الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
72
- ثم ذكر ضروبًا أخرى من ضروب نعمه على عباده، تنبيهًا إلى جليل إنعامه بها، إذ هي زينة الحياة فقال:{وَاللَّهُ} سبحانه وتعالى وحده {جَعَلَ لَكُمْ} أيها الرجال {مِنْ أَنْفُسِكُمْ} ؛ أي: من جنسكم {أَزْوَاجًا} ؛ أي: نساء وزوجات، لتأنسوا بها وتقيموا بذلك جميع مصالحكم، ويكون أولادكم أمثالكم، ومن هنا أخذ بعض العلماء أنه يمتنع أن يتزوج المرؤ امرأة من الجن، إذ لا مجانسة بينهما، فلا مناكحة، وأكثرهم على إمكانه، ويدل عليه أن أحد أبوي بلقيس كان جنيًّا، قال ابن الكلبي: كان أبوها من عظماء الملوك، فتزوج امرأة من الجن يقال لها ريحانة بنت السكت، فولدت له بلقيس، وفيه حكايات أخر في "آكام المرجان"، فإن قيل (1): غلبة عنصر النار في الجن تمنع من أن تتكون النطفة الإنسانية في رحم الجنية لما فيها من الرطوبات، فتضمحل ثمة لشدة الحرارة النيرانية، وقس عليه نكاح الجني الإنسية.
قلت: إنهم وإن خلقوا من نار .. فليسوا بباقين على عنصرهم الناري، بل قد استحالوا عنه بالأكل والشرب والتوالد والتناسل، كما استحال بنو آدم عن عنصرهم الترابي بذلك، على أن الذي خلق من نار هو أبو الجن، كما خلق آدم أبو الإنس من تراب، وأما كل واحد من الجن غير أبيهم فليس مخلوقًا من النار، كما أن كل واحد من بني آدم ليس مخلوقًا من تراب، وذكروا أيضًا جواز المناكحة بين الإنسان وإنسان البحر، كما قال في "حياة الحيوان" إن في بحر الشام في بعض الأوقات من شكله شكل إنسان، وله لحيةٌ بيضاء، يسمونه شيخ البحر، فإذا رآه الناس .. استبشروا بالخصب.
قال الأطباء (2): والتفاوت بين الذكر والأنثى، أنَّ الذكر أسخن مزاجًا، والأنثى أكثر رطوبة، فالمني إذا انصب إلى الخصية اليمنى من الرجل، ثم انصب منها إلى الجانب الأيمن من الرحم .. كان الولد ذكرًا تامًّا في الذكورة، وإن انصب إلى الخصية اليسرى من الرجل، ثم انصب منها إلى الجانب الأيسر من
(1) روح البيان.
(2)
المراح.
الرحم .. كان الولد أنثى تامًّا في الأنوثة، وإن انصب إلى الخصية اليمنى، ثم انصب منها إلى الجانب الأيسر من الرحم .. كان الولد ذكرًا في طبيعة الإناث، وإن انصبَّ إلى الخصية اليسرى، ثم انصب منها إلى الجانب الأيمن من الرحم .. كان الولد أنثى في طبيعة الذكور والله أعلم.
{وَجَعَلَ لَكُمْ} سبحانه وتعالى {مِنْ أَزْوَاجِكُمْ} ؛ أي: من نسائكم وزوجاتكم؛ أي: جعل لكم منكم من زوجه لا من زوج غيره {بَنِينَ} وبنات، ولم يذكر (1) البنات لكراهتهم لهن، فلم يمتن عليهم إلا بما يحبونه، {وَحَفَدَةً} جمع حافد وحفيد، والحفيد ولد الابن ذكرًا كان أو أنثى، وولد البنت كذلك، وتخصيصه بولد الذكر، وتخصيص ولد الأنثى بالسبط، عرف طارىءٌ على أصل اللغة، والمعنى؛ أي: جعل لكم من زوجاتكم بنين وحفدة؛ أي: أولاد البنين ذكروًا كانوا أو إناثًا، وأولاد البنات كذلك، فيعم كل من المضاف والمضاف إليه لما هو معلوم أنَّ لفظ الولد يعم الذكر والأنثى، بخلاف لفظ الابن اهـ. شيخنا، وسيأتي البسط في معنى الحفيد في مباحث التصريف.
والمعنى: أي والله سبحانه جعل لكم أزواجًا من جنسكم تأنسون بهن، وتقوم بهن جميع مصالحكم، وعليهن تدبير معايشكم، وجعل لكم منهن بنين وحفدةً؛ أي: أولاد أولاد يكونون زهرة الحياة الدنيا وزينتها، وبهم التفاخر والتناصر والمساعدة لدى البأساء والضراء، {وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ}؛ أي: من لذيذ المطاعم والمشارب، وجميل الملابس والمساكن ما تنتفعون به إلى أقصى الحدود وأبعد الغايات، كالعسل ونحوه، و {مِن} للتبعيض، لأن كل الطيبات في الجنة، وما طيبات الدنيا إلا أنموذج منها.
والهمزة في قوله: {أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ} للاستفهام التوبيخي المضمن للإنكار، داخلة على محذوف، والفاء عاطفة على ذلك المحذوف، والتقدير: أيكفرون باللهِ الذي شأنه ذلك المذكور، فيؤمنون بالباطل حيث حرموا على أنفسهم طيبات
(1) المراغي.