المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

إلا ظلُّ زائلٌ، ثم يفنى، ويبقى لهم العذاب الأليم، حين - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ١٥

[محمد الأمين الهرري]

فهرس الكتاب

- ‌سورة الحجر

- ‌(1):

- ‌2

- ‌3

- ‌4

- ‌5

- ‌6

- ‌7

- ‌8

- ‌9

- ‌10

- ‌11

- ‌12

- ‌13

- ‌14

- ‌15

- ‌16

- ‌17

- ‌18

- ‌19

- ‌20

- ‌21

- ‌22

- ‌23

- ‌24

- ‌25

- ‌26

- ‌27

- ‌28

- ‌29

- ‌30

- ‌31

- ‌32

- ‌33

- ‌34

- ‌35

- ‌36

- ‌37

- ‌38

- ‌39

- ‌40

- ‌41

- ‌42

- ‌43

- ‌44

- ‌45

- ‌46

- ‌47

- ‌48

- ‌49

- ‌50

- ‌51

- ‌52

- ‌53

- ‌54

- ‌55

- ‌56

- ‌57

- ‌58

- ‌59

- ‌60

- ‌61

- ‌62

- ‌63

- ‌64

- ‌65

- ‌66

- ‌67

- ‌68

- ‌69

- ‌70

- ‌71

- ‌72

- ‌73

- ‌74

- ‌75

- ‌76

- ‌77

- ‌78

- ‌79

- ‌80

- ‌81

- ‌82

- ‌83

- ‌84

- ‌85

- ‌86

- ‌87

- ‌88

- ‌89

- ‌90

- ‌91

- ‌92

- ‌93

- ‌94

- ‌95

- ‌96

- ‌97

- ‌98

- ‌99

- ‌سورة النحل

- ‌1

- ‌2

- ‌3

- ‌4

- ‌(5

- ‌6

- ‌7

- ‌(8

- ‌9

- ‌10

- ‌11

- ‌12

- ‌13

- ‌14

- ‌15

- ‌16

- ‌17

- ‌18

- ‌19

- ‌20

- ‌21

- ‌22

- ‌23

- ‌24

- ‌25

- ‌26

- ‌27

- ‌28

- ‌29

- ‌30

- ‌31

- ‌32

- ‌ 33

- ‌34

- ‌35

- ‌36

- ‌37

- ‌38

- ‌39

- ‌40

- ‌41

- ‌42

- ‌43

- ‌44

- ‌45

- ‌46

- ‌47

- ‌48

- ‌49

- ‌50

- ‌51

- ‌52

- ‌53

- ‌54

- ‌55

- ‌56

- ‌57

- ‌58

- ‌59

- ‌60

- ‌61

- ‌62

- ‌63

- ‌ 64

- ‌65

- ‌66

- ‌67

- ‌68

- ‌69

- ‌70

- ‌71

- ‌72

- ‌73

- ‌74

- ‌75

- ‌76

- ‌77

- ‌78

- ‌79

- ‌80

- ‌81

- ‌82

- ‌83

- ‌84

- ‌85

- ‌86

- ‌87

- ‌88

- ‌89

- ‌90

- ‌91

- ‌92

- ‌93

- ‌94

- ‌95

- ‌96

- ‌97

- ‌98

- ‌99

- ‌100

- ‌101

- ‌102

- ‌103

- ‌104

- ‌105

- ‌106

- ‌107

- ‌108

- ‌109

- ‌110

- ‌111

- ‌112

- ‌113

- ‌114

- ‌115

- ‌116

- ‌117

- ‌118

- ‌119

- ‌120

- ‌121

- ‌122

- ‌123

- ‌124

- ‌125

- ‌126

- ‌127

- ‌128

الفصل: إلا ظلُّ زائلٌ، ثم يفنى، ويبقى لهم العذاب الأليم، حين

إلا ظلُّ زائلٌ، ثم يفنى، ويبقى لهم العذاب الأليم، حين مصيرهم إلى ربهم بما اجترحوا من السيئات، ودنسوا به أنفسهم من أوضار الإثم والفجور والكذب على بارئهم، الذي خلقهم وصورهم فأحسن صورهم، ونحو الآية قوله:{نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلًا ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلَى عَذَابٍ غَلِيظٍ (24)} .

‌118

- وبعد أن بين ما يحل وما يحرم لأهل الإِسلام، أتبعه ببيان ما خصَّ به اليهود من المحرمات فقال:{وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا} ؛ أي: وعلى (1) اليهود خاصة، دون غيرهم من الأولين والآخرين {حَرَّمْنَا مَا قَصَصْنَا عَلَيْكَ} يا محمَّد بقولنا:{كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا} الآية، و {مِنْ قَبْلُ} متعلق بقصصنا؛ أي: من قبل نزول هذه الآية، أو بحرمنا؛ أي: من قبل التحريم على هذه الأمة؛ أي: وحرمنا من قبلك أيها الرسول على اليهود ما أنبأناك به من قبل في سورة الأنعام، بقولنا:{وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (146)} .

ثم بين السبب في ذلك التحريم عليهم فقال: {وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ} بتحريم ذلك عليهم، بل جزيناهم ببغيهم {وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}؛ أي: ولكن ظلموا أنفسهم بمعصيتهم لربهم، وتجاوزهم حدوده التي حدها لهم، وانتهاك حرماته، فعوقبوا بهذا التحريم، كما قال في آية أخرى:{فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ} الآية، وفي هذا إيماءٌ (2) إلى أنَّ ذلك التحريم إنما كان للظلم والبغي عقوبة وتشديدًا، وبه يعلم الفرق في التحريم بينهم وبين غيرهم، فإنه لهم عقوبةٌ، ولنا للمضرَّة فحسب.

‌119

- ثم بين سبحانه أن الافتراء على الله وانتهاك حرماته لا يمنع من التوبة التي يتقبلها الله منهم، ويغفر زلَّاتهم رحمةً منه وفضلًا فقال:{ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ} يا محمَّد {لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ} وارتكبوا السيئات من الكفر والمعاصي، متعلق بخبر

(1) روح البيان.

(2)

المراغي.

ص: 399

إن المذكور في آخر الآية، وهو {لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} ، وإن الثانية تكرير (1) على سبيل التأكيد لطول الكلام ووقوع الفصل، كما مر نظيره في قوله:{ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا} الآية، وقوله:{بِجَهَلَةٍ} حال من فاعل عملوا؛ أي: حالة كونهم متلبسين بجهالة، وفيه إيماءٌ إلى أنَّ من يرتكب الذنوب قلَّما يفكِّر في العاقبة، لغلبة الشهوة عليه، أو لجهالة الشباب والطيش التي تحمله على انتهاك حرمات الله تعالى، كالقتل للغيرة أو للعصبية، كما جاء في الخبر:"اللهم إني أعوذ بك من أن أجهل، أو يجهل عليَّ "، وقال عمرو بن كلثوم:

أَلَا لَا يَجْهَلنْ أَحَدٌ عَلَيْنَا

فَنَجْهَلَ فَوْقَ جَهْلِ الجَاهِلينا

{ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ} ؛ أي: من بعد ما عملوا السوء، والتصريح به مع دلالة {ثُمَّ} عليه للتأكيد والمبالغة، {وَأَصْلَحُوا} أعمالهم، أو دخلوا في الصلاح بأن آمنوا وأطاعوا الله {إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا}؛ أي: من بعد التوبة كقوله: {اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} في أنَّ الضمير عائد إلى مصدر الفعل، {لَغَفُورٌ} ذلك السوء؛ أي: ستورٌ له محاءٌ {رَحِيمٌ} يثيب على طاعته تركًا وفعلًا، وتكرير قوله تعالى:{إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا} لتأكيد الوعد، وإظهار كمال العناية بإنجازه كما مرَّ، وتقدير الكلام: ثم إن ربك لغفور رحيم للذين عملوا السوءَ بجهالة، ثم تابوا من بعد ذلك وأصلحوا؛ أي: لما (2) بالغ الله سبحانه وتعالى في تهديد المشركين على أنواع قبائحهم من إنكار البعث والنبوة، وكون القرآن من عند الله تعالى، وتحريم ما أحل الله، وتحليل ما حرَّمه .. بيَّن سبحانه أنَّ أمثال تلك القبائح لا تمنعهم من قبول التوبة، وحصول المغفرة والرحمة إذا ندموا على ما فعلوا، وآمنوا بالله، فالله يخلصهم من العذاب.

فعلى العاقل (3) أن يرجع عن الإعراض عن الله، ويقبل عليه بصدق الطلب، وإخلاص العمل، والتوبة بمنزلة الصابون، فكما أن الصابون يزيل الأوساخ

(1) روح البيان.

(2)

المراح.

(3)

روح البيان.

ص: 400

الظاهرة، فكذلك التوبة تزيل الأوساخ الباطنة؛ أعني: الذنوب.

والمقصود من هذه الآية: بيان فضل الله وكرمه وسعة مغفرته ورحمته، لأن السوء لفظٌ جامع لكل فعل قبيح، فيدخل تحته الكفر وسائر المعاصي، وكل ما لا ينبغي، وكل من عمل السوء فإنما يفعله بالجهالة، لأن العاقل لا يرضى بفعل القبيح، فمن صدر عنه فعل قبيح من كفر أو معصية فإنما يصدر عنه بسبب جهله، إما لجهله بقدر ما يترتب عليه من العقاب، أو لجهله بقدر من يعصيه، فثبت بهذا أنَّ فعل السوء إنما يصدر بجهالة.

الإعراب

{فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (98) إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (99) إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ (100)} .

{فَإِذَا} {الفاء} : استئنافية، {إذا}: ظرف لما يستقبل من الزمان، {قَرَأْتَ الْقُرْآنَ}: فعل وفاعل ومفعول، والجملة في محل الخفض بإضافة إذا إليها، على كونها فعل شرط لها، والظرف متعلق بالجواب الآتي، {فَاسْتَعِذْ} {الفاء}: رابطة لجواب {إذا} الشرطية، {استعذ}: فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على محمَّد، أو على أي مخاطب، {بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ} جاران ومجروران، متعلقان به، والجملة الفعلية جواب {إذا} لا محل لها من الإعراب، وجملة {إذا} مستأنفة، {الرَّجِيمِ}: صفة للشيطان، {إِنَّهُ}: ناصب واسمه، والضمير للشأن، أو للشيطان كما مرَّ، {لَيْسَ} فعل ماض ناقص، {لَهُ}: خبر {لَيْسَ} مقدمٌ، {سُلْطَانٌ}: اسمه مؤخر، {عَلَى الَّذِينَ}: متعلق بـ {سُلْطَانٌ} لأنه مصدر بمعنى التَّسلُّط، وجملة {لَيْسَ} في محل الرفع خبر {إِنّ} ، وجملة {إِنّ} مستأنفة مسوقة لتعليل جملة محذوفة هي جواب الأمر، تقديره: فإن استعذت كفيت شره اهـ شيخنا، {آمَنُوا} فعل وفاعل، والجملة صلة الموصول {وَعَلَى رَبِّهِمْ}: جار

(1) الخازن.

ص: 401

ومجرور، متعلق بما بعده، وجملة {يَتَوَكَّلُونَ} معطوفة على جملة الصلة، {إِنَّمَا}: أداة حصر، {سُلْطَانُهُ}: مبتدأ ومضاف إليه، {عَلَى الَّذِينَ}: جار ومجرور خبر المبتدأ، والجملة الاسمية مستأنفة، {يَتَوَلَّوْنَهُ}: فعل وفاعل ومفعول، صلة الموصول، {وَالَّذِينَ}: في محل الجر معطوف على الموصول الأول، {هُمْ}: مبتدأ، {بِهِ}: متعلق بما بعده، {مُشْرِكُونَ}: خبر المبتدأ، والجملة الاسمية صلة الموصول.

{وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (101)} .

{وَإِذَا بَدَّلْنَا} {الواو} : استئنافية، {إذا}: ظرف لما يستقبل من الزمان، {بَدَّلْنَا آيَةً}: فعل وفاعل ومفعول، {مَكَانَ آيَةٍ}: ظرف ومضاف إليه، متعلق بـ {بَدَّلْنَا} والجملة في محل الخفض بإضافة {إذا} إليها، على كونها فعل شرط لها، والظرف متعلق بالجواب الآتي، {وَاللَّهُ أَعْلَمُ}: مبتدأ وخبر، والجملة الاسمية معترضة، لاعتراضها بين الشرط وجوابه، {بِمَا}: جار ومجرور، متعلق بـ {أَعْلَمُ} ، وجملة {يُنَزِّلُ} صلة لـ {ما} أو صفة لها، والعائد أو الرابط محذوف تقديره: بما ينزله، {قَالُوا}: فعل وفاعل، والجملة جواب {إذا} ، وجملة {إذا} مستأنفة، {إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ}: مقول محكي لـ {قَالُوا} ، وإن شئت قلت:{إِنَّمَا} : أداة حصر، {أَنْتَ مُفْتَرٍ}: مبتدأ وخبر، والجملة في محل النصب مقول {قَالُوا} ، {بَلْ}: حرف إضراب، {أَكْثَرُهُمْ}: مبتدأ ومضاف إليه، وجملة {لَا يَعْلَمُونَ} خبره، والجملة الاسمية جملة إضرابية مستأنفة لا محل لها من الإعراب.

{قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (102)} .

{قُلْ} : فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على محمَّد، والجملة مستأنفة، {نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ} إلى آخر الآية مقول محكي، وإن شئت قلت:{نَزَّلَهُ} : فعل ومفعول، {رُوحُ الْقُدُسِ}: فاعل مرفوع، ومضاف إليه، {مِنْ رَبِّكَ}:

ص: 402

متعلق به، وكذا يتعلق به قوله:{بِالْحَقِّ} ، أو حال من مفعول {نَزَّلَهُ} ، والجملة الفعلية في محل النصب مقولٌ لـ {قُلْ} . {لِيُثَبِّتَ} فعل مضارع منصوب بأن مضمرة جوازًا بعد لام كي، وفاعله ضمير يعود على {رُوحُ الْقُدُسِ} ، {الَّذِينَ} في محل النصب مفعول به، والجملة في تأويل مصدر مجرور باللام، تقديره: لِتَثْبِيتِه الذين آمنوا، الجار والمجرور متعلّق بـ {نَزَّلَ} ، {آمَنُوا}: فعل وفاعل، صلة الموصول، {وَهُدًى وَبُشْرَى}: معطوفان على محل {لِيُثَبِّتَ} ؛ أي: تثبيتًا وهدايةً وبشارةً، أو معطوفان على لفظه باعتبار المؤول؛ أي: لتثبيتهم وهدايتهم وبشارتهم، {لِلْمُسْلِمِينَ}: جار ومجرور متعلق بـ {بشرى} أو تنازع فيه هو و {هُدًى} .

{وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ (103)} .

{وَلَقَدْ} {الواو} : استئنافية و {اللام} موطئة للقسم، {قد}: حرف تحقيق، {نَعْلَمُ}: فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة الفعلية جواب القسم لا محل لها من الإعراب، وجملة القسم مستأنفة، {أَنَّهُمْ}: ناصب واسمه، وجملة {يَقُولُونَ} خبره، وجملة {أن} في تأويل مصدر سادٍّ مسدَّ مفعولي علم، {إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ}: مقول محكي لـ {يَقُولُونَ} ، وإن شئت قلت:{إِنَّمَا} : أداة حصر، {يُعَلِّمُهُ}: فعل ومفعول أول، {بَشَرٌ}: فاعل، والمفعول الثاني محذوف، تقديره: إنما يعلمه هذا القرآن بشر، والجملة الفعلية في محل النصب مقول لـ {يَقُولُونَ} ، {لِسَانُ الَّذِي}: مبتدأ ومضاف إليه، {يُلْحِدُونَ}: فعل وفاعل، صلة الموصول، {إِلَيْهِ}: متعلق به، {أَعْجَمِيٌّ}: خبر المبتدأ، والجملة الاسمية مستأنفة، {وَهَذَا لِسَانٌ}: مبتدأ وخبر، والجملة معطوفة على الجملة التي قبلها، {عَرَبِيٌّ}: صفة {لِسَانٌ} ، {مُبِينٌ} صفة {عَرَبِيٌّ} أو صفة ثانية لِـ {لِسَانٌ} .

{إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ لَا يَهْدِيهِمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (104) إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ (105)} .

{إِنَّ الَّذِينَ} : ناصب واسمه، وجملة {لَا يُؤْمِنُونَ} صلة الموصول، {بِآيَاتِ

ص: 403

اللَّهِ}: جار ومجرور ومضاف إليه، متعلق بـ {يُؤْمِنُونَ} ، {لَا يَهْدِيهِمُ اللَّهُ}: فعل ومفعول وفاعل، والجملة في محل الرفع خبر {إِنَّ} ، وجملة {إِنَّ} مستأنفة، {وَلَهُمْ}: خبر مقدم، {عَذَابٌ أَلِيمٌ}: مبتدأ مؤخر، والجملة الاسمية في محل الرفع معطوفة على جملة {لَا يَهْدِيهِمُ} ، {إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ} فعل ومفعول، {الَّذِينَ}: فاعل والجملة مستأنفة، وجملة {لَا يُؤْمِنُونَ} صلة الموصول، {بِآيَاتِ اللَّهِ}: متعلق بـ {يُؤْمِنُونَ} ، {وَأُولَئِكَ}: مبتدأ {هُمُ} : ضمير فصل، {الْكَاذِبُونَ}: خبر المبتدأ، والجملة الاسمية معطوفة على الجملة التي قبلها.

{مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ} .

{مَنْ} : اسم شرط في محل الرفع مبتدأ، أو الخبر جملة الجواب أو الشرط أو هما، {كَفَرَ}: فعل ماض، {بِاللَّهِ}: متعلق به، وفاعله ضمير يعود على {مَنْ} {مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ}: جار ومجرور ومضاف إليه، متعلق بـ {كَفَرَ} ، وجواب الشرط محذوف، تقديره: فعليه غضب من الله، وجملة {مَنْ} الشرطية مستأنفة، {إِلَّا}: أداة استثناء، {مَنْ}: اسم موصول في محل النصب على الاستثناء من الجواب المحذوف، {أُكْرِهَ}: فعل ماض مغير الصيغة، ونائب فاعله ضمير يعود على {مَنْ} ، والجملة صلة {مَنْ} الموصولة، {وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ}: مبتدأ وخبر، {بِالْإِيمَانِ}: متعلق بـ {مُطْمَئِنٌّ} ، والجملة الاسمية في محل النصب حال من نائب فاعل، {أُكْرِهَ} .

{وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (106)} .

{وَلَكِنْ} {الواو} : استئنافية، {لكن}: حرف استدراك {مَنْ} اسم شرط في محل الرفع مبتدأ، والخبر جملة الجواب أو الشرط، {شَرَحَ}: فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على {مَنْ} {بِالْكُفْرِ}: متعلق به، {صَدْرًا}: مفعول به، {فَعَلَيْهِمْ} {الفاء}: رابطة لجواب {مَنْ} الشرطية، {عليهم} جار ومجرور، خبر مقدم، {غَضَبٌ}: مبتدأ مؤخر، {مِنَ اللَّهِ}: صفة لـ {غَضَبٌ} ، والجملة الاسمية في محل الجزم بـ {مِنَ} الشرطية، علي كونها جوابًا لها، ويجوز أن

ص: 404

تكون {مِنَ} موصولة، وجملة {مِنَ} الشرطية جملة استدراكية مستأنفة {وَلَهُمْ}: خبر مقدم، {عَذَابٌ}: مبتدأ مؤخر، {عَظِيمٌ}: صفة {عَذَابٌ} ، والجملة الاسمية في محل الجزم معطوفة على جملة الجواب.

{ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (107)} .

{ذَلِكَ} : مبتدأ {بِأَنَّهُمُ} : جارٌ وناصب واسمه، الجار والمجرور خبر المبتدأ، والجملة الاسمية مستأنفة، {اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ}: فعل وفاعل ومفعول، {الدُّنْيَا}: صفة لـ {الْحَيَاةَ} ، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر {أن} وجملة {أن} في تأويل مصدر مجرور بالباء، {عَلَى الْآخِرَةِ}: متعلق بـ {اسْتَحَبُّوا} ، {وَأَنَّ اللَّهَ}: ناصب واسمه، {لَا يَهْدِي الْقَوْمَ}: فعل ومفعول، {الْكَافِرِينَ}: صفة لـ {الْقَوْمَ} ، وفاعله ضمير يعود على {اللَّهَ} ، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر {أَنَّ} ، وجملة {أَنَّ} في محل الجر معطوفة على جملة {أَنَّ} الأولى.

{أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ (108) لَا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْخَاسِرُونَ (109)} .

{أُولَئِكَ الَّذِينَ} : مبتدأ وخبر، والجملة مستأنفة {طَبَعَ اللَّهُ} فعل وفاعل، {عَلَى قُلُوبِهِمْ} متعلق به، {وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ}: معطوفان على {قُلُوبِهِمْ} ، والجملة الفعلية صلة الموصول {وَأُولَئِكَ} مبتدأ، {هُمُ}: ضمير فصل، {الْغَافِلُونَ} خبر، والجملة الاسمية معطوفة على الجملة التي قبلها، {لَا جَرَمَ}: فعل ماض بمعنى حقَّ، مركَّبٌ من حرف وفعل تركيبًا مزجيًّا مبنيٌّ على الفتح، {أَنَّهُمْ}: ناصب واسمه، {فِي الْآخِرَةِ}: متعلق بـ {الْخَاسِرُونَ} ، {هُمُ}: ضمير فصل؛ {الْخَاسِرُونَ} : خبر {أَنَّ} ، وجملة {أَنَّ} في تأويل مصدر مرفوع على الفاعلية لجرم، والتقدير: حق خسرانهم في الآخرة، والجملة الفعلية مستأنفة.

{ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (110)} .

ص: 405

{ثُمَّ} : حرف عطف للترتيب الذكري، وبمعنى واو الاستئناف، {إِنَّ رَبَّكَ}: ناصب واسمه، {لِلَّذِينَ}: جار ومجرور، متعلق بخبر {إِنَّ} الآتي في آخر الآية، وهو قوله:{لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} ، {هَاجَرُوا}: فعل وفاعل، صلة الموصول، {مِنْ بَعْدِ}: جار ومجرور، متعلق بـ {هَاجَرُوا} ، {مَا}: مصدرية، {فُتِنُوا}: فعل ونائب فاعل، والجملة صلة {مَا} مع صلتها في تأويل مصدر مجرور بإضافة الظرف إليه، تقديره: من بعد فتنتهم، {ثُمَّ جَاهَدُوا}: فعل وفاعل، معطوف على {هَاجَرُوا} ، {وَصَبَرُوا}: فعل وفاعل، معطوف على {جَاهَدُوا} ، {إِنَّ رَبَّكَ}: ناصبٌ واسمه، {مِنْ بَعْدِهَا}: جار ومجرور، متعلق بمحذوف خبر {إِنَّ} الثانية، تقديره: إنَّ ربك لغفور رحيم {مِنْ بَعْدِهَا} ، وجملة {إنَّ} أعني هذه الثانية مؤكدة لجملة {إِنَّ} الأولى، {لَغَفُورٌ} {اللام}: حرف ابتداء، {غفور} خبر أول لـ {إِنَّ} الأولى، {رَحِيمٌ}: خبر ثان لها، أو صفة لـ {غفور} ، وجملة {إِنَّ} الأولى معطوفة على جملة قوله:{أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ} أو مستأنفة.

{يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (111)} .

{يَوْمَ} : مفعول به لفعل محذوف، تقديره: اذكر يوم تأتي، أو ظرف متعلق بـ {رَحِيمٌ} في قوله:{لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} ، {تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ}: فعل وفاعل، والجملة الفعلية في محل الجر مضاف إليه لـ {يَوْمَ} ، {تُجَادِلُ}: فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على {كُلُّ نَفْسٍ} ، {عَنْ نَفْسِهَا}: جار ومجرور متعلق به، والجملة الفعلية في محل النصب حال من {كُلُّ نَفْسٍ} ، {وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ}: فعل ونائب فاعل، معطوف على {تَأْتِي}؛ أي: ويوم توفَّى كل نفس، {مَا}: موصولة أو موصوفة في محل النصب مفعول ثان لـ {وَتُوَفَّى} ، {عَمِلَتْ}: فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على {كُلُّ نَفْسٍ} ، والجملة صلة لـ {مَا} أو صفة لها، والعائد أو الرابط محذوف تقديره: ما عملته، {وَهُمْ}: مبتدأ، وجملة {لَا يُظْلَمُونَ} خبره، والجملة الاسمية في محل النصب حالٌ من {كُلُّ نَفْسٍ} .

ص: 406

{وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (112)} .

{وَضَرَبَ اللَّهُ} {الواو} : استئنافية، {وَضَرَبَ اللَّهُ} فعل وفاعل، {مَثَلًا}: مفعول ثان لـ {ضرب} ، لأنه بمعنى جَعَل، {قَرْيَةً} مفعول أول لِـ {ضَرَبَ} ، وأُخِّرت لتتصل بصفاتها، والجملة الفعلية مستأنفة، {كَانَتْ آمِنَةً}: فعل ناقص وخبره، واسمه ضميرٌ يعود على {قَرْيَةً} {مُطْمَئِنَّةً}: خبر ثان لـ {كان} ، وجملة {كان} في محل النصب صفة لـ {قَرْيَةً} ، {يَأْتِيهَا رِزْقُهَا}: فعلٌ ومفولٌ به وفاعلٌ {رَغَدًا} : حال من الرزق، والجملة الفعلية في محل النصب صفة ثانية لـ {قَرْيَةً}. {مِنْ كُلِّ مَكَانٍ}: جار ومجرور ومضاف إليه، متعلق بـ {يأتي} ، {فَكَفَرَتْ} {الفاء}: حرف عطف وتعقيب، {كفرت}: فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على {قَرْيَةً} ، والجملة معطوفة على جملة {يأتي} ، {بِأَنْعُمِ اللَّهِ}: جار ومجرور ومضاف إليه، متعلق بـ {كفرت} {فَأَذَاقَهَا اللَّهُ}: فعل ومفعول أول وفاعل، {لِبَاسَ الْجُوعِ}: مفعول ثان لـ {أذاق} ، {وَالْخَوْفِ}: معطوف على {الْجُوعِ} ، والجملة الفعلية في محل النصب معطوفة على جملة {كفرت} ، {بِمَا}: جار ومجرور متعلق بـ {أذاق} ، {كَانُوا}: فعل ناقص واسمه، وجملة {يَصْنَعُونَ} في محل النصب خبر {كان} ، وجملة {كان} صلةٌ لـ {ما} أو صفة لها، والعائد أو الرابط محذوف تقديره: بما كانوا يصنعونه.

{وَلَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ وَهُمْ ظَالِمُونَ} .

{وَلَقَدْ} {الواو} : استئنافية، و {اللام}: موطئة للقسم، {قد}: حرف تحقيق، {جَاءَهُمْ رَسُولٌ}: فعل ومفعول وفاعل، {مِنْهُمْ}: صفة لـ {رَسُولٌ} ، والجملة الفعلية جواب لقسم محذوف، وجملة القسم المحذوف مستأنفة. {فَكَذَّبُوهُ} {الفاء}: عاطفة، {فَكَذَّبُوهُ}: فعل وفاعل ومفعول، والجملة معطوفة على جملة {جاء} {فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ}: فعل ومفعول وفاعل، والجملة معطوفة على جملة {كذبوه} ، {وَهُمْ ظَالِمُونَ}: مبتدأ وخبر، والجملة في محل النصب حال من مفعول {أَخَذَهُمُ} .

ص: 407

{فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (114)} .

{فَكُلُوا} {الفاء} : فاء الفصيحة، لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر، تقديره: إذا عرفتم أيها المؤمنون حال أهل هذه القرية، وأردتم بيان ما هو النصيحة لكم .. فأقول لكم: كُلُوا مما رزقكم الله، {كلوا}: فعل وفاعل، {مِمَّا}: جار ومجرور متعلّق بـ {كُلُوا} ، والجملة الفعلية في محل النصب مقولٌ لجواب إذا المقدرة، وجملة إذا المقدرة مستأنفة، {رَزَقَكُمُ اللَّهُ}: فعل ومفعول أول وفاعل، والجملة صلةٌ لـ {ما} أو صفة لها، والعائد أو الرابط محذوف تقديره: مما رزقكموه الله، وهو المفعول الثاني لـ {رزق} {حَلَالًا}: حال من الضمير المحذوف، {طَيِّبًا}: صفة {حَلَالًا} . {وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ} : فعل وفاعل ومفعول، معطوف على {كلوا} {إِن} حرف شرط، {كُنْتُمْ}: فعل ناقص واسمه في محل الجزم بـ {إن} الشرطية على كونها فعل شرط لها، {إِيَّاهُ}: مفعول مقدم لما بعده، وجملة {تَعْبُدُونَ} خبر {كان} وجواب {إنْ} الشرطية محذوف، تقديره: إن كنتم إياه تعبدون فاشكروا له سبحانه، وجملة {إنْ} الشرطية مستأنفة.

{إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (115)} .

{إِنَّمَا} : أداة حصر، {حَرَّمَ}: فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على {اللَّهِ} ، والجملة مستأنفة، {عَلَيْكُمُ} ، متعلق بـ {حَرَّمَ} ، {الْمَيْتَةَ}: مفعول به لـ {حَرَّمَ} ، {وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ}: معطوفان على {الْمَيْتَةَ} ، {وَمَا}: موصولة أو موصوفة في محل النصب معطوفة على {الْمَيْتَةَ} أيضًا، {أُهِلَّ}: فعل ماض مغير الصيغة، {لِغَيْرِ اللَّهِ}: جار ومجرور في محل الرفع نائب فاعل لـ {أُهِلَّ} ، {بِهِ}: جار ومجرور متعلق به، و {الباء} بمعنى عند؛ أي: عند ذبحه، {فَمَنِ} {الفاء}: فاء الفصيحة، لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر، تقديره: إذا عرفتم تحريم ما ذكر عليكم وأردتم بيان حكم ما إذا اضطررتم إليه .. فأقول

ص: 408

لكم: من اضطر {مَن} اسم شرط جازم في محل الرفع مبتدأ، والخبر جملة الشرط أو الجواب أو هما، {اضْطُرَّ}: فعل ماض مغير الصغية، ونائب فاعله ضمير يعود على {مَن} ، والجملة في محل الجزم بـ {مَن} الشرطية على كونها فعل شرط لها، {غَيْرَ بَاغٍ}: حال من الضمير المستتر في {اضْطُرَّ} ، {وَلَا عَادٍ}: معطوف على {بَاغٍ} ، وجواب {مَن} الشرطية محذوف، تقديره: فالله لا يؤاخذه بذلك، وجملة {من} الشرطية في محل النصب مقول لجواب إذا المقدرة، وجملة إذا المقدرة مستأنفة، {فَإِنَّ اللَّهَ} {الفاء}: تعليلية للجواب المحذوف {إن الله غفور} : ناصب واسمه وخبره، {رَحِيمٌ}: خبر ثان له، وجملة {إن} في محل الجر بلام التعليل المقدرة المدلول عليها بالفاء التعليلية.

{وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ (116) مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (117)} .

{وَلَا تَقُولُوا} : جازم وفعل وفاعل، والجملة مستأنفة، {لِمَا} {اللام}: حرف جر بمعنى في، {ما}: اسم موصول في محل الجر باللام، {تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ}: فعل وفاعل، والجملة صلة الموصول، والعائد محذوف تقديره: لما تصفه وتذكره ألسنتكم، الجار والمجرور متعلق بـ {تَقُولُوا}. {الْكَذِبَ}: مفعولٌ به لـ {تَقُولُوا} لأنه بمعنى تذكروا، {هَذَا حَلَالٌ} . مبتدأ وخبر، والجملة في محل النصب بدل من {الْكَذِبَ} {وَهَذَا حَرَامٌ}: مبتدأ وخبر، والجملة في محل النصب معطوفة على جملة قوله:{هَذَا حَلَالٌ} ، والتقدير: ولا تقولوا في شأن ما تصفه ألسنتكم من البهائم الكذب هذا حلال وهذا حرام، {لِتَفْتَرُوا}: فعل وفاعل، منصوب بأن مضمرة بعد لام العاقبة، {عَلَى اللَّهِ}: متعلق به، {الْكَذِبَ}: مفعول {تفتروا} ، والجملة في تأويل مصدر مجرور باللام، تقديره: لافترائكم الكذب على الله، الجار والمجرور متعلق بـ {تَقُولُوا}. {إِنَّ الَّذِينَ}: ناصب واسمه، {يَفْتَرُونَ}: فعل وفاعل، {عَلَى اللَّهِ}: متعلق به، {الْكَذِبَ}: مفعول به، والجملة الفعلية صلة الموصول، وجملة {لَا يُفْلِحُونَ} خبر {إِنَّ} ، وجمله {إِنَّ} مستأنفة مسوقة لتعليل ما قبلها، {مَتَاعٌ}: خبر لمبتدأ محذوف، تقديره: منفعتهم

ص: 409

في الدنيا متاعٌ، {قَلِيلٌ}: صفة {مَتَاعٌ} ، والجملة الاسمية مستأنفة، {وَلَهُمْ}: خبر مقدم، {عَذَابٌ}: مبتدأ مؤخر، {أَلِيمٌ}: صفة {عَذَابٌ} ، والجملة الاسمية معطوفة على الجملة التي قبلها.

{وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا مَا قَصَصْنَا عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (118)} .

{وَعَلَى الَّذِينَ} : جار ومجرور متعلق بـ {حَرَّمْنَا} الآتي، وجملة {هَادُوا} صلة الموصول، {حَرَّمْنَا مَا}: فعل وفاعل ومفعول، والجملة مستأنفة، {قَصَصْنَا}: فعل وفاعل، {عَلَيْكَ} متعلق به، {مِن قبلُ}: متعلق بـ {حرمنا} أو بقصصنا، وجملة {عَلَيْكَ} صلة لـ {ما} أو صفة لها، والعائد أو الرابط محذوف تقديره: ما قصصناه عليك، {وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ}: نافٍ وفعل وفاعل، ومفعول، والجملة مستأنفة، {وَلَكِنْ} {الواو}: عاطفة، {لكن}: حرف استدراك {كَانُوا} : فعل ناقص واسمه، {أَنْفُسَهُمْ}: مفعول به لما بعده، وجملة {يَظْلِمُونَ} خبر {كَانُوا} ، والجملة الاستدراكية معطوفة على جملة قوله:{وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ} .

{ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (119)} .

{ثُمَّ} : حرف عطف للترتيب الذكري، أو بمعنى واو الاستئناف، {إِنَّ رَبَّكَ}: ناصب واسمه، {لِلَّذِينَ}: جار ومجرور متعلق بخبر {إِنَّ} الآتي في آخر الآية، وهو قوله:{لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} ، والتقدير: ثم إن ربك لغفور رحيم للذين عملوا، {عَمِلُوا السُّوءَ}: فعل وفاعل ومفعول، {بِجَهَالَةٍ}: متعلق به، والجملة الفعلية صلة الموصول، {ثُمَّ تَابُوا}: فعل وفاعل، معطوف على جملة الصلة، {مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ}: جار ومجرور، متعلق بـ {تَابُوا} ، {وَأَصْلَحُوا}: معطوف على {تَابُوا} ، {إِنَّ رَبَّكَ}: ناصب واسمه، {مِنْ بَعْدِهَا}: جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر {إِنَّ} الثانية، تقديره: إن ربك لغفور رحيم لهم من بعدها، وجملة {إِنَّ} الثانية مؤكدة لجملة {إِنَّ} الأولى {لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} اللام المزحلقة وخبران لـ {إن} . والله أعلم.

ص: 410

التصريف ومفرادت اللغة

{فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ} ؛ أي: أردت قراءته، كما تقول إذا أكلت فقل: باسم الله، وإذا سافرت فتأهب {الرَّجِيمِ} فعيل بمعنى مفعول؛ أي: المرجوم المبعد من رحمة الله، {سُلْطَانٌ} مصدر بمعنى التسلط، وهو الاستيلاء والتمكن بالقهر اهـ.

"شهاب"{يَتَوَلَّوْنَهُ} والتولي الطاعة، يقال: توليته؛ أي: أطعته، وتوليت عنه؛ أي: أعرضت عنه.

{وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً} التبديل رفع شيء ووضع غيره مكانه، وتبديل الآية نسخها بآية أخرى، {رُوحُ الْقُدُسِ} والقدس - بضم الدال وسكونها - الطهارة، والمراد به اسم المفعول، والإضافة فيه من إضافة الموصوف إلى صفته؛ أي: الروح المقدس؛ أي: المطهر، وهو جبريل عليه السلام، سمي بذلك لأنه ينزل بالقدس؛ أي: بما يطهر النفوس من القرآن والحكمة والفيض الإلهي، {بِالْحَقِّ}؛ أي: بالحكمة المقتضية له، {يُلْحِدُونَ} والإلحاد الميل، يقال لحد وألحد إذا مال عن القصد، ومنه سمي العادل عن الحق مُلْحِدًا، ومنه لحد القبر، لأنه حفرةٌ مائلةٌ عن وسطه، {أَعْجَمِيٌّ} الأعجمي الذي لم يتكلم بالعربية، وقال الراغب: الأعجم من في لسانه عجمة، عربيًّا كان أو غير عربي، اعتبارًا بقلة فهمه، والأعجمي منسوب إليه اهـ. "سمين"، ويقال: رجل أعجم، وامرأة عجماء، إذا كانا لا يفصحان عن مرادهما، ومن ذلك زياد الأعجم، كان عربيًّا في لسانه لكنةٌ، والحاصل أن الأعجمي هو الذي لا يفصح وإن كان عربيًّا، والعجمي المنسوب إلى العجم وإن كان فصيحًا كما في "روح البيان".

{مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ} ؛ أي: تلفظ وتكلم بالكفر، أو فعل فعلًا مكفرًا، سواء كان مختارًا في ذلك أو مكرهًا عليه، فالاستثناء متصل اهـ شيخنا، {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ}؛ أي: على التلفظ بكلمة الكفر، {وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ} من الاطمئنان، وهو سكون النفس بعد انزعاجها، والمراد الثبات على ما كان عليه بعد ازعاج الإكراه، {مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا}؛ أي: فتحه به واعتقده، وطاب به نفسًا، {اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا}؛ أي: آثروها وقدموها على الآخرة، {مِنْ بَعْدِ مَا

ص: 411

فُتِنُوا} أصل الفتن إدخال الذهب في النار لتظهر جودته من رداءته، ثم استعمل في المحنة والابتلاء يصيب الإنسان، {تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا}؛ أي: تدفع وتسعى في خلاصها، والنفس الأولى الجثة والبدن، النفس الثانية عينها وذاتها، وتوفى تعطى، {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا} والمثل عبارةٌ عن قول يشبه قولًا في شيء آخر بينهما مشابهةٌ، ليبين أحدهما الآخر ويصوره، {كَانَتْ آمِنَةً} من الغارات لا تهاج ولا تقلق؛ أي: ذات أمن، يأمن فيها أهلها أن يغار عليهم، {مُطْمَئِنَّةً}؛ أي: ساكنة بأهلها لا يحتاجون إلى الانتقال عنها لخوف أو ضيق.

{رَغَدًا} يقال: رغد العيش رغادة اتسع ولسان، فهو رغدٌ ورغيدٌ، ورغد رغدًا من باب تعب لغةٌ، فهو راغدٌ، وهو في رغد من العيش؛ أي: رزق واسع، وأرغد القوم بالألف أخصبوا، والرغيدة الزبد اهـ "مصباح"{بِأَنْعُمِ اللَّهِ} جمع نعمة على ترك الاعتداد بالتاء، كدرع وأدرع، أو جمع نعم، كبؤسٍ وأبؤس اهـ "بيضاوي"، والمراد بها نعمة الرزق والأمن المستمر، ويحتمل أنه جمع نعماء بفتح النون والمد، وهي بمعنى النعمة، وهي "المصباح": والنعماء وزان الحمراء مثل النعمة، وجمع النعمة نعمٌ، مثل سدرة وسدر، وأنعم أيضًا مثل أفلس، وجمع النعماء أنعم، مثل البأساء يجمع على أبؤس اهـ.

{وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ} يقولون: له وجه يصف الجمال، وعينٌ تصف السحر، يريدون أنه جميل، وأن عينه تفتن من رآها، لأنه لما كان وجهه منشأ الجمال وعينه منبعًا للفتنة والسحر .. كان كلٌّ منهما كأنه إنسانٌ عالمٌ بكنههما، محيطٌ بحقيقتهما، يصفهما للناس أجمل وصف، ويعرفهما أتم تعريف، وعلى هذا الأسلوب جاء قوله تعالى:{وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ} إذ جعل الكذب كأنه حقيقةٌ مجهولةٌ، وكلامهم الكذب يشرح تلك الحقيقة ويوضحها، كان ألسنتهم لكونها موصوفة بالكذب هي حقيقته، ومنبعه الذي يعرف منه، {بِجَهَالَةٍ} والجهالة هنا الطيش وعدم التدبر في العواقب.

البلاغة

وقد تضمنت هذه الآيات ضروبًا من البلاغة، وأنواعًا من الفصاحة والبيان

ص: 412

والبديع:

فمنها: المجاز المرسل في قوله: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ} حيث عبر عن الإرادة بالقراءة على طريقة إطلاق اسم المسبب على السبب، إيذانًا بأنَّ المراد هي الإرادة المتصلة بالقراءة.

ومنها: جناس الاشتقاق في قوله: {قَرَأْتَ الْقُرْآنَ} .

ومنها: المقابلة بين قوله: {عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ} وقوله: {وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} ، أو بين قوله:{وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ} وقوله: {عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا} .

ومنها: الاعتراض في قوله: {وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ} فهذه الجملة اعتراضية بين الشرط وجوابه، لبيان الحكمة الإلهية في النسخ، وفيه أيضًا الالتفات من التكلم إلى الغيبة، وذكر الاسم الجليل لتربية المهابة في النفس.

ومنها: الطباق بين {أَعْجَمِيٌّ} و {عَرَبِيٌّ} .

ومنها: الاستعارة التصريحية في قوله: {لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ} حيث استعار اللسان الذي هو حقيقةٌ في الجارحة للغة والكلام، كقول الشاعر:

لِسَانُ السُّوْءِ تَهْدِيْهَا إلَيْنَا

وَخُنْتَ وَمَا حَسِبْتُكَ أَنْ تَخُونَا

ومنها: إضافة الموصوف إلى صفته في قوله: {رُوحُ اَلْقُدُسِ} .

ومنها: التعريض في قوله: {وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} لأنَّ فيه تعريضًا بحصول أضداد ذلك لغيرهم من الكفار كما في "البيضاوي".

ومنها: الحصر في قوله: {إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ} .

ومنها: جمع المؤكدات في قوله: {وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ} وهي اسمية الجملة، وضمير الفصل، وتعريف الطريقين، وفيه أيضًا التأكيد بالتكرار بين {الْكَذِبَ} و {الْكَاذِبُونَ} وبين الموصول وهو:{الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ} واسم الإشارة وهو {أُولَئِكَ} إذ ما صدقهما واحد كما في "الفتوحات"، وفيه أْيضًا

ص: 413

الجناس الماثل بين {الْكَذِبَ} و {الْكَاذِبُونَ} .

ومنها: تقديم الظرف في قوله: {فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ} وقوله: {وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} إفادةً للاختصاص، وللدلالة على أنهم أحقاء بغضب الله وعذابه العظيم لاختصاصهم بعظم الجرم، وهو الارتداد.

ومنها: الاستعارة المكنية في قوله: {فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ} حيث شبه ذلك اللباس من حيث الكراهية بالطعم المر البشع، وحذف المشبه به ورمز إليه بشيء من لوازمه وهو الإذاقة على طريقة الاستعارة المكنية.

ومنها: إضافة المشبه به إلى المشبه في قوله: {لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ} كالإضافة في لجين الماء.

ومنها: الطباق بين {حَلَالٌ} و {حَرَامٌ} .

ومنها: الزيادة والحذف في عدة مواضع.

والله سبحانه وتعالى أعلم

* * *

ص: 414

قال الله سبحانه جلَّ وعلا:

{إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (120) شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (121) وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (122) ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (123) إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (124) ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (125) وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ (126) وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (127) إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ (128)} .

المناسبة

مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما زيَّف (1) مذاهب المشركين في إثبات الشركاء والأنداد لله، وفي طعنهم نبوَّة الأنبياء والرسل، بنحو قولهم: لو أرسل الله رسلًا لأرسل ملائكة، وفي تحليلهم أشياء حرمها الله تعالى، وتحريم أشياء أحلها الله تعالى، وبالغ في رد هذه المعتقدات .. ختم السورة بذكر إبراهيم رئيس الموحدين، الذي كان المشركون يفتخرون به، ويقرون بوجوب الاقتداء به، ليصير ذكر طريقته حاملًا لهم على الإقرار بالتوحيد، والرجوع عن الشرك، ثم بأمر نبيه محمَّد صلى الله عليه وسلم باتباعه، ثم بجعل الأسس التي يبني عليها دعوته هي الحكمة والموعظة الحسنة، والجدل بالحسنى، ثم بأمره باللين في العقاب إن أراده، أو بترك العقاب وهو أفضل للصابرين، ثم بأمره بجعل الصبر رائده في جميع أعماله، ونهيه من الحزن على كفر قومه، وأنهم لم يجيبوا دعوته، وأنهم يمكرون به، فالله ينصره عليهم، ويكفيه أذاهم، فقد جرت سنته بأن العاقبة للمتقين، والخذلان للعاصين الخائنين.

(1) المراغي.

ص: 415

وعبارة "أبي حيَّان" هنا: لمَّا أبطل (1) الله سبحانه وتعالى مذاهب المشركين في هذه السورة من إثبات الشركاء لله، والطعن في نبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتحليل ما حرَّم، وتحريم ما أحل، وكانوا مفتخرين بجدهم إبراهيم عليه السلام مقرين بحسن طريقته، ووجوب الاقتداء به .. ذكره في آخر السورة، وأوضح منهاجه، وما كان عليه من توحيد الله تعالى ورفض الأصنام، ليكون ذلك حاملًا لهم على الاقتداء به، وأيضًا فقد أجرى ذكر اليهود بين طريقة إبراهيم ليظهر الفرق بين حاله وحالهم وحال قريش. انتهى.

أسباب النزول

قوله: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا

} الآية، سبب نزول هذه الآية: ما أخرجه (2) الحاكم والبيهقي - في "الدلائل" - والبزَّار عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف على حمزة حين استشهد وقد مثل به فقال: "لأمثلن بسبعين منهم مكانك" فنزل جبريل والنبيُّ صلى الله عليه وسلم واقف بخواتيم سورة النحل {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ

} إلى آخر السورة، فكفَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمسك عما أراد، وكفَّر عن يمينه، وأخرج الترمذي وحسّنه، والحاكم عن أبيِّ بن كعب قال: لمَّا (3) كان يوم أحد أُصيب من الأنصار أربعةٌ وستون، ومن المهاجرين ستةٌ منهم حمزة فمثلوا بهم، فقالت الأنصار: لئن أصبنا منهم يومًا من الدهر .. لنزيدن على عدتهم مرتين، فلما كان يوم فتح مكة .. أنزل الله: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا

} الآية، فقال رجلٌ: لا قريش بعد اليوم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"كُفُّوا عن القوم إلا أربعة" هذا حديث حسن غريب من حديث أبي بن كعب، وظاهر هذا تأخر نزولها إلى الفتح، وفي الحديث الذي قبله نزولها بأحد، وجمع ابن الحصار بأنها نزلت أولًا بمكة، ثم ثانيًا بأحد، ثم ثالثًا يوم الفتح تذكيرًا من الله لعباده.

(1) البحر المحيط.

(2)

لباب النقول.

(3)

زاد المسير ولباب النقول.

ص: 416