الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والمعنى: أن الله سبحانه وتعالى لا يوجد للعباد شيئًا من تلك الأشياء المذكورة إلا متلبسًا ذلك الإيجاد بمقدار معين (1)، حسبما تقتضيه مشيئته، على مقدار حاجة العباد إليه، كما قال سبحانه وتعالى:{وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ} ، وقد فسر الإنزال بالإعطاء؛ أي (2): وما نعطي ذلك الشيء إلا بقسطٍ محدودٍ، نعلم أن فيه الكفاية لدى الحاجة، وفيه الرحمة بالعباد، كما قال:{كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} ، وقد جرت عادة القرآن بأن يسمي ما يصل إلى العباد بفضل الله وجوده إنزالًا، كما قال:{وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ} ، وقال:{وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ} ، وجملة قوله:{وَمَا نُنَزِّلُهُ} معطوفة على مقدر - أي: وإن من شيء إلا عندنا خزائنه ننزله، وما ننزله - أو في محل النصب على الحال.
وقرأ الأعمش (3): {وما نرسله} مكان {وَمَا نُنَزِّلُهُ} ، والإرسال أعم، وهي قراءة تفسير ومعنى، لا أنها لفظ قرآن، لمخالفتها سواد المصحف، وفي "روح البيان":{وَمَا نُنَزِّلُهُ} ؛ أي: ما نوجد وما نكوِّن شيئًا من تلك الأشياء متلبسًا بشيء من الأشياء إلا بقدر معلوم؛ أي: إلا متلبسًا بمقدار معين، تقتضيه الحكمة، وتستدعيه المشيئة التابعة لها، وفي "تفسير أبي الليث":{وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ} ؛ أي: مفاتيح رزقه، ويقال: خزائن المطر، {وَمَا نُنَزِّلُهُ}؛ أي: المطر {إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ} ؛ أي: إلا بكيل ووزن معروف.
22
- {وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ} معطوف على {وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ} وما بينهما اعتراض، والرياح: جمع ريح، وهو جسم لطيف منبث في الجو سريع المرور. اهـ "خطيب"، واللواقح: جمع لاقحة؛ أي: حاملة لأنها تحمل الماء إلى السحاب، فهي ملقحة، يقال: ناقة ملقحة إذا حملت الولد؛ أي: وأرسلنا الرياح وأنشأناها حالة كونها لواقح وحوامل للماء إلى السحاب، فهي حالة مقدرة، وقال
(1) الشوكاني.
(2)
المراغي.
(3)
البحر المحيط.
ابن مسعود: يرسل الله الريح وينشؤها، فتحمل الماء فتمجه في السحاب، ثم تمر به فتدره كما تدر الملقحة، ثم تمطر، وقال أبو عبيد: يبعث الله الريح المثيرة فتثير السحاب، ثم يبعث المؤلفة، فتؤلف السحاب بعضه إلى بعض، فتجعله ركامًا، ثم يبعث اللواقح فتلقحه. اهـ "خطيب".
وقرأ حمزة (1): {الريح} بالإفراد، وقرأ من عداه:{الرِّيَاحَ} بالجمع، وعلى قراءة حمزة تكون اللام في الريح للجنس، وقالوا: الرياح للخير، والريح للشر؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:"اللهم اجعلها رياحًا ولا تجعلها ريحًا".
والمعنى: أي إن (2) من فضله سبحانه وتعالى على عباده وإحسانه إليهم أن أرسل إليهم الرياح لواقح، ويكون ذلك على ضروب:
1 -
أن يرسلها حاملات للسحاب، فتلقح بها الأشجار بما تنزل عليها من الأمطار، فتغيرها من حال إلى حال، فتعطيها حياة جديدة، إذ تزدهر أزهارها، وتثمر أغصانها، بعد أن كانت قد ذبلت وصوحت، وأصبحت في مرأى العين كأنها ميتة لا حياة فيها، كما قال تعالى:{وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ} .
2 -
أن يرسلها ناقلة لقاح الأزهار الذكور إلى الأزهار الإناث، لتخرج الثمر والفواكه للناس.
3 -
أن يرسلها لتزيل عن الأشجار ما علق بها من الغبار، لينفذ الغذاء إلى مسامها، فيكون ذلك رياضة للشجر والزرع، كرياضة الحيوان.
{فَأَنْزَلْنَا} بعد ما أنشانا بتلك الرياح سحابًا ماطرًا {مِنَ السَّمَاءِ} ؛ أي: من جانب العلو، فإن كل ما علاك فهو سماء، وهو الظاهر هنا، لا الفلك يعني من السحاب {ماء}؛ أي: بعض ماء المطر، كما يفيده التنكير، فإنه معلوم عند الناس علمًا يقينيًّا أنه لم ينزل من السماء الماء كله، بل قدر ما يصلون به إلى
(1) الشوكاني.
(2)
المراغي.