الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
متكلم وسامع، ولم يقل على ظهرها احترازًا من الجمع بين الظاءين في كلام واحد، وهو {لَوْ} وجوابه، فإنه ثقيل في كلام العرب.
والمعنى: أي ولو يؤاخذ الله كفار بني آدم وعصاتهم بكفرهم ومعاصيهم .. ما ترك على ظهر الأرض دابةً تدب عليها، بل أهلكها بالكلية، بشؤم ظلم الظالمين، كقوله تعالى:{وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} فهلاك الدواب بآجالها، وهلاك الناس عقوبة.
وأخرج البيهقي وغيره عن أبي هريرة أنه سمع رجلًا يقول: إنّ الظالم لا يضر إلا نفسه، فقال: لا والله، بل إن الحبارى في وكرها لتموت من ظلم الظالم.
وعن ابن مسعود رضي الله عنه: لو عذب الله الخلائق بذنوب بني آدم .. لأصاب العذاب جميع الخلائق، حتى الجُعْلان في جحرها، ولأمسكت السماء عن الإمطار، ولكن أخرهم بالعفو والفضل، ثم تلا هذه الآية.
{وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ} ؛ أي: ولكن بحلمه يؤخر هؤلاء الظلمة الكفرة، فلا يعاجلهم بالعقوبة، بل يمهلهم {إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى}؛ أي: إلى أجل معين معلوم، سماه الله وعينه لعذابهم أو لأعمارهم؛ كي يكثر عذابهم، أو يتوالدوا ويتناسلوا {فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ} المسمى {لَا يَسْتَأْخِرُونَ} عن ذلك الأجل؛ أي: لا يستأخرون، وصيغة استفعل هنا للإشعار بعجزهم عنه مع طلبهم له، {سَاعَةً}؛ أي: أقصر وقت، وهو مثل في القلة، {وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ} عليه ساعة؛ أي: لا يتقدمون عليه، وإنما (1) تعرض لذكره مع أنه لا يتصور الاستقدام عند مجيء الأجل مبالغة في عدم الاستئخار بنظمه في سلك ما يمتنع.
والمعنى: فإذا جاء الوقت الذي وقت لهلاكهم .. لا يتأخرون عن الهلاك ساعة فيمهلون، ولا يتقدمون قبله، حتى يستوفوا أعمارهم،
62
- {وَيَجْعَلُونَ لِلَّه} سبحانه
(1) روح البيان.
وتعالى، أي: يجعل هؤلاء المشركون لله تعالى وينسبون إليه سبحانه {مَا يَكْرَهُونَ} لأنفسهم من البنات والشركاء في الرياسة، {و} مع ذلك {تصف}؛ أي: تقول {أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ} مفعول تصف، وهو أي ذلك الكذب:{أَنَّ لَهُمُ} عند الله تعالى {الْحُسْنَى} ؛ أي: العاقبة الحسنى، وهي الجنة على تقدير وجودها إن كان البعث حقًّا، كقوله تعالى:{وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى} ، فلا ينافي قولهم: لا يبعث الله من يموت، فإنه يكفي في صحته الفرض والتقدير، وجملة أنَّ مع معموليها بدل كل من {الْكَذِبَ} .
والمعنى: ويكذبون (1) فيما يدعون، إذ يزعمون أن لهم العاقبة الحسنى عند الله، وهي الجنة على تقدير وجودها، فقد روي أنهم قالوا إن كان محمدٌ صادقًا في البعث .. فلنا الجنة بما نحن عليه، فرد الله عليهم مقالهم بقوله:{لَا جَرَمَ} ؛ أي: حق وثبت {أَنَّ لَهُمُ النَّارَ} ؛ أي: كون عذاب النار لهم بدل ما جعلوه لأنفسهم من الحسنى، {و} لا جرم {أنهم مفرطون}؛ أي: مقدمون إلى النار معجلون إليها، أو متروكون منسيون فيها. وقرأ (2) الحسن ومجاهد:{باختلاف ألسنتْهم} بإسكان التاء، وهي لغة تميم، جمع لسانًا المذكر، نحو حمار وأحمرة، وفي التأنيث ألسن كذراع وأذرع، وقرأ معاذ بن جبل وبعض أهل الشام:{الكذب} بضم الكاف والذال والباء صفة للألسن، جمع كذوب كصبور وصبر، وهو مقيس، أو جمع كاذب كشارفٍ وشرفٍ، ولا ينقاس وعلى هذه القراءة {أنَّ لهم} مفعول تصف، وقر الحسن وعيسى بن عمر:{إنَّ لهم} بكسر الهمزة، وإنَّ جواب قسم أغنت عنه لا جرم، وقرأ ابن عباس وابن مسعود وأبو رجاء وشيبة ونافع وأكثر أهل المدينة:{مُفْرِطُونَ} بكسر الراء، من أفرط حقيقةً؛ أي: متجاوزين الحد في معاصي الله، وباقي السبعة والحسن والأعرج وأصحاب ابن عباس ونافع في رواية: بفتح الراء، من أفرطته إلى كذا قدمته، معدى بالهمزة، من فرط إلى كذا تقدم إليه، وقرأ أبو جعفر:{مفرَّطون} مشدد من
(1) المراغي.
(2)
البحر المحيط.