المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

موضع نصب خبر لكان، وأجاز أبو الفضل أن يكون مؤمنًا - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ١٧

[محمد الأمين الهرري]

فهرس الكتاب

- ‌75

- ‌76

- ‌77

- ‌78

- ‌79

- ‌80

- ‌81

- ‌82

- ‌83

- ‌84

- ‌85

- ‌86

- ‌87

- ‌88

- ‌89

- ‌90

- ‌91

- ‌92

- ‌93

- ‌94

- ‌95

- ‌96

- ‌97

- ‌98

- ‌99

- ‌100

- ‌101

- ‌102

- ‌103

- ‌104

- ‌105

- ‌106

- ‌107

- ‌108

- ‌109

- ‌110

- ‌سورة مريم

- ‌1

- ‌2

- ‌3

- ‌4

- ‌5

- ‌6

- ‌7

- ‌8

- ‌9

- ‌10

- ‌11

- ‌12

- ‌ 13

- ‌ 14

- ‌15)}

- ‌16

- ‌17

- ‌18

- ‌19

- ‌20

- ‌21

- ‌22

- ‌23

- ‌24

- ‌25

- ‌26

- ‌27

- ‌28

- ‌29

- ‌ 30

- ‌ 31

- ‌ 32

- ‌ 33

- ‌34

- ‌35

- ‌36

- ‌37

- ‌38

- ‌39

- ‌40

- ‌41

- ‌42

- ‌43

- ‌44

- ‌45

- ‌46

- ‌47

- ‌48

- ‌49

- ‌50

- ‌51

- ‌52

- ‌53

- ‌54

- ‌ 55

- ‌56

- ‌57

- ‌58

- ‌59

- ‌60

- ‌61

- ‌62

- ‌63

- ‌64

- ‌65

- ‌66

- ‌67

- ‌68

- ‌69

- ‌70

- ‌71

- ‌72

- ‌73

- ‌74

- ‌75

- ‌76

- ‌77

- ‌78

- ‌79

- ‌80

- ‌81

- ‌82

- ‌83

- ‌84

- ‌85

- ‌86

- ‌87

- ‌88

- ‌89

- ‌90

- ‌91

- ‌92

- ‌93

- ‌94

- ‌95

- ‌96

- ‌97

- ‌98

- ‌سورة طه

- ‌1

- ‌2)}

- ‌3

- ‌4

- ‌5

- ‌6

- ‌7

- ‌8

- ‌9

- ‌10

- ‌11

- ‌12

- ‌13

- ‌14

- ‌15

- ‌16

- ‌17

- ‌18

- ‌19

- ‌20

- ‌21

- ‌22

- ‌23

- ‌24

- ‌25

- ‌26

- ‌27

- ‌28

- ‌29

- ‌30

- ‌31

- ‌32

- ‌33

- ‌34

- ‌35

- ‌36

- ‌37

- ‌ 38

- ‌39

- ‌ 40

- ‌ 41

- ‌42

- ‌43

- ‌44

- ‌45

- ‌46

- ‌47

- ‌48

- ‌49

- ‌50

- ‌51

- ‌52

- ‌53

- ‌54

- ‌55

- ‌56

- ‌57

- ‌58

- ‌59

- ‌60

- ‌61

- ‌62

- ‌63

- ‌64

- ‌65

- ‌66

- ‌67

- ‌68

- ‌69

- ‌70

- ‌71

- ‌72

- ‌73

- ‌74

- ‌75

- ‌76

- ‌77

- ‌78

- ‌79

- ‌80

- ‌81

- ‌82

- ‌83

- ‌84

- ‌85

- ‌86

- ‌87

- ‌88

- ‌89

- ‌90

- ‌91

- ‌92

- ‌93

- ‌94

- ‌95

- ‌96

- ‌97

- ‌98

- ‌99

- ‌100

- ‌101

- ‌102

- ‌103

- ‌104

- ‌105

- ‌106

- ‌107

- ‌108

- ‌109

- ‌110

- ‌111

- ‌112

- ‌113

- ‌114

- ‌115

- ‌116

- ‌117

- ‌118

- ‌119

- ‌120

- ‌121

- ‌122

- ‌123

- ‌124

- ‌125

- ‌126

- ‌127

- ‌128

- ‌129

- ‌130

- ‌131

- ‌132

- ‌133

- ‌134

- ‌135

الفصل: موضع نصب خبر لكان، وأجاز أبو الفضل أن يكون مؤمنًا

موضع نصب خبر لكان، وأجاز أبو الفضل أن يكون مؤمنًا خبرًا لكان، على لغة بني الحرث بن كعب، فيكون منصوبًا. وفي قراءة أُبيَّ {فخاف ربك أن يرهقهما} والمعنى: فكره ربك كراهة من خاف سوء عاقبة الأمر فغيَّره، والظاهر إسناد فعل الخشية في خشينا إلى ضمير الخضر وأصحابه الصالحين، الذين أهمهم الأمر وتكلموا، وقرأ (1) نافع، وأبو عمرو، وأبو جعفر، وشيبة، وحميد، والأعمش، وابن جرير {أن يبدلهما} بالتشديد هنا، وبالتحريم والقلم، وقرأ باقي السبعة والحسن وابن محيصن {أَنْ يُبْدِلَهُمَا} بالتخفيف.

{وَأَقْرَبَ رُحْمًا} ؛ أي: أوصل للرحم، وأبر للوالدين، والرحم والرحمة: العطف، مصدران كالكثر والكثرة، وقال رؤبة بن الحجاج:

يَا مُنْزِلَ الرَّحْمِ عَلَى إِدْريْسَا

وَمُنْزِلَ اللَّعْنِ عَلَى إِبْلِيْسَا

وأفعل التفضيل هنا ليس على بابه؛ لأن ذلك الغلام لا زكاة فيه ولا رحمة، وقرأ ابن عامر، وأبو جعفر في رواية، ويعقوب، وأبو حاتم {رُحُمًا} بضم الحاء، وقرأ ابن عباس {رحمًا} بفتح الراء وكسر الحاء،

‌82

- {وَأَمَّا الْجِدَارُ} الذي سويته وأصلحته {فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ} اسمهما (2) أصرم وصريم ابنا كاشح، وكان سياحًا تقيًا، واسم أمهما دنيا، فيما ذكره النقاش كائنين {فِي الْمَدِينَةِ} وهي القرية المذكورة سابقًا، وهي أنطاكية، وفيه (3) جواز إطلاق اسم المدينة على القرية لغة وعبر عنها بالقرية فيما تقدم تحقيراً لها، لخسة أهلها، وعبر عنها هنا بالمدينة تعظيمًا لها، من حيث اشتمالها على هذين الغلامين وعلى أبيهما اهـ شيخنا {وَكَانَ تَحْتَهُ}؛ أي: تحت ذلك الجدار {كَنْزٌ لَهُمَا} ؛ أي: مال مدفون لهما، من ذهب وفضة {وَكَانَ أَبُوهُمَا} أي: أبو الغلامين {صَالِحًا} كان الناس يضعون الودائع عند ذلك الصالح، فيردها إليهم سالمة، فحفظا بصلاح أبيهما في مالهما وأنفسهما، قال جعفر بن محمد: كان بينهما وبين الأب الصالح سبعة آباء، فيكون الذي دفن ذلك الكنز جدهما السابع {فَأَرَادَ رَبُّكَ} يا موسى بالأمر بتسوية

(1) البحر المحيط.

(2)

روح البيان.

(3)

الشوكاني.

ص: 15

الجدار؛ أي: مالكك ومدبر أمرك، وأضاف الرب إلى ضمير موسى تشريفًا له.

{أَنْ يَبْلُغَا} ؛ أي: أن يبلغ الغلامان {أَشُدَّهُمَا} ؛ أي: حلمهما وكمال رأيهما، وتمام نموهما {وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا} من ذلك الموضع الذي عليه الجدار، ولولا أني أقمته لانقضّ وخرج الكنز من تحته، قبل اقتدارهما على حفظ المال، وتنميته وضاع بالكلية {رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ} لهما مصدر في موقع الحال؛ أي: مرحومين من قبله تعالى، أو علة لإرادة، فإن إرادة الخير رحمة، أو مصدر لمحذوف؛ أي: رحمهما الله سبحانه بذلك رحمة {وَمَا فَعَلْتُهُ} ؛ أي: وما فعلت ما رأيته يا موسى من خرق السفينة، وقتل الغلام، وإقامة الجدار {عَنْ أَمْرِي}؛ أي: عن رأيي واجتهادي، وإنما فعلته بأمر الله، ووحيه، وهذا إيضاح لما أشكل على موسى، وتمهيد للعذر في فعله المنكر ظاهرًا، والمعنى؛ أي: وما فعلت الذي رأيتني أفعله، عن رأيي ومن تلقاء نفسي، بل فعلته عن أمر الله إياي به، لأن الإقدام على تنقيص أموال الناس، وإراقة دمائهم، لا يجوز إلا بالوحي والنص القاطع.

{ذَلِكَ} المذكور من تلك البيانات التي بينتها لك، وأوضحت وجوهها لك، {تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا}؛ أي: مآل وعاقبة الأمر الذي لم تطق ولم تقدر الصبر والسكوت عليه، لكون ظاهره من المنكر؛ أي: لم تستطع الصبر عليه، فحذف (1) التاء للتخفيف، فإن استطاع واسطاع بمعنى واحد، وهو إنجاز للتنبئة الموعودة.

وخلاصة المسائل الثلاثة (2): أنه حين يتعارض ضرران، يجب تحمل الأدنى لدفع الأعلى، فلو لم يعب تلك السفينة بالتخريق لغصبها الملك، وفاتت منافعها بتاتًا، ولو لم يقتل ذلك الغلام لكان بقاؤه مفسدة لوالديه في دينهم ودنياهم، ولأن المشقة الحاصلة بإقامة الجدار أقل ضررًا من سقوطه، إذ بالسقوط كان يضيع مال أولئك الأيتام.

(1) روح البيان.

(2)

المراغي.

ص: 16

ومجمل الأمر في ذلك: أن الله أطلع الخضر على بواطن الأشياء وحقائقها في أنفسها، وهذا لا يمكن تعلمه إلا بتصفية الباطن، وتجريد النفس، وتطهير القلب عن العلائق الجسمية، ومن ثم قال في صفة علمه {وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا} وموسى عليه السلام لما كملت مرتبته في علم الشريعة، بعثه الله إلى هذا العالِم ليعلمه أن كمال المعرفة في أن ينتقل الإنسان من علوم الشريعة المبنية على الظواهر، إلى علوم الباطن المبنية على الإشراف على معرفة حقائق الأشياء على ما هي عليها في الواقع.

روي (1): أن موسى لما أراد أن يفارقه .. قال له الخضر: لو صبرت .. لأتيت على ألف عجيب، كل عجيب أعجب مما رأيت، فبكى موسى على فراقه وقال له: أوصني يا نبي الله، قال لا تطلب العلم لتحدث به الناس، واطلبه لتعمل به، وذلك لأن من لم يعمل بعلمه، فلا فائدة في تحديثه، بل نفعه يعود إلى غيره.

ومن وصايا الخضر: كن نفاعًا، ولا تكن ضرارًا، وكن بشاشًا، ولا تكن عبوسًا غضابًا، وإياك واللجاجة، ولا تمشِ في غير حاجة، ولا تضحك من غير عجيب، ولا تعير المذنبين خطاياهم بعد الندم، وابك على خطيئتك ما دمت حيًا، ولا تؤخر عمل اليوم إلى الغد، واجعل همك في معادك، ولا تخض فيما لا يعنيك، ولا تأمن لخوف من أمَّنك، ولا تيأس من الأمن من خوفك، وتدبر الأمور في علانيتك، ولا تذر الإحسان في قدرتك، فقال له موسى: قد أبلغت في الوصية، فأتم الله عليك نعمته، وغمرك في رحمته، وكلأك من عدوه، فقال له الخضر: أوصني أنت يا موسى، فقال له موسى: إياك والغضب إلا في الله، ولا تحب الدنيا، فإنها تخرجك من الإيمان وتدخلك في الكفر.

فقال له الخضر: قد أبلغت في الوصية فأعانك الله على طاعته، وأراك السرور في أمرك، وحببك إلى خلقه، وأوسع عليك من فضله، قال له: آمين،

(1) روح البيان.

ص: 17

كما في "التعريف والإعلام" للإمام السهيلي رحمه الله تعالى.

تنبيه: لذكر هذه القصة في الكتاب الكريم فوائد (1):

1 -

أن لا يعجب المرء بعلمه، وأن لا يبادر إلى إنكار ما لا يستحسنه، فلعل فيه سرًا لا يعرفه.

2 -

أن فيها تأديبًا لنبيه، بترك طلب الاستعجال بعقوبة المشركين الذين كذبوه، واستهزؤوا به، وبكتابه؛ لأن تأويل ذلك صائر إلى هلاكهم وبوارهم بالسيف في الدنيا، واستحقاقهم من الله في الآخرة الخزي والعذاب الدائم.

3 -

أن ما حدث فيها يجري مثله كل يوم في هذه الحياة، ألا ترى أن قتل الغلام وهو صغير لا ذنب له، يشبه الطاعون الذي يهلك الأمم، ويفتك بها فتكًا ذريعًا، والبهائمَ التي تفتك بها السباع، أو تأكلها الناس، ولو تأمل الناس حكمة ذلك .. لعلموا أنهم لو بقوا على الأرض مئة عام أو نحوها ولم يمت منهم أحد .. لضاقت بهم الأرض، ولماتوا جوعًا، ولأكل الابن أباه، ولأصبحت الأرض منتنة، قذرة، ولهلك الناس جميعًا، وأن أكل كواسر الطير لصغارها ليخلو به الجو والأرض من الحيوان المزدحمة، ولولا ذلك .. لأصبحت الأرض مضرة بالناس والحيوان، فاقتناصها رحمة ونعمة على الناس وأن خرق السفينة التي هي لمساكين، أشبه بموت بقرة فلاح فقير، بجانبه رجل غني لم تصب بقرته بسوء، وذلك إنما يكون لحكمة لا يعلمها إلا الله، وقد يكون منها أن الفقير حين موته يخرج من هذا العالم خفيفًا، لا يحزنه شيء، وأن الغني إذا لم يهذب نفسه .. تكون روحه مجذوبة إلى هذا العالم، متطلعة إلى ما فيه، فيصير في حسرة حين موته.

وإن ذكر الجدار وإقامته تشيران إلى أن كل من ترى ليس أهلًا للنعمة ظاهرًا، وقد أغدقت عليه، فأهل هذه القرية اللؤماء الأشحاء ليسوا أهلًا للإكرام.

(1) المراغي.

ص: 18

وخلاصة ما قال الخضر: إن هذه الأعمال في ست من جنس أعمال الناس، بل هي من أعمال الله تعالى، وإنما كنت واسطة فيها، فهي نماذج لفعل ربكم في هذه الحياة.

الإعراب

{قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (75)} .

{قَالَ} فعل ماض وفاعله ضمير مستتر، يعود على الخضر، والجملة مستأنفةٌ {أَلَمْ أَقُلْ لَكَ} إلى آخر الآية: مقول محكي، وإن شئت قلت: الهمزة للاستفهام التقريري المضمن للتوبيخ {لَمْ أَقُلْ} جازم ومجزوم، وفاعله ضمير يعود على الخضر {لَكَ} جار ومجرور متعلق به، والجملة في محل النصب مقول قال {إِنَّكَ} ناصب واسمه وجملة {لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا} في محل الرفع خبر إن، وجملة إن في محل النصب مقول أقل.

{قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا (76)} .

{قَالَ} فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على موسى، والجملة مستأنفة {إِنْ سَأَلْتُكَ} إلى آخر الآية: مقول محكي، وإن شئت قلت:{إن} حرف شرط جازم، {سَأَلْتُكَ} فعل وفاعل ومفعول في محل الجزم بإن الشرطية على كونه فعل شرط لها {عَنْ شَيْءٍ} جار ومجرور متعلق بسأل، وهو في محل المفعول الثاني، {بَعْدَهَا}: ظرف ومضاف إليه صفة لشيء {فَلَا تُصَاحِبْنِي} {الفاء} : رابطة لجواب {إن} الشرطية وجوبًا لكون الجواب جملة طلبية، {لا} ناهيةٌ جازمةٌ تصاحب فعل مضارع مجزوم بلا الناهية، و {النون} للوقاية والياء مفعول به، والجملة في محل جزم بإن الشرطية على كونها جوابًا لها، وجملة {إن} الشرطية في محل النصب، مقول قال {قَدْ}: حرف تحقيق {بَلَغْتَ} (1): فعل وفاعل {مِنْ لَدُنِّي} جار ومجرور متعلق ببلغت أو حال من عذرًا {عُذْرًا} مفعول به والجملة الفعلية

(1) المراغي.

ص: 19

في محل النصب مقول قال.

{فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا (77)} .

{فَانْطَلَقَا} {الفاء} : عاطفة على محذوف تقديره: فتقاولا وتشارطًا فانطلقا. {انْطَلَقَا} : فعل وفاعل معطوف على ذلك المحذوف. {حَتَّى} : حرف جر وغاية {إِذَا} ظرف لما يستقبل من الزمان {أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ} فعل وفاعل ومفعول والجملة في محل الخفض بإضافة {إِذَا} إليها على كونها فعل شرط لها والظرف متعلق بالجواب الآتي {اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا} فعل وفاعل ومفعول، والجملة جواب {إِذَا} لا محل لها من الإعراب وجملة {إِذَا} في مجل الجر بحتى تقديره: فانطلقا إلى استطعامهما أهل قرية، وقت إتيانهما إياها، الجار والمجرور متعلق بانطلقا {فَأَبَوْا} الفاء: عاطفة {أَبَوْا} فعل وفاعل معطوف على استطعما {أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا} ناصب وفعل وفاعل ومفعول والجملة في تأويل مصدر منصوب على المفعولية؛ تقديره: فابوا ضيافتهم إياهما {فَوَجَدَا} الفاء: عاطفة {وَجَدَا} : فعل وفاعل معطوف على {أَبَوْا} متعلق به {جِدَارًا} مفعول به، {يُرِيدُ} فعل مضارع وفاعله ضمير يعود على الجدار والجملة في محل النصب، صفة للجدار {أَنْ يَنْقَضَّ}: ناصب ومنصوب وفاعله: ضمير يعود على الجدار، والجملة: في تأويل مصدر منصوب على المفعولية تقديره: يريد إنقضاضه {فَأَقَامَهُ} الفاء: عاطفة أقامه فعل ومفعول وفاعله ضمير يعود على الخضر، والجملة معطوفة على جملة وجدا {قَالَ} فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على موسى والجملة مستأنفة {لَوْ شِئْتَ} إلى آخر الآية: مقول محكي وإن شئت قلت: {لَوْ} حرف شرط غير جازم {شِئْتَ} : فعل وفاعل والجملة فعل شرط لـ {لَوْ} لا محل لها من الإعراب {لَاتَّخَذْتَ} اللام: رابطة لجواب {لَوْ} {لَاتَّخَذْتَ} فعل وفاعل جواب لو {عَلَيْهِ} حال من أجرًا {أَجْرًا} : مفعول به، وجملة لو الشرطية في محل النصب مقول قال.

{قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا (78)} .

ص: 20

{قَالَ} فعل ماض وفاعله ضمير يعود على الخضر والجملة مستأنفة {هَذَا فِرَاقُ} مبتدأ وخبر والجملة في محل النصب مقول قال {فِرَاقُ} مضاف {بَيْنِي} مضاف إليه {بين} مضاف و {الياء} ضمير المتكلم في محل الجر مضاف إليه {وَبَيْنِكَ} معطوف على بيني وساغت إضافة بين إلى غير متعدد لتكرير بين بالعطف والداعي إلى هذا التكرير التوصل إلى العطف على ضمير الخفض لأنه يجب عند العطف عليه إعادة الخافض، فكأنه قال بيننا. اهـ شيخنا. {سَأُنَبِّئُكَ} السين: حرف استقبال {أنبئك} : فعل وفاعل مستتر ومفعول أول {بِتَأْوِيلِ} {الباء} : حرف جر دخل على مضمون المفعولين الثاني والثالث {تَأْوِيلِ} مجرور بها الجار والمجرور متعلق بـ {أُنَبِّئُكَ} وهو مضاف و {ما} في محل الجر مضاف إليه {لَمْ تَسْتَطِعْ} جازم وفعل وفاعل مستتر {عَلَيْهِ} متعلق بصبرا و {صَبْرًا} مفعول به والجملة صلة لما، أو صفة لها.

{أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا (79)} .

{أَمَّا} : حرف شرط وتفصيل {السَّفِينَةُ} مبتدأ. {فَكَانَتْ} {الفاء} : رابطة لجواب {أَمَّا} واقعة في غير موضعها. {كانت} فعل ناقص واسمها ضمير يعود على {السَّفِينَةُ} . {لِمَسَاكِينَ} : جار ومجرور خبر كان وهو ممنوع من الصرف لصيغة منتهى المجموع؛ لأنه على زنة مفاعيل. {يَعْمَلُونَ} : فعل وفاعل صفة لـ {مَسَاكِينَ} . {فِي الْبَحْرِ} : متعلق بـ {يَعْمَلُونَ} ، وجملة كان في محل الرفع، خبر المبتدأ، وجملة المبتدأ مع خبره جواب {أَمَّا} لا محل لها من الإعراب، وجملة {أَمَّا} مستأنفة. {فَأَرَدْتُ} الفاء: عاطفة {أردت} فعل وفاعل والجملة في محل الرفع معطوفة على جملة {كانت} {أَنْ} حرف نصب ومصدر. {أَعِيبَهَا} : فعل وفاعل مستتر ومفعول، والجملة الفعلية في تأويل مصدر منصوب على المفعولية تقديره: فأردت تعييبها {وَكَانَ} {الواو} : واو الحال {كان} فعل ماض ناقص {وَرَاءَهُمْ} منصوب على الظرفية المكانية متعلق بمحذوف خبر كان مقدم على اسمها {مَلِكٌ} اسمها مؤخر، وجملة كان في محل النصب حال من

ص: 21

فاعل يعملون {يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ} فعل وفاعل مستتر ومفعول والجملة الفعلية في محل الرفع صفة لـ {مَلِكٌ} {غَصْبًا} : مفعول مطلق مبين لنوع الأخذ، ويجوز أن يكون في موضع نصب على الحال من فاعل {يَأْخُذُ} .

{وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا (80)} .

{وَأَمَّا} {الواو} : عاطفة {أما} حرف شرط {الْغُلَامُ} مبتدأ {فَكَانَ} الفاء: رابطة لجواب {أما} {كَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ} فعل ناقص واسمه وخبره وجملة {كان} في محل الرفع خبر المبتدأ، وجملة المبتدأ مع خبره جواب {أما} وجملة {أما} معطوفة على جملة {أَمَّا} السابقة. {فَخَشِينَا} الفاء: عاطفة {خشينا} فعل وفاعل معطوف على كان {أَن} حرف نصب ومصدر {يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا} فعل ومفعولان، وفاعله ضمير يعود على الولد {وَكُفْرًا} معطوف على {طُغْيَانًا} وجملة {يُرْهِقَهُمَا} في تأويل مصدر منصوب على المفعولية تقديره فخشينا إرهاقه إياهما طغياناً وكفراً.

{فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا (81)} .

{فَأَرَدْنَا} {الفاء} : عاطفة {أَرَدْنَا} فعل وفاعل معطوف على {خشينا} {أَنْ يُبْدِلَهُمَا} : ناصب وفعل ومفعول أول {رَبُّهُمَا} فاعل {خَيْرًا} مفعول ثان {مِنْهُ} متعلق بـ {خَيْرًا} وجملة {يُبْدِلَهُمَا} في تأويل مصدر منصوب على المفعولية لـ {أَرَدْنَا} تقديره فأردنا إبدال ربهما إياهما خيرًا منه {زَكَاةً} : تمييز لاسم الفضيل منصوب به {وَأَقْرَبَ} معطوف على خيرًا {رُحْمًا} تمييز لأقرب منصوب به.

{وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا} .

{وَأَمَّا} {الواو} : عاطفة {ما} حرف شرط {الْجِدَارُ} مبتدأ {فَكَانَ} الفاء: رابطة كان فعل ناقص واسمه ضمير يعود على {الْجِدَارُ} {لِغُلَامَيْنِ} جار ومجرور خبر كان {يَتِيمَيْنِ} صفة أولى {لِغُلَامَيْنِ} . {فِي الْمَدِينَةِ} صفة ثانية له

ص: 22

وجملة كان في محل الرفع، خبر المبتدأ وجملة المبتدأ جواب أما وجملة أما معطوفة على جملة أما الأولى {وَكَانَ} فعل ناقص معطوف على كان الأولى {تَحْتَهُ} ظرف متعلق بمحذوف خبر مقدم لـ {كَانَ} {كَنْزٌ} اسمها مؤخر {لَهُمَا} صفة لـ {كَنْزٌ} {وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا} فعل ناقص واسمه وخبره وجملة كان معترضة لاعتراضها بين المعطوف والمعطوف عليه.

{فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا} .

{فَأَرَادَ} {الفاء} : عاطفة {أَرَادَ رَبُّكَ} فعل وفاعل معطوف على قوله: {وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا} {أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا} ناصب وفعل وفاعل ومفعول والجملة في تأويل مصدر منصوب على المفعولية تقديره فأراد ربك بلوغهما أشدهما {وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا} فعل وفاعل ومفعول معطوف على {يَبْلُغَا} . {رَحْمَةً} مفعول لأجله منصوب بـ {أَرَادَ} {مِنْ رَبِّكَ} جار ومجرور صفة لـ {رَحْمَةً} {وَمَا} {الواو} : استئنافية {ما} نافية {فَعَلْتُهُ} فعل وفاعل ومفعول والجملة مستأنفة {عَنْ أَمْرِي} جار ومجرور حال من ضمير المفعول تقديره {وَمَا فَعَلْتُهُ} حالة كونه صادرًا {عَنْ أَمْرِي} . {ذَلِكَ تَأْوِيلُ} مبتدأ وخبر والجملة مستأنفة تأويل مضاف {مَا} اسم موصول أو نكرة موصوفة في محل الجر، مضاف إليه {لَمْ تَسْطِعْ} جازم وفعل وفاعل مستتر أصله تستطع حذفت منه تاء الافتعال للتخفيف {عَلَيْهِ} متعلق بـ {صَبْرًا} {صَبْرًا} مفعول به والجملة الفعلية صلة لـ {ما} أو صفة لها.

التصريف ومفردات اللغة

{فَلَا تُصَاحِبْنِي} أي لا تجعلني صاحبًا لك والمفاعلة هنا على بابها {قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا} ؛ أي: وجدت عذرًا من قبلي {أَهْلَ قَرْيَةٍ} والقرية هي أنطاكية كما روي عن ابن عباس أو الأبلة أو الناصرة ولا يوثق بصحة شيء من هذا {اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا} ؛ أي: طلبا منهم أن يطعموهما، وفي تكرير أهلها وجهان:

ص: 23

أحدهما: أنه توكيد، من باب إقامة الظاهر مقام المضمر، والحكمة في ذلك، أنه لو قال استطعماها، لم يصح؛ لأنهما لم يستطعما القرية، أو قال استطعماهم، فكذلك لأن جملة استطعما أهلها صفة لقرية.

والثاني: أنه للتأسيس، وذلك أن الأهل المأتيين ليسوا جميع الأهل، وإنما هم البعض، إذ لا يمكن أن يأتيا جميع الأهل في العادة في وقت واحد، فلما ذكر الاستطعام ذكره بالنسبة إلى جميع الأهل، كأنهما تتبعا الأهل واحدًا واحدًا، فلو قيل: استطعماهم، لاحتمل أن يعود الضمير على ذلك البعض المأتي دون غيره، فكرر الأهل لذلك اهـ كرخي.

{أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا} أي ينزلوهما أضيافًا يقال: ضافه إذا كان له ضيفًا، وأضافه وضيَّفه أنزله لديه ضيفاً، وأصل ضاف مال، من قولهم ضاف السهم عن الهدف؛ أي: مال عن الغرض، والجمع ضيوف وأضياف وضيفان {جِدَارًا}؛ أي حائطًا {يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ}؛ أي: يسقط بسرعة، وقد كثر في كلامهم إسناد ما يكون من أفعال العقلاء إلى غيرهم، كما قال الشاعر:

يُرِيْدُ الرُّمْحُ صَدْرَ أَبِيْ بَرَاءٍ

وَيعْدِلُ عَنْ دِمَاءِ بَنِيْ عَقِيْلِ

{فَأَقَامَهُ} ؛ أي: مسحه بيده فقام كما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما {لَاتَّخَذْتَ} يقرأُ بكسر الخاء مخففة وهو من تخذ يتخذ، إذا عمل شيئًا، ويقرأ بالتشديد وفتح الخاء، وفيه وجهان: أحدهما: هو افتعل من اتخذ، والثاني: أنه من الأخذ، وأصله يتخذ فأبدلت الياء تاء وأدغمت، وأصل الياء الهمزة، ذكره أبو البقاء {سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ}؛ أي: سأخبرك ببيان سر ووجه ما فعلت في الأمور الثلاثة.

فائدة: في مباحث الأفعال السبعة التي تنصب ثلاثة مفاعل: الأفعال التي تنصب ثلاثة مفاعل سبعة، وهي: أعلم، وأرى، وأنبا، ونبَّأ، وأخبر، وخبَّر، وحدَّث.

والأصل في هذه الأفعال، أعلم، وأرى، اللَّذان كان أصلهما قبل دخول

ص: 24

همزة النقل عليها، علم ورأى المتعديان لاثنين، وأما الخمسة الباقية، فليس لها ثُلاثي يُستعمل في العلم إلا خبَّر، ولكنها أُلحقت في بعض استعمالاتها بأعلم المتعدي إلى ثلاثة، لأن الإنباء والتنْبِيىء والإخبار والتخبير والتحديث بمعنى الإعلام، هذا وتستعمل الخمسة متعدية إلى واحد بأنفسها، وإلى مضمون الثاني والثالث، أو مضمون الثالث وحده بالباء، نحو حدثتك بخروج زيد، وعليه يُحمل قوله تعالى:{سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا} .

والتأويل من آل إلى كذا؛ أي: صار إليه، فإذا قيل: ما تأويله؛ أي: ما مصيره وفي "الشهاب" المراد بالتأويل إظهار ما كان باطناً ببيان وجهه اهـ.

وفي "القرطبي" المراد: بالتأويل التفسير قوله: {أَمَّا السَّفِينَةُ} في "المصباح": السفينة معروفة، والجمع سفين بحذف الهاء، وسفائن، ويُجمع السفين على سفن بضمتين، وجمع السفينة على سفين شاذ، لأن الجمع الذي بينه وبين واحده الطاء، بابه المخلوقات مثل تمرة وتمر، ونخلة ونخل، وأما في المصنوعات مثل سفينة وسفين فممنوع إلا في ألفاظ قليلة، ومنهم من يقول: السفين لغةٌ في الواحدة، وهي فعيلة بمعنى فاعله، كأنها تسفن الماء؛ أي: ثقشره، وصاحبها سفَّان اهـ.

{لِمَسَاكِينَ} جمع مسكين، وهو الضعيف العاجز عن الكسب، لأمر في نفسه، أو في بدنه، {يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ}؛ أي: يكتسبون ويؤاجرون {أَعِيبَهَا} ؛ أي: أجعلها ذات عيب، بنزع ما نزعته منها {وَرَاءَهُمْ}؛ أي: أمامهم، وهو لفظ يُستعمل في الشيء وضده، كما قال:

ألَيْسَ وَرَائِيْ أنْ أدِبَّ عَلَى الْعَصَا

فَيَأْمَنَ أَعْدَائِيْ وَيسْأَمَنِيْ أهْلِيْ

{خشينا} ؛ أي: خفنا {أَنْ يُرْهِقَهُمَا} أي يحملهما ويكلفهما {طُغْيَانًا} أي مجاوزةً للحدود الإلهية {زَكَاةً} ؛ أي: طهارةً من الذنوب {رُحْمًا} ؛ أي: رحمةً كالكثر والكثرة {أَشُدَّهُمَا} مفرد بمعنى القوة، وقيل: جمع لا واحد له من لفظه، وقيل: جمع له واحد من لفظه، قيل: أَشِد بكسر الشين وقيل: أشَد بفتحها اهـ

ص: 25

شيخنا. {عَنْ أَمْرِي} ؛ أي: عن رأيي واجتهادي {مَا لَمْ تَسْطِعْ} ؛ أي: تستطع ماضيه اسطاع، الذي أصله استطاع من باب افتعل الخماسي، حذفت تاء الافتعال منه للتخفيف كما مر، ومضارعه يسطيع، أصله يستطيع، بوزن يستقيم، فحذفت منه التاء أيضًا.

البلاغة

وقد تضمنت هذه الآيات ضروبًا من البلاغة، وأنواعًا من الفصاحة والبيان والبديع:

فمنها: التأكيد بزيادة لك في قوله: {أَلَمْ أَقُلْ لَكَ} في المرة الثانية للزيادة في مكافحة العتاب على رفض الوصية مرة بعد مرة، والوسم بعدم الصبر.

ومنها: تكرير {أَهْلَهَا} في قوله: {حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا} للتأكيد، وفيه أيضًا إقامة الظاهر مقام المضمر؛ لأن مقتضى الظاهر أن يقال استطعماهم.

ومنها: الاستعارة المكنية في قوله: {فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ} فقد استُعيرت الإرادة للمشارفة والمداناة، ويجوز أن يكون مجازاً عقلياً، من إطلاق الملزوم وإرادة اللازم، لأن المراد هنا لازم الإرادة العرفي، وهو القرب من الشيء؛ أي: يقرب من السقوط؛ لأن الإرادة من صفات العقلاء، وإسنادها إلى الجدار من لطيف الاستعارة، وبليغ المجاز، كقول الشاعر:

يُرِيْدُ الرُّمْحُ صَدْرَ أَبِيْ بَرَاءٍ

وَيَرْغَبُ عَنْ دِمَاءِ بَنِيْ عَقِيْلِ

ومنها: التكرار في قوله: {هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ} كرر البين لغرض التوصل إلى العطف على ضمير الخفض، لأنه يجب عند العطف عليه، إعادة الخافض، فكأنه قال بيننا كما مر، ومنها السلف والنشر المرتب في قوله:{أَمَّا السَّفِينَةُ} وقوله: {وَأَمَّا الْغُلَامُ} وقوله: {وَأَمَّا الْجِدَارُ} فقد جاء بها مرتبة بعد ذكر ركوب السفينة، وقتل الغلام، وبناء الجدار، بطريقة السلف والنشر المرتب، وهو من المحسنات البديعية.

ومنها: التقديم والتأخير لغرض العناية بالمقدم في قوله: {فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا

ص: 26

وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا} لأن مقتضى الظاهر تأخير قوله: {فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا} عن قوله: {وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ} لأن إرادة العيب مسببة عن خوف الغصب عليها، فكان حقه أن يتأخر عن السبب، ولكن قدم المسبب على السبب للعناية به، ولأن خوف الغصب ليس هو السبب وحده، ولكن مع كونها للمساكين.

ومنها: الإيجاز بالحذف في قوله: {كُلَّ سَفِينَةٍ} ؛ أي: صالحة، حذف لدلالة لفظ {أَعِيبَهَا} وكذلك حذف لفظ فكان كافرًا من قوله:{وَأَمَّا الْغُلَامُ} لدلالة قوله تعالى: {فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ} عليه.

ومنها: تعليم الأدب في قوله: {فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا} وقوله: {فَأَرَادَ رَبُّكَ} حيث أسند ما ظاهره شر لنفسه، وأسند الخير إلى الله تعالى، وذلك لتعليم العباد الأدب مع الله عز وجل.

ومنها: التغليب في قوله: {فَكَانَ أَبَوَاهُ} لأن المراد بهما أبوه وأمه، فثنى الأب تغليباً له على الأم، كالقمرين في الشمس والقمر، والعمرين في أبي بكر وعمر، وهو تثنية لا تنقاس.

ومنها: التفنن في قوله: {فَأَرَدْتُ} {فَأَرَدْنَا} ، {فَأَرَادَ رَبُّكَ} وأبدى بعضهم حكمة في اختلاف التعبير، وهي أن:

الأول: لما كان إفساداً محضاً .. عبّر فيه بقوله: {فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا} أدباً مع الله.

والثاني: لما كان فيه نوع إفساد، ونوع إصلاح .. عبر فيه بقوله: {فَأَرَدْنَا

} إلخ اهـ. شيخنا "جمل".

والثالث: لما كان إصلاحاً محضاً ونعمة من الله .. عبر فيه بقوله: {فَأَرَادَ رَبُّكَ} .

ومنها: الزيادة والحذف في عدة مواضع.

والله سبحانه وتعالى أعلم

* * *

ص: 27

قال الله سبحانه جلَّ وعلا:

{وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا (83) إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا (84) فَأَتْبَعَ سَبَبًا (85) حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْمًا قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا (86) قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا (87) وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا (88) ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا (89) حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا (90) كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرًا (91) ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا (92) حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا (93) قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا (94) قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا (95) آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا (96) فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا (97) قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا (98) وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا (99)} .

المناسبة

لما ذكر الله سبحانه وتعالى قصة الخضر .. أعقبها بذكر قصة ذي القرنين، ورحلاته الثلاث إلى الغوب والشرق، وإلى السدين، وبنائه للسد في وجه يأجوج ومأجوج، وهي القصة الرابعة من القصص المذكورة في هذه السورة، وجميعها ترتبط بالعقيدة والإيمان، وهو الهدف الأصيل للسورة الكريمة.

أسباب النزول

قوله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ

} سبب نزوله: ما روي عن قتادة قال: إن اليهود يسألون النبي صلى الله عليه وسلم عن ذي القرنين، فأنزل الله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ

}.

وقبل الشروع في تفسير الآيات الكريمة، لا بد من بيان مَنْ ذو القرنين،

ص: 28

فنقول: المراد بذي القرنين في الآية الكريمة، هو ذو القرنين الأكبر (1)، واسمه إسكندر بن فيلقوس اليوناني، ملك الدنيا بأسرها، كما قال مجاهد: ملك الأرض أربعةٌ: مؤمنان وكافران، فالمؤمنان: سليمان وذو القرنين، والكافران نمرود وبختنصر، وفي "مشكاة الأنوار" شداد بن عاد بدل بختنصر، وكان ذو القرنين بعد نموود في عهد إبراهيم عليه السلام على ما يأتي، ولكنه عاش زمنًا طويلًا، ألفًا وست مئة سنة على ما قالوا، وفي تفسير الشيخ، وكان بعد ثمود، وكان الخضر على مقدمه جيشه بمنزلة المستشار الذي هو من الملك بمنزلة الوزير.

وقال ابن كثير: والصحيح أنه ما كان نبيًا ولا ملكًا، وإنما كان ملِكاً صالحًا عادلاً، ملك الأقاليم وقهر أهلها من الملوك وغيرهم، وانقادت له البلاد، مات بمدينة شهر زور، بعدما خرج من الظلمة (لأنه دخل الظلمة والنور في سياحته)، ودُفن فيها.

وفي "التبيان" مدة دوران ذي القرفين في الدنيا خمس مئة، ولما فرغ من بناء السد .. رجع إلى بيت المقدس ومات به، وإنما سُمي بذي القرنين؛ لأنه بلغ قرني الشمس؛ أي: جانبيها مشرقها ومغربها، كما لُقِّب أردشير واضع النرد بطويل اليدين لنفوذ أمره حيث أراد، وفي "القاموس": لما دعاهم إلى الله تعالى، ضربوه على القرن الأيمن، فمات فأحياه الله، ثم دعاهم فضربوه على قرنه الأيسر، فمات ثم أحياه الله، كما سُمي عليُّ بن أبي طالب رضي الله عنه بذي القرنين لما كان شجتان في قرني رأسه، إحداهما من عمرو بن ود، والثانية من ابن ملجم، وفي "قصص الأنبياء": وكان قد رأى في منامه أنه دنا من الشمس، حتى أخذ بقرنيها في شرقها وغربها، فلما قص رؤياه على قومه، سموه به، وقالا السيوطي في "الأوائل": أول من لبس العمامة ذو القرنين، وذلك أنه طلع له في رأسه قرنان كالظلفين، يتحركان، فلبسها من أجل ذلك، ثم إنه دخل الحمام ومعه كاتبه فوضع العمامة وقال لكاتبه: هذا الأمر لم يطلع عليه غيرك، فإن سمعت به

(1) روح البيان.

ص: 29