الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبني، فنفخوا {حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ}؛ أي: المنفوخ فيه وهو زبر الحديد {نَارًا} ؛ أي: مثل النار في الحرارة والهيئة، وإسناد الجعل المذكور إلى ذي القرنين، مع أنه فعل العملة، للتثبيه على أنه العمدة في ذلك، وهم بمنزلة الآلة.
{قَالَ} ذو القرنين للذين يتولون أمر النحاس من الإذابة ونحوها {آتُونِي} قطرًا أي: نحاسًا مذابًا {أُفْرِغْ عَلَيْهِ} ؛ أي: أصبب على الحديد المحمى {قِطْرًا} ؛ أي: نحاسًا مذابًا، فأفرغه عليه، فدخل مكان الحطب والفحم، فامتزج بالحديد، والتصق بعضه ببعض، وصار جبلًا صلدًا، وهذه كرامة عظيمة، حيث صرف الله تأثير الحرارة العظيمة عن أبدان أولئك النافخين والمفرغين للقطر.
والإفراغ الصب؛ أي: أصبب على الحديد المحمى قطرًا، فحذف الأول لدلالة الثاني عليه، وإسناد الإفراغ إلى نفسه للعلة التي وقفت عليها آنفًا.
وقرأ ابن كثير (1)، وأبو عمرو، وابن عامر، والزهري، ومجاهد، والحسن:{الصُّدُفَيْنِ} بضم الصاد والدال، وأبو بكر، وابن محيصن، وأبو رجاء، وأبو عبد الرحمن، كذلك إلا أنه سكَّن الدال، وباقي السبعة، وأبو جعفر، وشيبة، وحميد، وطلحة، وابن أبي ليلى، وجماعة عن يعقوب، وخلف في اختياره، وأبو عبيد، وابن سعدان، بفتحهما وابن جندب بالفتح وإسكان الدال، ورويت عن قتادة.
وقرأ الماجشون: بالفتح وضم الدال، وقرأ قتادة، وأبان عن عاصم بضم الصاد وفتح الدال، {حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا} في الكلام حذف، تقديره فنفخوا حتى إذا
…
وقرأ الجمهور: {قَالَ آتُونِي} ؛ أي: أعطوني، وقرأ الأعمش، وطلحة، وحمزة، وأبو بكر بخلاف عنه قال {إئتوني}؛ أي: جيئوني.
و {قِطْرًا} منصوب بأفرغ، على إعمال الثاني، ومفعول {آتُونِي} محذوف لدلالة الثاني عليه، كما مر
97
- {فَمَا اسْطَاعُوا} بحذف (2) تاء الافتعال تخفيفًا وحذرًا
(1) البحر المحيط.
(2)
روح البيان.
من تلاقي المتقاربين، وقال في "برهان القرآن":
اختار التخفيف في الأول، لأن مفعوله حرف وفعل وفاعل ومفعول، فاختير فيه الحذف والثاني مفعوله اسم واحد، وهو قوله:{نَقْبًا} . انتهى.
والفاء (1): فصيحة؛ أي: فعلوا ما أمروا به من إيتاء القطر، فأفرغ عليه، فاختلط والتصق بعضه ببعض، فصار جبلًا صلدًا؛ أي: صلبًا أملس، فجاء يأجوج ومأجوج فقصدوا أن يعلوه وينقبوه، فما قدروا {أَنْ يَظْهَرُوهُ}؛ أي: أن يظهروا الجبل ويعلوه بالصعود، لارتفاعه وملاسته {وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا}؛ أي: وما استطاع يأجوج ومأجوج نقبًا للجبل وثقبًا له؛ أي: وما قدروا أن ينقبوه ويخرقوه من أسفله، لصلابته وثخانتِهِ، فلا سبيل إلى مجاوزته إلى غيرم من الأمم إلا بأحد هذين إما: ارتقاء، وإما نقب، وقد سلب قدرتهم على ذلك.
وهذه معجزة عظيمة؛ لأن تلك الزبر الكثيرة، إذا أثرت فيها حرارة النار .. لا يقدر الحيوان على أن يحوم حولها، فضلًا عن النفخ فيها، إلى أن تكون كالنار، أو عن إفراغ القطر عليها، وكأنه سبحانه صرف تأثير تلك الحرارة العظيمة عن أبدان أولئك المباشرين للأعمال، وكان ما كان، والله على كل شيء قدير، كذا في "الإرشاد" أخذًا عن تفسير الإِمام. يقول الفقير: ليس ببعيد أن تكون المباشرة بالنفخ والصب من بعيد بطريق من طرق الحيل، ألا ترى أن نار نمرود لما كانت بحيث لا يقرب منها أحد .. عملوا المنجنيق، فألقوا به إبراهيم عليه السلام فيها.
وقرأ الجمهور (2): {فَمَا اسْطَاعُوا} بحذف التاء تخفيفًا، لقربها من الطاء، قرأ حمزة، وطلحة: بإدغامها في الطاء، كأنه أراد استطاعوا، فادغم التاء في الطاء، وهو إدغام على غير حده، وقال أبو علي: هي غير جائزة، وقرأ الأعمش عن أبي بكر:{فما اصطاعوا} بالإبدال من السين صادًا لأجل الطاء، قرأ الأعمش:{فما استطاعوا} بالتاء من غير حذف.
(1) روح البيان.
(2)
البحر المحيط.