الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وذكر صفته عند البصريين؛ أي: في شيع الأمم الأولين، ومعنى إرسالهم فيهم: جعل كل منهم رسولًا فيما بين طائفة منهم، ليتابعوه في كل ما يأتي وما يذر من أمور الدين.
والمعنى: نبأنا رجالًا فيهم، وجعلنا رسلًا فيما بينهم. اهـ "بيضاوي".
11
- {وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ} ؛ أي: وما أتى شيعة من تلك الشيع رسول خاص بها {إلَّا كَانُوا بِهِ} ؛ أي: بذلك الرسول {يَسْتَهْزِئُونَ} ؛ أي: إلا كانت تلك الشيعة يستهزئون بذلك الرسول الذي أتى إليهم، كما يفعله هؤلاء الكفار مع محمد صلى الله عليه وسلم، وفيه تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم بأن هذه عادة الجهال مع الأنبياء عليهم السلام، والجملة (1) في محل النصب على أنها حال مقدرة من ضمير المفعول في يأتيهم؛ أي: وما يأتيهم رسول من الرسل إلا حالة كونهم مستهزئين به، أو في محل الرفع صفة لرسول، فإن محله الرفع على الفاعلية؛ أي: وما يأتيهم (2) إلا رسول كانوا يستهزئون به، أو في محل جر على أنها صفة له على اللفظ على المحل.
والمعنى: أي إننا أرسلنا قبلك رسلًا لأمم قد مضت، وما أتى أمةً رسولٌ إلا كذبوه واستهزؤوا، لما جرت به العادة من أن فعل الطاعات وترك اللذات مستثقلٌ على النفوس، إلى أنهم يدعونهم إلى ترك ما ألفوا من المعتقدات الخبيثة، وترك عبادة الأوثان الباطلة، وذلك مما يشق على النفوس، إلى أن الرسول قد يكون فقيرًا، لا أعوان له ولا أنصار ولا مال ولا جاء، فلا يتبعه الرؤساء وذوو البأس والقوة، بل يعملون على مشاكسته ما استطاعوا إلى ذلك سبيلًا، إلى أن الله يخذلهم، ويلقي دواعي الكفر في قلوبهم بحسب السنن التي سنها لعباده،
12
- كما يرشد إلى ذلك قوله: {كَذَلِكَ} ؛ أي: كإدخالنا الاستهزاء في قلوب الأولين {نَسْلُكُهُ} ؛ أي: نسلك الاستهزاء وندخله {فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ} من مشركي مكة، ومن شايعهم في الاستهزاء والتكذيب، على معنى أنه يخلقه ويزينه في قلوبهم، والسلك إدخال الشيء في الشيء، كإدخال الخيط في المخيط؛ أي: الإبرة، حالة كون المجرمين من أهل مكة
13
- {لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ} ؛ أي: بالذكر والقرآن.
(1) روح البيان.
(2)
المراغي.
والمعنى (1): أي مثل ذلك المسلك الذي سلكناه في قلوب أولئك المستهزئين برسلهم، وبما جاؤوا به من الكتب، نسلك الاستهزاء في قلوب المجرمين من أهل مكة وغيرهم، حالة كونهم مكذبين بالذكر، غير مؤمنين به، لأنهم كانوا يعتقدون أنه من عند محمد صلى الله عليه وسلم لا من عند الله تعالى.
وقال ابن عطية (2): الضمير في {نَسْلُكُهُ} عائد على الاستهزاء والشرك ونحوه، وهو قول الحسن وقتادة وابن جريج وابن زيد، ويكون الضمير في:{بِهِ} يعود أيضًا على ذلك الاستهزاء نفسه، وتكون {الباء} سببية؛ أي: لا يؤمنون بسبب شركهم واستهزائهم، ويكون قوله:{لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ} في موضع الحال، ويحتمل أن يكون الضمير في:{نَسْلُكُهُ} عائدًا على الذكر المحفوظ المتقدم الذكر، وهو القرآن؛ أي: نسلكه في قلوب المجرمين مكذبًا به مستهزءًا، ويكون الضمير في:{بِهِ} عائدًا عليه أيضًا، ويحتمل أن يكون الضمير في:{نَسْلُكُهُ} عائدًا على الاستهزاء والشرك، والضمير في:{بِهِ} يعود على القرآن، فيختلف على هذا عود الضميرين. انتهى.
والمعنى: أي (3) كذلك نلقيه في قلوب المجرمين مستهزءًا به غير مقبول لديهم؛ لأنه ليس في نفوسهم استعداد لتلقي الحق، ولا تضيء نفوسهم بمصابيح هدايته الربانية، كما كانت حال الأمم الماضية حين ألقيت عليهم الكتب المنزلة من الملأ الأعلى.
{وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ} ؛ أي: قد مضت طريقتهم التي سنها الله في إهلاكهم، حين فعلوا ما فعلوا من التكذيب والاستهزاء؛ أي: وقد جرت سنة الله في الأولين ممن بعث إليهم الرسل أن يخذلهم، ويدخل الكفر والاستهزاء في قلوبهم، ثم يهلكهم، وتكون العاقبة للمتقين، والنصر حليف رسله والمؤمنين، ذلك أسوة بالرسل قبلك مع أممهم المكذبة، ولست بأوحدي في ذلك.
والخلاصة (4): هكذا نفعل باللاحقين كما فعلنا بالسابقين، ويستهزىء بك
(1) روح البيان.
(2)
البحر المحيط.
(3)
المراغي.
(4)
المراغي.