين، يقال جن الشيء إذا ستره، فالجان يستر نفسه عن أعين بني آدم.
{مِنْ نَارِ السَّمُومِ} السموم الحرٌّ المفرط (2) من نار أو شمس أو ريح، يدخل في المسام فيقتل، والمسام هي ثقب البدن، جمع سمٍّ بكسر السين على غير قياس، كمحاسن جمع حسنٍ، فهو من إضافة الموصوف إلى صفته؛ أي: من نار ذات سموم؛ أي: صاحبة حرارة شديدة قاتلة.
(1) المراغي.
(2)
البحر المحيط.
{بَشَرًا} ؛ أي: إنسانًا، وسمي بذلك لظهور بشرته؛ أي: ظاهر جلده.
{سَوَّيْتُهُ} ؛ أي: أتممت خلقه، وهيأته لنفخ الروح فيه.
{وَنَفَخْتُ} والنفخ إجراء الريح من الفم أو غيره في تجويف جسم صالح لإمساكها والامتلاء بها، ويراد به هنا إضافة ما به الحياة إلى المادة القابلة لها.
{فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ} أمر من وقع يقع من باب وضع إذا سقط وخر، وحذفت الواو من الأمر على حد قول ابن مالك:
فأمر أو مضارع من كوعد احذف
…
إلخ.
{إِلَّا إِبْلِيسَ} من أبلس (1) إذا يئس وتحير، ومنه إبليس أو هو أعجمي.
{فإنَّك رجيمٌ} ؛ أي: مرجوم مطرود من كل خير وكرامة، وفي "المصباح": الرجم بفتحتين الحجارة، والرجم القبر، سمي بذلك لما يجتمع عليه من الأحجار، ورجمته رجمًا من باب قتل ضربته بالرجم اهـ. وفي "القاموس": الرجم اللعن والشتم والطرد والهجران اهـ.
{اللَّعْنَةَ} الإبعاد على سبيل السخط {يَوْمِ الدِّينِ} ؛ أي: يوم الجزاء، {يَوْمِ يُبْعَثُونَ} وهو يوم النفخة الثانية، {فَأَنْظِرْنِي}؛ أي: أمهلني وأخرني ولا تمتني، {إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (38)} . هو يوم النفخة الأولى حين يموت الخلائق، {والإغواء} الإضلال يقال غوى غواية إذا ضل في نفسه، وأغوى إذا أضل غيره؛ أي: دعاه إلى غواية. {هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ} ؛ أي: هذا صراط حق لا بد أن أراعيه وأحفظه {مُسْتَقِيمٌ} ؛ أي: لا انحراف فيه، فلا يعدل عنه إلى غيره، {سُلْطَانٌ} والسلطان التسلط والتصرف بالإغواء، {سَبْعَةُ أَبْوَابٍ}؛ أي: سبع طبقات، {جُزْءٌ مَقْسُومٌ}؛ أي: فريق معين مفروز من غيره.
{إِنَّ الْمُتَّقِينَ} هم الذين اتقوا الكفر والفواحش، ولهم ذنوب من الصغائر تكفرها الصلوات وغيرها. {جَنَّاتٍ}؛ أي: بساتين، {وَعُيُونٍ}؛ أي: أنهار جارية {بِسَلَامٍ} ؛ أي: بسلامة من الآفات، وأمن من المخافات، {مِنْ غِلٍّ} الغل الحقد
(1) روح البيان.
الكامن في القلب، يطلق على الشحناء والعداوة والبغضاء والحقد والحسد، فكل هذه الخصال المذمومة داخلة في الغل، لأنها كامنة في القلب.
{عَلَى سُرُرٍ} السرر جمع سرير، وهو مجلس عال رفيع موطأ للسرور، وهو مأخوذ منه؛ لأنه مجلس سرور، قال ابن عباس؛ أي: على سرر من ذهب مكللة بالزبرجد والدر والياقوت، والسرير مثل ما بين صنعاء إلى الجابية اهـ "خازن".
{لَا يَمَسُّهُمْ} ؛ أي: لا يصيبهم، {نَصَبٌ}: والنصب الإعياء والتعب، {نَبِّئْ عِبَادِي} تقول أنبأت القوم إنباء ونبأتهم تنبئة إذا أخبرتهم، {وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ (51)} والأفصح في كلمة الضيف أن لا تثنى ولا تجمع حين تستعمل للمثنى والجمع والمؤنث، بل تستعمل بلفظ واحد لكل ذلك.
{لَا تَوْجَلْ} والوجل اضطراب النفس لخوفها من توقع مكروه يصيبها.
{عَلِيمٍ} ؛ أي: ذي علم كثير.
{بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ} ؛ أي: بالأمر المحقق الذي لا شك في وقوعه، {وَمَنْ يَقْنَطُ} يقال قنط من كذا إذا يئس من حصوله، وفي "المختار": القنوط اليأس، وبابه جلس ودخل وطرب وسلم، فهو قانط وقنوط.
{إِلَّا الضَّالُّونَ} الكفار الذين لا يعرفون كمال قدرته تعالى وسعة رحمته.
{فَمَا خَطْبُكُمْ} ؛ أي: أمركم وشأنكم الذي لأجله أرسلتم، {قَدَّرْنَا}؛ أي: قضينا وكتبنا، يقال قضى الله عليه كذا، وقدره عليه أي: جعله على مقدار الكفاية في الخير والشر، وقدر الله الأقوات جعلها على مقدار الحاجة.
{مِنَ الْغَابِرِينَ} ؛ أي الباقين مع الكفار ليهلكوا معهم، وأصله من الغبرة، وهي بقية اللبن في الضرع، وفي "المختار": غير الشيء بقي وغبر أيضًا مضى، وهو من الأضداد وبابه دخل.
البلاغة
وقد تضمَّنت هذه الآيات ضروبًا من البلاغة، وأنواعًا من الفصاحة والبيان والبديع:
فمنها: المقابلة في قوله: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ} ، وقوله:{وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ} .
ومنها: التكرار في قوله: {مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ} .
ومنها: الإضافة للتشريف في قوله: {مِنْ رُوحِي} .
ومنها: جمع تأكيدين في قوله: {كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ} للمبالغة وزيادة تقرير الشيء في الذهن، وشدة الاعتناء به.
ومنها: الاستفهام التوبيخي في قوله: {مَا لَكَ أَلَّا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ} .
ومنها: التعبير (1) بصيغة اسم الفاعل في قوله: {إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ} إشعارًا بتحقق وقوعه واستمراره.
ومنها: الكناية في قوله: {فَإِنَّكَ رَجِيمٌ} لأنه إما (2) كناية عن الطرد والإبعاد؛ لأن يطرد يرجم بالحجارة على أثره، أو كناية عن كونه شيطانًا من الشياطين الذين يرجمون بالشهب.
منها: جناس الاشتقاق بين: {أنظرني} و {المنظرين} .
ومنها: الجناس المماثل في قوله: {أغويتني} و {أغوينهم} .
منها: إيثار حرف الاستعلاء على حرف الانتهاء في قوله: {هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ} لتأكيد الاستقامة، والشهادة باستعلاء من ثبت عليه، فهو أدل على التمكين من الوصول وهو تمثيل، إذ لا استعلاء لشيء على الله تعالى.
ومنها: الإضافة في قوله: {إِنَّ عِبَادِي} للتشريف ولتفخيم شأنهم.
ومنها: الإيجاز بالحذف في قوله: {ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ} ؛ أي: يقال لهم ادخلوها.
ومنها: المجاز المرسل في قوله: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ} ؛ أي: في قلوبهم
(1) روح البيان.
(2)
روح البيان.
فهو من إطلاق المحل وإرادة الحال؛ لأن الصدور محل القلوب.
ومنها: التنوين في قوله: {نَصَبٌ} للتقليل لا غير؛ أي: أيُّ شيء منه.
ومنها: المقابلة اللطيفة في قوله: {نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (49)} مع قوله: {وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ (50)} فقد قابل بين العذاب والمغفرة، وبين الرحمة الواسعة والعذاب الأليم، وهذا من المحسنات البديعية.
ومنها: القصر في قوله: {أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} فهو (1) من قصر المسند على المسند إليه.
ومنها: الاستفهام التعجبيُّ في قوله: {فَبِمَ تُبَشِّرُونَ} .
ومنها: جناس الاشتقاق بين: {الْقَانِطِينَ} و {يَقْنَطُ} وبين {الْمُرْسَلُونَ} {وَأَرْسَلْنَا} .
ومنها: الإسناد المجازي في قوله: {قَدَّرْنَا إِنَّهَا لَمِنَ الْغَابِرِينَ} فأسند الملائكة فعل التقدير إلى أنفسهم مجازًا، وهو فعل الله تعالى لما لهم من القرب والاختصاص؛ لأنهم رسل الله، أرسلوا بأمره تعالى، كما يقول خاصة الملك: أمرنا بكذا، والآمر هو الملك.
ومنها: الزيادة والحذف في عدَّة مواضع.
والله سبحانه وتعالى أعلم
* * *
(1) روح البيان.
قال الله سبحانه جلَّ وعلا:
المناسبة
قوله تعالى: {فَلَمَّا جَاءَ آلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ (61)} مناسبة هذه الآية لما قبلها: أن الله سبحانه وقعالى لما أمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يبلغ عباده أنه غفار لذنوب من تابوا وأنابوا إلى ربهم، وأن عذابه مؤلم لمن أصروا على المعاصي، ثم فصل ذلك
الوعد والوعيد، فذكر بشارة إبراهيم عليه السلام بغلام عليم .. ذكر هنا (1) إهلاك قوم لوط بما اجترحوا من كبرى الموبقات وفظيع الجنايات، بفعلهم فاحشة لم يسبقهم بها أحد من العالمين، حتى صاروا كالأمس الدابر، وأصبحوا أثرًا بعد عين، وذكر إهلاك أصحاب الأيكة قوم شعيب جزاء ظلمهم بشركهم بالله، ونقصهم للمكاييل والموازين، فانتقم الله منهم بعذاب يوم الظلة، وإهلاك أصحاب الحجر وهم ثمود الذين كذبوا صالحًا، وكانوا ذوي حول وطول، وغنى ومال وقوة وبطش، فأعرضوا عن آيات ربهم حينما جاءتهم على يدي رسوله، فأخذتهم الصيحة وقت الصباح، ولم يغن عنهم ما لهم من دون الله شيئًا حين جاء أمره.
قوله تعالى: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ
…
} الآية، مناسبة هذه الآية لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما ذكر في القصص السالف إهلاك الأمم المكذبة لرسلها، وعذابها بشيء من أنواع العذاب كفاء ما دنسوا به أنفسهم، من فظائع الشرك وأنواع المعاصي، التي تقوض دعائم الإخلاص لبارىء النسم، وتهد أركان نظم المجتمع بعبادة الأصنام والأوثان وتطفيف الكيل والميزان، وإتيان الفاحشة التي تشمئز منها النفوس، وتنفر منها الأذواق السليمة .. أرشد (2) هنا إلى أنهم بعملهم هذا قد تركوا ما قد قضت به الحكمة الإلهية في خلق السموات والأرض، من عبادة خالقهما وطاعته، واستقرار نظم المجتمع على وجه صالح صحيح، ودأبوا على عبادة غيره من الأصنام والأوثان، فكان من العدل تطهير الأرض منهم دفعًا لشرورهم، وإصلاحًا لمن يأتي بعدهم.
قوله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي
…
} الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما أمر رسوله صلى الله عليه وسلم أن يصبر على أذى قومه، وأن يصفح عنهم الصفح الجميل .. أردف ذلك بذكر ما أولاه من النعم، وما أغدق عليه من الإحسان، ليسهل عليه الصفح، ويكون فيه سلوة له على احتمال الأذى، فذكر أنه آتاه السبع المثاني - الفاتحة - والقرآن العظيم الجامع لما فيه
(1) المراغي.
(2)
المراغي.
هدى البشر، وصلاحهم في دنياهم وآخرتهم، وبعد أن ذكر له تظاهر نعمه عليه .. نهاه عن الرغبة في الدنيا ومد العينين إليها، يتمنى ما فيها من متاع، ونهاه عن الحسرة على الكفار إن لم يؤمنوا بالقرآن، وبما جاء به، وأمره بالتواضع لفقراء المسلمين بإنذاره قومه المشركين، بتبليغهم ما أمر به الدين وما نهى عنه، بالبيان الكافي والإعذار الشافي، وبيان عاقبة أمرهم بتحذيرهم أن يحل بهم ما حل بالمقتسمين - اليهود والنصارى - الذين جعلوا القرآن أقسامًا، فآمنوا بما وافق التوراة، وكفروا بما عدا ذلك، ويبين لهم أن ربهم سيسألهم عن جريرة أعمالهم.
ثم أمره (1) أن يعلن ما أمر به من الشرائع، ولا يلتفت إلى لوم المشركين وتتريبهم له، ولا يبالي بما سيكون منهم، فالله تعالى كفاه أمر المستهزئين به، وأزال كيدهم، وإذا ساوره ضيق الصدر من سماع سفههم واستهزائهم كما هو دأب البشر .. فليسبح ربه وليحمده، وليكثر المطاعة، فالعبد إذا حزبه أمر نزع إلى طاعة ربه، وقد كفل سبحانه أن يكشف عنه ما أهمه.
أسباب النزول
قوله تعالى: {إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ (95)} الجمهور على أنها نزلت في خمسة نفر، كانوا يبالغون في إيذاء رسول الله صلى الله عليه وسلم والاستهزاء به، فأهلكهم الله سبحانه وتعالى، وهم الوليد بن المغيرة، والعاص بن وائل، والأسود بن عبد المطلب، والأسود بن يغوث، والحرث بن قيس، وسيأتي إن شاء الله تعالى بيان سبب هلاكهم.
قوله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ (87)} الآية، سبب نزول هذه الآية: أن سبع قوافل أقبلت من بصرى وأذرعات ليهود قريظة والنضير في يوم واحد، فيها أنواع من البر والطيب والجواهر وسائر الأمتعة، فقال المسلمون لو كانت هذه الأموال لنا لتقوينا بها، ولأنفقناها في سبيل الله، فقال تعالى: لقد أعطيتكم سبع آيات هي خيرٌ لكم من هذه القوافل السبع، ويدل على
(1) النسفي.