الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الآيات وكذب بها، كما في قوله:{وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا} .
57
- وجملة قوله: {قَالَ} فرعون لموسى خوفاً من أن يتبعه الناس: مستأنفة، واقعة في جواب سؤال مقدر، كأنه قيل: فماذا قال فرعون بعد هذا؟ والهمزة في قوله: {أَجِئْتَنَا} للإنكار لما جاء به موسى من الآيات، والمجيء (1) إما على حقيقته، أو بمعنى الإقبال على الأمر، والتصدي له؛ أي: أجئتنا يا موسى من مكانك الذي كنت فيه بعدما غبت عنا، أو أقبلت علينا {لِتُخْرِجَنَا} معشر القبطيين {مِنْ أَرْضِنَا}؛ أي: من أرض مصر بالغلبة والاستيلاء، {بـ} ما أظهرته من {سِحْرِكَ يَامُوسَى} من العصا واليد، فإن ذلك مما لا يصدر عن العاقل، لكونه من باب محاولة المحال، والسحر: خداع وتخييلات لا حقيقة لها، نحو ما يفعله المشعوذون، من صرف الأبصار عما تفعله بخفة، وما يفعله النمام بقول حرف عائق للأسماع.
وإنما ذكر (2) الملعونُ الإخراجَ من الأرض لتنفير قومه عن إجابة موسى، فإنه إذا وقع في أذهانهم، وتقرر في أفهامهم، أن عاقبة إجابتهم لموسى الخروج من ديارهم وأوطانهم .. كانوا غير قابلين لكلامه، ولا ناظرين في معجزاته، ولا ملتفتين إلى ما يدعو إليه من الخير
58
- و (الفاء) في قوله: {فَلَنَأْتِيَنَّكَ} وفاء الفصيحة، لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر، تقديره: إذا كان الأمر كذلك .. فأقول لك، والله {لنأتينك} {بِسِحْرٍ مِثْلِهِ}؛ أي: بسحر مثل سحرك، فلا تغلب علينا، أي: والله لنعارضنك بمثل ما جئت به من السحر، حتى يتبين للناس أن الذي جئت به سحر يقدر على مثله الساحر {فَاجْعَلْ}؛ أي: صيِّر {بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ} لإظهار السحر {مَوْعِدًا} هو مصدر؛ أي: وعدًا لقوله: {لَا نُخْلِفُهُ} ؛ أي: لا نخلف ذلك الوعد {نَحْنُ وَلَا أَنْتَ} يا موسى، وقيل: المراد بالموعد (3): اسم زمان، وقيل: اسم مكان؛ أي: اجعل لنا يومًا معلومًا، أو مكانًا معلومًا، لا نخلفه، قال القشيري: والأظهر أنه مصدر، ولهذا قال:{لَا نُخْلِفُهُ} والإخلاف: أن تعد شيئًا
(1) روح البيان.
(2)
الشوكاني.
(3)
روح البيان.
ولا تنجزه، وفوَّض تعيين الموعد إلى موسى، إظهارًا لكمال اقتداره على الإتيان بمثل ما أتى به موسى، طال الأمد أم قصر.
وانتصاب {مَكَانًا سُوًى} بفعل مقدر، يدل عليه المصدر لا به، فإنه موصوف، أو على أنه بدل من {مَوْعِدًا} و {سُوًى} بضم السين وكسرها بمعنى: العدل والمساواة؛ أي: عدلنا مكانًا عدلًا بيننا وبينك، وسطًا يستوي طرفاه، من حيث المسافة علينا وعليكم، لا يكون فيه أحد الطرفين أرجح من الآخر، أو مكانًا مستويًا لا يحجب العين ارتفاعه ولا انخفاضه.
وقرأ أبو جعفر وشيبة (1): {لا تخلفه} بجزم الفاء، على أنه جواب الأمر، وقرأ الجمهور: برفعها صفةً لـ {مَوْعِدًا} وقرأ ابن عامر، وحمزة، ويعقوب، والحسن، وقتادة، وطلحة، والأعمش، وابن أبي ليلى، وأبو حاتم، وابن جرير {سُوًى} بضم السين منونًا في الوصل، وقرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، والكسائي: بكسر السين منونًا في الوصل، وقرأ الحسن أيضًا {سوى} بضم السين من غير تنوين في الحالين، أجرى الوصل مجرى الوقف، لا أنه منعه الصرف؛ لأن: فُعَلًا من الصفات، منصرف كحطم ولبدٍ، وقرأ عيسى:{سوى} بكسر السين من غير تنوين في الحالين، أجرى الوصل أيضًا مجرى الوقف، وقرأ أبي (2) بن كعب، وأبو المتوكل، وابن أبي عبلة:{مكانًا سواءً} بالمد والهمزة والنصب والتنوين وفتح السين، وقرأ ابن مسعود: مثله إلا أنه كسر السين، قال أبو عبيدة: هو اسم للمكان النصف فيما بين الفريقين، والمعنى: مكانًا تستوي مسافته على الفريقين، فتكون مسافة كل فريق إليه كمسافة الفريق الآخر، قال (3) أبو علي: كأنه قال: قربه منكم، قربه منا، وقال الأخفش (4):{سوى} مقصورة إن كسرت سينها، أو ضممت، وممدودة إن فتحتها، ثلاث لغات، ويكون فيها جميعًا بمعنى غير، وبمعنى: عدل ووسط بين الفريقين، وقال الشاعر:
(1) البحر المحيط.
(2)
زاد المسير.
(3)
البحر المحيط.
(4)
البحر المحيط.