المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌سورة طه سورة طه: مكية كلها عند الجميع، قيل: إلا آيتي - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ١٧

[محمد الأمين الهرري]

فهرس الكتاب

- ‌75

- ‌76

- ‌77

- ‌78

- ‌79

- ‌80

- ‌81

- ‌82

- ‌83

- ‌84

- ‌85

- ‌86

- ‌87

- ‌88

- ‌89

- ‌90

- ‌91

- ‌92

- ‌93

- ‌94

- ‌95

- ‌96

- ‌97

- ‌98

- ‌99

- ‌100

- ‌101

- ‌102

- ‌103

- ‌104

- ‌105

- ‌106

- ‌107

- ‌108

- ‌109

- ‌110

- ‌سورة مريم

- ‌1

- ‌2

- ‌3

- ‌4

- ‌5

- ‌6

- ‌7

- ‌8

- ‌9

- ‌10

- ‌11

- ‌12

- ‌ 13

- ‌ 14

- ‌15)}

- ‌16

- ‌17

- ‌18

- ‌19

- ‌20

- ‌21

- ‌22

- ‌23

- ‌24

- ‌25

- ‌26

- ‌27

- ‌28

- ‌29

- ‌ 30

- ‌ 31

- ‌ 32

- ‌ 33

- ‌34

- ‌35

- ‌36

- ‌37

- ‌38

- ‌39

- ‌40

- ‌41

- ‌42

- ‌43

- ‌44

- ‌45

- ‌46

- ‌47

- ‌48

- ‌49

- ‌50

- ‌51

- ‌52

- ‌53

- ‌54

- ‌ 55

- ‌56

- ‌57

- ‌58

- ‌59

- ‌60

- ‌61

- ‌62

- ‌63

- ‌64

- ‌65

- ‌66

- ‌67

- ‌68

- ‌69

- ‌70

- ‌71

- ‌72

- ‌73

- ‌74

- ‌75

- ‌76

- ‌77

- ‌78

- ‌79

- ‌80

- ‌81

- ‌82

- ‌83

- ‌84

- ‌85

- ‌86

- ‌87

- ‌88

- ‌89

- ‌90

- ‌91

- ‌92

- ‌93

- ‌94

- ‌95

- ‌96

- ‌97

- ‌98

- ‌سورة طه

- ‌1

- ‌2)}

- ‌3

- ‌4

- ‌5

- ‌6

- ‌7

- ‌8

- ‌9

- ‌10

- ‌11

- ‌12

- ‌13

- ‌14

- ‌15

- ‌16

- ‌17

- ‌18

- ‌19

- ‌20

- ‌21

- ‌22

- ‌23

- ‌24

- ‌25

- ‌26

- ‌27

- ‌28

- ‌29

- ‌30

- ‌31

- ‌32

- ‌33

- ‌34

- ‌35

- ‌36

- ‌37

- ‌ 38

- ‌39

- ‌ 40

- ‌ 41

- ‌42

- ‌43

- ‌44

- ‌45

- ‌46

- ‌47

- ‌48

- ‌49

- ‌50

- ‌51

- ‌52

- ‌53

- ‌54

- ‌55

- ‌56

- ‌57

- ‌58

- ‌59

- ‌60

- ‌61

- ‌62

- ‌63

- ‌64

- ‌65

- ‌66

- ‌67

- ‌68

- ‌69

- ‌70

- ‌71

- ‌72

- ‌73

- ‌74

- ‌75

- ‌76

- ‌77

- ‌78

- ‌79

- ‌80

- ‌81

- ‌82

- ‌83

- ‌84

- ‌85

- ‌86

- ‌87

- ‌88

- ‌89

- ‌90

- ‌91

- ‌92

- ‌93

- ‌94

- ‌95

- ‌96

- ‌97

- ‌98

- ‌99

- ‌100

- ‌101

- ‌102

- ‌103

- ‌104

- ‌105

- ‌106

- ‌107

- ‌108

- ‌109

- ‌110

- ‌111

- ‌112

- ‌113

- ‌114

- ‌115

- ‌116

- ‌117

- ‌118

- ‌119

- ‌120

- ‌121

- ‌122

- ‌123

- ‌124

- ‌125

- ‌126

- ‌127

- ‌128

- ‌129

- ‌130

- ‌131

- ‌132

- ‌133

- ‌134

- ‌135

الفصل: ‌ ‌سورة طه سورة طه: مكية كلها عند الجميع، قيل: إلا آيتي

‌سورة طه

سورة طه: مكية كلها عند الجميع، قيل: إلا آيتي (130 * 131) فمدنيتان، نزلت بعد سورة مريم، وآيها مئة وخمس وثلاثون آيةً، وكلماتها ألف وثلاث مئة وإحدى وأربعون، وحروفها خمسة آلاف ومئتان واثنان وأربعون حرفًا.

ومناسبتها لما قبلها من وجوه (1):

1 -

أنه لما ذكر في سورة مريم قصص عدد من الأنبياء والمرسلين، بعضها بطريق البسط والإيجاز، كقصص إبراهيم عليه السلام وبعضها موجز مجمل، كقصة موسى عليه السلام ثم أشار إلى بقية النبيين بالإجمال .. ذكر هنا قصة موسى التي أجملت فيما سلف، واستوعبها غاية الاستيعاب، ثم فصل قصة آدم عليه السلام ولم يذكر في سورة مريم إلا اسمه فحسب.

2 -

أنه روي عن ابن عباس أن هذه السورة نزلت بعد سالفتها.

3 -

أن أول هذه السورة متصل بآخر السورة السابقة، ومناسب له في المعنى، إذ ذكر في آخر تلك أنه إنما يسر القرآن بلسانه العربي المبين، ليكون تبشيراً للمتقين، وإنذاراً للمعاندين، وفي أوائل هذه ما يؤكد هذا المعنى.

ومن فضائلها: ما أخرج (2) الدارمي وابن خزيمة في "التوحيد"، والعقيلي في "الضعفاء"، والطبراني في "الأوسط"، وابن عدي وابن مردويه، والبيهقي في "الشعب" عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله تبارك وتعالى قرأ طه ويس قبل أن يخلق السموات والأرض بألفي عام، فلما سمعت الملائكة القرآن .. قالوا طوبى لأمةٍ ينزل عليها هذا، وطوبى لأجوافٍ تحمل هذا، وطوبى لألسنةٍ تكلمت بهذا" قال ابن خزيمة بعد إخراجه: حديث غريب وفيه نكارة.

(1) المراغي.

(2)

الشوكاني.

ص: 247

ومنها (1): ما أخرج ابن مردويه، عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"أعطيت السورة التي ذكرت فيها الأنعام من الذكر الأول، وأعطيت سورة طه والطواسين من ألواح موسى، وأعطيت فواتح القرآن وخواتيم البقرة من تحت العرش، وأعطيت المفصل نافلةً" وفيه مقال. والنافلة: الزيادة.

ومنها: ما أخرجه ابن مردويه عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كل قرآن يوضع عن أهل الجنة، فلا يقرؤون منه شيئًا، إلا سورة طه ويس، فإنهم يقرؤون بهما في الجنة". وفيه مقال.

ومنها: ما أخرجه الدارقطني في "سننه"، عن أنس بن مالك، فذكر قصة عمر بن الخطاب مع أخته وخباب وقراءتهما طه، وكان ذلك بسبب إسلام عمر، والقصة مشهورة في كتب السير.

الناسخ والمنسوخ من هذه السورة: قال أبو (2) عبد الله محمد بن حزم: جملة المنسوخ من هذه السورة ثلاث آيات:

أولاهن: قوله تعالى: {وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ} (114) الآية. نسخ معناها لا لفظها بقوله تعالى: {سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى (6)} الأعلى.

والآية الثانية: قوله: تعالى: {فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ} (130) الآية. نسخ الصبر منها بآية السيف.

والآية الثالثة: قوله تعالى: {قُلْ كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ} (135)، جميع هذه الآية منسوخ بآية السيف.

والله أعلم

* * *

(1) الشوكاني.

(2)

الناسخ والمنسوخ.

ص: 248

{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}

{طه (1) مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى (2) إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى (3) تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى (4) الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (5) لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى (6) وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى (7) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى (8) وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى (9) إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى (10) فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى (11) إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى (12) وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى (13) إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (14) إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى (15) فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى (16) وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى (17) قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى (18) قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى (19) فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى (20) قَالَ خُذْهَا وَلَا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى (21) وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرَى (22) لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا الْكُبْرَى (23) اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (24) قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي (25) وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي (26) وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي (27) يَفْقَهُوا قَوْلِي (28) وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي (29) هَارُونَ أَخِي (30) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (31) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (32) كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا (33) وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا (34) إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا (35) قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى (36) وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَى (37) إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى (38) أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي (39) إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَنْ يَكْفُلُهُ فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْسًا فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى (40) وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي (41)} .

المناسبة

مناسبة أول هذه السورة لآخر ما قبلها (1): أنه تعالى، لما ذكر تبشير القرآن

(1) البحر المحيط.

ص: 249

بلسان الرسول صلى الله عليه وسلم؛ أي: بلغته، وكان فيما علل به قوله:{لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا} .. أكد ذلك بقوله: {مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى (2) إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى (3)} والتذكرة: هي البشارة والنذارة، وأن ما ادعاه المشركون من إنزاله للشقاء ليس كذلك، بل إنما نزل تذكرةً.

قوله تعالى: {وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى (9)

} الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن (1) الله سبحانه لما عظَّم كتابه والرسول الذي أنزل عليه بما كلفه به من التبليغ والإنذار والتبشير .. أتبع ذلك بما يقوي قلبه من قصص الأنبياء، وما فعلته أممهم معهم، وكيف كانت العاقبة لهم، والنصر حليفهم، ففي هذا سلوى له، وتأس بهم فيما قاموا به من الذود عن الحق، مهما أصابهم من العنت والأذى، من جراء الدعوة إليه، كما أشار إلى ذلك سبحانه بقوله:{وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ} .

وبدأ بقصص موسى؛ لأن محنته كانت أشد، فقد تحمل من المكاره ما تنوء به راسيات الجبال، وقابل ذلك بعزم لا يفتر، وبقوة تفل الحديد.

وعبارة أبي حيان هنا (2): قوله تعالى: {وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى (9)

} الآيات، مناسبتها لما قبلها: أن الله سبحانه لما ذكر تعظيم كتابه، وتضمن تعظيم رسوله .. أتبعه بقصة موسى ليتأسى به في تحمل أعباء النبوة، وتكاليف الرسالة، والصبر على مقاساة الشدائد، كما قال تعالى:{وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ} فقال تعالى: {وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى (9)} .

قوله تعالى: {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى (17)

} الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه لما ذكر (3) مناجاته لموسى، حين رأى النار التي في الشجرة، واختياره نبيًا، وإيحاءه إليه أن لا إله إلا هو، وأمره بإقامة الصلاة، لما فيها من ذكره، وتخصيصه بالعبادة دون سواه، ثم إخباره بأن الساعة آتية لا

(1) المراغي.

(2)

البحر المحيط.

(3)

المراغي.

ص: 250

محالة، ليجزي المحسن بإحسانه، والمسيء بما دسى به نفسه جزاءً وفاقًا .. قفى على ذلك بذكر البرهانات التي آتاها موسى دلالةً على نبوته، وتصديقًا له على رسالته، فبدأ بذكر العصا التي انقلبت حيةً تسعى حين ألقاها من يده، وكان قد سأله عنها استجماعًا لقلبه، وتهدئةً لروعه في هذا المقام الرهيب، وإعلامًا بما سيكون لها بعد من عظيم الشأن، وجليل المنافع والمزايا، التي لم تكن تدور بخلده عليه السلام.

قوله تعالى: {وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ

} الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها (1): أن الله سبحانه لما ذكر المعجزة الأولى، الدالة على نبوة موسى عليه السلام وعلى صدق رسالته، وهي العصا وما صدر منها من الأفاعيل حين ألقاها من يده، ثم عودتها سيرتها الأولى حين أخذها من الأرض .. قفى على ذلك بذكر المعجزة الثانية التي آتاه إياها، وهي معجزة اليد، فإنه كان إذا وضع يده اليمنى إلى جنبه الأيسر تحت العضد، ثم أخرجها .. أضاءت كشعاع الشمس، تغشي البصر، ثم بذكر أمره له بالذهاب إلى فرعون لتبليغ رسالة ربه، ثم دعائه ربه أن يشرح له صدره، ويسهل له أمره، وأن يجعل له أخاه هارون نبيًا، كى يشد أزره، ويقوى على تبليغ الرسالة ويتعاونا على ذكر الله وعبادته.

قوله تعالى: {قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي} الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه لما أمر (2) موسى عليه السلام بالذهاب إلى فرعون .. عرف أنه كلف أمرًا عظيمًا يحتاج معه إلى احتمال ما لا يحتمله إلا ذو جأش رابط، وصدر فسيح، فسأل ربه، ورغب في أن يشرح صدره، ليحتمل ما يرد عليه من الشدائد التي يضيق لها الصدر، وأن يسهل عليه أمره الذي هو خلافة الله في أرضه، وما يصحبها من مزاولة جلائل الخطوب، وقد علم ما عليه فرعون من الجبروت والتمرد والتسلط.

قوله تعالى: {قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى

} الآيات، مناسبة هذه الآيات لما

(1) المراغي.

(2)

البحر المحيط.

ص: 251

قبلها: أن موسى عليه السلام لما سأل ربه أمورًا ثمانية، وكان قيامه بما كلف به لا يتم على الطريق المرضي إلا إذا أجابه إليها .. لا جرم أجابه الله تعالى إلى ما طلب، ليكون أقدر على الإبلاغ على الوجه الذي كلف به، ثم ذكره بنعمه السالفة حين كانت أمه ترضعه، وتحذر عليه من فرعون وملئه أن يقتلوه، فألهمها أن تصنع تابوتًا، وتضعه فيه وتلقيه في النيل، ففعلت فألقاه النيل في الساحل، فالتقطه آل فرعون وربوه في منزلهم، وألقى الله محبةً في قلوبهم له، وصار كأنه ابنهم، ثم ذكره بنجاته من القصاص حين قتل المصري وهرب إلى مدين.

أسباب النزول

قوله تعالى: {طه (1) مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى (2)} سبب نزوله (1): ما أخرجه عبد الله بن حميد في "تفسيره"، عن الربيع بن أنس قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يراوح بين قدميه ليقوم على كل رجل حتى نزلت آية: {مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى (2)} .

وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أول ما أنزل عليه الوحي، يقوم على صدور قدميه إذا صلى فأنزل الله {طه (1) مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى (2)}

وروى مقاتل (2): أن أبا جهل، والوليد بن المغيرة، ومطعم بن عدي، والنضر بن الحارث قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إنك لتشقى حيث تركت دين آبائك، فقال عليه السلام:"بل بعثت رحمةً للعالمين" قالوا: بل أنت تشقى، فأنزل الله الآية ردًا عليهم، وتعريفًا لمحمد صلى الله عليه وسلم بأن دين الإِسلام هو السبيل إلى نيل كل فوز، وسبب إدراك كل سعادة، وما فيه المشركون هو الشقاء بعينه.

(1) لباب النقول.

(2)

المراغي.

ص: 252