الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ووبخهم بأن هذا العجل لا يجيبهم إذا سألوه، ولا يملك لهم ضرًا ولا نفعًا في دينهم ولا دنياهم.
التفسير وأوجه القراءة
71
- ولما خاف فرعون أن يكون إلقاء السحرة سجدًا سببًا لاقتداء الناس بهم في الإيمان بالله ورسوله .. ألقى شبهةً في النبي ونبوته فـ {قال} ؛ أي: فرعون للسحرة موبخاً لهم {آمَنْتُمْ} ؛ أي: هل آمنتم {لَهُ} ؛ أي: لموسى وصدقتموه فيما يدعيه، و (اللام): هنا لتضمين الفعل معنى الإتباع وفي "بحر العلوم": {لَهُ} ؛ أي: لربهما، على أن (اللام) بمعنى الباء، كما يدل عليه قوله في سورة الأعراف:{قال آمنتم به قبل أن آذن لكم} و {آمَنْتُمْ} : بالمد على الإخبار، و (الهمزة) الأولى فيه: للاستفهام التوبيخي؛ أي: قال لهم توبيخًا: هل فعلتم هذا الفعل {قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ} أي (1): من غير أن آذن لكم في الإيمان له، وآمركم به كما في قوله تعالى:{لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي} لا أن الإذن لهم في ذلك واقع بعده، أو متوقع، والإذن في الشيء الإعلام بإجازته، وأذنته بكذا وآذنته بمعنًى {إِنَّهُ}؛ أي: إن موسى {لَكَبِيرُكُمُ} ؛ أي: أستاذكم ومعلمكم {الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ} وإنكم تلامذته في السحر، فتوافقتم على أن تظهروا العجز من أنفسكم، ترويحًا لشأنه، وتفخيمًا لأمره، فلا عبرة بما أظهرتموه، قال الكسائي (2): الصبي بالحجاز إذا جاء من عند معلمه .. قال: جئت من عند كبيري، وقال محمد بن إسحاق: إنه لعظيم السحر، قال الواحدي: والكبير في اللغة: الرئيس، ولهذا يقال للمعلم: الكبير، أراد فرعون بهذا القول أن يدخل الشبهة على الناس، حتى لا يؤمنوا، وإلا فقد علم أنهم لم يتعلموا من موسى، ولا كان رئيسًا لهم، ولا بينه وبينهم مواصلة.
والخلاصة (3): أنكم قد فعلتم جريمتين، وارتكبتم إساءتين:
(1) روح البيان.
(2)
الشوكاني.
(3)
المراغي.
1 -
أنكم آمنتم له قبل البحث والتفكير، فإيمانكم لم يكن عن بصيرة وأناة، فلا يُعتد به.
2 -
أنكم تلاميذه في السحر، فتواطأتم على أن تظهروا العجز من أنفسكم، ترويجاً لدعوته، وتفخيمًا لأمره. وبعد أن أورد هذه الشبهة، اشتغل بالتهديد، تنفيرًا لهم من الإيمان، وتحذيرًا لغيرهم عن الاقتداء بهما، فقال:{فَلَأُقَطِّعَنَّ} ؛ أي: فوالله لأقطعن {أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ} حالة كونها {مِنْ خِلَافٍ} ؛ أي: مختلفات في الاسم والصفة؛ لأنها إذا خالف بعضها بعضًا، بأن هذا يد وذاك رجل، وهذا يمين وذاك يسار .. فقد اتصفت بالاختلاف، وتعيين القطع وكيفيته لكونه أفظع من غيره، والمعنى لأقطعن من كل شق طرفًا، وهو أن يقطع اليد اليمنى والرجل اليسرى، لا يدين ولا رجلين، ولا يمنين ولا يسارين، وصيغة (1) التفعيل في قطع: للتكثير، وكذا في الفعل الآتي، والقطع: فصل شيءٍ مدركًا بالبصر كالأجسام، أو مدركًا بالبصيرة كالأشياء المعقولة، و {مِنْ} فيه لابتداء الغاية، أي: ابتداء القطع من مخالفة العضو العضو، لا من وفاقه إياه، وإنما اختار ذلك دون القطع من وفاق لأن فيه إهلاكًا وتفويتًا للمنفعة {وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ}؛ أي: على جذوع النخل وأصولها، زيادةً في إيلامكم، وتشهيرًا بكم، والصلب: الذي هو تعليق الإنسان للقتل، قيل: هو شد صلبه على خشب؛ أي: على أصول النخل في شاطىء النيل.
وأراد بالتقطيع والتصليب في الجذوع (2): التمثيل بهم، ولما كان الجذع مقرًا للمصلوب، واشتمل عليه اشتمال الظرف على المظروف .. عُدّي الفعل بفي التي للوعاء، وقيل:{فِي} : بمعنى على، وقيل: نقر فرعون الخشب، وصلبهم في داخله، فصار ظرفًا لهم حقيقةً، حتى يموتوا فيه جوعًا وعطشًا، ومن تعدية صلب بفي قول الشاعر:
وَهُمْ صَلَبُوْا الْعَبْدِىَّ فِىْ جِذْعِ نَخْلَةٍ
…
فَلَا عَطَسَتْ شَيْبَانُ إِلَّا بِأَجْدَعَا
(1) روح البيان.
(2)
البحر المحيط.